تعليم اللغة العربية الفصحى في رياض الأطفال
"إن التلميذ العربي يشبه الصياد الذي ذهب إلى البحر ونسي شبكة الصيد"
عبد الله الدنان
((تعليم اللغة العربية الفصحى للأطفال بالفطرة قبل سن السادسة وذلك باستغلال القدرات الهائلة المخلوقة لديهم على اكتساب اللغات، قبل أن تضمر هذه القدرة بعد السادسة.
1. الأساس النظري
- كشف العلماء اللغويون النفسيون منذ حوالي أربعين عاما أن الطفل يولد وفي دماغه قدرة هائلة على اكتساب اللغات.
- هذه القدرة الهائلة تمكن الطفل من كشف القواعد اللغوية كشفا إبداعيا ذاتياً، وتطبيق هذه القواعد ومن ثم إتقان اللغة.
- هذه القدرة تمكن الطفل من إتقان لغتين أو ثلاث لغات في آن واحد.
- هذه القدرة الهائلة تبدأ بالضمور بعد سن السادسة وتتغير برمجة الدماغ تغيراً بيولوجيا من تعلم اللغات إلى تعلم المعرفة.
- المفروض، بحسب التطور الخلقي الطبيعي للإنسان، أن يتفرغ الطفل لتعلم المعرفة بعد سن السادسة من العمر، وذلك بعد أن تفرغ لتعلم لغة (أو أكثر) وأتقنها قبل سن السادسة.
- تعلم اللغة بعد سن السادسة عملية شاقة، وتتطلب جهدا كبيرا ويصعب عليها الوصول بالمتعلم إلى مرحلة الإتقان.
- الواقع التعليمي واللغوي للتلميذ العربي يسير سيرا معاكسا لطبيعة الخلق، لأنه: أولاً: لا يتقن لغة المعرفة وهي اللغة العربية، قبل السادسة أي في الفترة الفطرية لتعلم اللغات، وثانيا: لأنه يتعلم لغة المعرفة وهي اللغة العربية بعد بدء ضمور قدرة الدماغ الهائلة على تعلم اللغات فيبذل جهدا كبيرا لتعلم لغة المعرفة كما ينفق وقتا طويلا هو بحاجة ماسة إليه لتعلم المعرفة. وهكذا يبقى ضعيفا في اللغة العربية، وفي فهم المعرفة المكتوبة بهذه اللغة.))
2. التطبيق العملي لتعليم اللغة العربية الفصحى للأطفال بالفطرة قبل سن السادسة :
أ. باسل ولونة
- بدأت التطبيق على ابني باسل وكان عمره سنة واحدة.
- كنت أكلم باسلا بالفصحى، وكانت السيدة دلال عطايا، والدة باسل تكلمه بالعامية.
- أتقن باسل المحادثة بالعربية المعربة، كما أتقن المحادثة بالعامية وعمره ثلاث سنوات وحديثه مسجل على شريط فيديو يمكن مشاهدته.
- كررت التجربة نفسها مع ابنتي لونة التي تصغر باسلا بأربعة أعوام، فأتقنت الفصحى والعامية مثل باسل تماما.
ثامنا: نصائح لمن يريدون تطبيق تعليم الفصحى للأطفال بالفطرة :
1. الطفل في الأسرة
أ. ينبغي أن يكون عمر الطفل دون السادسة، وكلما كان الطفل أصغر كان ذلك أفضل.
ب. تعتمد اللغة العربية الفصيحة المعربة لغة للتواصل الدائم بين الطفل ومن يحادثه.
ج. يمكن أن يتقن الطفل المحادثة باللغة العربية إذا كان هناك شخص واحد من أفراد العائلة يكلم الطفل بالفصحى.
د. يكلم أفراد العائلة الآخرون الطفل بالعامية (اللهجة الدارجة)، وسوف يتقن الطفل المحادثة بالفصحى وبالعامية في آن واحد وذلك كي يتمكن من التواصل مع أفراد المجتمع.
هـ. إذا لجأ الطفل إلى المحادثة بالعامية مع من يكلمه بالفصحى، يقال له: "أنا لا أفهم … أتريد كذا"، ويعاد كلام الطفل بالفصحى.
و. الالتزام الكامل بالفصحى، والإصرار على أن ينتج الطفل العبارة الفصيحة هما المفتاحان للنجاح.
ز. الطفل دون السادسة يبدأ بإنتاج الفصحى والتواصل بها بشكل مقبول خلال فترة ستة أشهر من بدء تعليمه.
"إن التلميذ العربي يشبه الصياد الذي ذهب إلى البحر ونسي شبكة الصيد"
عبد الله الدنان
((تعليم اللغة العربية الفصحى للأطفال بالفطرة قبل سن السادسة وذلك باستغلال القدرات الهائلة المخلوقة لديهم على اكتساب اللغات، قبل أن تضمر هذه القدرة بعد السادسة.
1. الأساس النظري
- كشف العلماء اللغويون النفسيون منذ حوالي أربعين عاما أن الطفل يولد وفي دماغه قدرة هائلة على اكتساب اللغات.
- هذه القدرة الهائلة تمكن الطفل من كشف القواعد اللغوية كشفا إبداعيا ذاتياً، وتطبيق هذه القواعد ومن ثم إتقان اللغة.
- هذه القدرة تمكن الطفل من إتقان لغتين أو ثلاث لغات في آن واحد.
- هذه القدرة الهائلة تبدأ بالضمور بعد سن السادسة وتتغير برمجة الدماغ تغيراً بيولوجيا من تعلم اللغات إلى تعلم المعرفة.
- المفروض، بحسب التطور الخلقي الطبيعي للإنسان، أن يتفرغ الطفل لتعلم المعرفة بعد سن السادسة من العمر، وذلك بعد أن تفرغ لتعلم لغة (أو أكثر) وأتقنها قبل سن السادسة.
- تعلم اللغة بعد سن السادسة عملية شاقة، وتتطلب جهدا كبيرا ويصعب عليها الوصول بالمتعلم إلى مرحلة الإتقان.
- الواقع التعليمي واللغوي للتلميذ العربي يسير سيرا معاكسا لطبيعة الخلق، لأنه: أولاً: لا يتقن لغة المعرفة وهي اللغة العربية، قبل السادسة أي في الفترة الفطرية لتعلم اللغات، وثانيا: لأنه يتعلم لغة المعرفة وهي اللغة العربية بعد بدء ضمور قدرة الدماغ الهائلة على تعلم اللغات فيبذل جهدا كبيرا لتعلم لغة المعرفة كما ينفق وقتا طويلا هو بحاجة ماسة إليه لتعلم المعرفة. وهكذا يبقى ضعيفا في اللغة العربية، وفي فهم المعرفة المكتوبة بهذه اللغة.))
2. التطبيق العملي لتعليم اللغة العربية الفصحى للأطفال بالفطرة قبل سن السادسة :
أ. باسل ولونة
- بدأت التطبيق على ابني باسل وكان عمره سنة واحدة.
- كنت أكلم باسلا بالفصحى، وكانت السيدة دلال عطايا، والدة باسل تكلمه بالعامية.
- أتقن باسل المحادثة بالعربية المعربة، كما أتقن المحادثة بالعامية وعمره ثلاث سنوات وحديثه مسجل على شريط فيديو يمكن مشاهدته.
- كررت التجربة نفسها مع ابنتي لونة التي تصغر باسلا بأربعة أعوام، فأتقنت الفصحى والعامية مثل باسل تماما.
ثامنا: نصائح لمن يريدون تطبيق تعليم الفصحى للأطفال بالفطرة :
1. الطفل في الأسرة
أ. ينبغي أن يكون عمر الطفل دون السادسة، وكلما كان الطفل أصغر كان ذلك أفضل.
ب. تعتمد اللغة العربية الفصيحة المعربة لغة للتواصل الدائم بين الطفل ومن يحادثه.
ج. يمكن أن يتقن الطفل المحادثة باللغة العربية إذا كان هناك شخص واحد من أفراد العائلة يكلم الطفل بالفصحى.
د. يكلم أفراد العائلة الآخرون الطفل بالعامية (اللهجة الدارجة)، وسوف يتقن الطفل المحادثة بالفصحى وبالعامية في آن واحد وذلك كي يتمكن من التواصل مع أفراد المجتمع.
هـ. إذا لجأ الطفل إلى المحادثة بالعامية مع من يكلمه بالفصحى، يقال له: "أنا لا أفهم … أتريد كذا"، ويعاد كلام الطفل بالفصحى.
و. الالتزام الكامل بالفصحى، والإصرار على أن ينتج الطفل العبارة الفصيحة هما المفتاحان للنجاح.
ز. الطفل دون السادسة يبدأ بإنتاج الفصحى والتواصل بها بشكل مقبول خلال فترة ستة أشهر من بدء تعليمه.
===============
السلام عليكم ...
تعليم الاطفال اللغة العربية الفصحى هو جزء من صقل هويتهم واعتزازهم بعربيتهم ....
وقد لاحظت ان بعض برامج الكرتون للاطفال قد نمت بشكل كبير مهارات العربية الفصحى لدى الاطفال ... فيجب تشجيع شركات " الدبلجة " (انتاج الصوت العربي مع افلام الكرتون) بان يرقوا بلغتهم لينعكس ذلك على اطفالنا مع ضرورة القيام بالدور المطلوب منا كما ذكرت الاخت ابيات شعر في مشاركتها...
تعليم الاطفال اللغة العربية الفصحى هو جزء من صقل هويتهم واعتزازهم بعربيتهم ....
وقد لاحظت ان بعض برامج الكرتون للاطفال قد نمت بشكل كبير مهارات العربية الفصحى لدى الاطفال ... فيجب تشجيع شركات " الدبلجة " (انتاج الصوت العربي مع افلام الكرتون) بان يرقوا بلغتهم لينعكس ذلك على اطفالنا مع ضرورة القيام بالدور المطلوب منا كما ذكرت الاخت ابيات شعر في مشاركتها...
===============
أوّلاً : أشكرك أخي الكريم زيد الإسلام، على هذه المشاركة الطّيّبةِ المُفيدَةِ، وإنّها لَـفكرةٌ حَسَنة أن تكونَ وسائلُ الإعلام العربيّ تعملُ على إحياء العربية الفصيحة ، فالأمّة العربية الإسلامية لها من مقوِّماتِ التّوحيدِ أكثرُ ممّا لغيرِها من الأممِ ، و مصيرُ اللّهجاتِ العربيّةِ آيـِلٌ إلى التّوحُّدِ لا التّباعُد ، و هو ما تُثبِته الوقائعُ باستمرارٍ ، و ما تنقلُه التّجاربُ في ميدانِ التّعلُّمِ و التّلقّي، بدْءًا من وسائلِ الإعلامِ السّمعيّةِ و البصريّةِ [وندخِلُ هنا برامج الرّسوم المتحرّكة النّاطقة بالعربية والهادفة تربويا] ، و مرورًا بمجتمَعِ النّاسِ ، ثمّ مؤسّساتِ الدّولة و مؤسّساتِ المجتمعِ المدنيِّ و فعالياتِه ، كالمدرسةِ و الجامعةِ و المؤسّساتِ التّربويّةِ و التّعليميّةِ ، ثمّ الصّحفِ و المجلاّتِ و النّشراتِ و الإعلاناتِ، و مجالِسِ الفكرِ و الأدبِ و المُنْتَدَياتِ، و المؤتَمَراتِ و الاحتِفالاتِ...
وهذه تجارِبُ ، و إن كانَ مقدارُ الفصيحِ منها هزيلاً بالنّسبةِ إلى ما يتلقّاه المتعلّم باللّهجاتِ الدّارجةِ، فإنّها تزيدُ في تقريبِ اللّهجاتِ بعضِها من بعضٍ لضرورةِ التّفاهمِ بين الأقطارِ العربيّةِ . و لا شكّ أنّ اللّغةَ العربيّةَ الفصحى هي الوشيجةُ التي تشدُّ هذه اللّهجاتِ فيما بينها و تُقرِّبُ بعضَها من بعضٍ . ويُتَصَوَّرُ أن يستمرَّ خطُّ التّقارُبِ بين اللّهجاتِ مع مُستقبَل الأيّامِ، فتختفي كثيرٌ من الألفاظِ و التّراكيبِ العامّيةِ ، و يحلُّ محلَّها – بكثرةِ الاستعمالِ والتّداولِ – ألفاظٌ و تراكيبُ عربيّةٌ، و لكنّ شيوعَ العربيّةِ و انتشارَها و حُلولَها محلّ الدّوارِجِ و اللّهجاتِ على مدىً واسِعٍ ، لا يُعْفي المُؤسّساتِ الرّسميّةَ والاجتماعيّةَ و المَجامِعَ العلميّةَ من دوْرِها في نشرِ هذا التّداولِ العريضِ ؛ فهي مُكَلّفَةٌ بتطويعِ الأوضاعِ اللّغويّةِ و تَقويمِها ، و اقتِراحِ خُططٍ عِلْميّةٍ وواقعيّةٍ للتّعريبِ الشّاملِ ، تقومُ على تنميةِ اللّغةِ داخليًّا ، و تهييءِ الأدواتِ و الوَسائلِ التّقنيّةِ التي تُؤَهِّلُها لمهمّةِ التّعريبِ و التّمكينِ للعربيّةِ بينَ اللغاتِ الأخرى وتَحسينِ وضعِها التّعبيريّ و التّداوليّ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
انظر: اللغة وبناء الذّات، د.عبد الرحمن بودرع وآخرون، سلسلة كتاب الأمة القَطَري، ع:101
وكتاب: المقارنة و التّخطيط في البحث اللّساني العربي ، د. عبد القادر الفاسي الفهري . دار توبقال للنّشر، البيضاء-المغرب ، ط.1 / 1998 .
وهذه تجارِبُ ، و إن كانَ مقدارُ الفصيحِ منها هزيلاً بالنّسبةِ إلى ما يتلقّاه المتعلّم باللّهجاتِ الدّارجةِ، فإنّها تزيدُ في تقريبِ اللّهجاتِ بعضِها من بعضٍ لضرورةِ التّفاهمِ بين الأقطارِ العربيّةِ . و لا شكّ أنّ اللّغةَ العربيّةَ الفصحى هي الوشيجةُ التي تشدُّ هذه اللّهجاتِ فيما بينها و تُقرِّبُ بعضَها من بعضٍ . ويُتَصَوَّرُ أن يستمرَّ خطُّ التّقارُبِ بين اللّهجاتِ مع مُستقبَل الأيّامِ، فتختفي كثيرٌ من الألفاظِ و التّراكيبِ العامّيةِ ، و يحلُّ محلَّها – بكثرةِ الاستعمالِ والتّداولِ – ألفاظٌ و تراكيبُ عربيّةٌ، و لكنّ شيوعَ العربيّةِ و انتشارَها و حُلولَها محلّ الدّوارِجِ و اللّهجاتِ على مدىً واسِعٍ ، لا يُعْفي المُؤسّساتِ الرّسميّةَ والاجتماعيّةَ و المَجامِعَ العلميّةَ من دوْرِها في نشرِ هذا التّداولِ العريضِ ؛ فهي مُكَلّفَةٌ بتطويعِ الأوضاعِ اللّغويّةِ و تَقويمِها ، و اقتِراحِ خُططٍ عِلْميّةٍ وواقعيّةٍ للتّعريبِ الشّاملِ ، تقومُ على تنميةِ اللّغةِ داخليًّا ، و تهييءِ الأدواتِ و الوَسائلِ التّقنيّةِ التي تُؤَهِّلُها لمهمّةِ التّعريبِ و التّمكينِ للعربيّةِ بينَ اللغاتِ الأخرى وتَحسينِ وضعِها التّعبيريّ و التّداوليّ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
انظر: اللغة وبناء الذّات، د.عبد الرحمن بودرع وآخرون، سلسلة كتاب الأمة القَطَري، ع:101
وكتاب: المقارنة و التّخطيط في البحث اللّساني العربي ، د. عبد القادر الفاسي الفهري . دار توبقال للنّشر، البيضاء-المغرب ، ط.1 / 1998 .
=================
ثانيا: أشكرك - أخت أبيات شعر - على مشاركتكِ الطّيبة المُفيدَة، وأقول إنّ استثمارَ المعرفة الفطريّة لدى الطّفلِ، في التلقين والتّعليم، له أصلٌ في الأدبيات التّربوية اليونانية ، وهذا ما يؤكّد قيمةَ هذا النّوعِ من الاستثمار، وأقصدُ ههنا الْمُحاوَرَةَ التي جَرَتْ بَيْنَ "سُقْراطَ" وَ "مينون" ، حَوْلَ الْفَتى الْمَمْلوكِ لِمينون، الذي كانَ يُجيبُ عَلى مَسائِلَ حِسابِيَّةٍ بديهِيَّةٍ مِنْ غَيْرِ تَعَلُّمٍ ، وَ أَنَّ الاسْتِفْسارَ هُوَ الذي كانَ يوقِظُ فيهِ الأَجْوِبَةَ . فَقَدْ بَرْهَنَ سُقْراطُ في مُحاوَرَتِهِ لِمينونْ ، أَنَّ الْفَتى الْمَمْلوكَ كانَ يَعْرِفُ مَبادِئَ الْحِسابِ دونَ سابِقِ تَلْقينٍ ، وَ كانَتْ طَريقَتُهُ في الْبَرْهَنَةِ تَتَمَثَّلُ في جَعْلِ الْفَتى يَكْتَشِفُ بِنَفْسِهِ بَراهينَ الْحِسابِ عَنْ طَريقِ سِلْسِلَةٍ مِنَ الأَسْئِلَةِ التي كانَ يُوَجِّهُها إِلَيْهِ، وَ تُثيرُ هذِهِ التَّجْرِبَةُ مُشْكِلَةً ما زالَتْ تُواجِهُنا وَ هِيَ : كَيْفَ تَمَكَّنَ الْفَتى الْمَمْلوكُ مِنْ أَنْ يَكْتَشِفَ صِدْقَ بَراهينِ الْحِسابِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكونَ قَدْ سَبَقَ لَهُ أَنْ عَلِمَها أَوْ تَعَلَّمَها . وَ قَدِ اقْتَرَحَ "أَفْلاطونُ" لِحَلِّ هذِهِ الْمُشْكِلَةِ : أَنَّ الْمَعْرِفَةَ كَانَتْ مَوْجودَةً بِالْقُوَّةِ في ذِهْنِ الْفَتى الْمَمْلوكِ ، وَ أَنَّ سُقْراطَ في مُحاوَرَتِهِ لَمْ يَزِدْ عَلى إيقاظِ هذِهِ الْمَعْرِفَةِ وَ إِثارَتِها مِنْ مَكْمَنِها وَ كُمونِها ، وَ جَعْلِ الْفَتى يَتَذَكَّرُ بِوَساطَةِ الأَسْئِلَةِ .
ولهذه الطّريقةِ نظائرُها في الأدبيات التّربويّة العربية منذ القديم؛ فَقَدْ عَقَدَ أبو محمّد ابنُ حزمٍ الأندلسيُّ في كِتابِهِ «الْفِصَل في الْمِلَلِ وَ الأَهْواءِ وَ النِّحَلِ» بابًا في " ماهِيَةِ الْبَراهينِ الْجامِعَةِ الْموصِلَةِ إِلى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ في كُلِّ ما اخْتَلَفَ فيهِ النّاسُ " ، ذَكَرَ فيهِ أَنَّ الإِنْسانَ يَخْرُجُ إِلى هذا الْعالَمِ ، لا يَذْكُرُ شَيْئًا ، فَلا ذِكْرَ لِلطِّفْلِ حينَ وِلادَتِهِ وَ لا تَمْييزَ إٍلاّ ما لِسائِرِ الْحَيَوانِ مِنَ الْحِسِّ وَ الْحَرَكَةِ الإِرادِيَّةِ فَقَط ، فَهذِهِ إِدْراكاتُ الْحَواسِّ لِمَحْسوساتِها . أَمّا عِلْمُ النَّفْسِ بِالْبَدَهِيّاتِ « فَمِنْ ذلِكَ عِلْمُها بِأَنَّ الْجُزْءَ أَقَلُّ مِنَ الْكُلِّ ؛ فَإِنَّ الصَّبِيَّ في أَوَّلِ تَمْييزِهِ إِذا أَعْطَيْتَهُ تَمْرَتَيْنِ بَكى ، وَ إِذا زِدْتَهُ ثالِثَةً سُرَّ ، وَ هذا عِلْمٌ مِنْهُ بِأَنَّ الْكُلَّ أَكْثَرُ مِنَ الْجُزْءِ ، وَ إِنْ كانَ لا يَنْتَبِهُ لِتَحْديدِ ما يَعْرِفُ مِنْ ذلِكَ . وَ مِنْ ذلِكَ عِلْمُهُ بِأَنَّهُ لا يَجْتَمِعُ الْمُتَضادّانِ ؛ فَإِنَّكَ إِذا وَقَّفْتَهُ قَسْرًا بَكى وَ نازَعَ إِلى الْقُعودِ ، عِلْمًا بِأَنَّهُ لا يَكونُ قائِمًا قاعِدًا مَعًا . وَ مِنْ ذلِكَ عِلْمُهُ بِأَنَّهُ لا يَكونُ جِسْمٌ واحِدٌ في مَكانَيْنِ ؛ فَإِنَّهُ إِذا أَرادَ الذَّهابَ إِلى مَكانٍ مّا فَأَمْسَكْتَهُ قَسْرًا بَكى، وَ قالَ كَلامًا مَعْناهُ : "دَعْني أَذْهَب" ، عِلْمًا مِنْهُ بِأَنَّهُ لا يَكونُ في الْمَكانِ الذي يُريدُ أَنْ يَذْهَبَ إِلَيْهِ ما دامَ في مَكانٍ واحِدٍ ؛ فَإِنَّكَ تَراهُ يُنازِعُ عَلى الْمَكانِ الذي يُريدُ أَنْ يَقْعُدَ فيهِ ، عِلْمًا مِنْهُ بِأَنَّهُ لا يَسَعُهُ ذلِكَ الْمَكانُ مَعَ ما فيهِ ، فَيَدْفَع مَنْ في ذلِكَ الْمَكانِ الذي يُريدُ أَنْ يَقْعُدَ فيهِ ؛ إِذْ يَعْلَمُ أَنَّهُ ما دامَ في الْمَكانِ ما يَشْغَلُهُ فَإِنَّهُ لا يَسَعُهُ وَ هُوَ فيهِ.
وهذه أفكارٌ غنيّةٌ استُثمِرت على مرّ العصورِ لأنّ تعليم َالطّفلِ انطلاقا من معرفتِه الكامنةِ يُنجحُ العمليةَ التّعليميّةَ أكثر من أن يُنجِحها التعليمُ القسريّ الإكراهيّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
انظر: N.CHOMSKY (1988) , [Language and Problems of Knowledge, the Managua Lectures] p:4 .
- اَلْفِصَلُ بَيْنَ الْمِلَلِ وَ الأَهْواءِ وَ النِّحَلِ ، لأَبي مُحَمَّدٍ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْمَعْروفِ بِابْنِ حَزْمٍ الظّاهِرِيِّ ، (الْمُتَوَفّى سَنَةَ 456هـ) بِتَحْقيقِ د. مُحَمَّد إِبْراهيم نَصْر و د. عَبْد الرَّحْمن عُمَيْرَة (ط/دار الْجيلِ ، بَيْروت)
- - « من ظواهر الأشباه و النظائر بين اللغويات العربية و الدرس اللساني المعاصر »، د.عبد الرحمن بودرع، منشورات حَوْلِيّات الآداب والعُلوم الاجتماعيّة ، مجلس النّشر العلمي ، جامعة الكويت ، الحولية : 25، الرِّسالَة : 227، 1426هـ-2005م
ولهذه الطّريقةِ نظائرُها في الأدبيات التّربويّة العربية منذ القديم؛ فَقَدْ عَقَدَ أبو محمّد ابنُ حزمٍ الأندلسيُّ في كِتابِهِ «الْفِصَل في الْمِلَلِ وَ الأَهْواءِ وَ النِّحَلِ» بابًا في " ماهِيَةِ الْبَراهينِ الْجامِعَةِ الْموصِلَةِ إِلى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ في كُلِّ ما اخْتَلَفَ فيهِ النّاسُ " ، ذَكَرَ فيهِ أَنَّ الإِنْسانَ يَخْرُجُ إِلى هذا الْعالَمِ ، لا يَذْكُرُ شَيْئًا ، فَلا ذِكْرَ لِلطِّفْلِ حينَ وِلادَتِهِ وَ لا تَمْييزَ إٍلاّ ما لِسائِرِ الْحَيَوانِ مِنَ الْحِسِّ وَ الْحَرَكَةِ الإِرادِيَّةِ فَقَط ، فَهذِهِ إِدْراكاتُ الْحَواسِّ لِمَحْسوساتِها . أَمّا عِلْمُ النَّفْسِ بِالْبَدَهِيّاتِ « فَمِنْ ذلِكَ عِلْمُها بِأَنَّ الْجُزْءَ أَقَلُّ مِنَ الْكُلِّ ؛ فَإِنَّ الصَّبِيَّ في أَوَّلِ تَمْييزِهِ إِذا أَعْطَيْتَهُ تَمْرَتَيْنِ بَكى ، وَ إِذا زِدْتَهُ ثالِثَةً سُرَّ ، وَ هذا عِلْمٌ مِنْهُ بِأَنَّ الْكُلَّ أَكْثَرُ مِنَ الْجُزْءِ ، وَ إِنْ كانَ لا يَنْتَبِهُ لِتَحْديدِ ما يَعْرِفُ مِنْ ذلِكَ . وَ مِنْ ذلِكَ عِلْمُهُ بِأَنَّهُ لا يَجْتَمِعُ الْمُتَضادّانِ ؛ فَإِنَّكَ إِذا وَقَّفْتَهُ قَسْرًا بَكى وَ نازَعَ إِلى الْقُعودِ ، عِلْمًا بِأَنَّهُ لا يَكونُ قائِمًا قاعِدًا مَعًا . وَ مِنْ ذلِكَ عِلْمُهُ بِأَنَّهُ لا يَكونُ جِسْمٌ واحِدٌ في مَكانَيْنِ ؛ فَإِنَّهُ إِذا أَرادَ الذَّهابَ إِلى مَكانٍ مّا فَأَمْسَكْتَهُ قَسْرًا بَكى، وَ قالَ كَلامًا مَعْناهُ : "دَعْني أَذْهَب" ، عِلْمًا مِنْهُ بِأَنَّهُ لا يَكونُ في الْمَكانِ الذي يُريدُ أَنْ يَذْهَبَ إِلَيْهِ ما دامَ في مَكانٍ واحِدٍ ؛ فَإِنَّكَ تَراهُ يُنازِعُ عَلى الْمَكانِ الذي يُريدُ أَنْ يَقْعُدَ فيهِ ، عِلْمًا مِنْهُ بِأَنَّهُ لا يَسَعُهُ ذلِكَ الْمَكانُ مَعَ ما فيهِ ، فَيَدْفَع مَنْ في ذلِكَ الْمَكانِ الذي يُريدُ أَنْ يَقْعُدَ فيهِ ؛ إِذْ يَعْلَمُ أَنَّهُ ما دامَ في الْمَكانِ ما يَشْغَلُهُ فَإِنَّهُ لا يَسَعُهُ وَ هُوَ فيهِ.
وهذه أفكارٌ غنيّةٌ استُثمِرت على مرّ العصورِ لأنّ تعليم َالطّفلِ انطلاقا من معرفتِه الكامنةِ يُنجحُ العمليةَ التّعليميّةَ أكثر من أن يُنجِحها التعليمُ القسريّ الإكراهيّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
انظر: N.CHOMSKY (1988) , [Language and Problems of Knowledge, the Managua Lectures] p:4 .
- اَلْفِصَلُ بَيْنَ الْمِلَلِ وَ الأَهْواءِ وَ النِّحَلِ ، لأَبي مُحَمَّدٍ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْمَعْروفِ بِابْنِ حَزْمٍ الظّاهِرِيِّ ، (الْمُتَوَفّى سَنَةَ 456هـ) بِتَحْقيقِ د. مُحَمَّد إِبْراهيم نَصْر و د. عَبْد الرَّحْمن عُمَيْرَة (ط/دار الْجيلِ ، بَيْروت)
- - « من ظواهر الأشباه و النظائر بين اللغويات العربية و الدرس اللساني المعاصر »، د.عبد الرحمن بودرع، منشورات حَوْلِيّات الآداب والعُلوم الاجتماعيّة ، مجلس النّشر العلمي ، جامعة الكويت ، الحولية : 25، الرِّسالَة : 227، 1426هـ-2005م
============
إليك هذي :
موقفٌ بديعٌ طريفٌ جرى لي مع طفلي الصَّغير أحمـد حينما كان ابنَ سنتين من العمر، فيه آيةٌ من آياتِ الله سبحانه السَّاطعةِ، الدالَّةِ دلالةً جليَّةً واضحةً على إعجاز كتابه الكريم القُرآن، فقد نشأ أحمـد يكتسبُ اللسانَ العربيَّ المُبين، اكتسابًا فطريًّا؛ وذلك أنني كنتُ أخاطبه به مُذ أقبل إلى الدُّنيا، مطبقًا في ذلك نظريةَ أستاذنا الرَّائد د.عبد الله الدنَّـان حفظه الله، ومتبعًا طريقتَه في تعليم الأطفال اللغة الفُصحى بالفِطرة، وقد نجحت الطريقةُ نجاحًا عظيمًا باهرًا، وكان من أعظم ثمارها تعلُّقُ أحمـد الشديدُ بالقُرآن العظيم كتاب الله المُعجِز، فكان كثيرَ الأُنس به، تطمئنُّ نفسُه بالاستماع إليه والإصغاء لترتيله، لا يفتأُ يطلب إليَّ وإلى أمه أن نقرأَ له من آياته وأن نتلوَه على مِسْمَعَيه .
وكان أحمـد بلغته الطفوليَّة يسمِّي القُرآن: (أُوْدِّه)، فإذا سئم اللعبَ وملَّه قال لي: (بابا أُوْدِّه)، وإذا كان ضيِّقَ الصدر مُنـزعجًا قال لأمه: (ماما أُوْدِّه)، بل كان يذهبُ بمفرده إلى مكتبتي ويأتي بالمصحَف، تنوءُ بثقله يداهُ الغضَّتان، ليقولَ لي أو لأمه، بلهجة حانيةٍ فيها رجاءٌ وتضرُّع: (أُوْدِّه... أُوْدِّه) .
ذاتَ ليلة حُرْت (رجعتُ) إلى الدار متأخِّرًا، فألفيتُ أحمـد في ضيق وبكاء، يتقلَّب في سريره، لا يَقََرُّ له قرار، وأمه إلى جَنبه تحاول أن تهدِّئَ جَنانه لينام، ولكنْ عبثًا تحاول، وقد أعياها حالُه حتى مسَّها اللُّغوب، فعرضتُ عليها أن ترتاحَ وتنامَ، على أن أتولَّى بنفسي تهدئتَه وتنويمَه.
فتيقَّنتُ يقينًا تامًّا قاطعًا، لا ريبَ فيه ولا شكَّ، أن أحمـد بفطرته السَّوية، وبتلقِّيه الفِطري السليم للعربيَّة الفُصحى لغة القُرآن، قادرٌ أن يميِّزَ كلامَ الله المُعجِز من غيره من الكلام، أيًّا كان ذلك الكلام، ومهما علا في سماء الفَصاحة والبيان، ولو أُدِّيَ الأداءَ ذاته، ورُتِّلَ الترتيلَ عينه.
إنها لَلْمعجِزةُ الباقيةُ الخالدةُ لكتاب الله تعالى، لا يُبليها تعاقبُ الليل والنهار، حتى يرثَ الله الأرضَ ومن عليها، ولكن هيهاتَ أن يدركَها إلا من فُطِر على لغة القُرآن، تتشرَّبها نفسُه، وتجري بها عروقُه.
استلقيتُ على ظهري، ووضعتُ صفحةَ خدِّ أحمـد على صدري، وشَرعتُ أُرَبِّتُ ظهرَه وعاتقَه، وهو ماضٍ في بكائه، يبكي بكاءً مُرًّا غير عادي، ثم رفع رأسَه وقال لي بحزم: (بابا أُوْدِّه... بابا أُوْدِّه)، فأخذتُ أقرأ له من آيات القُرآن أطرافًا، حتى هدأت نفسُه، واطمأنَّ جسدُه، وظننتُه قد نام، وما إن هممتُ بالقيام إلى سريري - وكنتُ كالاًّ تعِبًا - حتى عاد إلى البكاء والنَّحيب، يرفعُ بهما عقيرَتَه، ويصرُخ بي بحدَّة: (بابا أُوْدِّه... بابا أُوْدِّه)، فرجعتُ إلى حدائق القُرآن أتخيَّر له من أزاهيرها، عساه يستنشي شَذاها فينامَ قَريرَ العين هانيها، وحقًّا سكن ونام، ولم أكن أشكُّ بتَّةً في أنه استغرق في نوم عميق، وحينما تهيَّأتُ للقيام فاجأني ببكاء شديد، يكاد يبلغُ عَنان السماء، فقلتُ في نفسي: لعلَّ عينًا أصابته بسوء، وقد قال الصَّادق المصدوق: (( العينُ حَقٌّ ))، فوضعتُ يدي على رأسه أَرْقيه، وأدعو له: أُعيذُكَ بكلمات الله التامَّة، من كل شيطانٍ وهامَّة، ومن كل ... فرفع رأسَه وصاح بغضب: (بابا أُوْدِّه أُوْدِّه)، هو لا يريدُ عن القُـرآن بديلاً، حتى الدعاءُ لم يرضَ به، ولم يَطِب له، فعجبتُ لذلك أشدَّ العجب، ووقع في رُوعي أمرٌ، هو: كيف تسنَّى له أن يميِّزَ الدعاءَ من القُـرآن، وهل هو بحق قادرٌ على ذلك، فرأيتُها فرصةً سانحةً لأجرِّبَ أمرًا جديرًا بالتجريب، فرتَّلتُ له بعضَ السُّوَر القصيرة، مجوَّدةً، ملحَّنةً بلحن ما، وختمتُها بسورة الناس، موصولةً بالدعاء المأثور: اللهم ربَّ الناسْ، أذهب الباسْ، اشفِ أنت الشافي... متَّبعًا اللحنَ نفسه، والأداءَ ذاته، وهنا وقعَ ما لم يكن بالحُسبان، فوالله ما إن انتقلتُ من الآيات إلى الدعاء حتى انتفضَ كالمرَّات السابقة ليقولَ لي بحَنَق وغيظ: (بابا أُوْدِّه أُوْدِّه...بابا أُوْدِّه).
بقلم : الأستاذ أيمن ذو الغنى
=============
نقلاً عن
http://www.al-maqha.com./showthread.php?t=1201