قاعدة سد الذرائع ومحاولة التقليل من شأنها .
للشيخ الدكتور
صالح بن فوزان الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء - عضو اللجنة الدائمة
==========
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
وبعد :
فإن قاعدة سد الذرائع قاعدة معلومة في دين الإسلام ، وإن كان بعض الكُتَّاب يقللون من أهميتها وهي أن كل ما يفضي إلى الحرام فهو حرام ، وقد ذكر الإمام ابن القيم لهذه القاعدة شواهد كثيرة في كتابيه : إعلام الموقعين ، وإغاثة اللهفان من مصائد الشيطان ، حيث ذكر لها تسعة وتسعين شاهدا من الكتاب والسُّنة ، ومن أشد ذلك الذرائع التي تفضي إلى الشرك والكفر أو البدعة ومن أدلتها قوله تعالى : { وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ } فقد حرَّم مسبة الأصنام إذا كانت مسبتها تفضي إلى مسبة الله عز وجل ، وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا } فنهى عن قول (راعنا) لما كان اليهود يقولون هذه الكلمة للرسول صلى الله عليه وسلم ويقصدون بها الرعونة ، وأمر بقول : (انظرنا) بدلا عن (راعنا) سدا للذريعة.
ومن ذلك نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن البناء على القبور وعن الصلاة عندها ، وعن تجصيصها وإنارة المقابر والكتابة عليها ، لأن هذه الأعمال وسيلة إلى عبادة الموتى والتبرك بقبورهم ودعائهم من دون الله ، كما هو الواقع الآن في كثير من البلاد لما خالفوا نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن عمل هذه الأعمال في القبور وعملوها فيها وقعوا في الشرك الأكبر.
ومن ذلك الغلو والتعلق فيما يسمونه الآثار الإسلامية والمحافظة عليها كالمساجد القديمة التي ليس حولها سكان وتعطلت منافعها ، وهناك فئات تطالب ببقائها وترميمها ويسمونها المساجد الأثرية ، مع أن هذا العمل يؤدي إلى تعلق الجهال بالتبرك بها والدعاء والصلاة فيها ، ظنا منهم أن ذلك ينفعهم ويدفع عنهم الضرر ويجلب لهم النفع ، وهو بلا شك من أعظم وسائل الشرك. ولما رأى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قوماً يختلفون إلى الشجرة التي وقعت تحتها بيعة الرضوان في الحديبية أمر بقطعها سداً لذريعة الشرك ، وقال : إنما أهلك من كان قبلكم تتبعهم لآثار أنبيائهم. ولما فتح المسلمون بلاد تستر في المشرق ، وجدوا سريرا عليه ميت يزعمون أنه دانيال النبي وكانوا يتبركون به ويستسقون به المطر ، فأمر الخليفة - رضي الله عنه - بأن يحفر ثلاثة عشر قبراً في المقبرة ، ويدفن ليلا في واحد منها حتى يخفى على الناس مكان قبره ، ليسد عليهم وسيلة الشرك بالتعلق بهذا القبر والتبرك به كما هو الحاصل الآن مع قبور الأولياء والصالحين.
ومن ذلك نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها ، لأن المشركين يسجدون لها في هذين الوقتين فنهى عن الصلاة فيهما ، لمنع التشبه بالمشركين وسدا ومنعا منه لذريعة الشرك.
فصلى الله وسلم على هذا النبي الكريم الذي حمى حمى التوحيد وسد كل الوسائل المفضية إلى الشرك ، ومن ذلك نهيه صلى الله عليه وسلم عن التصوير وتعليق الصور ونصبها تماثيل وتعليقها ، لان ذلك سبب للشرك كما حصل لقوم نوح مع صور الصالحين ، ولليهود مع صورة العجل وقوم إبراهيم مع التماثيل : وقد قال صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - : (لا تدع صورة إلا طمستها ولا قبراً مشرفاً (يعني مرتفعاً) إلا سويته ، ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة - رضي الله عنها - قراما على الجدار فيه تصاوير أبى أن يدخل المبيت حتى أزيل.
ومن بين أظهرنا الآن أناس يدعون إلى إحياء الآثار والبناء عليها ، حتى ان بعضهم يدعو إلى ان تبنى عليها مساجد تخليداً لها دون نظر منهم - هداهم الله - إلى النهي الوارد والتحذير المؤكد عن ذلك ودون تقدير للنتائج التي خافها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته من هذا العمل ودون اعتبار بما حصل للأمم السابقة لما غلت بآثار أنبيائها وعظمائها وما جرها ذلك إليه من الشرك لما غلوا في الأنبياء والصالحين وعظموا آثارهم.
فالواجب على الجميع التقيد بما شرعه الله ورسوله. وترك ما نهى الله عنه ورسوله ، والواجب علينا في حق الانبياء والصالحين محبتهم والاقتداء بهم والسير على نهجهم ، لا العناية بمساكنهم والمواضع التي اقاموا فيها فإن ذلك شر محض نهى الله عنه ونهى عنه رسوله.
قال صلى الله عليه وسلم : (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك). وقال صلى الله عليه وسلم في مرض موته : (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد. يحذر ما صنعوا) ، قالت عائشة رضي الله عنها: ولولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشي ان يتخذ مسجدا .
فصلى الله وسلم وبارك على من بلغ البلاغ المبين وترك أمته على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك - اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه. وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
( اللهم لا تؤاخذني بما يقولون ، واجعلني خيرا مما يظنون ، واغفر لي ما لا يعلمون )
نقلاً عن
لطفـــــــاً .. من هنـــــــــــــــــــا
لطفـــــــاً .. من هنـــــــــــــــــــا