[size=24] [b]بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى أله وصحبه ومن اتبع هداه ,أما بعد :
فقد كثر الكلام عن حوار الأديان وعن حرية التعبير وحرية التدين في الصحف والمواقع الفضائية وفى المجالس الخاصة والعامة.
وإذا بحث المسلم عن منشأ هذه الآراء فلا يجده إلا من أعداء الإسلام المتحللين من القيم والعقائد السماوية والأخلاق الرفيعة،ولا يجد له على الأوجه التي يريدونها أي سند من القرآن والسنة ؛إلا ما يُلَبِّسُ به بعض هواة هذه الحريات الذين لا يفرقون بين ما شرعه الله وما منعه من الأقوال والأعمال،ولا بين الحق والباطل ولا بين الهدى والضلال.
وأنا هنا لا أخاطب أعداء الإسلام ؛وإنما أخاطب من رضي بالله رباً ومشرعاً ورضي بالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً أو من يدعي ذلك.
- فأقول :
1 - إن الحرية الصحيحة إنما هي في الإسلام دين الله الحق الذي جاء لإخراج الناس من الظلمات إلى النور،من ظلمات الجهل والكفر والشرك والرذائل الأخلاقية إلى نور الإسلام الذي حوى التوحيد : إفراد الله الخالق الرازق المحيي المميت الذي له صفات الكمال ونعوت الجلال،إفراده وحده بالعبادة والتوجه إليه بالمطالب كلها واللجوء إليه وحده عند الشدائد والكروب.
والكفر بالطواغيت التي اتخذها ضُلال الناس آلهة وأنداداً لله ,يعبدونها ويخضعون ويخشعون لها من البشر ومن الأحجار والأشجار والحيوانات،وغيرها من المخلوقات سواء الأحياء منهم والأموات،فهذه هي الحرية الصحيحة وهذا هو التحرير الصحيح ؛أن يتحرر الإنسان الذي كرمه الله من العبودية لكل ما سوى الله.
فهل من شرع للناس هذه الحريات وينادون بها ارتفعوا بالناس إلى هذا المستوى الرفيع الذي يليق بكرامة الإنسان ؟.
- الجواب :
لا وكلا إنهم يريدون أن يبقى الناس يرسفون في أغلال هذه العبوديات المذلة يعبد كل
إنسان ما يريد ويتدين بما يهواه،من الأديان الباطلة التي بعث الرسل كلهم لإبطالها وهدمها وتطهير الأرض وتحرير العباد والعقول والعقائد والأخلاق منها.
ولن يتحرر الناس شعوباً وحكومات ؛إلا باتباع دين الله وتشريعاته العادلة الحكيمة التي تحفظ للناس دينهم الذي شرعه الله ,وتحفظ لهم عقولهم وكرامتهم وأعراضهم ودماءهم وأنسابهم وأموالهم وتضمن لهم الأمن الحقيقي والسلام الحقيقي،وتقضي على الفوضى في التشريعات والأخلاق الرذيلة المتحللة.
وتغرس في نفوس الناس العقائد الصحيحة والعبادات الصحيحة والسياسات العادلة.
وتغرس في نفوسهم الأخلاق الزكية،من الصدق والأمانة والعدل والحلم والكرم والرجولة والشجاعة،والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
وتكرِّه إلى النفوس الكفر والفسوق والعصيان والفواحش بالأقوال والأفعال.
فهل تجد في الدعوات إلى هذه الحريات شيئاً من هذه التشريعات الربانية التي فيها الزكاء والنقاء والبناء.
وفيها التحرر من الشرك بالله والعبودية لغير الله ممن لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً ؟!
والتحرر فيها من الأخلاق الساقطة والأقوال الباطلة،والتحرر من الفوضى والهمجية في الدين والأخلاق.
الأمور التي تشرعها وتقرها الدعوات إلى حرية التدين وإلى حرية التعبير وإلى أخوة الأديان:
أيها المسلمون خذوا دينكم بجد وقوة وعزيمة صادقة وعضوا عليه بالنواجذ,وارفضوا هذه الدعوات الباطلة التي اخترعها أعداء الله من شياطين البشر،والتي لا هدف لها ولا غاية لها إلا هدم الإسلام،وما فيه من عقائد عظيمة وأخلاق وعبادات زكية وإخراج الناس من عبادة الله وتعظيم رسالاته ورسله إلى عبادة الشيطان والهوى والأشجار والأحجار وغيرها من المخلوقات والمنحوتات وإلى اتباع الشهوات والسقوط في حمأة الرذائل فاعتصموا بالله جميعاً،واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا وكونوا عباد الله إخوانا وعلى الحق وضد الباطل أعوانا.
واجعلوا آيات التوحيد نصب أعينكم وغاية الغايات من حياتكم،ومن هذه الآيات قوله تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ ) ( الذاريات : 56-57).
وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُم لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ) (البقرة : 21-22).
وقوله تعالى : ( وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ ) ( البينة : 5).
والآيات في هذا الباب كثيرة فاحفظوها،وافقهوها وطبقوها في حياتكم واجعلوها دروعاً وسدوداً في وجه الدعوات الباطلة ؛بل ادعوهم ليؤمنوا ويعملوا بها وحرروهم وانتشلوهم من وهدة الضلال وظلماته ومخازيه ومن العبوديات لغير الله.
2 - يجب على جميع المسلمين أن يتذكروا وأن يعتقدوا في قرارة أنفسهم أن الله لم يخلقهم هملاً لا يأمرهم ولا ينهاهم فيختار كل إنسان ما يهواه.
قال تعالى : ( أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى ) (القيامة : 36) ,
وقال تعالى : ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ ) ( المؤمنون : 115).
وقال تعالى : ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ) (ص: 27).
فلا يظن بالله هذا الظن السيء من أن الله خلقنا سدى وهملاً،وأن الله خلق السماء والأرض وما بينهما بغير حكمة ولا غاية،إلا الكفار الذين لا يتبعون رسله ولا يصدقون أخباره ووعده ووعيده ولا يحترمون تشريعاته،ولا ينقادون لأوامره ولا يجتنبون نواهيه ولا يحرِّمون ما حرمه،لا يظن هذا الظن السيء ولا يتمرد هذا التمرد إلا الكفار الذين أعد الله لهم النار خالدين فيها وبئس القرار،فهل يعتبر ويعقل وينظر في العواقب من يركض وراءهم ويدعو إلى سلوك مناهجهم بل ويزهو بها ؟
أولئك الدعاة على أبواب جهنم الذين حذَّر منهم رسولنا الناصح الأمين صلى الله عليه وسلم،فيجب على علماء الإسلام التحذير منهم ومن دعواتهم وأن يكشفوا عوارها ويهتكوا أستارها بالحجج والبراهين.
3 - يجب على الناس جميعاً أن يعتقدوا أنِّ حق التشريع لله وحده لا يملكه ولا شيئاً منه أحدٌ غيره
قال تعالى : ( إِنِ الحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ) (يوسف : 40).
وقال تعالى : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ) (الإسراء:23)
وقال تعالى ( وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ) (الشورى:10)
وقال تعالى :( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ) (الشورى:21)
وقال تعالى : ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ )
(الأعراف :33)
وقال تعالى : ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ) (لأعراف:157)
والديمقراطية - وما ينشأ عنها من القول بحرية التدين وحرية الرأي وحرية التعبير- تبيح التشريع لغير الله وتبيح الشرك بالله والكفر به وتبيح الفواحش ما ظهر منها وما بطن وتبيح الإثم والبغي إلى أبعد الحدود وتبيح القول على الله بغير علم وتبيح الجدال بالباطل ليدحضوا به الحق،كما قال الله عن أسلافهم: ( كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ) (غافر:5).
ويجب على المسلمين أن يعتقدوا أن الله لم يشرع لهم إلا ما ينفعهم ويصلح قلوبهم وأحوالهم وحياتهم ويسعدهم في الدنيا والآخرة،ولم يحرم عليهم من الأقوال والأعمال والأخلاق والمآكل والمشارب والمناكح إلا ما يضرهم ويفسد قلوبهم وأخلاقهم وحياتهم فما من خير وكمال إلا شرعه الله لهذه الأمة،وما من شرٍّ وضرر وضلال وظلم وبغي إلا حرمه ,قال تعالى : ( مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ) ( الأنعام : 38)
وقال تعالى : ( اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً ) ( المائدة : 3 ).
فماذا يريد من يدَّعي الإسلام ثم يركض وراء أعدائه مطالباً بالديمقراطية داعياً إلى حرية التعبير وحرية التدين ووحدة الأديان والمساواة بينها،ولسان حاله يقول : إنَّ الكمال كل الكمال في غير الإسلام وعند أعدائه فتلك هي الحضارة الراقية والمبادئ السامية التي يجب على أمة الإسلام أن تستضيء بها،وتدور في فلكها وتنسج على منوالها.
هذا مع العلم أن هؤلاء المغترون والغارون بها لا يأخذون من هذه الحضارة إلا الضار المهلك ؛الذي لا يزيدهم ومن يقلدهم إلا خساراً وبواراً وانحداراً.
فمن أكبر المهانات والصغار والذل والانحراف عن الإسلام وعقائده ومناهجه أن نقلد أعداء الله ورسله ودينه في تشريعاتهم وقوانينهم وقواعدهم وأخلاقهم،بدلاً عن التمسك بديننا والاعتزاز بما تضمنه من عقائد صحيحة وتشريعات حكيمة ومناهج وأخلاق عالية.
وبدل أن ندعوهم إلى الارتفاع إلى ما تسنمه الإسلام وأهله الذين فهموه والتزموه وطبقوه من قمم عالية ؛يهبط كثير من المسلمين إلى حضيض جهلهم وضلالهم ومستنقعاتهم،فيتعلق بالديمقراطية ويحاكم إليها وإلى ما انبثق عنها من قوانين وتشريعات جاهلية في أعظم قضايا الإسلام ويطلب مساواة الإسلام بالأديان الكافرة،ويطلب إنصاف الرسول الكريم انطلاقاً من هذه الديمقراطية التي شرعها اليهود والنصارى والملاحدة لإذلال المسلمين وللقضاء على تشريع رب العالمين.
يا معشر المسلمين المبهورين ( ما لكم كيف تحكمون ) وأين عقولكم ؟!
ولماذا لا تسمعون لصيحات علمائكم وعقلائكم وحكمائكم ؟!
إن الأمر والله لخطير إن لم يتدارك الله هذه الأمة،وإن لم يضاعف العلماء والحكماء والعقلاء جهودهم في صد هذه التيارات الجارفة التي تمتلك كل الوسائل الشريرة والمدمرة التي تهدف إلى اكتساح المجتمعات الإسلامية،والقضاء على الإسلام والرمي بأمة الإسلام بعيداً عن دينهم.
4 – يجب على المسلمين أن يعتزُّوا بدينهم العظيم الذي شرع لهم ضبط الأقوال والأفعال في جميع شؤونهم الدينية والدنيوية ليُجَنِّبَهُمْ المخازي والرذائل والمهالك والظلم والبغي والعدوان.
قال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ) أي : في الأقوال والأفعال،فهل يوجد مثل هذا التشريع في حضارة الغرب وديمقراطيتها ؟ لا والله لا يوجد فيها العدل والإحسان والنزاهة وإنما الظلم والطغيان ولا يوجد فيها النهي عن الفحشاء والمنكر بل تشرع لهم ذلك وتحميه باسم حق الحريات.
وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ ) الآية ( الحجرات:12).
انظر كيف يحمي الأعراض من السخرية والاستهزاء ومن التنابز بالألقاب وكيف يقبح هذه الأفعال ويذمُّها ,وكيف يحمي الأعراض من الغيبة ويشبه من يفعل ذلك بمن يأكل لحم البشر ميتاً تقبيحاً لها وتنفيراً منها.
فهل يوجد مثل هذا في حضارة الغرب وديمقراطيته وما نشأ عنها من تشريعات؟
لا والله لا يوجد،كيف يوجد مثل هذا في ديمقراطية تبيح في تشريعاتها كلَّ المحرمات بما فيها الزنا واللواط والخمر والربا والتحلل من الأخلاق العالية !
وما هو شرٌّ من ذلك ,وتحارب دين الله الحق بل تكفر به وتسعى جاهدة للإجهاز عليه في عقر داره.
وقال تعالى : ( ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفَاءَ لله غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِه وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ * ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القُلُوبِ )
( الحج : 30-32)
فهل تجد في حضارة الغرب وديمقراطيتها تعظيماً لحرمات الله وتعظيماً لشعائره ؟
وهل فيها تشريعات صارمة باجتناب الرجس من الأوثان واجتناب قول الزور ؟!
وهل يوجد فيها أدنى تحذير من الشرك بالله وبيان خطورته ؟
كلا والله ما فيها إلا الدعوة إلى الكفر والشرك وحماية الرجس من الأوثان وإباحة قول الزور والكفر والفواحش باسم حرية التدين وقداسة الأديان وحرية التعبير !.
ومن عنده احترام للإسلام فليخجل من المناداة بالديمقراطية والتحاكم إليها باسم حرية الأديان وتقديس الأديان التي بعث الله الرسل بهدمها.
والشاهد أنَّ في الإسلام العدل في الأقوال والأعمال والمعتقدات وضبط أقوال العباد ومعتقداتهم وأعمالهم.
وفي حضارة الغرب وديمقراطيتها الفوضى الدينية والأخلاقية باسم الحريات والمساواة الكاذبة بين الحق والباطل،بل بترجيح الباطل على الحق ! والكفر والشرك على التوحيد والإيمان ؛بل بالسعي الجاد في القضاء على التوحيد والإيمان وما يتبعهما !
ومما جاء في الإسلام من ضبط الأقوال،قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ) (الأحزاب70-71).
انظر إلى قوله تعالى : ( وقولوا قولاً سديداً ) وما فيه من الأمر بضبط الأقوال المناقض للفوضى الديمقراطية التي تبيح للإنسان أن يقول ويفعل ما يشاء باسم حرية التعبير ولو كان سبَّاً للأنبياء وسخرية بهم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ". ( [1])
وقال صلى الله عليه وسلم : " إنَّ العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب " ([2])
قوله: "ما يتبين ما فيها " معناه : لا يتدبرها ويفكر في قبحها ولا يخاف ما يترتب عليها وهذا كالكلمة عند السلطان وغيره من الولاة وكالكلمة تقذف،أو معناه كالكلمة التي يترتب عليها إضرار بمسلم ونحو ذلك وهذا كله حث على حفظ اللسان " ([3])
ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن قيل وقال وكثرة السؤال.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى أله وصحبه ومن اتبع هداه ,أما بعد :
فقد كثر الكلام عن حوار الأديان وعن حرية التعبير وحرية التدين في الصحف والمواقع الفضائية وفى المجالس الخاصة والعامة.
وإذا بحث المسلم عن منشأ هذه الآراء فلا يجده إلا من أعداء الإسلام المتحللين من القيم والعقائد السماوية والأخلاق الرفيعة،ولا يجد له على الأوجه التي يريدونها أي سند من القرآن والسنة ؛إلا ما يُلَبِّسُ به بعض هواة هذه الحريات الذين لا يفرقون بين ما شرعه الله وما منعه من الأقوال والأعمال،ولا بين الحق والباطل ولا بين الهدى والضلال.
وأنا هنا لا أخاطب أعداء الإسلام ؛وإنما أخاطب من رضي بالله رباً ومشرعاً ورضي بالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً أو من يدعي ذلك.
- فأقول :
1 - إن الحرية الصحيحة إنما هي في الإسلام دين الله الحق الذي جاء لإخراج الناس من الظلمات إلى النور،من ظلمات الجهل والكفر والشرك والرذائل الأخلاقية إلى نور الإسلام الذي حوى التوحيد : إفراد الله الخالق الرازق المحيي المميت الذي له صفات الكمال ونعوت الجلال،إفراده وحده بالعبادة والتوجه إليه بالمطالب كلها واللجوء إليه وحده عند الشدائد والكروب.
والكفر بالطواغيت التي اتخذها ضُلال الناس آلهة وأنداداً لله ,يعبدونها ويخضعون ويخشعون لها من البشر ومن الأحجار والأشجار والحيوانات،وغيرها من المخلوقات سواء الأحياء منهم والأموات،فهذه هي الحرية الصحيحة وهذا هو التحرير الصحيح ؛أن يتحرر الإنسان الذي كرمه الله من العبودية لكل ما سوى الله.
فهل من شرع للناس هذه الحريات وينادون بها ارتفعوا بالناس إلى هذا المستوى الرفيع الذي يليق بكرامة الإنسان ؟.
- الجواب :
لا وكلا إنهم يريدون أن يبقى الناس يرسفون في أغلال هذه العبوديات المذلة يعبد كل
إنسان ما يريد ويتدين بما يهواه،من الأديان الباطلة التي بعث الرسل كلهم لإبطالها وهدمها وتطهير الأرض وتحرير العباد والعقول والعقائد والأخلاق منها.
ولن يتحرر الناس شعوباً وحكومات ؛إلا باتباع دين الله وتشريعاته العادلة الحكيمة التي تحفظ للناس دينهم الذي شرعه الله ,وتحفظ لهم عقولهم وكرامتهم وأعراضهم ودماءهم وأنسابهم وأموالهم وتضمن لهم الأمن الحقيقي والسلام الحقيقي،وتقضي على الفوضى في التشريعات والأخلاق الرذيلة المتحللة.
وتغرس في نفوس الناس العقائد الصحيحة والعبادات الصحيحة والسياسات العادلة.
وتغرس في نفوسهم الأخلاق الزكية،من الصدق والأمانة والعدل والحلم والكرم والرجولة والشجاعة،والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
وتكرِّه إلى النفوس الكفر والفسوق والعصيان والفواحش بالأقوال والأفعال.
فهل تجد في الدعوات إلى هذه الحريات شيئاً من هذه التشريعات الربانية التي فيها الزكاء والنقاء والبناء.
وفيها التحرر من الشرك بالله والعبودية لغير الله ممن لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً ؟!
والتحرر فيها من الأخلاق الساقطة والأقوال الباطلة،والتحرر من الفوضى والهمجية في الدين والأخلاق.
الأمور التي تشرعها وتقرها الدعوات إلى حرية التدين وإلى حرية التعبير وإلى أخوة الأديان:
أيها المسلمون خذوا دينكم بجد وقوة وعزيمة صادقة وعضوا عليه بالنواجذ,وارفضوا هذه الدعوات الباطلة التي اخترعها أعداء الله من شياطين البشر،والتي لا هدف لها ولا غاية لها إلا هدم الإسلام،وما فيه من عقائد عظيمة وأخلاق وعبادات زكية وإخراج الناس من عبادة الله وتعظيم رسالاته ورسله إلى عبادة الشيطان والهوى والأشجار والأحجار وغيرها من المخلوقات والمنحوتات وإلى اتباع الشهوات والسقوط في حمأة الرذائل فاعتصموا بالله جميعاً،واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا وكونوا عباد الله إخوانا وعلى الحق وضد الباطل أعوانا.
واجعلوا آيات التوحيد نصب أعينكم وغاية الغايات من حياتكم،ومن هذه الآيات قوله تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ ) ( الذاريات : 56-57).
وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُم لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ) (البقرة : 21-22).
وقوله تعالى : ( وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ ) ( البينة : 5).
والآيات في هذا الباب كثيرة فاحفظوها،وافقهوها وطبقوها في حياتكم واجعلوها دروعاً وسدوداً في وجه الدعوات الباطلة ؛بل ادعوهم ليؤمنوا ويعملوا بها وحرروهم وانتشلوهم من وهدة الضلال وظلماته ومخازيه ومن العبوديات لغير الله.
2 - يجب على جميع المسلمين أن يتذكروا وأن يعتقدوا في قرارة أنفسهم أن الله لم يخلقهم هملاً لا يأمرهم ولا ينهاهم فيختار كل إنسان ما يهواه.
قال تعالى : ( أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى ) (القيامة : 36) ,
وقال تعالى : ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ ) ( المؤمنون : 115).
وقال تعالى : ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ) (ص: 27).
فلا يظن بالله هذا الظن السيء من أن الله خلقنا سدى وهملاً،وأن الله خلق السماء والأرض وما بينهما بغير حكمة ولا غاية،إلا الكفار الذين لا يتبعون رسله ولا يصدقون أخباره ووعده ووعيده ولا يحترمون تشريعاته،ولا ينقادون لأوامره ولا يجتنبون نواهيه ولا يحرِّمون ما حرمه،لا يظن هذا الظن السيء ولا يتمرد هذا التمرد إلا الكفار الذين أعد الله لهم النار خالدين فيها وبئس القرار،فهل يعتبر ويعقل وينظر في العواقب من يركض وراءهم ويدعو إلى سلوك مناهجهم بل ويزهو بها ؟
أولئك الدعاة على أبواب جهنم الذين حذَّر منهم رسولنا الناصح الأمين صلى الله عليه وسلم،فيجب على علماء الإسلام التحذير منهم ومن دعواتهم وأن يكشفوا عوارها ويهتكوا أستارها بالحجج والبراهين.
3 - يجب على الناس جميعاً أن يعتقدوا أنِّ حق التشريع لله وحده لا يملكه ولا شيئاً منه أحدٌ غيره
قال تعالى : ( إِنِ الحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ) (يوسف : 40).
وقال تعالى : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ) (الإسراء:23)
وقال تعالى ( وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ) (الشورى:10)
وقال تعالى :( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ) (الشورى:21)
وقال تعالى : ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ )
(الأعراف :33)
وقال تعالى : ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ) (لأعراف:157)
والديمقراطية - وما ينشأ عنها من القول بحرية التدين وحرية الرأي وحرية التعبير- تبيح التشريع لغير الله وتبيح الشرك بالله والكفر به وتبيح الفواحش ما ظهر منها وما بطن وتبيح الإثم والبغي إلى أبعد الحدود وتبيح القول على الله بغير علم وتبيح الجدال بالباطل ليدحضوا به الحق،كما قال الله عن أسلافهم: ( كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ) (غافر:5).
ويجب على المسلمين أن يعتقدوا أن الله لم يشرع لهم إلا ما ينفعهم ويصلح قلوبهم وأحوالهم وحياتهم ويسعدهم في الدنيا والآخرة،ولم يحرم عليهم من الأقوال والأعمال والأخلاق والمآكل والمشارب والمناكح إلا ما يضرهم ويفسد قلوبهم وأخلاقهم وحياتهم فما من خير وكمال إلا شرعه الله لهذه الأمة،وما من شرٍّ وضرر وضلال وظلم وبغي إلا حرمه ,قال تعالى : ( مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ) ( الأنعام : 38)
وقال تعالى : ( اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً ) ( المائدة : 3 ).
فماذا يريد من يدَّعي الإسلام ثم يركض وراء أعدائه مطالباً بالديمقراطية داعياً إلى حرية التعبير وحرية التدين ووحدة الأديان والمساواة بينها،ولسان حاله يقول : إنَّ الكمال كل الكمال في غير الإسلام وعند أعدائه فتلك هي الحضارة الراقية والمبادئ السامية التي يجب على أمة الإسلام أن تستضيء بها،وتدور في فلكها وتنسج على منوالها.
هذا مع العلم أن هؤلاء المغترون والغارون بها لا يأخذون من هذه الحضارة إلا الضار المهلك ؛الذي لا يزيدهم ومن يقلدهم إلا خساراً وبواراً وانحداراً.
فمن أكبر المهانات والصغار والذل والانحراف عن الإسلام وعقائده ومناهجه أن نقلد أعداء الله ورسله ودينه في تشريعاتهم وقوانينهم وقواعدهم وأخلاقهم،بدلاً عن التمسك بديننا والاعتزاز بما تضمنه من عقائد صحيحة وتشريعات حكيمة ومناهج وأخلاق عالية.
وبدل أن ندعوهم إلى الارتفاع إلى ما تسنمه الإسلام وأهله الذين فهموه والتزموه وطبقوه من قمم عالية ؛يهبط كثير من المسلمين إلى حضيض جهلهم وضلالهم ومستنقعاتهم،فيتعلق بالديمقراطية ويحاكم إليها وإلى ما انبثق عنها من قوانين وتشريعات جاهلية في أعظم قضايا الإسلام ويطلب مساواة الإسلام بالأديان الكافرة،ويطلب إنصاف الرسول الكريم انطلاقاً من هذه الديمقراطية التي شرعها اليهود والنصارى والملاحدة لإذلال المسلمين وللقضاء على تشريع رب العالمين.
يا معشر المسلمين المبهورين ( ما لكم كيف تحكمون ) وأين عقولكم ؟!
ولماذا لا تسمعون لصيحات علمائكم وعقلائكم وحكمائكم ؟!
إن الأمر والله لخطير إن لم يتدارك الله هذه الأمة،وإن لم يضاعف العلماء والحكماء والعقلاء جهودهم في صد هذه التيارات الجارفة التي تمتلك كل الوسائل الشريرة والمدمرة التي تهدف إلى اكتساح المجتمعات الإسلامية،والقضاء على الإسلام والرمي بأمة الإسلام بعيداً عن دينهم.
4 – يجب على المسلمين أن يعتزُّوا بدينهم العظيم الذي شرع لهم ضبط الأقوال والأفعال في جميع شؤونهم الدينية والدنيوية ليُجَنِّبَهُمْ المخازي والرذائل والمهالك والظلم والبغي والعدوان.
قال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ) أي : في الأقوال والأفعال،فهل يوجد مثل هذا التشريع في حضارة الغرب وديمقراطيتها ؟ لا والله لا يوجد فيها العدل والإحسان والنزاهة وإنما الظلم والطغيان ولا يوجد فيها النهي عن الفحشاء والمنكر بل تشرع لهم ذلك وتحميه باسم حق الحريات.
وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ ) الآية ( الحجرات:12).
انظر كيف يحمي الأعراض من السخرية والاستهزاء ومن التنابز بالألقاب وكيف يقبح هذه الأفعال ويذمُّها ,وكيف يحمي الأعراض من الغيبة ويشبه من يفعل ذلك بمن يأكل لحم البشر ميتاً تقبيحاً لها وتنفيراً منها.
فهل يوجد مثل هذا في حضارة الغرب وديمقراطيته وما نشأ عنها من تشريعات؟
لا والله لا يوجد،كيف يوجد مثل هذا في ديمقراطية تبيح في تشريعاتها كلَّ المحرمات بما فيها الزنا واللواط والخمر والربا والتحلل من الأخلاق العالية !
وما هو شرٌّ من ذلك ,وتحارب دين الله الحق بل تكفر به وتسعى جاهدة للإجهاز عليه في عقر داره.
وقال تعالى : ( ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفَاءَ لله غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِه وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ * ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القُلُوبِ )
( الحج : 30-32)
فهل تجد في حضارة الغرب وديمقراطيتها تعظيماً لحرمات الله وتعظيماً لشعائره ؟
وهل فيها تشريعات صارمة باجتناب الرجس من الأوثان واجتناب قول الزور ؟!
وهل يوجد فيها أدنى تحذير من الشرك بالله وبيان خطورته ؟
كلا والله ما فيها إلا الدعوة إلى الكفر والشرك وحماية الرجس من الأوثان وإباحة قول الزور والكفر والفواحش باسم حرية التدين وقداسة الأديان وحرية التعبير !.
ومن عنده احترام للإسلام فليخجل من المناداة بالديمقراطية والتحاكم إليها باسم حرية الأديان وتقديس الأديان التي بعث الله الرسل بهدمها.
والشاهد أنَّ في الإسلام العدل في الأقوال والأعمال والمعتقدات وضبط أقوال العباد ومعتقداتهم وأعمالهم.
وفي حضارة الغرب وديمقراطيتها الفوضى الدينية والأخلاقية باسم الحريات والمساواة الكاذبة بين الحق والباطل،بل بترجيح الباطل على الحق ! والكفر والشرك على التوحيد والإيمان ؛بل بالسعي الجاد في القضاء على التوحيد والإيمان وما يتبعهما !
ومما جاء في الإسلام من ضبط الأقوال،قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ) (الأحزاب70-71).
انظر إلى قوله تعالى : ( وقولوا قولاً سديداً ) وما فيه من الأمر بضبط الأقوال المناقض للفوضى الديمقراطية التي تبيح للإنسان أن يقول ويفعل ما يشاء باسم حرية التعبير ولو كان سبَّاً للأنبياء وسخرية بهم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ". ( [1])
وقال صلى الله عليه وسلم : " إنَّ العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب " ([2])
قوله: "ما يتبين ما فيها " معناه : لا يتدبرها ويفكر في قبحها ولا يخاف ما يترتب عليها وهذا كالكلمة عند السلطان وغيره من الولاة وكالكلمة تقذف،أو معناه كالكلمة التي يترتب عليها إضرار بمسلم ونحو ذلك وهذا كله حث على حفظ اللسان " ([3])
ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن قيل وقال وكثرة السؤال.