تأصيل العلم للشيخ صالح اللحيدان
الشيخ صالح اللحيدان
لقد كان هناك خلال الثلاثة القرون منذ بدء البعثة المباركة توافق جليل وكبير بين عامة كبار العلماء في المشرقين، وما يكون من شأن وما يتلى من أثر أو يطلع على نص أو يوقف على خطاب إلا ويعاد في هذا إلى علماء السنة لينظروا صحته من ضعفه، وليبينوا سبب صحته ويبينوا كذلك سبب ضعفه، ولم يستطع مدع أو ذاتي النزعة أو متخبط النظر، ولم يستطع متعالم أو متقمص، ولم يستطع من يستغل العقول الهشة لم يستطيعوا تخطي سياج قواعد قام عليها كبار من القروم أنتجتهم المخفرات من صلب أحرار من وراء أحرار تغذوا بوابل الطهارة وصيب النقاوة وسبيل القرامة، ونفحات الجدارة، وقبعان المهارة بعلو من فوقه علو من فوقه علو، إذا ادعى من ادعى تقمص الحرية بلباس النزاهة وتجرد الطهارة ولعله من الجدير ذكره هناك لديهم حيث الخلود عبر القرون الطوال أن من أسباب علو شأنهم وبروز كعبهم المعلى أنهم متجردون لله تعالى، وأن هذا السبب بالذات أبقى علمهم وادام ذكرهم وأنار سبيلهم فأضافوا إلى العلم ما لم يكن من قبل وأناروا ما كان بعدهم لعله يكون مظلماً. وإذا كانت (الموهبة) قد وهبت لهم فإن من لم تكن تلك فيه كاملة فقد (ألح على الله) بالدعاء ليكون مثل من سواه ليزكوا: الحفظ، ويزكوا الفهم، ويزكوا الصحة، ويزكوا الوقت فكانوا وايم الله سادة من بعد سادة من بعد سادة. ولا يصح إلا الصحيح ولا يبقى إلا ما كان لله، من هنا أردف القول جارياً حاراً دافقاً نصاً ومعنى ليقف أهل هذا الزمن من بعض العلماء وطلاب العلم وغيرهم، من أهل الثقافة والادب والنقد على مسألة حررها قبلي ابن الصلاح والنواوي والسيوطي والعراقي والبغداد والزيلعي وابن حجر والذهبي ولمسها ابن قتيبة وابن رشيق، وابن سلام وسواهم وإردافي لما سوف أردف إنما هو من باب المذاكرة والبيان وشحذ الهمة وبعث الرمة وإيقاظ الهمة. سوف أسوق كلاماً جيداً انتخبته انتخاباً وقدته وأحاطته نفسي برعاية مع رعاية برواية ودرايته،. أسوق مما في (التدريب) للسيوطي مع تصرف حسن لا يخل بالمراد لعله يكون عوناً بل يكون : فتحاً لموهوب فيهب أو فتحاً لساهٍ فيدرك ينشط أو يكون لافتاً لنظر عبقري فيعي فيضيف ويبذل، وما سوف اسوقه امره معلوم من حال طرحه بالضرورة انه لا بد منه خاصة في وقت قل فيه الحفظ وتداخل فيه الفهم، وركب كثير من الناس فيه صهوة الانشائيات والخطاب المباشر ومجرد الوعظ، وعجلة التأليف وكثرة الكلام مع ما قد يكون حاصلاً من عدم الاحاطة بأوجه كثير من المسائل فلعل ما سوف أجلبه هنا يكون مذكراً لمن هناك يقول رحمه الله مع تصرف مني لا يخل بمراده يقول ص 88 وما بعدها وهو من كلام، وكلامه النواوي وسواهما: (الثانية من مسائل الصحيح أو من مصنف في الصحيح المجرد صحيح الامام البخاري محمد بن اسماعيل «البخاري» والسبب في ذلك ما رواه عنه ابراهيم من معقل النسفي قال: كنا عند اسحاق بن راهويه، فقال: لو جمعتم كتاباً مختصراً لصحيح سنة النبي صلى الله عليه وسلم قال : فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع الجامع الصحيح. وعنه ايضاً قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وكأني واقف بين يديه وبيدي مروحة اذب عنه فسألت بعض المعبرين، فقال لي: أنت تذب عنه الكذب، فهو الذي حملني على إخراج الجامع الصحيح، قال: وألفته في بضع عشرة سنة. وقد كانت الكتب قبله مجموعة ممزوجة فيها الصحيح بغيره، وكانت الآثار في عصر الصحابة وكبار التابعين غير مدونة ولا مرتبة لسيلان أذهانهم وسعة حفظهم ولانهم كانوا نُهوا أولاً عن كتابتها، كما ثبت في صحيح مسلم: خشية اختلاطها بالقرآن، ولأن اكثرهم كان لا يحسن الكتابة، فلما انتشر العلماء في الأمصار وكثر الابتداع من : الخوارج والروافض دونت ممزوجة بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين وغيرهم فأول من جمع ذلك: ابن جريج بمكة وابن اسحاق أو مالك بالمدينة. والربيع بن صبيح أو سعيد بن أبي عروبة أو حماد بن سلمة بالبصرة. وسفيان الثوري بالكوفة، والاوزاعي بالشام، وهشيم بواسط، ومعمر باليمن، وجرير بن عبدالحميد بالري، وابن المبارك بخراسان، قال العراقي وابن حجر: وكان هؤلاء في عصر واحد فلا ندري أيهم اسبق. وقد صنف ابن ابي ذئب بالمدينة موطأ أكبر من موطأ مالك. قال السيوطي: قلت: وهؤلاء المذكورون في أول من جمع كلهم في اثناء الثانية، واما ابتداء تدوين الحديث فإنه وقع على رأس المائة في خلافة عمر بن عبدالعزيز بامره. ففي صحيح البخاري في ابواب العلم ، وكتب عمر بن عبدالعزيز إلى أبي بكر بن حزم: (انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاكتبه فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء)، واخرجه ابو نعيم في تاريخ اصبهان بلفظ: (كتب عمر بن عبدالعزيز إلى الآفاق: انظروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجمعوه). قال في فتح الباري: يستفاد من هذا ابتداء تدوين الحديث النبوي، ثم افاد أن اول من دونه بأمر عمر بن عبدالعزيز ابن شهاب الزهري. وجاء في ص100 قال :(قال شيخ الاسلام: ولقد كان استيعاب الاحاديث سهلاً لو اراد الله تعالى ذلك بان يجمع الاول منهم ما وصل إليه، ثم يذكر من بعده ما اطلع عليه مما فاته من حديث مستقل او زيادة في الاحاديث التي ذكرها فيكون كالدليل عليه، وكذا من بعده فلا يمضي كثير من الزمان الا وقد استوعبت وصارت كالمصنف الواحد). ولكي يتبين لنا حقيقة عمق الدراية والرواية ببسط من طرح جليل وكيف يكون تأصيل العلم وتفصيله ومعالجة حقيقة ما يتطلبه وضع الامة المسلمة من حاجتها إلى النهوض والتجديد والإضافات على اجتهادات من سبق خاصة، فيما يتعلق ببسط المدارج العلمية ليتبين للناظر والقارئ الالمعي كيف يكون حاله فيما لو اراد هو: التجديد وقد صار بين يديه ما يدفعه إلى ما يمكن أن يبذل ويطرحه من كل جديد بعقل وحكمة ونية وسعة بطان وفقه عميق للواقع على غرار فطن بعيد الغور وان طال المسلك. يقول السيوطي مما ذكره عن الحاكم :(ذكر الحاكم في المدخل ان الصحيح عشرة اقسام، وسيأتي نقلها عنه، وذكر منها في القسم الاول الذي هو الدرجة الاولى: واختيار الشيخين ان يرويه الصحابي المشهور بالرواية، وله راويان ثقتان .. الخ). وقال: (فوائد: الأولى: صحيح ابن حبان ترتيبه مخترع ليس على الابواب ولا على المسانيد سماه (التقاسيم والانواع) وسببه انه كان عارفاً بالكلام والنحو والفلسفة والكشف من كتابه عسر جداً. وقد رتبه بعض المتأخرين. الثانية: صحيح ابن خزيمة أعلى مرتبة من صحيح ابن حبان لشدة تحريه حتى انه يتوقف في التصحيح لادنى كلام في الاسناد، فيقول: انه صح الخبر، او ان ثبت كذا ونحو ذلك (2). وما صنف في الصحيح ايضاً غير المتخرجات السنن الصحاح لابن السكن. الثالثة: صرح الخطيب وغيره بأن الموطأ مقدم على غيره من كتب الجوامع والمسانيد، فعلى هذا هو بعد صحيح الحاكم، وهو روايات كثيرة، واكبرها رواية القعبني وقال العلائي: روى الموطأ عن مالك جماعات كثيرة وبين رواياتهم اختلاف من تقديم وتأخير وزيادة ونقص ومن أكبرها واكثرها زيادات رواية ابي مصعب (3). قال ابن حزم في موطأ أبي مصعب هذا زيادة على سائر الموطآت نحو مائة حديث، وأما ابن حزم فإنه قال: أولى الكتب الصحيحان ثم صحيح ابن السكن والمنتقى لابن الجارود والمنتقى لقاسم بن اصبغ ثم بعد هذه الكتب كتاب: أبي داود وكتاب النسائي ومصنف قاسم بن اصبغ ومصنف الطحاوي ومسانيد احمد والبزار وابني ابي شيبة ابي بكر وعثمان، وابن راهويه والطيالسي، والحسن بن سفيان، والمسندي وابن سنجر، ويعقوب بن شيبة وعلي بن المديني، وابن ابي عروبة، وما جرى مجراها التي افردت لكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم صرفاً، ثم بعدها الكتب التي فيها كلامه وكلام غيره، ثم ما كان فيه: الصحيح فهو أجل مثل: مصنف عبدالرزاق ومصنف ابن أبي شيبة ومصنف بقي بن مخلد الخ). الثالثة/ من مسائل الصحيح (الكتب المخرجة على الصحيحين) كالمستخرج للاسماعيلي والبرقاني ولابي احمد الغطريفي الخ). الرابعة/ من مسائل الصحيح (ما روياه) أي الشيخان بالاسناد المتصل فهو المحكوم بصحته الخ). الخامسة/ الصحيح أقسام متفاوتة بحسب تمكنه من شروط الصحة وعدم .. الخ من كلام اطنب عليه السيوطي واهيب بالعلماء والباحثين والمحققين واساتذة الجامعات والمعاهد العليا العودة إلى ما ذكره خاصة من يستغل منهم بتأصيل العلم وتحقيق آثاره أو ذلك الموهوب أو النابغة الذين يمكن أن يضيفوا جديداً على آراء وطرح من سبقهم من كبار علماء هذه الامة فإن غاية العلم لا تدرك إلا بفهمه والاحاطة به بجانب الاجتهاد في النصوص الصحيحة مع ضرورة البعد كل البعد عن التقليد ومجرد النقل، وكثرة ايراد الآراء تكراراً وتسويداً للطرس مع ما اراه في كثير من المجلات المحكمة العلمية الفقهية من تشابه ما يطرح فيها وطغيان كثرة الاستشهادات وكثرة المراجع مع ندرة نادرة جداً من بذل رأي جديد واستخلاص حصيف وطرح لم يسبق إليه صاحبه. ولهذا اهيب بالمجلات العلمية بالسير نحو جدة البحوث والتنقيب عن النوازل بفقه مدرك ونص مواز يدل على المراد واضافات يرغبها المتابعون وينشدونها ويسعون إليها سعياً ولكم يحز في نفسي ما يلي: 1 تكرار المطروح مع اختلاف بسيط. 2 كثرة المراجع وتكرارها. 3 الاستطراد الانشائي. 4 الالتفات لمجرد الوعظ. 5 ضعف التأصيل العلمي الجديد. 6 عدم الدقة في تحرير الآثار كاملة. 7 اختصار الآراء. 8 التهيب من الاجتهاد. 9 قصر النظر حيال: فقه الحياة العلمية. 10 إيراد بعض الآثار الضعيفة. 11 عدم التفريق بين الحسن لذاته والحسن لغيره. 12 عموم الطرح (دون) بذل خاص للنتيجة. 13 قلة وجود الأخبار العلمية الضرورية: طبياً / ونشراً/ واجتهاداً/ واكتشافاً. وهذا وجدته في كثير من المجلات العلمية المحكمة بل وفي بعض الدراسات بين فينة وفينة، ولا جرم فإن كثرة: المجلات، والدراسات، والدوريات أمر حيوي جيد مبارك بإذن الله تعالى لكن لابد من ضبط الطرح بما يطرح التكرار وكثرة النقل ومجرد الوعظ والانشاء والا فإن وجودها خير كثير وسبيل قويم مع محاولة أن يكون رؤساء التحرير والمشرفون ذوي باع واع مدرك للمستجدات وأصالة ما يبعث اليهم من حيث سلامة البحوث من المعارض خاصة الحشو والاستطراد وقلة أو ضعف الاستخلاص. وأقصد بالاستخلاص غير المكرر أو المنقول بمعناه، ولدقة تأصيل نظر حيال من سلف من حيث التنقيب العلمي الجاد المسؤول، فإن شدة الحذر خلال التناول بفهم مواد كبار العلماء يجر إلى: البذل الاضافي المطلوب في هذا (الحين بالذات) ولنقرأ مثلاً عن حال واحد من هؤلاء الكبار رواية ودراية جاء في ص130/131 قال في (التدريب): (ولنوضح ذلك بمثال: وهو أن تعلم أن أصحاب الزهري (4) مثلاً على خمس طبقات ولكل طبقة مزية على التي تليها وتفاوت ممن كان في الطبقة الأولى فهي الغاية في الصحة.. الخ). قال ابن لحيدان: ومثل هذا هو المراد إذ تتبين به حالات كثيرة من الروايات من خلال معرفة الطبقة ومعرفة حالها وبلدها وروايتها وما يترتب على هذا من حكم أو أحكام علمية في العبادات أو في المعاملات، وهذا بفهمه يجر دوماً إلى : مقدمات الابداع والاضافة والتجديد في عصر الأمة أحوج ما تكون إليه ولاسيما في مجال نوازل متتالية تحتاج إلى بذل وبذل وبذل، خاصة وتأتي صفة التأني وسعة الاطلاع وصدق الظن العلمي وحسن تصور أوجه المطروح في اولويات سبيل البذل.
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ صالح اللحيدان
الشيخ صالح اللحيدان
لقد كان هناك خلال الثلاثة القرون منذ بدء البعثة المباركة توافق جليل وكبير بين عامة كبار العلماء في المشرقين، وما يكون من شأن وما يتلى من أثر أو يطلع على نص أو يوقف على خطاب إلا ويعاد في هذا إلى علماء السنة لينظروا صحته من ضعفه، وليبينوا سبب صحته ويبينوا كذلك سبب ضعفه، ولم يستطع مدع أو ذاتي النزعة أو متخبط النظر، ولم يستطع متعالم أو متقمص، ولم يستطع من يستغل العقول الهشة لم يستطيعوا تخطي سياج قواعد قام عليها كبار من القروم أنتجتهم المخفرات من صلب أحرار من وراء أحرار تغذوا بوابل الطهارة وصيب النقاوة وسبيل القرامة، ونفحات الجدارة، وقبعان المهارة بعلو من فوقه علو من فوقه علو، إذا ادعى من ادعى تقمص الحرية بلباس النزاهة وتجرد الطهارة ولعله من الجدير ذكره هناك لديهم حيث الخلود عبر القرون الطوال أن من أسباب علو شأنهم وبروز كعبهم المعلى أنهم متجردون لله تعالى، وأن هذا السبب بالذات أبقى علمهم وادام ذكرهم وأنار سبيلهم فأضافوا إلى العلم ما لم يكن من قبل وأناروا ما كان بعدهم لعله يكون مظلماً. وإذا كانت (الموهبة) قد وهبت لهم فإن من لم تكن تلك فيه كاملة فقد (ألح على الله) بالدعاء ليكون مثل من سواه ليزكوا: الحفظ، ويزكوا الفهم، ويزكوا الصحة، ويزكوا الوقت فكانوا وايم الله سادة من بعد سادة من بعد سادة. ولا يصح إلا الصحيح ولا يبقى إلا ما كان لله، من هنا أردف القول جارياً حاراً دافقاً نصاً ومعنى ليقف أهل هذا الزمن من بعض العلماء وطلاب العلم وغيرهم، من أهل الثقافة والادب والنقد على مسألة حررها قبلي ابن الصلاح والنواوي والسيوطي والعراقي والبغداد والزيلعي وابن حجر والذهبي ولمسها ابن قتيبة وابن رشيق، وابن سلام وسواهم وإردافي لما سوف أردف إنما هو من باب المذاكرة والبيان وشحذ الهمة وبعث الرمة وإيقاظ الهمة. سوف أسوق كلاماً جيداً انتخبته انتخاباً وقدته وأحاطته نفسي برعاية مع رعاية برواية ودرايته،. أسوق مما في (التدريب) للسيوطي مع تصرف حسن لا يخل بالمراد لعله يكون عوناً بل يكون : فتحاً لموهوب فيهب أو فتحاً لساهٍ فيدرك ينشط أو يكون لافتاً لنظر عبقري فيعي فيضيف ويبذل، وما سوف اسوقه امره معلوم من حال طرحه بالضرورة انه لا بد منه خاصة في وقت قل فيه الحفظ وتداخل فيه الفهم، وركب كثير من الناس فيه صهوة الانشائيات والخطاب المباشر ومجرد الوعظ، وعجلة التأليف وكثرة الكلام مع ما قد يكون حاصلاً من عدم الاحاطة بأوجه كثير من المسائل فلعل ما سوف أجلبه هنا يكون مذكراً لمن هناك يقول رحمه الله مع تصرف مني لا يخل بمراده يقول ص 88 وما بعدها وهو من كلام، وكلامه النواوي وسواهما: (الثانية من مسائل الصحيح أو من مصنف في الصحيح المجرد صحيح الامام البخاري محمد بن اسماعيل «البخاري» والسبب في ذلك ما رواه عنه ابراهيم من معقل النسفي قال: كنا عند اسحاق بن راهويه، فقال: لو جمعتم كتاباً مختصراً لصحيح سنة النبي صلى الله عليه وسلم قال : فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع الجامع الصحيح. وعنه ايضاً قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وكأني واقف بين يديه وبيدي مروحة اذب عنه فسألت بعض المعبرين، فقال لي: أنت تذب عنه الكذب، فهو الذي حملني على إخراج الجامع الصحيح، قال: وألفته في بضع عشرة سنة. وقد كانت الكتب قبله مجموعة ممزوجة فيها الصحيح بغيره، وكانت الآثار في عصر الصحابة وكبار التابعين غير مدونة ولا مرتبة لسيلان أذهانهم وسعة حفظهم ولانهم كانوا نُهوا أولاً عن كتابتها، كما ثبت في صحيح مسلم: خشية اختلاطها بالقرآن، ولأن اكثرهم كان لا يحسن الكتابة، فلما انتشر العلماء في الأمصار وكثر الابتداع من : الخوارج والروافض دونت ممزوجة بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين وغيرهم فأول من جمع ذلك: ابن جريج بمكة وابن اسحاق أو مالك بالمدينة. والربيع بن صبيح أو سعيد بن أبي عروبة أو حماد بن سلمة بالبصرة. وسفيان الثوري بالكوفة، والاوزاعي بالشام، وهشيم بواسط، ومعمر باليمن، وجرير بن عبدالحميد بالري، وابن المبارك بخراسان، قال العراقي وابن حجر: وكان هؤلاء في عصر واحد فلا ندري أيهم اسبق. وقد صنف ابن ابي ذئب بالمدينة موطأ أكبر من موطأ مالك. قال السيوطي: قلت: وهؤلاء المذكورون في أول من جمع كلهم في اثناء الثانية، واما ابتداء تدوين الحديث فإنه وقع على رأس المائة في خلافة عمر بن عبدالعزيز بامره. ففي صحيح البخاري في ابواب العلم ، وكتب عمر بن عبدالعزيز إلى أبي بكر بن حزم: (انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاكتبه فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء)، واخرجه ابو نعيم في تاريخ اصبهان بلفظ: (كتب عمر بن عبدالعزيز إلى الآفاق: انظروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجمعوه). قال في فتح الباري: يستفاد من هذا ابتداء تدوين الحديث النبوي، ثم افاد أن اول من دونه بأمر عمر بن عبدالعزيز ابن شهاب الزهري. وجاء في ص100 قال :(قال شيخ الاسلام: ولقد كان استيعاب الاحاديث سهلاً لو اراد الله تعالى ذلك بان يجمع الاول منهم ما وصل إليه، ثم يذكر من بعده ما اطلع عليه مما فاته من حديث مستقل او زيادة في الاحاديث التي ذكرها فيكون كالدليل عليه، وكذا من بعده فلا يمضي كثير من الزمان الا وقد استوعبت وصارت كالمصنف الواحد). ولكي يتبين لنا حقيقة عمق الدراية والرواية ببسط من طرح جليل وكيف يكون تأصيل العلم وتفصيله ومعالجة حقيقة ما يتطلبه وضع الامة المسلمة من حاجتها إلى النهوض والتجديد والإضافات على اجتهادات من سبق خاصة، فيما يتعلق ببسط المدارج العلمية ليتبين للناظر والقارئ الالمعي كيف يكون حاله فيما لو اراد هو: التجديد وقد صار بين يديه ما يدفعه إلى ما يمكن أن يبذل ويطرحه من كل جديد بعقل وحكمة ونية وسعة بطان وفقه عميق للواقع على غرار فطن بعيد الغور وان طال المسلك. يقول السيوطي مما ذكره عن الحاكم :(ذكر الحاكم في المدخل ان الصحيح عشرة اقسام، وسيأتي نقلها عنه، وذكر منها في القسم الاول الذي هو الدرجة الاولى: واختيار الشيخين ان يرويه الصحابي المشهور بالرواية، وله راويان ثقتان .. الخ). وقال: (فوائد: الأولى: صحيح ابن حبان ترتيبه مخترع ليس على الابواب ولا على المسانيد سماه (التقاسيم والانواع) وسببه انه كان عارفاً بالكلام والنحو والفلسفة والكشف من كتابه عسر جداً. وقد رتبه بعض المتأخرين. الثانية: صحيح ابن خزيمة أعلى مرتبة من صحيح ابن حبان لشدة تحريه حتى انه يتوقف في التصحيح لادنى كلام في الاسناد، فيقول: انه صح الخبر، او ان ثبت كذا ونحو ذلك (2). وما صنف في الصحيح ايضاً غير المتخرجات السنن الصحاح لابن السكن. الثالثة: صرح الخطيب وغيره بأن الموطأ مقدم على غيره من كتب الجوامع والمسانيد، فعلى هذا هو بعد صحيح الحاكم، وهو روايات كثيرة، واكبرها رواية القعبني وقال العلائي: روى الموطأ عن مالك جماعات كثيرة وبين رواياتهم اختلاف من تقديم وتأخير وزيادة ونقص ومن أكبرها واكثرها زيادات رواية ابي مصعب (3). قال ابن حزم في موطأ أبي مصعب هذا زيادة على سائر الموطآت نحو مائة حديث، وأما ابن حزم فإنه قال: أولى الكتب الصحيحان ثم صحيح ابن السكن والمنتقى لابن الجارود والمنتقى لقاسم بن اصبغ ثم بعد هذه الكتب كتاب: أبي داود وكتاب النسائي ومصنف قاسم بن اصبغ ومصنف الطحاوي ومسانيد احمد والبزار وابني ابي شيبة ابي بكر وعثمان، وابن راهويه والطيالسي، والحسن بن سفيان، والمسندي وابن سنجر، ويعقوب بن شيبة وعلي بن المديني، وابن ابي عروبة، وما جرى مجراها التي افردت لكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم صرفاً، ثم بعدها الكتب التي فيها كلامه وكلام غيره، ثم ما كان فيه: الصحيح فهو أجل مثل: مصنف عبدالرزاق ومصنف ابن أبي شيبة ومصنف بقي بن مخلد الخ). الثالثة/ من مسائل الصحيح (الكتب المخرجة على الصحيحين) كالمستخرج للاسماعيلي والبرقاني ولابي احمد الغطريفي الخ). الرابعة/ من مسائل الصحيح (ما روياه) أي الشيخان بالاسناد المتصل فهو المحكوم بصحته الخ). الخامسة/ الصحيح أقسام متفاوتة بحسب تمكنه من شروط الصحة وعدم .. الخ من كلام اطنب عليه السيوطي واهيب بالعلماء والباحثين والمحققين واساتذة الجامعات والمعاهد العليا العودة إلى ما ذكره خاصة من يستغل منهم بتأصيل العلم وتحقيق آثاره أو ذلك الموهوب أو النابغة الذين يمكن أن يضيفوا جديداً على آراء وطرح من سبقهم من كبار علماء هذه الامة فإن غاية العلم لا تدرك إلا بفهمه والاحاطة به بجانب الاجتهاد في النصوص الصحيحة مع ضرورة البعد كل البعد عن التقليد ومجرد النقل، وكثرة ايراد الآراء تكراراً وتسويداً للطرس مع ما اراه في كثير من المجلات المحكمة العلمية الفقهية من تشابه ما يطرح فيها وطغيان كثرة الاستشهادات وكثرة المراجع مع ندرة نادرة جداً من بذل رأي جديد واستخلاص حصيف وطرح لم يسبق إليه صاحبه. ولهذا اهيب بالمجلات العلمية بالسير نحو جدة البحوث والتنقيب عن النوازل بفقه مدرك ونص مواز يدل على المراد واضافات يرغبها المتابعون وينشدونها ويسعون إليها سعياً ولكم يحز في نفسي ما يلي: 1 تكرار المطروح مع اختلاف بسيط. 2 كثرة المراجع وتكرارها. 3 الاستطراد الانشائي. 4 الالتفات لمجرد الوعظ. 5 ضعف التأصيل العلمي الجديد. 6 عدم الدقة في تحرير الآثار كاملة. 7 اختصار الآراء. 8 التهيب من الاجتهاد. 9 قصر النظر حيال: فقه الحياة العلمية. 10 إيراد بعض الآثار الضعيفة. 11 عدم التفريق بين الحسن لذاته والحسن لغيره. 12 عموم الطرح (دون) بذل خاص للنتيجة. 13 قلة وجود الأخبار العلمية الضرورية: طبياً / ونشراً/ واجتهاداً/ واكتشافاً. وهذا وجدته في كثير من المجلات العلمية المحكمة بل وفي بعض الدراسات بين فينة وفينة، ولا جرم فإن كثرة: المجلات، والدراسات، والدوريات أمر حيوي جيد مبارك بإذن الله تعالى لكن لابد من ضبط الطرح بما يطرح التكرار وكثرة النقل ومجرد الوعظ والانشاء والا فإن وجودها خير كثير وسبيل قويم مع محاولة أن يكون رؤساء التحرير والمشرفون ذوي باع واع مدرك للمستجدات وأصالة ما يبعث اليهم من حيث سلامة البحوث من المعارض خاصة الحشو والاستطراد وقلة أو ضعف الاستخلاص. وأقصد بالاستخلاص غير المكرر أو المنقول بمعناه، ولدقة تأصيل نظر حيال من سلف من حيث التنقيب العلمي الجاد المسؤول، فإن شدة الحذر خلال التناول بفهم مواد كبار العلماء يجر إلى: البذل الاضافي المطلوب في هذا (الحين بالذات) ولنقرأ مثلاً عن حال واحد من هؤلاء الكبار رواية ودراية جاء في ص130/131 قال في (التدريب): (ولنوضح ذلك بمثال: وهو أن تعلم أن أصحاب الزهري (4) مثلاً على خمس طبقات ولكل طبقة مزية على التي تليها وتفاوت ممن كان في الطبقة الأولى فهي الغاية في الصحة.. الخ). قال ابن لحيدان: ومثل هذا هو المراد إذ تتبين به حالات كثيرة من الروايات من خلال معرفة الطبقة ومعرفة حالها وبلدها وروايتها وما يترتب على هذا من حكم أو أحكام علمية في العبادات أو في المعاملات، وهذا بفهمه يجر دوماً إلى : مقدمات الابداع والاضافة والتجديد في عصر الأمة أحوج ما تكون إليه ولاسيما في مجال نوازل متتالية تحتاج إلى بذل وبذل وبذل، خاصة وتأتي صفة التأني وسعة الاطلاع وصدق الظن العلمي وحسن تصور أوجه المطروح في اولويات سبيل البذل.
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ صالح اللحيدان