بطلان تقديم القياس وغيره على الحديث
قال العلامة الألباني - رحمه الله تعالى-
في كتابه "الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام" :
" إن رد الحديث الصحيح بالقياس أو غيره من القواعد التي سبق ذكرها مثل رده بمخالفة أهل المدينة له لهو مخالفة صريحة لتلك الآيات والأحاديث المتقدمة القاضية بوجوب الرجوع إلى الكتاب والسنة عند الاختلاف والتنازع
ومما لا شك فيه عند أهل العلم أن رد الحديث لمثل ما ذكرنا من القواعد ليس مما اتفق عليه أهل العلم كلهم
بل إن جماهير العلماء يخالفون تلك القواعد ويقدمون عليها الحديث الصحيح اتباعا للكتاب والسنة
كيف لا مع أن الواجب العمل بالحديث ولو مع ظن الاتفاق على خلافه أو عدم العلم بمن عمل به
قال الإمام الشافعي في " الرسالة " ( ص 463 / 464 )
: " ويجب أن يقبل الخبر في الوقت الذي ثبت فيه وإن لم يمض عمل من الأئمة بمثل الخبر " .
وقد قال العلامة ابن القيم في " إعلام الموقعين " ( 1 / 32 - 33 ) :
ولم يكن الإمام أحمد رحمه الله تعالى يقدم على الحديث الصحيح عملا ولا رأيا ولا قياسا ولا قول صاحب ولا عدم علمه بالمخالف الذي يسميه كثير من الناس إجماعا ويقدمونه على الحديث الصحيح
[ 41 ]
وقد كذب أحمد من ادعى هذا الإجماع ولم يسغ تقديمه على الحديث الثابت
وكذلك الشافعي أيضا نص في رسالته الجديدة " على أن ما لا يعلم فيه بخلاف لا يقال له إجماع . . .
ونصوص رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل عند الإمام أحمد وسائر أئمة الحديث من أن يقدموا عليها ما توهم إجماع مضمونه عدم العلم بالمخالف
ولو ساغ لتعطلت النصوص وساغ لكل من لم يعلم مخالفا في حكم مسألة أن يقدم جهله بالمخالف على النصوص "
وقال ابن القيم أيضا ( 3 / 464 - 465 ) :
وقد كان السلف الطيب يشتد نكيرهم وغضبهم على من عارض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم برأي أو قياس أو استحسان أو قول أحد من الناس كائنا من كان
ويهجرون فاعل ذلك وينكرون على من ضرب له الأمثال
ولا يسوغون غير الانقياد له صلى الله عليه وسلم والتسليم والتلقي بالسمع والطاعة
ولا يخطر بقلوبهم التوقف في قبوله حتى يشهد له عمل أو قياس أو يوافق قول فلان وفلان
بل كانوا عاملين بقوله تعالى : { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم } وأمثاله ( مما تقدم )
فدفعنا إلى زمان إذا قيل لأحدهم : ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : كذا وكذا يقول : من قال بهذا ؟
دفعا في صدر الحديث ويجعل جهله بالقائل حجة له في مخالفته وترك العمل به ولو نصح نفسه لعلم أن هذا الكلام من أعظم
[ 42 ] الباطل وأنه لا يحل له دفع سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل هذا الجهل
وأقبح من ذلك عذره في جهله إذ يعتقد أن الإجماع منعقد على مخالفة تلك السنة
وهذا سوء ظن بجماعة المسلمين إذ ينسبهم إلى اتفاقهم على مخالفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأقبح من ذلك عذره في دعوى هذا الإجماع وهو جهله وعدم علمه بمن قال بالحديث فعاد الأمر إلى تقديم جهله على السنة والله المستعان
قلت : وإذا كان هذا حال من يخالف السنة وهو يظن أن العلماء اتفقوا على خلافها
فكيف يكون حال من يخالفها إذا كان يعلم أن كثيرا من العلماء قد قالوا بها
وأن من خالفها لا حجة له إلا من مثل تلك القواعد المشار إليها أو التقليد على ما سيأتي في الفصل الرابع
سبب الخطأ في تقديم القياس وأصولهم على الحديث :
ومنشأ الخطأ في تقديمهم القواعد المشار إليها على السنة في نظري إنما هو نظرتهم إلى السنة
أنها في مرتبة دون المرتبة التي أنزلها الله تبارك وتعالى فيها من جهة
وفي شكهم في ثبوتها من جهة أخرى
وإلا كيف جاز لهم تقديم القياس عليها علما بأن القياس قائم على الرأي والاجتهاد وهو معرض للخطأ كما هو معلوم
ولذلك لا يصار إليه إلا عند الضرورة كما تقدم في كلمة الشافعي رحمه الله :
لا يحل القياس والخبر موجود
وكيف جاز لهم تقديم عمل أهل بعض البلاد عليها وهم يعلمون أنهم [ 43 ] مأمورون بالتحاكم إليها عند التنازع كما سلف ؟
وما أحسن قول الإمام السبكي في صدد المتمذهب بمذهب يجد حديثا لم يأخذ به مذهبه ولا علم قائلا به من غير مذهبه :
والأولى عندي اتباع الحديث
وليفرض الإنسان نفسه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وقد سمع ذلك منه أيسعه التأخر عن العمل به ؟
لا والله وكل أحد مكلف بحسب فهمه
قلت : وهذا يؤيد ما ذكرنا من أن الشك في ثبوت السنة هو مما رماهم في ذاك الخطأ
وإلا فلو كانوا على علم بها وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قالها لم يتفوهوا بتلك القواعد فضلا عن أن يطبقوها وأن يخالفوا بها مئات الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا مستند لهم في ذلك إلا الرأي والقياس واتباع عمل طائفة من الناس كما ذكرنا
وإنما العمل الصحيح ما وافق السنة والزيادة على ذلك زيادة في الدين والنقص منه نقص في الدين
قال ابن القيم ( 1 / 299 ) مفسرا للزيادة والنقص المذكورين :
فالأول القياس
والثاني التخصيص الباطل
وكلاهما ليس من الدين
ومن لم يقف مع النصوص فإنه تارة يزيد في النص ما ليس منه ويقول هذا قياس
ومرة ينقص منه بعض ما يقتضيه ويخرجه [44] عن حكمه
ويقول : هذا تخصيص ومرة يترك النص جملة ، ويقول : ليس العمل عليه أو يقول : هذا خلاف القياس أو خلاف الأصول .
( قال ) : ونحن نرى أنه كلما اشتد توغل الرجل في القياس اشتدت مخالفته للسنن ولا نرى خلاف السنن والآثار عند أصحاب الرأي والقياس
فلله كم من سنة صحيحة صريحة قد عطلت به
وكم من أثر درس حكمه بسببه
فالسنن والآثار عند الآرائيين والقياسيين خاوية على عروشها معطلة أحكامها معزولة عن سلطانها
وولايتها لها الاسم ولغيرها الحكم لها السكة والخطبة ولغيرها الأمر والنهي
وإلا فلماذا ترك .
أمثلة من الأحاديث الصحيحة التي خولفت بتلك القواعد :
1 - حديث قسم الابتداء وأن للزوجة حق العقد سبع ليال إن كانت بكرا أو ثلاثا إن كانت ثيبا ثم يقسم بالسوية ؟
2 - وحديث تغريب الزاني غير المحصن
3 - وحديث الاشتراط في الحج وجواز التحلل بالشرط
4 - وحديث المسح على الجوربين
5 - وحديث أبي هريرة ومعاوية بن الحكم السلمي في أن كلام الناسي والجاهل لا يبطل الصلاة
الحديث حجة بنفسه [ جزء 1 - صفحة 45 ]
6 - وحديث إتمام صلاة الصبح لمن طلعت عليه الشمس وقد صلى منها ركعة
[ 45 ]
7 - وحديث إتمام الصوم لمن أكل ناسيا
8 - وحديث الصوم عن الميت
9 - وحديث الحج عن المريض الميئوس من برئه
10 - وحديث القضاء بالشاهد مع اليمين
11 - وحديث قطع يد السارق في ربع دينار
12 - وحديث من تزوج امرأة أبيه ضرب عنقه ويأخذ ماله
13 - وحديث ( لا يقتل مؤمن بكافر )
14 - وحديث ( لعن الله المحلل والمحلل له )
15 - وحديث ( لا نكاح إلا بولي )
16 - وحديث المطلقة ثلاثا لا سكنى لها ولا نفقة
17 - وحديث ( أصدقها ولو خاتما من حديد )
18 - وحديث إباحة لحوم الخيل
19 - وحديث ( كل مسكر حرام )
20 - وحديث : ( ليس فيما دون الخمس أوسق صدقة )
21 - وحديث المزارعة والمساقاة
22 - حديث ذكاة ( 1 ) الجنين وذكاة أمه
23 - وحديث ( الرهن مركوب ومحلوب )
24 - وحديث النهي عن تخليل الخمر
25 - وحديث ( لا تحرم المصة والمصتان )
_________
( 1 ) الذكاة : هي الذبح الشرعي [ 46 ]
26 - وحديث ( أنت ومالك لأبيك )
27 - وحديث الوضوء من لحوم الإبل
28 - وأحاديث المسح على العمامة
29 - وحديث الأمر بإعادة الصلاة لمن صلى خلف الصف وحده
30 - وحديث من دخل والإمام يخطب يوم الجمعة يصلي تحية المسجد
31 - وحديث الصلاة على الغائب
32 - وحديث الجهر بآمين في الصلاة
33 - وحديث جواز رجوع الأب فيما وهب لولده ولا يرجع غيره
34 - وحديث الخروج إلى العيد من الغد إذا علم بالعيد بعد الزوال
35 - وحديث نضح بول الرضيع الذي لم يأكل الطعام
36 - وحديث الصلاة على القبر
37 - وحديث بيع جابر بعيره واشتراط ظهره ( 1 )
38 - وحديث النهي عن جلود السباع
39 - وحديث لا يمنع أحدكم جاره أن يغرز خشبة في جداره
40 - وحديث إذا أسلم وتحته أختان اختار أيتهما شاء
41 - وحديث الوتر على الراحلة
42 - وحديث ( كل ذي ناب من السباع حرام )
43 - وحديث : من السنة وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة ( 2 )
_________
( 1 ) أي ركوبه إلى المدينة وكان ذلك أثناء العودة من غزوة خيبر
( 2 ) يخالف في ذلك المالكية الذين يرون إرسال اليدين
[ 47 ]
44 - وحديث لا تجزيء صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في ركوعه وسجوده
45 - وأحاديث رفع اليدين في الصلاة عند الركوع والرفع منه
46 - وأحاديث الاستفتاح في الصلاة
47 - وحديث : ( تحريمها التكبير وتحلها التسليم )
48 - وحديث حمل الصبية في الصلاة
49 - وأحاديث العقيقة
50 - وحديث : ( لو أن رجلا اطلع عليك بغير إذنك )
51 - وحديث أن بلالا يؤذن بليل
52 - وحديث النهي عن صوم يوم الجمعة
53 - وحديث صلاة الكسوف والاستسقاء
54 - وحديث عسب الفحل
55 - وحديث المحرم إذا مات لم يخمر رأسه لم يقرب طيبا )
قلت : هذه الأحاديث كلها أو جلها إلى أضعافها تركت من أجل القياس أو القواعد التي سبق ذكرها بعضها عزاها ابن حزم للتاركين للسنة من أجل عمل المدينة وإليكم أمثلة أخرى من مخالفة هؤلاء للسنة فمن ذلك مخالفتهم لـ :
1 - حديث قراءته صلى الله عليه وسلم ( بالطور ) في المغرب و ( المرسلات ) في آخر عمره صلى الله عليه وسلم
[ 48 ]
2 - تأمينه صلى الله عليه وسلم بعد الفاتحة
3 - سجوده صلى الله عليه وسلم في { إذا السماء انشقت }
4 - صلاته صلى الله عليه وسلم بالناس جالسا وهم جلوس وراءه . فقالوا : صلاة من صلى كذلك باطلة
5 - حديث أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه ابتدأ بالناس الصلاة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فدخل فجلس إلى جنب أبي بكر رضي الله عنه فأتم عليه السلام الصلاة بالناس . فقالوا : ليس عليه العمل ومن صلى هكذا بطلت صلاته
6 - حديث جمع بين الظهر والعصر ( يعني في المدينة ) في غير خوف ولا سفر ( 1 )
7 - حديث أنه أتى بصبي فبال على ثوبه فدعا بماء فأتبعه إياه ونضحه ولم يغسله
8 - وحديث أنه عليه السلام كان يقرأ في صلاة العيد بسورة ( ق ) و ( اقتربت الساعة )
9 - حديث أنه عليه السلام صلى على سهيل بن بيضاء في المسجد
10 - حديث أنه عليه السلام رجم يهوديين زنيا . فقالوا : لا يجوز رجمهم
11 - حديث أنه صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم
_________
( 1 ) هذا حين وجود الحرج كما يدل عليه جواب ابن عباس رضي الله عنهما لمن سأله : ما أراد بذلك ؟ فقال : أن لا يحرج أمته [ 49 ]
12 - حديث تطيبه صلى الله عليه وسلم لحله قبل أن يطوف بالبيت ( 1 )
13 - أحاديث التسليمتين في الصلاة
إلى غير ذلك من الأحاديث التي خالفوا فيها أوامره صلى الله عليه وسلم التي لو تتبعها المتتبع لربما بلغت الألوف كما قال ابن حزم رحمه الله تعالى
_________
( 1 ) ابن حزم في " الإحكام في أصول الأحكام " ( 2 / 100 ، 105 )
نقلاً عن
لطفـــــــــاً .. من هنـــــــــــــــا
[/size]
قال العلامة الألباني - رحمه الله تعالى-
في كتابه "الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام" :
" إن رد الحديث الصحيح بالقياس أو غيره من القواعد التي سبق ذكرها مثل رده بمخالفة أهل المدينة له لهو مخالفة صريحة لتلك الآيات والأحاديث المتقدمة القاضية بوجوب الرجوع إلى الكتاب والسنة عند الاختلاف والتنازع
ومما لا شك فيه عند أهل العلم أن رد الحديث لمثل ما ذكرنا من القواعد ليس مما اتفق عليه أهل العلم كلهم
بل إن جماهير العلماء يخالفون تلك القواعد ويقدمون عليها الحديث الصحيح اتباعا للكتاب والسنة
كيف لا مع أن الواجب العمل بالحديث ولو مع ظن الاتفاق على خلافه أو عدم العلم بمن عمل به
قال الإمام الشافعي في " الرسالة " ( ص 463 / 464 )
: " ويجب أن يقبل الخبر في الوقت الذي ثبت فيه وإن لم يمض عمل من الأئمة بمثل الخبر " .
وقد قال العلامة ابن القيم في " إعلام الموقعين " ( 1 / 32 - 33 ) :
ولم يكن الإمام أحمد رحمه الله تعالى يقدم على الحديث الصحيح عملا ولا رأيا ولا قياسا ولا قول صاحب ولا عدم علمه بالمخالف الذي يسميه كثير من الناس إجماعا ويقدمونه على الحديث الصحيح
[ 41 ]
وقد كذب أحمد من ادعى هذا الإجماع ولم يسغ تقديمه على الحديث الثابت
وكذلك الشافعي أيضا نص في رسالته الجديدة " على أن ما لا يعلم فيه بخلاف لا يقال له إجماع . . .
ونصوص رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل عند الإمام أحمد وسائر أئمة الحديث من أن يقدموا عليها ما توهم إجماع مضمونه عدم العلم بالمخالف
ولو ساغ لتعطلت النصوص وساغ لكل من لم يعلم مخالفا في حكم مسألة أن يقدم جهله بالمخالف على النصوص "
وقال ابن القيم أيضا ( 3 / 464 - 465 ) :
وقد كان السلف الطيب يشتد نكيرهم وغضبهم على من عارض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم برأي أو قياس أو استحسان أو قول أحد من الناس كائنا من كان
ويهجرون فاعل ذلك وينكرون على من ضرب له الأمثال
ولا يسوغون غير الانقياد له صلى الله عليه وسلم والتسليم والتلقي بالسمع والطاعة
ولا يخطر بقلوبهم التوقف في قبوله حتى يشهد له عمل أو قياس أو يوافق قول فلان وفلان
بل كانوا عاملين بقوله تعالى : { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم } وأمثاله ( مما تقدم )
فدفعنا إلى زمان إذا قيل لأحدهم : ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : كذا وكذا يقول : من قال بهذا ؟
دفعا في صدر الحديث ويجعل جهله بالقائل حجة له في مخالفته وترك العمل به ولو نصح نفسه لعلم أن هذا الكلام من أعظم
[ 42 ] الباطل وأنه لا يحل له دفع سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل هذا الجهل
وأقبح من ذلك عذره في جهله إذ يعتقد أن الإجماع منعقد على مخالفة تلك السنة
وهذا سوء ظن بجماعة المسلمين إذ ينسبهم إلى اتفاقهم على مخالفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأقبح من ذلك عذره في دعوى هذا الإجماع وهو جهله وعدم علمه بمن قال بالحديث فعاد الأمر إلى تقديم جهله على السنة والله المستعان
قلت : وإذا كان هذا حال من يخالف السنة وهو يظن أن العلماء اتفقوا على خلافها
فكيف يكون حال من يخالفها إذا كان يعلم أن كثيرا من العلماء قد قالوا بها
وأن من خالفها لا حجة له إلا من مثل تلك القواعد المشار إليها أو التقليد على ما سيأتي في الفصل الرابع
سبب الخطأ في تقديم القياس وأصولهم على الحديث :
ومنشأ الخطأ في تقديمهم القواعد المشار إليها على السنة في نظري إنما هو نظرتهم إلى السنة
أنها في مرتبة دون المرتبة التي أنزلها الله تبارك وتعالى فيها من جهة
وفي شكهم في ثبوتها من جهة أخرى
وإلا كيف جاز لهم تقديم القياس عليها علما بأن القياس قائم على الرأي والاجتهاد وهو معرض للخطأ كما هو معلوم
ولذلك لا يصار إليه إلا عند الضرورة كما تقدم في كلمة الشافعي رحمه الله :
لا يحل القياس والخبر موجود
وكيف جاز لهم تقديم عمل أهل بعض البلاد عليها وهم يعلمون أنهم [ 43 ] مأمورون بالتحاكم إليها عند التنازع كما سلف ؟
وما أحسن قول الإمام السبكي في صدد المتمذهب بمذهب يجد حديثا لم يأخذ به مذهبه ولا علم قائلا به من غير مذهبه :
والأولى عندي اتباع الحديث
وليفرض الإنسان نفسه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وقد سمع ذلك منه أيسعه التأخر عن العمل به ؟
لا والله وكل أحد مكلف بحسب فهمه
قلت : وهذا يؤيد ما ذكرنا من أن الشك في ثبوت السنة هو مما رماهم في ذاك الخطأ
وإلا فلو كانوا على علم بها وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قالها لم يتفوهوا بتلك القواعد فضلا عن أن يطبقوها وأن يخالفوا بها مئات الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا مستند لهم في ذلك إلا الرأي والقياس واتباع عمل طائفة من الناس كما ذكرنا
وإنما العمل الصحيح ما وافق السنة والزيادة على ذلك زيادة في الدين والنقص منه نقص في الدين
قال ابن القيم ( 1 / 299 ) مفسرا للزيادة والنقص المذكورين :
فالأول القياس
والثاني التخصيص الباطل
وكلاهما ليس من الدين
ومن لم يقف مع النصوص فإنه تارة يزيد في النص ما ليس منه ويقول هذا قياس
ومرة ينقص منه بعض ما يقتضيه ويخرجه [44] عن حكمه
ويقول : هذا تخصيص ومرة يترك النص جملة ، ويقول : ليس العمل عليه أو يقول : هذا خلاف القياس أو خلاف الأصول .
( قال ) : ونحن نرى أنه كلما اشتد توغل الرجل في القياس اشتدت مخالفته للسنن ولا نرى خلاف السنن والآثار عند أصحاب الرأي والقياس
فلله كم من سنة صحيحة صريحة قد عطلت به
وكم من أثر درس حكمه بسببه
فالسنن والآثار عند الآرائيين والقياسيين خاوية على عروشها معطلة أحكامها معزولة عن سلطانها
وولايتها لها الاسم ولغيرها الحكم لها السكة والخطبة ولغيرها الأمر والنهي
وإلا فلماذا ترك .
أمثلة من الأحاديث الصحيحة التي خولفت بتلك القواعد :
1 - حديث قسم الابتداء وأن للزوجة حق العقد سبع ليال إن كانت بكرا أو ثلاثا إن كانت ثيبا ثم يقسم بالسوية ؟
2 - وحديث تغريب الزاني غير المحصن
3 - وحديث الاشتراط في الحج وجواز التحلل بالشرط
4 - وحديث المسح على الجوربين
5 - وحديث أبي هريرة ومعاوية بن الحكم السلمي في أن كلام الناسي والجاهل لا يبطل الصلاة
الحديث حجة بنفسه [ جزء 1 - صفحة 45 ]
6 - وحديث إتمام صلاة الصبح لمن طلعت عليه الشمس وقد صلى منها ركعة
[ 45 ]
7 - وحديث إتمام الصوم لمن أكل ناسيا
8 - وحديث الصوم عن الميت
9 - وحديث الحج عن المريض الميئوس من برئه
10 - وحديث القضاء بالشاهد مع اليمين
11 - وحديث قطع يد السارق في ربع دينار
12 - وحديث من تزوج امرأة أبيه ضرب عنقه ويأخذ ماله
13 - وحديث ( لا يقتل مؤمن بكافر )
14 - وحديث ( لعن الله المحلل والمحلل له )
15 - وحديث ( لا نكاح إلا بولي )
16 - وحديث المطلقة ثلاثا لا سكنى لها ولا نفقة
17 - وحديث ( أصدقها ولو خاتما من حديد )
18 - وحديث إباحة لحوم الخيل
19 - وحديث ( كل مسكر حرام )
20 - وحديث : ( ليس فيما دون الخمس أوسق صدقة )
21 - وحديث المزارعة والمساقاة
22 - حديث ذكاة ( 1 ) الجنين وذكاة أمه
23 - وحديث ( الرهن مركوب ومحلوب )
24 - وحديث النهي عن تخليل الخمر
25 - وحديث ( لا تحرم المصة والمصتان )
_________
( 1 ) الذكاة : هي الذبح الشرعي [ 46 ]
26 - وحديث ( أنت ومالك لأبيك )
27 - وحديث الوضوء من لحوم الإبل
28 - وأحاديث المسح على العمامة
29 - وحديث الأمر بإعادة الصلاة لمن صلى خلف الصف وحده
30 - وحديث من دخل والإمام يخطب يوم الجمعة يصلي تحية المسجد
31 - وحديث الصلاة على الغائب
32 - وحديث الجهر بآمين في الصلاة
33 - وحديث جواز رجوع الأب فيما وهب لولده ولا يرجع غيره
34 - وحديث الخروج إلى العيد من الغد إذا علم بالعيد بعد الزوال
35 - وحديث نضح بول الرضيع الذي لم يأكل الطعام
36 - وحديث الصلاة على القبر
37 - وحديث بيع جابر بعيره واشتراط ظهره ( 1 )
38 - وحديث النهي عن جلود السباع
39 - وحديث لا يمنع أحدكم جاره أن يغرز خشبة في جداره
40 - وحديث إذا أسلم وتحته أختان اختار أيتهما شاء
41 - وحديث الوتر على الراحلة
42 - وحديث ( كل ذي ناب من السباع حرام )
43 - وحديث : من السنة وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة ( 2 )
_________
( 1 ) أي ركوبه إلى المدينة وكان ذلك أثناء العودة من غزوة خيبر
( 2 ) يخالف في ذلك المالكية الذين يرون إرسال اليدين
[ 47 ]
44 - وحديث لا تجزيء صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في ركوعه وسجوده
45 - وأحاديث رفع اليدين في الصلاة عند الركوع والرفع منه
46 - وأحاديث الاستفتاح في الصلاة
47 - وحديث : ( تحريمها التكبير وتحلها التسليم )
48 - وحديث حمل الصبية في الصلاة
49 - وأحاديث العقيقة
50 - وحديث : ( لو أن رجلا اطلع عليك بغير إذنك )
51 - وحديث أن بلالا يؤذن بليل
52 - وحديث النهي عن صوم يوم الجمعة
53 - وحديث صلاة الكسوف والاستسقاء
54 - وحديث عسب الفحل
55 - وحديث المحرم إذا مات لم يخمر رأسه لم يقرب طيبا )
قلت : هذه الأحاديث كلها أو جلها إلى أضعافها تركت من أجل القياس أو القواعد التي سبق ذكرها بعضها عزاها ابن حزم للتاركين للسنة من أجل عمل المدينة وإليكم أمثلة أخرى من مخالفة هؤلاء للسنة فمن ذلك مخالفتهم لـ :
1 - حديث قراءته صلى الله عليه وسلم ( بالطور ) في المغرب و ( المرسلات ) في آخر عمره صلى الله عليه وسلم
[ 48 ]
2 - تأمينه صلى الله عليه وسلم بعد الفاتحة
3 - سجوده صلى الله عليه وسلم في { إذا السماء انشقت }
4 - صلاته صلى الله عليه وسلم بالناس جالسا وهم جلوس وراءه . فقالوا : صلاة من صلى كذلك باطلة
5 - حديث أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه ابتدأ بالناس الصلاة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فدخل فجلس إلى جنب أبي بكر رضي الله عنه فأتم عليه السلام الصلاة بالناس . فقالوا : ليس عليه العمل ومن صلى هكذا بطلت صلاته
6 - حديث جمع بين الظهر والعصر ( يعني في المدينة ) في غير خوف ولا سفر ( 1 )
7 - حديث أنه أتى بصبي فبال على ثوبه فدعا بماء فأتبعه إياه ونضحه ولم يغسله
8 - وحديث أنه عليه السلام كان يقرأ في صلاة العيد بسورة ( ق ) و ( اقتربت الساعة )
9 - حديث أنه عليه السلام صلى على سهيل بن بيضاء في المسجد
10 - حديث أنه عليه السلام رجم يهوديين زنيا . فقالوا : لا يجوز رجمهم
11 - حديث أنه صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم
_________
( 1 ) هذا حين وجود الحرج كما يدل عليه جواب ابن عباس رضي الله عنهما لمن سأله : ما أراد بذلك ؟ فقال : أن لا يحرج أمته [ 49 ]
12 - حديث تطيبه صلى الله عليه وسلم لحله قبل أن يطوف بالبيت ( 1 )
13 - أحاديث التسليمتين في الصلاة
إلى غير ذلك من الأحاديث التي خالفوا فيها أوامره صلى الله عليه وسلم التي لو تتبعها المتتبع لربما بلغت الألوف كما قال ابن حزم رحمه الله تعالى
_________
( 1 ) ابن حزم في " الإحكام في أصول الأحكام " ( 2 / 100 ، 105 )
نقلاً عن
لطفـــــــــاً .. من هنـــــــــــــــا
[/size]