من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 13.08.08 11:18
قولٌ على قولٍ
1- قالوا : إذا لم تعلم أين تذهب , فكل الطرق لن تفي بالغرض.
- قلتُ : فَاعْتَبِرَنَّ ياابنَ آدمَ بنبِيِّ اللهِ مُوسى ـ عليه السّلام ـ حينَ تقطّعتْ بهِ وبِقومِه السُّبُل، ورَدّدْ معَهُ كمَا كانَ يُردّد : « كلاَّ إنَّ معِيَ ربّي سيَهْدينِ » [الشعراء /62].
2- قالوا : يوجد دائماً من هو أشقى منك , فابتسمْ.
- قلتُ : بلْ، فاحمَدِ اللهَ، وادْفع عنكَ الظنونَ ولاَ تقلْ كمَا قال الشاعِرُ:
إِذا قيل أَشقى الناسِ زيدٌ فإِنَّما *** عناني بهذا القولِ وَحْدِيَ مَنْ عَنَى
3- قالوا : يظل الرجل طفلاً , حتى تموت أمه , فإذا ماتتْ ، شاخ فجأةً .
- قلتُ : مَعْنى هذا أن حبلَ الحياةِ قصيرٌ جدّاً، ولكنْ، ما بالُ قومٍ همْ في الطّفولة مخلّدون، لاَ يشيخونَ ولاَ يرشُدونَ أبداً !! هكذا تساءلَ أحدُ المتخصّصينَ في طبيعة العقلية العربية.
4- قالوا : عندما تحب عدوك, يحس بتفاهته.
- قلتُ : نعمْ، وهلْ تُثمِرُ المحبّةُ غيرَ الخيْرِ والرّحمةِ ؟ لكنَّ هذا القولَ يحتاجُ إلى تبسيط وتوضيحٍ، فلفظة "عدوّك" لا ينبغِي أن تنسحِبَ على عدُوِّ الدّينِ (غير المؤمن)، فقد نها الله المؤمنين عن موالاة الكفار فقال تعالى «ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوّي وعدوكم أولياءَ تُلقُون إليهم بالمودّة وقد كفروا بما جاءكم من الحقّ) [الممتحنة/1].
5- قالوا : إذا طُعِنتَ من الخلف, فاعلم أنك في المقدمة.
- قلتُ : هذا قولٌ صحيح، فكمْ من عظماء مُقدَّمينَ على أقوامِهم طُعِنُوا من الخلْفِ ؟ فاذكرْ منْهم على سبيل المثال لا الحصر خُلفاءَ رسول الله الراشدينَ : عمرَ بن الخطابِ، وعثمانَ بن عفّانٍ، وعليَّ بن أبي طالبٍ، فكلّهم طعنوا من الخلف كفراً وحقداً ، و لاَ داعيَ للبحثِ عن مزيدِ منَ الأمثلة فهي كثيرة كثيرة. قال الشاعر:
فاِستَعِدّوا فإن للدهر أحداثا *** لها في الأنام طعنٌ وَضربُ
والبيت لابن أسد الفارقي (? - 487 هـ / ? - 1094 م) أبو نصر الحسن بن أسد بن الحسن الفارقي. والفارقي نسبة إلى ميافارقين من مدن الجزيرة المشهورة وهو من مواليد القرن الخامس الهجري لأنه قتل بحران سنة 487 ه ، قال عنه ياقوت الحموي كان نحوياً رأساً وإماماً في اللغة يقتدى به وقد كان ينظم الشعر طبعاً ويتكلف الصنعة فيه ويلتزم ما لا يلزم في مرويه وقوافيه. له كتب منها: شرح اللمع، الإفصاح في شرح أبيات مشكلة، الألغاز، كتاب الحروف، ديوان شعره، الزبد في معرفة كل أحد.
6- قالوا : الكلام اللين يغلب الحق البين.
- قلتُ : وكِذلكَ لسانُ النّاقةِ النّاعِمُ، فإنّه يَلينُ عنده الشّائِكُ والأعْقَدُ. ألمْ ترَ النّاقةَ التي قالتْ لربِّهَا حينَ سألَها: بمَ قضَمتِ هذا الصبّارَ الأشْوَكَ ؟
قالتْ: بهذا اللسانِ الرّطْبِ !!
7- قالوا : كلنا كالقمر .. له جانبٌ مظلمٌ.
- قلتُ : بلْ حَالُنَا أسْوأُ وأمرُّ، فالجَوانِبُ المُظلِمةُ فينَا هيَ أكثرُ منْ واحِدة !! وقديماً قال أبو العَتاهية منَ الوافِرِ:
أَتَطلُبُ صاحِباً لا عَيبَ فيهِ *** وَأَيُّ الناسِ لَيسَ لَهُ عُيوبُ
وحتّى الجانبُ المظلِم في القمر لا تَدومُ ظلمتُه إلاَّ سُويْعات، أمّا عيوبنا ومظالمنا فلاَ تكادُ ترَى لها نهايةً.
8- قالوا : لاَ تتحدى إنساناً ليس لديه ما يخسرُه. - قلتُ : هوَ كَمَيْتَةِ السّامِّ فلا يَنفعُكَ صيْدُهُ ولا يُسلّيكَ تركُهُ.
فنومُك من تحتِ الترابِ مُسَكَّنٌ *** وَنَوْميَ من فوقِ التراب شريدُ.
9- قالوا : العين التي لا تبكي , لا تبصر في الواقع شيئاً.
- قلتُ : ومَا عسَى العين البكّاءةِ أنْ تُبْصِرَ غيرَ المفاجِعِ والكَمدِ ؟ وقالَ الناظمُ :
قالوا دَمعتْ فقلتُ الدّمعُ منْ رمَدِ *** والعينُ ما دَمَعتْ إلاَّ على الكَمَدِ
10- قالوا : المهزوم إذا ابتسم , افقد المنتصر لذة الفوز.
- قلتُ : وليسَ كلُّ مُنْهزِمٍ مهْزومُ ، و إلاَّ كيف تُفسّر تبسُّمَ الشهيدِ حينَ يسْتشهِدُ ؟
11- قالوا : لا خير في يمنى بغير يسار.
- قلتُ : بلِ الخيرُ في كِليْهِما، كلٌّ لِما يُسّرَ له، وكان حريّاً أنْ نقولَ ما قالَه عليّ بن أبي طالبٍ رضيَ اللهُ عنهُ : « لا يُمْنى ولاَ يُسْرى ، فاليمينُ والشّمالُ مَضَلّةٌ، والوُسطى الجادّةُ ، وهذا منهجٌ عليه أمُّ الكتابِ والسّنة وآثارُ النّبوّةِ».
12- قالوا : الجزع عند المصيبة , مصيبة أخرى.
- قلتُ : ألاَ يسْري هذا القولُ على ضاربي الخدودِ ومُشَقّقِي الجُيوبِ الذينَ يجزعون في يوم عاشوراء لذكرى مقتل الحسين بن علي رضيَ اللهُ عنْهما ؟
13- قالوا : الابتسامة كلمة معروفة من غير حروف.
- قلتُ : لكنَّها أحياناً ليستْ كذلكَ ، ألمَ ْ ترَ قولَ الناظِمِ ؟
تَبَسَّم ذاكَ الثَّغْرُ عَنْ ثَغْرِ دَمْعَةٍ *** وَرُبَّ قُطوبٍ كَامِنٍ في التَّبسُّمِ
14- قالوا : أن تكون فرداً في جماعة الأسود خير لك من أن تكون قائداً للنعام.
- قلتُ : للهِ درّ القائلِ:
وَتَعظُمُ في عَينِ الصَغيرِ صِغارُها *** وَتَصغُرُ في عَينِ العَظيمِ العَظائِمُ
15- قالوا : لا تطعن في ذوق زوجتك , فقد اختارتك أولا.
- قلتُ : قولٌ، تلوحُ فيه أموسيّةُ لا تخْفىَ آثارُها.
16- قالوا : لن تستطيع أن تمنع طيور الهم أن تحلق فوق رأسك و لكنك تستطيع أن تمنعها أن تعشش في رأسك.
- قلتُ : عِلُّةُ الاستِطاعةِ أوْ عدمُها مرتبطةٌ هنا بالمَحْسُوسِ لا بالْمَلْمُوسِ.
17- قالوا : تصادق مع الذئاب ... على أن يكون فأسك مستعداً.
- قلتُ : ومنْ أوجهِ هذا الاستِعداد قولُ ابنُ نباتة الجُذامي:
خذْ الحذَرَ من لحظٍ له وذوائبٍُ *** فما هو إلاَّ سحرهُ وحباله
ولإبراهيم صادق، شاعِرُ جبلِ عامل بلبنان، في مثل هذا المعنى:
تَبَسَّم ذاكَ الثَّغْرُ عَنْ ثَغْرِ دَمْعَةٍ *** وَرُبَّ قُطوبٍ كَامِنٍ في التَّبسُّمِ
18- قالوا : ذوو النفوس الدنيئة , يجدون اللذة في التفتيش عن أخطاء العظماء.
- قلتُ : وخيرُ مثالٍ على ذلك ما فعَلَ أبو لهبٍ حين علِمَ بخروج النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ من مكّةَ مهاجراً إلى المدينةِ، وكان لأبي لهبٍ عندَ النّبيّ دينٌ، فقَصَدَ بيتَ النبيّ طالباً مالَه ولسانُ حالِه يقُولُ: ليتَ مُحمّداً يكونَ أخذَ مالِي معهُ فأشهّرَ بهِ بينَ العرب ، لكنَّ اللهَ ورسولَهُ خيّبا آمال أبي لهبٍ، إذْ فُوجئَ في صبيحةِ ذلك اليومِ بعليّ بن أبي طالبٍ يحمِلُ إلى أبي سُفيانَ وديعَةَ أبي لهبٍ.
19- قالوا : إنك تخطو نحو الشيخوخة يوماً مقابل كل دقيقة من الغضب.
- قلتُ : ليسَ وحدَهُ الغضبُ الذي يُعجّل بالشيخوخة، فَخَشْيةُ اللهِ قدْ تفعلُ مَا هوَ أعظمُ منْ ذلك في الأنبياء والتقاة والصالحين، أفلمْ ترَ جواب الرسولِ الأكرمِ لبعض صحابته حينَ سألوه عن سرِّ شيبه المتعجّل فقال : « شيّبتني هودٌ وأخواتُها » ؟
20- قالوا : كن صديقاً , ولا تطمع أن يكون لك صديق.
- قلتُ : نعمْ،
فاخْتَرْ لِنَفْسِكَ مَنْ تُعا *** دي كاخْتِيارِكَ مَنْ تُصادِقْ
إِنَّ الْعَدُوَّ أَخــــو الصَّدِ *** يقِ وَإِنْ تَخــالَفَتِ الطَّرائِقْ
21- قالوا : إن بعض القول فن .. فاجعل الإصغاء فنا.
- قلتُ : نَعَمْ، وكذلكَ قالَ الشاعر:
غنَّى وقالَ لي اصْغ مُسْتمعاً *** إنْ كانَ يحفَظُ قلبَكَ الصّدرُ
والشاعرُ هو جمال الدين محمد بن عبد الله النجفي المالكي، المتوفى سنة 1073 هـ / 1662 م، كان عالماً فاضلاً، وأديباً ماهراً، له شعر جيد يعرب عن مقدرة في النظم وجزالة في اللفظ.
22- قالوا: الذي يولد يزحفُ , لا يستطيع أن يطيرَ.
- قلتُ : تصِحُّ هذه المقولةُ دائماً لأنَّ العامّةَ تقولُ : «فرْخُ البطّ عوّامٌ» يقصدون: يُولَد عوّاماً.
23- قالوا : شق طريقك بابتسامتك خير لك من أن تشقها بسيفك.
- قلتُ : ياسلطانَ زمانِهِ لا تقُلْ "هيَ ذِي مملَكتِي بنَيْتُها بالسّاعِدِ الأشدِّ " ، وقلْ :
ما يَطلُبِ الدَهرُ تُدرِكهُ مَخالِبُهُ *** وَالدَهرُ بِالوِترِ ناجٍ غَيرُ مَطلوبِ
24- قالوا : نحن نحب الماضي لأنه ذهب . ولو عاد لكرهناه.
- قلتُ : هيْهاتَ لهُ أنْ يعُودَ !! وقديماً قالتِ العربُ :
ياأيها النّاسُ سيرُوا إنَّ قصْدَكم *** أن تُصبحُوا ذاتَ يومٍ لا تَسيرونَ
حثُّوا المُطيَّ وأرخُوا أزِمَّتَــــــها *** قبلَ المَمـاتِ واقضُوا مَا تَقْضُونَ
كُنَّا أُناســاً كمَا كُنتمْ فَغيَّرَنـا *** دهْرٌ فأنتُم كمَا كنّا تَكُـــــونونَ
قلْ: واتّعِظْ بقوْلِه تعالى: « أفلمْ يدّبروا القولَ أمْ جاءهُم مَا لمْ يأتِ آباءَهم الأوّلينَ » [المومنون /69].
25- قالوا : قد يجد الجبان 36 حلاً لمشكلته ولكن لا يعجبه سوى حل واحد منها وهو الفرار.
- قلتُ : مهلاً، فالأمرُ مرتبطٌ بطبيعة المشكلة التي تحاصرُ الجبانَ وتأرّقُه، فإنْ كانَ فرارُهُ هذا فراراً منَ اللهِ إليْهِ، فنعمَ الجبنُ ونِعْمَ الحلُّ ، وإنْ كان الأمرُ غيرَ ذلك فقلْ: خِبتَ، ضعُفَ الطالِبُ والمطلوبُ.
26- قالوا : من العظماء من يشعر المرء بحضرته أنه صغير ولكن العظيم بحق هو من يُشعر الجميع في حضرته بأنهم عظماء.
- قلتُ : - العظمةُ عظَمتانِ : عظمةُ المقدرة أو عظمةُ السلطانِ، وهيَ منْ متَاعِ هذه الحياةِ الدنيا التي قدْ يَشرُفُ بهِا الوَضيعُ ولا يَسْلَم عندها الشّريفُ؛ وعظمةُ الخُلُقِ الذي بهِ تتحقّقُ كرامةُ المخلوقينَ، ومنهُ خلقُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسَلّمَ الذي قال فيه تعالى: « وإنّكَ لعلى خُلُقٍ عظيمٍ » ( القلم : 4 ).
27- قالوا : من يطارد عصفورين يفقدهما جميعا.
- قلتُ : ولِشَعْبِ إسْبانيَا مَثَلٌ شهيرٌ في مثل هذا المعنى. يقول :« لَعُصفورٌ واحدٌ باليدِ خيرٌ من مائةٍ مُحلّقةٌ في السماء = Un pajaro en el mano es mejor que cien volando.
28- قالوا : المرأة هي نصف المجتمع وهي التي تلد و تربي النصف الآخر.
- قلتُ : إذاً فلنقُلْ : هيَ المجتمعُ كلُّهُ.
29- قالوا : لكل كلمة أذن , ولعل أذنك ليست لكلماتي , فلا تتهمني بالغموض.
- قلتُ : لعلَّ خيرَ ما يُطابقُ هذه المقولةَ مقُولةٌ أخرى تُنسبُ للقائد الروماني سْكِِيـبْيو الإفريقي (Scipion Africanus) إذْ قال مُخاطباً شعبَه في روما : «Ingrata patria, ne ossa quidem mea habes !!» ومعناها: «أيها الوطن العاقّ، واللهِ إنَّكَ لنْ تَنالَ عظامِي أبداً !!» يريدُ: والله لنْ أعودَ إليك أبداً حتّى لا أموتَ في حضنكَ فأُدفنَ في أرضِك وتسْتَمتِع تُربتُكَ بمصِّ عظامي !! . قالها سكيبيو ، وهو القائد الروماني الذي ظلَّ يحارب القرطاجيين والبربر في إسبانيا وغرب البحر المتوسط وشمال إفريقيا لما يقرب من ثلاثينَ عاماً وقد حقّق انتصاراتٍ كبرى للدولة الرومانية، لكنَّ مجلس شيوخ هذه الأخيرة خذلَهُ وتآمرَ ضدّهُ فحَرمَهُ من الترشُّح لمنصب رئاسة الدولة، ممّأ أغضبَ سكيبيو إلى هذا الحدّ، فقرّر عدم العودةِ إلى وطنِهِ وقال قولتَهُ المشهورةَ تلكَ، وهيَ التي اعتبرَها الأديبُ الروماني شيشرون أبلغَ مقولةٍ في الأدب الروماني القديم ).
30- قالوا : الفشل في التخطيط يقود التخطيط للفشل. - قلتُ : وهذه أيضاً مقولةٌ في غاية الأهمية، وهيَ منبثقةٌ من مفهوم العبارةِ اليونانية [اَلإستراتيجْيا = Strategy] المكوّنة من لفظتين يونانيتين هما: Stratos، وتعني: قلعة المدينة حيث ينزل الحاكم الأعظم، و Agogos، وتعني:بلوغ أمرٍ مستعصٍ ، أو اقتحامُ موقعٍ حصينٍ، أوِ التّمكّن من خصمٍ عنيدٍ ... الخ ، وبذلك يكون معنى " اَلإستراتيجْيا" هو التّخطيط والإجراءُ المُحْكَمانِ اللذانِ يَضْمنانِ لصاحبِهما بلوغَ الغاياتِ المسطّرةِ ويُجَنّبانِهِ الوقوعَ في المحظورِ والفشلَ في تحقيق تلك الغاياتِ.
31- قالوا : لا تجادل الأحمق , فقد يخطئ الناس في التفريق بينكما.
- قلتُ : نعم، وكذلك قال ابنُ بسام البغدادي:
لا تيأسَنْ من اللبيب وإن جفا *** واقطعْ حبالَك من حبالِ الأحمق ِ
فعــداوةٌ من عاقلٍ مــــتجمّل *** أوْلى وأسلمُ من صداقةِ أخرقِ
32- قال الناقل: [هذا] "منقول".
- قُلْتُ : فنِعْمَ النّاقِلُ ونِعمَ المنْقُولُ.
مع تقدير خاص للأخت الأسلمي التي أتاحت لنا فرصة الاطلاع على هذه الحكم والتعليق عليها.
نقلاً عنhttp://www.al-maqha.com./showthread.php?t=1353