إشكالات وإجابات
أوردها الشيخ العثيمين في شرحه للعقيدة الواسطية
جمع وترتيب/
عبد الله بن حميد الفلاسي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول العالمين، أما بعد:
أضع بين أيدي أخوتي طلبة العلم - وفقني الله وإياهم للعلم النافع والعمل الصالح- بعض الإشكالات التي أوردها الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في شرحه للعقيدة الواسطية مع الإجابة عليها، لما في هذه الإشكالات والإجابات من فوائد عظيمة تعين طالب العلم في الرد على أهل الأهواء والبدع.
والله ولي التوفيق:
الإشكال الأول [1/21]
الجمع بين انفراد الله بالخلق وإثبات الخلق لغير الله
فإن قلت: كيف تجمع بين ما قررت (أي: انفراد الله بالخلق) وبين إثبات الخلق لغير الله، مثل قوله تعالى: ((فتبارك الله أحسن الخالقين)) [المؤمنون: 14]، ومثل قوله صلى الله عليه وسلم في المصورين: "يقال لهم أحيوا ما خلقتم" ومثل قوله تعالى في الحديث القدسي: "ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي"، فكيف تجمع بين قولك: أن الله منفرد بالخلق، وبين هذه النصوص؟
فالجواب:
أن يقال: إن الخلق هو الإيجاد، وهذا خاص بالله تعالى، أما تحويل الشيء من صورة إلى أخرى، فإنه ليس بخلق حقيقة، وإن سمي خلقاً باعتبار التكوين، لكنه في الواقع ليس بخلق تام، فمثلا: هذا النجار صنع من الخشب باباً، فيقال: خلق باباً لكن مادة هذه الصناعة الذي خلقها هو الله عز وجل، لا يستطيع الناس كلهم مهما بلغوا في القدرة أن يخلقوا عود أراك أبداً، ولا أن يخلقوا ذرة ولا أن يخلقوا ذباباً.
واستمع إلى قول الله عز وجل: ((يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب)) [الحج: 73].
((الذين)): اسم موصول يشمل كل ما يدعى من دون الله من شجر وحجر وبشر وملك وغيره، كل الذين يدعون من دون الله ((لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له)) [الحج: 73]، ولو انفرد كل واحد بذلك، لكان عجزه من باب أولى، ((وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه)) [الحج: 73]، حتى الذين يدعون من دون الله لو سلبهم الذباب شيئاً، ما استطاعوا أن يستنقذوه من هذا الذباب الضعيف، ولو وقع الذباب على أقوى ملك في الأرض، ومص من طيبه، لا يستطيع هذا الملك أن يستخرج الطيب من هذا الذباب، وكذلك لو وقع على طعامه، فإذاً الله عز وجل هو الخالق وحده.
--------------------------------------------------------------------------------
الإشكال الثاني [1/23]
الجمع بين انفراد الله بالملك وإثبات الملك لغير الله
فإن قلت: كيف تجمع بين قولك: إن الله منفرد بالملك وبين إثبات الملك للمخلوقين، مثل قوله تعالى: ((أو ما ملكتم مفاتحه)) [النور: 61] ((إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم)) [المؤمنون: 61]؟
فالجواب:
أن الجمع بينهما من وجهين:
الأول: أن ملك الإنسان للشيء ليس عاماً شاملاً، لأنني أملك ما تحت يدي، ولا أملك ما تحت يدك والملك ملك الله عز وجل، فمن حيث الشمول: ملك الله عز وجل أشمل وأوسع، وهو ملك تام.
الثاني: أن ملكي لهذا الشيء ليس ملكاً حقيقياً أتصرف فيه كما أشاء، وإنما أتصرف فيه كما أمر الشرع، وكما أذن المالك الحقيقي، وهو الله عز وجل، ولو بعت درهماً بدرهمين، لم أملك ذلك، ولا يحل لي ذلك، فإذا ملكي قاصر وأيضاً لا أملك فيه شيئاً من الناحية القدرية، لأن التصرف لله، فلا أستطيع أن أقول لعبدي المريض: ابرأ فيبرأ، ولا أستطيع أن أقول لعبدي الصحيح الشحيح: امرض فيمرض، لكن التصرف الحقيقي لله عز وجل، فلو قال له: ابرأ، برأ، ولو قال: امرض. مرض، فإذا لا أملك التصرف المطلق شرعاً وقدراً، فملكي هنا قاصر من حيث التصرف، وقاصر من حيث الشمول والعموم، وبذلك يتبين لنا كيف كان انفراد الله عز وجل بالملك.
وأما التدبير، فللإنسان تدبير، ولكن نقول: هذا التدبير قاصر، كالوجهين السابقين في الملك، ليس كل شيء أملك تدبيره إلا على وفق الشرع الذي أباح لي هذا التدبير. وحينئذ يتبين أن قولنا: "إن الله عز وجل منفرد بالخلق والملك والتدبير": كلية عامة مطلقة، لا يستثنى منها شيء، لأن كل ما أوردناه لا يعارض ما ثبت لله عز وجل من ذلك.
--------------------------------------------------------------------------------
الإشكال الثالث [1/51]
الجمع بين إفراد الله بالألوهية وإثبات الألوهية لغير الله
إذا قال قائل: كيف تقرونها (أي شهادة أن لا إله إلا الله) مع أن الله تعالى يثبت ألوهية غيره، مثل قوله تعالى: ((ولا تدع مع الله إلهاً آخر)) [القصص: 88]، ومثل قوله: ((ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به)) [المؤمنون: 117]، ومثل قوله: ((فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء)) [هود: 101]، ومثل قول إبراهيم: ((أئفكاً آلهة دون الله تريدون)) [الصافات: 86].. إلى غير ذلك من الآيات، كيف تجمع بين هذا وبين الشهادة بأن لا إله إلا الله؟
فالجواب:
أن ألوهية ما سوى الله ألوهية باطلة، مجرد تسمية، ((إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان)) [النجم: 23]، فألوهيتها باطلة، وهي وإن عبدت وتأله إليها من ضل، فإنها ليست أهلا لأن تعبد، فهي آلهة معبودة، لكنها آلهة باطلة، ((ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل)) [لقمان: 30].
--------------------------------------------------------------------------------
الإشكال الرابع [1/52]
الجمع بين أن الفرقة الناجية منصورة إلى قيام الساعة وأن الساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق
وهنا يرد إشكال، وهو أن الرسول عليه الصلاة والسلام أخبر بأن الساعة تقوم على شرار الخلق، وأنه لا تقوم حتى لا يقال: الله الله، فكيف تجمع بين هذا وبين قوله: "إلى قيام الساعة" (أي: أن الفرقة الناجية منصورة إلى قيام الساعة)؟!
والجواب:
أن يقال: إن المراد: إلى قرب قيام الساعة، لقوله في الحديث: "حتى يأتي أمر الله"، أو: إلى قيام الساعة، أي: ساعتهم، وهو موتهم، لأن من مات فقد قامت قيامته، لكن الأول أقرب، فهم منصورون إلى قرب قيام الساعة، وإنما لجأنا إلى هذا التأويل لدليل، والتأويل بدليل جائز، لأن الكل من عند الله.
أوردها الشيخ العثيمين في شرحه للعقيدة الواسطية
جمع وترتيب/
عبد الله بن حميد الفلاسي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول العالمين، أما بعد:
أضع بين أيدي أخوتي طلبة العلم - وفقني الله وإياهم للعلم النافع والعمل الصالح- بعض الإشكالات التي أوردها الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في شرحه للعقيدة الواسطية مع الإجابة عليها، لما في هذه الإشكالات والإجابات من فوائد عظيمة تعين طالب العلم في الرد على أهل الأهواء والبدع.
والله ولي التوفيق:
الإشكال الأول [1/21]
الجمع بين انفراد الله بالخلق وإثبات الخلق لغير الله
فإن قلت: كيف تجمع بين ما قررت (أي: انفراد الله بالخلق) وبين إثبات الخلق لغير الله، مثل قوله تعالى: ((فتبارك الله أحسن الخالقين)) [المؤمنون: 14]، ومثل قوله صلى الله عليه وسلم في المصورين: "يقال لهم أحيوا ما خلقتم" ومثل قوله تعالى في الحديث القدسي: "ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي"، فكيف تجمع بين قولك: أن الله منفرد بالخلق، وبين هذه النصوص؟
فالجواب:
أن يقال: إن الخلق هو الإيجاد، وهذا خاص بالله تعالى، أما تحويل الشيء من صورة إلى أخرى، فإنه ليس بخلق حقيقة، وإن سمي خلقاً باعتبار التكوين، لكنه في الواقع ليس بخلق تام، فمثلا: هذا النجار صنع من الخشب باباً، فيقال: خلق باباً لكن مادة هذه الصناعة الذي خلقها هو الله عز وجل، لا يستطيع الناس كلهم مهما بلغوا في القدرة أن يخلقوا عود أراك أبداً، ولا أن يخلقوا ذرة ولا أن يخلقوا ذباباً.
واستمع إلى قول الله عز وجل: ((يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب)) [الحج: 73].
((الذين)): اسم موصول يشمل كل ما يدعى من دون الله من شجر وحجر وبشر وملك وغيره، كل الذين يدعون من دون الله ((لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له)) [الحج: 73]، ولو انفرد كل واحد بذلك، لكان عجزه من باب أولى، ((وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه)) [الحج: 73]، حتى الذين يدعون من دون الله لو سلبهم الذباب شيئاً، ما استطاعوا أن يستنقذوه من هذا الذباب الضعيف، ولو وقع الذباب على أقوى ملك في الأرض، ومص من طيبه، لا يستطيع هذا الملك أن يستخرج الطيب من هذا الذباب، وكذلك لو وقع على طعامه، فإذاً الله عز وجل هو الخالق وحده.
--------------------------------------------------------------------------------
الإشكال الثاني [1/23]
الجمع بين انفراد الله بالملك وإثبات الملك لغير الله
فإن قلت: كيف تجمع بين قولك: إن الله منفرد بالملك وبين إثبات الملك للمخلوقين، مثل قوله تعالى: ((أو ما ملكتم مفاتحه)) [النور: 61] ((إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم)) [المؤمنون: 61]؟
فالجواب:
أن الجمع بينهما من وجهين:
الأول: أن ملك الإنسان للشيء ليس عاماً شاملاً، لأنني أملك ما تحت يدي، ولا أملك ما تحت يدك والملك ملك الله عز وجل، فمن حيث الشمول: ملك الله عز وجل أشمل وأوسع، وهو ملك تام.
الثاني: أن ملكي لهذا الشيء ليس ملكاً حقيقياً أتصرف فيه كما أشاء، وإنما أتصرف فيه كما أمر الشرع، وكما أذن المالك الحقيقي، وهو الله عز وجل، ولو بعت درهماً بدرهمين، لم أملك ذلك، ولا يحل لي ذلك، فإذا ملكي قاصر وأيضاً لا أملك فيه شيئاً من الناحية القدرية، لأن التصرف لله، فلا أستطيع أن أقول لعبدي المريض: ابرأ فيبرأ، ولا أستطيع أن أقول لعبدي الصحيح الشحيح: امرض فيمرض، لكن التصرف الحقيقي لله عز وجل، فلو قال له: ابرأ، برأ، ولو قال: امرض. مرض، فإذا لا أملك التصرف المطلق شرعاً وقدراً، فملكي هنا قاصر من حيث التصرف، وقاصر من حيث الشمول والعموم، وبذلك يتبين لنا كيف كان انفراد الله عز وجل بالملك.
وأما التدبير، فللإنسان تدبير، ولكن نقول: هذا التدبير قاصر، كالوجهين السابقين في الملك، ليس كل شيء أملك تدبيره إلا على وفق الشرع الذي أباح لي هذا التدبير. وحينئذ يتبين أن قولنا: "إن الله عز وجل منفرد بالخلق والملك والتدبير": كلية عامة مطلقة، لا يستثنى منها شيء، لأن كل ما أوردناه لا يعارض ما ثبت لله عز وجل من ذلك.
--------------------------------------------------------------------------------
الإشكال الثالث [1/51]
الجمع بين إفراد الله بالألوهية وإثبات الألوهية لغير الله
إذا قال قائل: كيف تقرونها (أي شهادة أن لا إله إلا الله) مع أن الله تعالى يثبت ألوهية غيره، مثل قوله تعالى: ((ولا تدع مع الله إلهاً آخر)) [القصص: 88]، ومثل قوله: ((ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به)) [المؤمنون: 117]، ومثل قوله: ((فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء)) [هود: 101]، ومثل قول إبراهيم: ((أئفكاً آلهة دون الله تريدون)) [الصافات: 86].. إلى غير ذلك من الآيات، كيف تجمع بين هذا وبين الشهادة بأن لا إله إلا الله؟
فالجواب:
أن ألوهية ما سوى الله ألوهية باطلة، مجرد تسمية، ((إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان)) [النجم: 23]، فألوهيتها باطلة، وهي وإن عبدت وتأله إليها من ضل، فإنها ليست أهلا لأن تعبد، فهي آلهة معبودة، لكنها آلهة باطلة، ((ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل)) [لقمان: 30].
--------------------------------------------------------------------------------
الإشكال الرابع [1/52]
الجمع بين أن الفرقة الناجية منصورة إلى قيام الساعة وأن الساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق
وهنا يرد إشكال، وهو أن الرسول عليه الصلاة والسلام أخبر بأن الساعة تقوم على شرار الخلق، وأنه لا تقوم حتى لا يقال: الله الله، فكيف تجمع بين هذا وبين قوله: "إلى قيام الساعة" (أي: أن الفرقة الناجية منصورة إلى قيام الساعة)؟!
والجواب:
أن يقال: إن المراد: إلى قرب قيام الساعة، لقوله في الحديث: "حتى يأتي أمر الله"، أو: إلى قيام الساعة، أي: ساعتهم، وهو موتهم، لأن من مات فقد قامت قيامته، لكن الأول أقرب، فهم منصورون إلى قرب قيام الساعة، وإنما لجأنا إلى هذا التأويل لدليل، والتأويل بدليل جائز، لأن الكل من عند الله.