نصيحة هامة إلى جميع الأمة
للعلامة أبي عبد الله عبد العزيز بن عبد الله بن باز
- رحمه الله تعالى -
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحيه وصفوته من خلقه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين أما بعد :
فإن الله جل وعلا خلق الخلق ليعبد وحده لا شريك له وأرسل الرسل هذا الأمر العظيم من أولهم إلى آخرهم وأمر عباده بهذه العبادة فقال تعالى : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ وقال تعالى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ وقال عز وجل : وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ وقال سبحانه : وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ
فالله عز وجل خلق الخلق : الجن والإنس ليعبدوه وحده لا شريك له وأرسل الرسل عليهم الصلاة والسلام لبيان هذه العبادة وإيضاحها للناس فنصيحتي لجميع المسلمين من الذكور والإناث والعرب والعجم والجن والإنس ، نصيحتي للجميع أن يتفهموا هذه العبادة ويتبصروا فيها ، وأن يلتزموا بها ويعملوا بها جملة وتفصيلا ، وأن يحذروا الغفلة عنها والإعراض عنها فإن الإعراض والغفلة من صفات الكفرة قال تعالى : وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ وقال تعالى : وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا فليس هناك أظلم ممن أعرض عن آيات الله وعما خلق له من طاعته وعبادته .
فالنصيحة لجميع المسلمين التفقه في هذه العبادة والتبصر بها ومعرفتها من طريق الكتاب والسنة أي من طريق القرآن العظيم ومن طريق أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم الصحيحة ثم القيام بها : علما وعملا . وهكذا النصح لجميع المكلفين من غير المسلمين في جميع الأرض بأن يدخلوا في الإسلام وأن يعرفوا هذه العبادة ويتفقهوا فيها من طريق القرآن العظيم ومن طريق السنة الصحيحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام هذا هو الواجب على جميع المكلفين من الإنس والجن من الكفرة والمسلمين من اليهود والنصارى والوثنيين وغيرهم . الواجب على جميع المكلفين من الجن والإنس أن يعبدوا الله وأن يدخلوا في الإسلام وأن يلتزموا بالدين الذي بعث الله به نبيه محمدا عليه الصلاة والسلام لأن الله بعثه إلى الناس جميعا جنهم وإنسهم عربهم وعجمهم ذكورهم وإناثهم قال تعالى : قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا وقال عز وجل : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وقال سبحانه : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ
فجميع العالمين من جن وإنس فمن عرب وعجم ومن كفار ومسلمين يجب على أهل العلم دعوتهم ، فمن قبل الدعوة واستقام عليها حصلت له السعادة والرحمة الكاملة والهداية المطلقة والفوز بالجنة والنجاة من النار ومن أعرض عنها واستكبر فله الخيبة والندامة والعاقبة الوخيمة والعذاب الأليم يوم القيامة ، وهذه العبادة التي خلق الثقلان لأجلها هي الحكمة في خلق الجن والإنس وهي الإسلام المذكور في قوله جلا وعلا : إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ فالإسلام هو دين الله الذي بعث الله نبيه عليه الصلاة والسلام لتبليغه وهو الدين المذكور في قوله سبحانه : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا وفي قوله تعالى : إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وفي قوله عز وجل : وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ
فهذه العبادة هي الإسلام سمي عبادة لأنه ذل وخضوع لله سبحانه وسمي هذا الدين الإسلام لأنه خضوع لله وانقياد لأمره سبحانه فالعبد يفعل أوامر الله وينتهي عن نواهيه عن ذل وخضوع وهذا هو الإسلام وهذه هي العبادة خضوعك لله وانقيادك لأوامره وترك نواهيه عن إيمان به سبحانه وعن إخلاص له وعن تعظيم له وعن رغبة فيما عنده هذا هو الإسلام ، يقال أسلم أي ذل وانقاد وأسلم لفلان أي ذل له وانقاد له ، وأسلم لله ذل وانقاد وأطاع وهذه العبادة هي الخضوع لله والذل لله بطاعة أوامره وترك نواهيه سبحانه وتعالى ، يقول العرب طريق معبد يعني مذلل قد وطئته الأقدام وصار معبدا معروفا ويقولون جمل معبد يعني مذلل قد شد عليه ورحل .
فالعبادة عند العرب الذل والخضوع فسمى الله تكاليفه عبادة لأنها تؤدى بالذل والخضوع لله وسماها إسلاما لأنها تؤدى أيضا بالذل والخضوع لله سبحانه فهي إسلام وهي عبادة وسماها تقوى قال تعالى : وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وقال سبحانه : إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ سماها تقوى لأن العبد يفعلها يتقي بها غضب الله ويتقي بها عقابه وهو يفعل أوامر الله وينتهي عن نواهيه مسلما منقادا خاضعا ذليلا يرجو رحمة ربه ويخشى عقابه ويتقي بذلك سوء المنقلب فلهذا سمى الله دينه تقوى وهو إيمان أيضا سمي إيمانا لأنه تصديق لله ولرسوله كما قال تعالى : فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا الآية . وقال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وقال سبحانه : وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وقال تعالى : وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ
فهذه العبادة وهذا الإسلام كلاهما يسمى إيمانا لأنهما إيمان بالله وسوله وتصديق بما أخبر الله به ورسوله وتصديق بأوامر الله وتصديق بما نهى عنه ، فهو إيمان ، ويسمى هدى لأن الله يهدي به من الضلالة ويرشد به إلى أسباب السعادة فهو هدى لمن التزم به واستقام عليه واهتدى به إلى الحق والصواب وسلم من البلاء والشر والفساد كما قال جل وعلا : وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى هذا هو الهدى هو دين الله وهو الإسلام وهو التقوى وهو الإيمان سماه الله إسلاما وإيمانا وسماه الله تقوى كلها أسماء حق وكلها معانيها واضحة فهو هدى من الله يهدي به من يشاء لأداء حقه وترك معصيته وتنفيذ أوامره وترك نواهيه قال تعالى : وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى وقال سبحانه في الفاتحة أعظم سورة : اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ وقال في وصف نبيه صلى الله عليه وسلم : وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
فدين الله هدى ، هدى من الضلالة وهدى من كل سوء وهدى إلى الخيرات وهدى إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال وهدى إلى كل ما يرضي الله سبحانه وتعالى ويقرب لديه وهدى إلى كل ما يباعد عن غضب الله وعقابه وهو أيضا يسمى برا قال تعالى : وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى قال تعالى : إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وقال تعالى : وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ الآية فهو بر لما فيه من الخصال الحميدة والأعمال المجيدة لله عز وجل ولهذا سمي برا لأنه طاعة لله وقيام بحقه وترك لمناهيه فهو بر وهدى بر ورشد إيمان وتقوى فالواجب على جميع العالمين من الجن والإنس من الذكور والإناث من الكفرة والمسلمين أن يلتزموا به فمن دخل فيه يجب أن يلتزم به ويستقيم عليه ويتفقه فيه ومن لم يدخل فيه فالواجب عليه الدخول فيه والتوبة إلى الله مما هو عليه من الباطل والدخول في دين الله الذي هو الإسلام وهو الهدى وهو الإيمان وهو التقوى وهو البر وهو طاعة الله ورسوله وهو الإخلاص لله وهو توحيد الله بترك الإشراك به والقيام بحقه والاستقامة على دينه هذا هو الإسلام وهذا هو البر والتقوى وهذا هو الهدى وهذا هو الإيمان .
وهذا هو دين الله الذي بعث به الرسل وأنزل به الكتب وأنزل به القرآن العظيم وجاءت به السنة الصحيحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ، فأعظم واجب وأهم واجب وألزم واجب أن تعرف هذه الحقيقة وأن تعرف دين الله حتى تعبده وحده وهذا هو معنى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله التي دعا إليها النبي صلى الله عليه وسلم وأرشد إليها فقال صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأني رسول الله وقال صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها فإن من قالها عن إيمان أدى بقية الأمور ومن قالها عن إيمان فقد دخل في العبادة التي خلق لها وجاء بأصلها وأساسها وعليه أن يلتزم مع ذلك بأن يشهد أن محمدا رسول الله وأن يؤمن بكل ما أخبر الله به ورسوله عن المرسلين الماضين وعن كتب الله وعما أخبر الله به في كتابه عن الجنة والنار واليوم الآخر وعن كل ما أخبر الله به ورسوله كله داخل في هذه العبادة ، وفي هذا الإيمان - فالدعوة إلى توحيد الله دعوة إلى الدين كله فإن من دخل في توحيد الله والتزم بالإخلاص لله لزمه أن يؤدي ما أوجبه الله عليه من الحقوق وأن يدع ما حرم الله عليه فهي فروع ومكملات لهذا الأساس - فلابد من توحيد الله والإخلاص له وترك الإشراك به - هذا أول واجب وأهم واجب - ولهذا بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم في أهل مكة وفي غيرهم - كان أول شيء يدعو إليه الدعوة إلى توحيد الله والإخلاص له وترك الإشراك به هذا هو أول واجب وأعظم واجب ، والدعوة الإيمان به وأنه رسول الله حقا - ثم بعد ذلك الدعوة إلى بقية أمور الإسلام من الصلاة وغيرها .
محاضرة ألقاها سماحته في مسجد الأمير متعب بن عبد العزيز بجدة بعد المغرب من يوم الثلاثاء الموافق 30 / 11 / 1413 هـ .
http://www.bin-baz.org.sa/Display.asp?f=bz01260.htm
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
للعلامة أبي عبد الله عبد العزيز بن عبد الله بن باز
- رحمه الله تعالى -
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحيه وصفوته من خلقه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين أما بعد :
فإن الله جل وعلا خلق الخلق ليعبد وحده لا شريك له وأرسل الرسل هذا الأمر العظيم من أولهم إلى آخرهم وأمر عباده بهذه العبادة فقال تعالى : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ وقال تعالى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ وقال عز وجل : وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ وقال سبحانه : وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ
فالله عز وجل خلق الخلق : الجن والإنس ليعبدوه وحده لا شريك له وأرسل الرسل عليهم الصلاة والسلام لبيان هذه العبادة وإيضاحها للناس فنصيحتي لجميع المسلمين من الذكور والإناث والعرب والعجم والجن والإنس ، نصيحتي للجميع أن يتفهموا هذه العبادة ويتبصروا فيها ، وأن يلتزموا بها ويعملوا بها جملة وتفصيلا ، وأن يحذروا الغفلة عنها والإعراض عنها فإن الإعراض والغفلة من صفات الكفرة قال تعالى : وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ وقال تعالى : وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا فليس هناك أظلم ممن أعرض عن آيات الله وعما خلق له من طاعته وعبادته .
فالنصيحة لجميع المسلمين التفقه في هذه العبادة والتبصر بها ومعرفتها من طريق الكتاب والسنة أي من طريق القرآن العظيم ومن طريق أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم الصحيحة ثم القيام بها : علما وعملا . وهكذا النصح لجميع المكلفين من غير المسلمين في جميع الأرض بأن يدخلوا في الإسلام وأن يعرفوا هذه العبادة ويتفقهوا فيها من طريق القرآن العظيم ومن طريق السنة الصحيحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام هذا هو الواجب على جميع المكلفين من الإنس والجن من الكفرة والمسلمين من اليهود والنصارى والوثنيين وغيرهم . الواجب على جميع المكلفين من الجن والإنس أن يعبدوا الله وأن يدخلوا في الإسلام وأن يلتزموا بالدين الذي بعث الله به نبيه محمدا عليه الصلاة والسلام لأن الله بعثه إلى الناس جميعا جنهم وإنسهم عربهم وعجمهم ذكورهم وإناثهم قال تعالى : قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا وقال عز وجل : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وقال سبحانه : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ
فجميع العالمين من جن وإنس فمن عرب وعجم ومن كفار ومسلمين يجب على أهل العلم دعوتهم ، فمن قبل الدعوة واستقام عليها حصلت له السعادة والرحمة الكاملة والهداية المطلقة والفوز بالجنة والنجاة من النار ومن أعرض عنها واستكبر فله الخيبة والندامة والعاقبة الوخيمة والعذاب الأليم يوم القيامة ، وهذه العبادة التي خلق الثقلان لأجلها هي الحكمة في خلق الجن والإنس وهي الإسلام المذكور في قوله جلا وعلا : إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ فالإسلام هو دين الله الذي بعث الله نبيه عليه الصلاة والسلام لتبليغه وهو الدين المذكور في قوله سبحانه : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا وفي قوله تعالى : إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وفي قوله عز وجل : وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ
فهذه العبادة هي الإسلام سمي عبادة لأنه ذل وخضوع لله سبحانه وسمي هذا الدين الإسلام لأنه خضوع لله وانقياد لأمره سبحانه فالعبد يفعل أوامر الله وينتهي عن نواهيه عن ذل وخضوع وهذا هو الإسلام وهذه هي العبادة خضوعك لله وانقيادك لأوامره وترك نواهيه عن إيمان به سبحانه وعن إخلاص له وعن تعظيم له وعن رغبة فيما عنده هذا هو الإسلام ، يقال أسلم أي ذل وانقاد وأسلم لفلان أي ذل له وانقاد له ، وأسلم لله ذل وانقاد وأطاع وهذه العبادة هي الخضوع لله والذل لله بطاعة أوامره وترك نواهيه سبحانه وتعالى ، يقول العرب طريق معبد يعني مذلل قد وطئته الأقدام وصار معبدا معروفا ويقولون جمل معبد يعني مذلل قد شد عليه ورحل .
فالعبادة عند العرب الذل والخضوع فسمى الله تكاليفه عبادة لأنها تؤدى بالذل والخضوع لله وسماها إسلاما لأنها تؤدى أيضا بالذل والخضوع لله سبحانه فهي إسلام وهي عبادة وسماها تقوى قال تعالى : وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وقال سبحانه : إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ سماها تقوى لأن العبد يفعلها يتقي بها غضب الله ويتقي بها عقابه وهو يفعل أوامر الله وينتهي عن نواهيه مسلما منقادا خاضعا ذليلا يرجو رحمة ربه ويخشى عقابه ويتقي بذلك سوء المنقلب فلهذا سمى الله دينه تقوى وهو إيمان أيضا سمي إيمانا لأنه تصديق لله ولرسوله كما قال تعالى : فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا الآية . وقال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وقال سبحانه : وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وقال تعالى : وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ
فهذه العبادة وهذا الإسلام كلاهما يسمى إيمانا لأنهما إيمان بالله وسوله وتصديق بما أخبر الله به ورسوله وتصديق بأوامر الله وتصديق بما نهى عنه ، فهو إيمان ، ويسمى هدى لأن الله يهدي به من الضلالة ويرشد به إلى أسباب السعادة فهو هدى لمن التزم به واستقام عليه واهتدى به إلى الحق والصواب وسلم من البلاء والشر والفساد كما قال جل وعلا : وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى هذا هو الهدى هو دين الله وهو الإسلام وهو التقوى وهو الإيمان سماه الله إسلاما وإيمانا وسماه الله تقوى كلها أسماء حق وكلها معانيها واضحة فهو هدى من الله يهدي به من يشاء لأداء حقه وترك معصيته وتنفيذ أوامره وترك نواهيه قال تعالى : وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى وقال سبحانه في الفاتحة أعظم سورة : اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ وقال في وصف نبيه صلى الله عليه وسلم : وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
فدين الله هدى ، هدى من الضلالة وهدى من كل سوء وهدى إلى الخيرات وهدى إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال وهدى إلى كل ما يرضي الله سبحانه وتعالى ويقرب لديه وهدى إلى كل ما يباعد عن غضب الله وعقابه وهو أيضا يسمى برا قال تعالى : وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى قال تعالى : إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وقال تعالى : وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ الآية فهو بر لما فيه من الخصال الحميدة والأعمال المجيدة لله عز وجل ولهذا سمي برا لأنه طاعة لله وقيام بحقه وترك لمناهيه فهو بر وهدى بر ورشد إيمان وتقوى فالواجب على جميع العالمين من الجن والإنس من الذكور والإناث من الكفرة والمسلمين أن يلتزموا به فمن دخل فيه يجب أن يلتزم به ويستقيم عليه ويتفقه فيه ومن لم يدخل فيه فالواجب عليه الدخول فيه والتوبة إلى الله مما هو عليه من الباطل والدخول في دين الله الذي هو الإسلام وهو الهدى وهو الإيمان وهو التقوى وهو البر وهو طاعة الله ورسوله وهو الإخلاص لله وهو توحيد الله بترك الإشراك به والقيام بحقه والاستقامة على دينه هذا هو الإسلام وهذا هو البر والتقوى وهذا هو الهدى وهذا هو الإيمان .
وهذا هو دين الله الذي بعث به الرسل وأنزل به الكتب وأنزل به القرآن العظيم وجاءت به السنة الصحيحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ، فأعظم واجب وأهم واجب وألزم واجب أن تعرف هذه الحقيقة وأن تعرف دين الله حتى تعبده وحده وهذا هو معنى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله التي دعا إليها النبي صلى الله عليه وسلم وأرشد إليها فقال صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأني رسول الله وقال صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها فإن من قالها عن إيمان أدى بقية الأمور ومن قالها عن إيمان فقد دخل في العبادة التي خلق لها وجاء بأصلها وأساسها وعليه أن يلتزم مع ذلك بأن يشهد أن محمدا رسول الله وأن يؤمن بكل ما أخبر الله به ورسوله عن المرسلين الماضين وعن كتب الله وعما أخبر الله به في كتابه عن الجنة والنار واليوم الآخر وعن كل ما أخبر الله به ورسوله كله داخل في هذه العبادة ، وفي هذا الإيمان - فالدعوة إلى توحيد الله دعوة إلى الدين كله فإن من دخل في توحيد الله والتزم بالإخلاص لله لزمه أن يؤدي ما أوجبه الله عليه من الحقوق وأن يدع ما حرم الله عليه فهي فروع ومكملات لهذا الأساس - فلابد من توحيد الله والإخلاص له وترك الإشراك به - هذا أول واجب وأهم واجب - ولهذا بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم في أهل مكة وفي غيرهم - كان أول شيء يدعو إليه الدعوة إلى توحيد الله والإخلاص له وترك الإشراك به هذا هو أول واجب وأعظم واجب ، والدعوة الإيمان به وأنه رسول الله حقا - ثم بعد ذلك الدعوة إلى بقية أمور الإسلام من الصلاة وغيرها .
محاضرة ألقاها سماحته في مسجد الأمير متعب بن عبد العزيز بجدة بعد المغرب من يوم الثلاثاء الموافق 30 / 11 / 1413 هـ .
http://www.bin-baz.org.sa/Display.asp?f=bz01260.htm
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟