حكم من استغاث بالنبي صلى الله عليه و سلّم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه, أما بعد فقد نشرت صحيفة المجتمع الكويتية في عددها 15 الصادر 19 \ 4 \ 1390 هـ أبياتا تحت عنوان (في ذكرى المولد النبوي الشريف) تتضمن الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم والاستنصار به لإدراك الأمة ونصرها وتخليصها مما وقعت فيه من التفرق والاختلاف, بإمضاء من سمت نفسها آمنة , وهذا نص من الأبيات المشار إليها:
يا رسول الله أدرك عالما ... يشعل الحرب ويصلى من لظاها
يا رسول الله أدرك أمة ... في ظلام الشك قد طال سراها
يا رسول الله أدرك أمة ... في متاهات الأسى ضاعت رؤاها
إلى أن قالت :
يا رسول الله أدرك أمة ... في ظلام الشك قد طال سراها
عجل النصر كما عجلته ... يوم بدر حين ناديت الإله
فاستحال الذل نصرا رائعا ... إن لله جنودا لا تراها
(الله أكبر هكذا توجه هذه الكاتبة نداءها واستغاثتها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم طالبة منه إدراك الأمة بتعجيل النصر, ناسية أو جاهلة أن النصر بيد الله وحده, ليس ذلك بيد النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره من المخلوقات, كما قال الله سبحانه في كتابه المبين: { وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ } وقال عز وجل: { إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ }
وقد علم بالنص والإجماع أن الله سبحانه خلق الخلق ليعبدوه , وأرسل الرسل وأنزل الكتب, لبيان تلك العبادة, والدعوة إليها, كما قال سبحانه: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } وقال تعالى : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } وقال تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ } وقال عز وجل: { الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } { أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ }
فأوضح سبحانه في هذه الآيات المحكمات أنه لم يخلق الثقلين إلا ليعبدوه وحده, لا شريك له, وبين أنه أرسل الرسل عليهم الصلاة والسلام للأمر بهذه العبادة والنهي عن ضدها, وأخبر عز وجل أنه أحكم آيات كتابه وفصلها لئلا يعبد غيره سبحانه, والعبادة هي توحيده وطاعته, بامتثال أوامره وترك نواهيه, وقد أمر الله بذلك في آيات كثيرة, منها قوله سبحانه: { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ } الآية, وقوله عز وجل: { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ } وقوله سبحانه { فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ } { أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ } والآيات في هذا المعنى كثيرة كلها تدل على وجوب إخلاص العبادة لله وحده وترك عبادة ما سواه من الأنبياء وغيرهم, ولا ريب أن الدعاء من أهم أنواع العبادة وأجمعها فوجب إخلاصه لله وحده كما قال عز وجل: { فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } (3) وقال عز وجل: { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا }
وهذا يعم جميع المخلوقات من الأنبياء وغيرهم.
لأن (أحدا) نكرة في سياق النهي, فتعم كل من سوى الله سبحانه, وقال تعالى: { وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ } وهذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم, ومعلوم أن الله سبحانه قد عصمه من الشرك وإنما المراد من ذلك تحذير غيره ثم قال عز وجل: { فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ } فإذا كان سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام لو دعا غير الله يكون من الظالمين, فكيف بغيره, والظلم إذا أطلق يراد به الشرك الأكبر, كما قال سبحانه: { وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ } وقال تعالى: { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } فعلم بهذه الآيات وغيرها أن دعاء غير الله من الأموات والأشجار والأصنام وغيرها , شرك بالله عز وجل ينافي العبادة التي خلق الله الثقلين من أجلها, وأرسل الرسل وأنزل الكتب لبيانها, والدعوة إليها وهذا معنى (لا إله إلا الله) فإن معناها: لا معبود بحق إلا الله فهي تنفي العبادة عن غير الله وتثبتها لله وحده, كما قال الله سبحانه { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ } .
وهذا هو أصل الدين وأساس الملة, ولا تصح العبادات إلا بعد صحة هذا الأصل, كما قال تعالى: { وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } وقال سبحانه: { وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } ودين الإسلام مبني على أصلين عظيمين: أحدهما : أن لا يعبد إلا الله وحده.
عدل سابقا من قبل أبو محمد عبدالحميد الأثري في 04.08.08 10:12 عدل 5 مرات