مسائل و فتاوى علمية في مسألة العذر بالجهل وتكفير المعين
للعلامة محمد ناصر الدين الالباني
-رحمه الله تعالى-
-----------------------------------------------------------------------
للعلامة محمد ناصر الدين الالباني
-رحمه الله تعالى-
-----------------------------------------------------------------------
وهي من المسائل العظيمة التي كثرت فيها أقوال الفقهاء والمحدثين، قديما وحديثا، وتكلم فيها أيضا مجدد العصر الشيخ العلامة المحدث الفقيه محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله بشيء من التفصيل وجمع بين النصوص الواردة في الموضوع ، بتأصيلات علمية دقيقة وحجج قوية، لا تكاد تجدها في مكان آخر لعزتها ، لما عرف به الشيخ رحمه الله من التفصيل الدقيق في كثير من المسائل الخلافية رحمه الله وجزاه الله عن الإسلام و المسلمين خيرا الجزاء، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .
س : من هم أهل الفترة؟ المصدر سلسلة الهدى والنور شريط رقم 364
ج : لا أعتقد أن أحدا يضيق معنى هذه الآية فيقول (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) بشخصه أي كل قوم لابد أن يأتي رسول بشخصه و بدعوته ذلك لان من المعلوم أولا بالنص قوله عليه الصلاة والسلام ( فضلت على الأنبياء قبلي بخمس خصال .
وذكر فيها عليه الصلاة والسلام قوله ) وانه كان النبي يبعث إلى قومه خاصة ،وبعثت إلى الناس كافة ( قوله عليه السلام: ) بعثت إلى الناس كافة( مع قوله تعالى ) وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا (. وقوله ) وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ( كل هذا وذاك يدل على أن بعثة الرسول عليه السلام ، ليست فقط بشخصه بل وببلوغ الدعوة إلى من بعد وفاته عليه الصلاة والسلام . كذلك نقول حينما قال عليه السلام ) وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة ( لا يعني يبعث بشخصه فقط . بل وبدعوته بعد وفاته عليه الصلاة والسلام هذه حقائق في اعتقادي لا يمكن لأحد أن يماري أو يجادل فيها ، لأنه سيلزمه محذوران اثنان :
المحذور الأول :
أن يعتقد أن بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة محصورة بالعرب الذين دعاهم الرسول عليه الصلاة والسلام مباشرة إلى الإسلام ، اما بعد وفاته فقد انتهت دعوته عليه السلام وبعثته ورسالته .
وهذا بلا شك باطل
والشيء الآخر مثله: وهو أن يعتقد أولئك الشاكين المرتابين في صحة تلك الأحاديث؛ وهي صحيحة دون خلاف بين العلماء، أن يعتقدوا أننا نحن معشر المسلمين وعددهم يبلغ عشرات الملايين لم تبلغنا الدعوة ، لماذا ؟ لأنه ما جاءنا رسول مباشرة.
فهل من عاقل يقول بمثل هذا القول الذي يلزمهم أن يقولوا به إذا ما قالوه في العرب الذين كانوا قبيل بعثة الرسول عليه السلام لأنهم يقولون هؤلاء ما جاءهم رسول . لكنهم يعلمون أنهم جاءتهم دعوة إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام، وهي دعوة التوحيد ، فكفر من كفر بها . وآمن من آمن بها .
فإذن لا فرق بين دعوة إبراهيم و إسماعيل من حيث شمولها لكل من بلغته الدعوة ولو بعد وفاة الرسول المرسل إليه مباشرة ، لأنه ليس المقصود من بعثة الرسول هو الشخص ، وإنما المقصود دعوته ورسالته .
ذلك لأننا لو فرضنا إنسانا في زمن الرسول المبعوث مباشرة إلى قوم ما كان أصم أبكم التقى مع الرسول المبعوث ولكنه هو لا يفقه شيئا مما يقول ، لما به من صمم وبكم فهذا لم تبلغه الدعوة وإن كان قد بلغه الرسول بشخصه .
و العكس كذلك، حينما نتصور قوما جاءتهم دعوة الرسول عليه السلام . دون أن يروا الرسول بعينه وشخصه فقد قامت الحجة عليهم
إذا كان الأمر كذلك وهو كذلك دون خلاف بين مسلمين فحينئذ لا محذور بالنسبة لتلك الأحاديث الصحيحة التي تشهد بأن أولئك الأشخاص هم من أهل النار، فلازم ذلك أنهم قد بلغتهم الدعوة و أقيمت عليهم الحجة ، فلا جرم أن النبي حكم عليهم بأنهم من أهل النار .
فقول من يقول لدفع هذه الأحاديث أن إسماعيل أو إبراهيم أو غيرهما من الأنبياء الذين أرسلوا إلى العرب ما جاءهم رسول مباشرة ، فهذا كما لو قال قائل اليوم، أن التابعين وأتباع التابعين إلى هذا الزمان وإلى آخر الزمان الذي لا يبقى على وجه الأرض من يشهد أن لا إله إلا الله ، إلا جاءت ريح طيبة وقبضت أرواحهم كل هؤلاء من المسلمين أتباع الصحابة ومن بعدهم نقول لم تبلغهم الدعوة لأنهم ما جاءهم الرسول فهل من عاقل يقول بمثل هذه الكلمة .
ظني أن لا أحدا يقول اذن نحن نلزمهم بأن يقولوا نفس الكلمة معنا ، لأنه ليس المقصود من إرسال الرسل فيما قبل الرسول صلى الله عليه وسلم هو أشخاصهم فقط ، بل المقصود دعوتهم أيضا، فسواء، لا فرق بين قوم دعاهم الرسول مباشرة بدعوته وبين قوم أو أقوام آخرين جاءتهم دعوة الرسول بواسطة أتباع الرسول ، فكل من هؤلاء و هؤلاء قد قامت حجة الله عز وجل على الناس جميعا بطريق من هاتين الطريقتين ، إنه وصول دعوة الرسول بواسطته مباشرة ، أو وصول دعوة الرسول بواسطة غيره من أتباعه الذين امنوا به ، فحينئذ نعرف من هم أهل الفترة .
خلاصة ذلك : أن أهل الفترة هم الذين لم تبلغهم دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة منه إليهم أو بواسطة أحد أتباع هذا الرسول، إلى هنا فيما يبدو ينتهي الجواب عن السؤال السابق .
ولكن لابد لي من كلمة قصيرة حول الدعوة التي يجب أن تبلغ ناسا لتكون حجة الله قائمة عليهم ، لأنهم قد تكون جاءتهم الدعوة بطريق غير طريق الرسول فلا تكون الحجة قائمة في هذه الحالة لتقصير وقع من هؤلاء المبلغين .
فقد ذكرت آنفا أن الرسالة قد تبلغ بطريق من طريقتين .
الطريقة الأولى : بشخص الرسول وهذه بلا شك ولا ريب أقوى من
الطريقة الأخرى : وهي أن تصل الدعوة إلى قوم ما بواسطة أتباع الرسول . سواء كان هؤلاء الأتباع من أتباع الرسول مباشرة أو على التسلسل كما نقول في فهم حديث الرسول ) خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ( فخير الناس أصحابه عليه السلام لأنهم هم الذين أرسل إليهم الرسول مباشرة ثم التابعون لهؤلاء الأصحاب ثم أتباعهم .
الطريقة الأخرى : أن تصل الدعوة إلى ناس ما بطريق أتباع الرسول سواء التابعون للصحابة أو أتباعهم أو من جاءوا من بعدهم . كما هو واقع اليوم .
الذي أريد الآن أن أذكر به إتماما للفائدة، أن الدعوة التي تصل إلى قوم ما بالطريقة الأخرى ليس بطريقة الرسول مباشرة يجب أن تكون هذه الدعوة قد بلغتهم صافية نقية ، لا تغيير فيها و لا تبديل ولا تحوير ، لأنها في هذه الحالة إذا بلغتهم كذلك يكون بلوغ الدعوة إليهم بواسطة الأتباع ، كما لو كانت وصلت إليهم بواسطة الرسول مباشرة .
أما إذا كان الأمر على على خلاف ذلك أي أن قوما ما أو ناسا ما بلغتهم دعوة الإسلام محرفة مغيرة مبدلة وبخاصة ما كان منها متعلقا بأصولها وفي عقيدتها، فهؤلاء الناس أنا أول من يقول إنهم لم تبلغهم الدعوة .
ولأن المقصود ببلوغ الدعوة على صفائها و بياضها ونقائها . أما والفرض الآن أنها بلغتهم مغيرة مبدلة فهؤلاء لم تبلغهم الدعوة ، وبالتالي لم تقم حجة الله تبارك وتعالى عليهم ، هذا الذي أردت أن أضيفه إلى ما سبق من البيان لتتم الفائدة إنشاء الله . سلسلة الهدى والنور شريط 364
س: ماحكم الأموات الذين ماتوا على دعاء الأموات ، إذا كانوا يعتقدون في هؤلاء الأموات أنهم ينفعون ويضرون ، ولكنهم لا يعرفون حقيقة التوحيد ، ولكنهم عرفوا هذا من علمائهم المنحرفين ؟ سلسلة الهدى والنور الشريط 95
ج : قلت أن هؤلاء ما داموا يحافظون على أركان الإسلام ، لكن فيهم جهل، والمسئول عنهم هؤلاء الجهلة من أهل العلم الذين هم يضللونهم، فهؤلاء الذين ماتوا فالأصل فيهم أنهم مسلمون فيعاملون معاملة المسلمين، وهم يدفنون في مقابر المسلمين،
فبالتالي إذا مر المار بقبورهم يقول السلام عليكم أهل الديار من المسلمين والمؤمنين ( يترحم عليهم ويدعى لهم بالمغفرة والرحمة ، ثم أمرهم إلى الله تبارك وتعالى .
لأن الله عز وجل يقول ) إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ( . ثم لا يؤاخذ المشرك إلا بعد أن تكون قد بلغته الدعوة ) وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ( وربنا عز وجل فضله ورحمته بعباده أنه يقبل عذر العبد، فإذا كان أحد هؤلاء المسلمين الخرافيين- فلنسميهم- إذا كان أحد هؤلاء الخرافيين من المسلمين ضل سواء السبيل . ولم يكن هناك من ينبهه ويحذره وينهاه عن ضلاله، فهو يكون معذورا عند ربه تبارك وتعالى ، ولا يؤاخذه مؤاخذة الذي أقيمت الحجة عليه ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا )
لقد جاء في صحيح البخاري ومسلم حديث عجيب جدا ، يدل على واسع رحمة الله بعباده ، بحيث أنه يغفر الكفر أحيانا بعلمه بعذر هذا الكافر .
قال عليه الصلاة والسلام: ) كان فيمن قبلكم رجل لم يعمل خيرا قط .. ( الحديث في صحيح البخاري و مسلم إياكم أن تشكوا في صحته ) كان فيمن قبلكم رجل لم يعمل خيرا قط فلما حضرته الوفاة جمع أولاده ، فقال لهم: أي أب كنت لكم ؟ قالوا خير أب . ـ وهنا الآن الغرابة تأتي ـ لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا شديدا ( هذا شك في البعث ، يقول ) ولئن قدر الله علي ( كأنه يشك في قدرة الله ) ولئن قدر الله علي ليعذبني عذابا شديدا ( إذن كيف يتخلص هو من عذاب الله الشديد ، المعترف بأنه هو له لائق قال :) فإذا أنا مت فخذوني وحرقوني بالنار ( ليضل عن ربه زعم ) ثم خذوني وذروني، نصفي في الريح ونصفي في البحر( شوف ! أوحى له الشيطان ، الله أكبر ، فلما مات الرجل و الأولاد أبرار وهذا وصية أبيهم وهو كما اعترفوا كان خير أب لهم . نفذوا وصيته فحرقوه بالنار حتى صار رميما ، صار رمادا فأخذوا نصف هذا الرماد فرموه في الريح الهائج راحت بددا ،والنصف الثاني في البحر المائج وراحت مع هذه الأمواج . فقال الله لهذه الذرات ) كوني فلانا ( فكان بشرا سويا : أي عبدي ما حملك على ما فعلت.قالربي خشيتك أنا خفت منك . أنا مستحق لهذا العذاب فخوفا منك، لأضل عنك فعلت ما فعلت قال اذهب فقد غفرت لك ) هذا كفر هذا شرك وهذا صريح القرآن ( وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل شيء عليم ) لكن يبدو أن هذا الرجل طيلة حياته كان مؤمنا، لكن ساعة احتضار الموت واستحضاره لذنوبه ومعاصيه غلبت عليه خشيته من الله فأعمت عليه الطريق وسولت له نفسه هذه الوصية الجائرة ، التي لا أتصور أن يوجد في الدنيا أجرأ منها وأفضع منها مع ذلك غفرها الله عز وجل لهذا الإنسان
فنحن إذا تصورنا هؤلاء المساكين الضالين من إخواننا المسلمين بسبب علماء السوء يقعون في الشرك وفي الضلال . يستغيثون بغير الله و ينادون الأموات وهم لا يسمعون وبينهم برزخ إلى يوم يبعثون . فالله عز وجل إذا علم من أحدهم أنه لم تتبين له الحقيقة وأن هذا شرك وضلال . بل لم يوجد من يقول لهم يوما ما . ( إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم انتم لها واردون )
فاعتقادنا أن الله عز وجل لا يؤاخذ الإنسان إلا بعد قيام الحجة فمن علم من هؤلاء الموتى - نحن لا نعلم- من علم الله من هؤلاء الموتى أنه سمع دعوة الحق من الشيخ الفلاني في أن هذا شرك وضلال . فما أبه لذلك ولا اهتم. لأنه الشيخ الضال هناك سول له عمله . فهذا إلى جهنم و بئس المصير
أما الذي لم يقيض له من ينبهه فهو معذور عند الله .
فلما كنا نحن عاجزين عن أن نميز من الذي بلغته الدعوة الصحيحة عن الذي لم تبلغه الدعوة الصحيحة .
فنحن لنا الظاهر وهو مسلم . كان يصلي ويصوم فنحن في مقابر المسلمين فنحن ندعو له ونستغفر له ونسلم عليه أما ما حاله عند الله فأمره إلى الله . "سلسلة الهدى والنور الشريط 95"
]
عدل سابقا من قبل الشيخ إبراهيم حسونة في 05.08.08 16:08 عدل 2 مرات