الردود السوية على الشبه التكفيرية .الشبهة الأولى
الحمد لله ناصر أهل الحق ومظهرهم على جميع الخلق،خصنا بخير ملة شرعت وبأفضل كتاب آياته فصلت
وبأكرم نبي أخلاقه عظمت،نصر الإسلام بكتاب نافع وبسيف قاطع ،جعل بقايا من أهل العلم نصحوا لجميع الأمم،
يحيين بكلام الله الموتى ويبصرون بالسنن أهل العمى ويرشدون بالآثار أهل الهوى،أذل رؤوس البدع والكفر
وصيرهم عبرة لأهل العبر،ففي الضلال من خالف السنة من كل نحلة وفي النيران من خالف الإسلام من كل ملة .وأشهد أن لا إله إلا الله فهو معبود العبيد ومحذر من النار حرها شديد أعدت لكل جبار عنيد ومن نجى منها فهو المؤمن السعيد .
وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله وصفيه من بين خلقه وخليله،حذر من الشرك والمعاصي والمحدثات فاتبعه خلق كثير من المسلمين والمسلمات وخالفه شرذمة هلكت من المشركين والمشركات ،تركنا على المحجة البيضاء والطريقة الواضحة الغراء لا يزيغ عنها إلا أهل الغوغاء.
فصلي اللهم وسلم على هذا النبي الأمي ومن تابعه من كل إنسي وجني حتى تقوم الساعة يا عزيز ياقوي.
أما بعد
فقد خص الله هذه الأمة بخصائص عظيمة ومنها حفظ الدين وظهور المجددين،
فأما حفظ الدين فهو سلامته من كل نقص أو زيادة فيه قال الله عز وجل "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)( الحجر 9.)
قال بن كثير –رحمه الله-"قرر تعالى أنه هو الذي أنزل عليه الذكر وهو القرآن, وهو الحافظ له من التغيير والتبديل,"
قال بن السعدي-رحمه الله- في تفسيره: " إنا نحن نزلنا الذكر "
أي : القرآن الذي فيه ذكرى لكل شيء ، من المسائل والدلائل الواضحة ، وفيه يتذكر من أراد التذكر ،
" وإنا له لحافظون "
أي : في حال إنزاله ، وبعد إنزاله ، ففي حال إنزاله حافظون له ، من استراق كل شيطان رجيم . وبعد إنزاله أودعه الله في قلب رسوله ، واستودعه في قلوب أمته ، وحفظ الله ألفاظه من التغيير فيها ، والزيادة والنقص ، ومعانيه ، من التبديل ، فلا يحرف محرف معنى من معانيه ، إلا وقيض الله له من يبين الحق المبين ، وهذا من أعظم آيات الله ونعمه على عباده المؤمنين ، ومن حفظه : أن الله يحفظ أهله من أعدائهم ، ولا يسلط عدوا يجتاحهم .
وسمى الله عز وجل السنة أيضا ذكرا فقال:" وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)سورة النحل 43 44
قال البغوي-رحمه الله_ وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم " أراد بالذكر الوحي، وكان النبي صلى الله عليه ومبيناً للوحي، وبيان الكتاب يطلب من السنة
قال شيخ الإسلام بن تيمية [ إنا نحن نزلنا إليك الذكر أي السنة لتبين للناس ما نزل عليهم أي القرآن]
فلله الحمد والمنة على حفظ الدين
وأما ظهور المجددين فقد روى الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة رضى الله تعالى عنه ولا أعلمه إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال" إن الله يبعث إلى هذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها."
قال إبن حجر-رحمه الله –في الفتح’ونظير ما نبه عليه ما حمل عليه بعض الأئمة حديث أن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها أنه لا يلزم ان يكون في رأس كل مائة سنة واحد فقط’
فهؤلاء المجددين هم الذين ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين،فهؤلاء هم الذين يجب الرجوع إليهم دون غيرهم.
قال ابن القيم: " العالِم بكتاب الله وسنة رسوله وأقوال الصحابة فهو المجتهد في النوازل، فهذا النوع الذي يَسوغ لهم الإفتاء ويَسوغ استفتاؤهم ويتأدى بهم فرضُ الاجتهاد، وهم الذين قال فيهم رسول الله : (( إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدِّد لها دينها )) ".
فلله الحمد والمنة على ظهور المجددين.
ومن جانب آخر نرى أهل البدع والمحدثات يحاولون تحريف الدين والزيادة فيه والتبديل .(قاصدين أو غير قاصدين)
فتصدى الله لهم بآيات الذكر الحكيم وحذرنا من سوء قصدهم ونواياهم فقال عز وجل { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7)}آل عموان
فعن عائشة –رضي الله عنه-قالت :" قرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هذه الآية فقال رسول الله" "فإِذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمَّى اللّه فاحذروهم"رواه البخاري ومسلم.وأبو داوود
فالله عز وجل لم يقل فأما الذين زاغوا فيتبعون ما تشابه منه ،إنما أثبت للزائغين إتباع المتشابه.
ولهاذا كان من منهج أهل البدع الإعتقاد ومن ثم الإستدلال،ومن منهج أهل السنة الاستدلال ومن ثم الإعتقاد
فلا ريب إن كان هذا هو حال أهل البدع من إتباع المتشابه فلا بد لهم من قذف الشبهات بين المسلمين لإثبات أنهم هم المصيبون.
وإن كانت الشبه ليست من دين الله وظهرت جماعة تحاول إلصاقها بالشرع الحنيف فهذا يعني محاولت منهم للتطاول على كتاب الله وسنة نبيه بالزيادة فيهما .
فلزم من ذلك مجاهدتهم والتحذير منهم ومن بدعهم ،حتى يتحقق لنا حفظ الدين
والذين وكلوا بذلك بعد الأنبياء هم العلماء فهم ورثتهم الذين ورثوا علمهم
فهناك مجموعة من الشبهات يتداولها أهل البدع في زماننا من الإخوان والتبليغ والقطبيين وغيرهم ،جعلوا منها أساسا لدينهم ،وقاعدتا من قواعده ،فتولى أهل العلم إفنادها بأدلة الكتاب والسنة ,فلله الحمد والمنة
وسأقوم بعرض بعض تلك الشبه مع ردود العلماء عليها فأقول مستعينا بالله.
-الشبه الأولى:-قولهم أن حكام عصرنا كفار لأنهم يشرعون مع الله والمشرع مع الله كافر:
فبعد أن أبطل أهل العلم شبهة الحكم بغير ما أنزل الله وبينوا أن الحكم بغير ما أنزل الله ينقسم إلى ثلاثة أقسام،
جاء هؤلاء الأفاكون بشبهة أخرى وهي أن الحكام اليوم لا يحكمون بغير ما أنزل الله فقط بل هم يشرعون معه
فرد أهل العلم هذه الشبه بمايلي:
إن الله -عزَّ وجلَّ- قد خصَّ نفسه بالتشريع ، فهو حق من حقوق الله لا يشاركه فيها أحد، قَالَ تعالى: {ولا يشرك في حكمه أحداً} سورة الكهف(آية/26) ، وقال تعالى: {إن الحكم إلا لله} سورة يوسف(آية/40)، وَقَالَ تَعَالَى : {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} سورة الشورى(آية/21).
فلا يجوز لأحد كائن من كان أن ينصب نفسه ندا لله ويشرع معه،لا في الحلال ولا في الحرام ولا في باقي مستلزمات الإسلام
وكلمة التشريع تعود للفعل "شرع" وَلَهُ معانٍ:
الْمَعْنَى الأَوَّل: البيان والإظهار، قَالَ القَاضِي عياض فِي مَشَارِق الأَنْوَارِ(2/248) : «وشرع لكم من الدين أي بينه وأظهره».
الْمَعْنَى الثَّانِي: البدء كَقَوْلِهِم : شرع فِي البناء، أيْ: بدأ بِهِ.
والشريعة الأَمْر الظاهر البَيِّنُ، أَوْ الطَّرِيْقُ المسلوكة المستقيمة.
وَفِي الشرع: الدين الَّذِي أمر الله عباده أن يتقربوا بِهِ إِلَيْهِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي تهذيب الأَسْمَاءِ(3/153) : «الشَّرِيْعَةُ: ما شرع الله تعالى لعباده من الدين، وقد شرع لهم شرعاً أيْ: سَنَّ.
قال الهروي: قال ابن عرفة: الشرعة والشريعة سواء، وهو الظاهر المستقيم من المذهب، يقال: شرع الله تعالى هذا أي جعله مذهباً ظَاهِراً.
قُلْتُ: قد ذكر الواحدي وغيره عن أهل اللغة في قول الله عز وجل: {ثم جعلناك على شريعة من الأَمْر} أقوالاً؛ فَقَالُوا: الشَّرِيْعَةُ: الدين، والملة، والمنهاج، والطريقة، والسُّنَّة، والقصد. قَالُوا: وبذلك سميت شريعة النهر لأَنَّهُ يوصل منها إلى الانتفاع.
والشرائع في الدين: المذاهب التي شرعها الله تعالى لخلقه» انْتَهَى كلام النَّوَوِيِّ.
وقَالَ ابن منظور فِي لِسَان العَرَبِ(8/176) : «والشريعة والشرعة: ما سَنَّ اللهُ من الدينِ وأمر به كالصوم والصلاة والحج والزكاة وسائر أعمال البِرِّ».من مقال للشيخ أبي عمر العتيبي بعنوان الرد والتبكيب بالمقدسي صاحب كشف شبهات المجادلين عن الطواغيت،نشر في شبكة سحاب السلفية.
ومما استدل به هؤلاء قول الله عز وجل [أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21)] الشورى 21
وهذه أقوال أهل التفسير في هذه الآية:
قال بن جرير في تفسيره" يقول تعالى ذكره أم لهؤلاء المشركين بالله شركاء في شركهم وضلالتهم شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللّهُ يقول: ابتدعوا لهم من الدين ما لم يبح الله لهم ابتداعه"
قال الإمام بن السعدي –رحمه الله-في تفسيره:
" شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله "
من الشرك والبدع ، وتحريم ما أحل الله ، وتحليل ما حرم الله ونحو ذلك ، مما اقتضته أهواؤهم . مع أن الدين لا يكون إلا ما شرعه الله تعالى ، ليدين به العباد ، ويتقربوا به إليه . فالأصل الحجر على كل أحد ، أن يشرع شيئا ما جاء عن الله ولا عن رسوله . فكيف بهؤلاء الفسقة المشتركين هم وهم على الكفر
فنهم من كلام الإمامين أن المشرعين صنفين الكفار وأهل البدع
فأقول لهؤلاء إننا نرى في زماننا تشريعات كثيرة فمثلا نرى أن هناك عصابات للسرقة والسطو تسن قوانيين وتضع تشريعات لعملها
وأيضا الخمارات لها قوانيين وتشريعات وكذلك بالنسبة للبنوك الربيوية .
فهل يصح أن نقول عن هذه المنظمات الفاسقة أنها تشرع مع الله في كافرة ؟
بالطبع لا إلا إذا استحلت ذلك.
وكذلك بالنسبة للمجالس التشريعية في زماننا فهم يقصدون بالتشريع التعريف العرفي أي اللغوي.
قَالَ شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمهُ اللهُ- فِي مجموع الفتاوى( 3/268 ) : " ولفظ "الشرع" يقال في عرف الناس على ثلاثة معان :
"الشرع المنَزَّل" : وهو ما جاء به الرسول ، وهذا يجب اتباعه ومن خالفه وجبت عقوبته.
والثاني: "الشرع المؤَوَّل" : وهو آراء العلماء المجتهدين فيها كمذهب مالك ونحوه ، فهذا يسوغ اتباعه ، ولا يجب ، ولا يحرم .
وليس لأحد أن يلزم عموم الناس به ، ولا يمنع عموم الناس منه.
والثالث: "الشرع المُبَدَّل" : وهو الكذب على الله ورسوله ، أو على الناس بشهادات الزور ونحوها ، والظلم البين ؛ فمن قال: إن هذا من شرع الله فقد كفر بلا نزاع ، كمن قال: إن الدم والميتة حلال ولو قال: هذا مذهبي ونحو ذلك."
معنى هذا أن الشرع المبدل قسمان منه ماهو كفر ومنه ما هو فسق.
فالكفر هوأن تقول هذا من شرع الله .إذا علمت أنه ليس من عند الله فهنا يسمى كافرا.
جاء في فتاوى الشيخ العثيمين-رحمه الله-مايلي" فمن شرع للناس شرعا سوى شرع الله ورى أنه أحسن من شرع الله وأنفع للعباد، وأنه مساو لشرع الله، وأنه يجوز ترك شرع الله إليه، فإنه كافر لأنه جعل نفسه ندا لله – عز وجل – سواء في العبادات أو المعاملات، والدليل على ذلك قوله تعالى : (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) (المائدة :50) فدلت الآية على أنه لا أحد أحسن من حكم الله ولا مساو لحكم الله، لأن أحسن اسم : معناه لا يوجد شي في درجته ، ومن زعم ذلك، فقد كذب الله – عز وجل - . قال تعالى : (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) (المائدة : 44) وهذا دليل على أنه لا يجوز العدول عن شرع الله إلى غيره ، وأنه كفر"
فهل الحكام اليوم لما يقومون بتشريعاتهم يقولون أن هذا من عند الله أومن عند أنفسنا؟
فلا يشك عاقل أنهم ينسبون التشريعات لأنفسهم.
أما الفسق هو أن تنسبها أي التشريعات للبشر.
وأيضا أهل البدع لما يبتدعون في دين الله هل يعتبرون مشرعين أم لا ؟
بالطبع هم مشرعون ولكن تأويلهم يمنع أهل العلم من تكفيرهم .
ولم يرد عن السلف أنهم كفروا أهل البدع بأعيانهم فقد روي عن الإمام أحمد أنه كان يصلي وراء الجهمي.
وأن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-كان يصلي وراء نجدة الحروري.
وختاما أقول أن مسألة التشريع إذا كان يقصد بها المعنى العرفي أي الغوي ،ففيها تفصيل فهي تدور بين الإباحة والتحريم،أما إن كان يقصد بها المعنى الشرعي فهي كفر أكبر مخرج من الملة.
والله أعلم
ملاحظة|:إستفدت كثيرا من مقال الشيخ أبي عمر العتيبي المسمى بالرد والتبكيت بالمقدسي
صاحب كشف شبهات المجادلين عن الطواغيت المنشور في شبكة سحاب السلفية
لجمال بن عبد العزيز الربيعي
( أبو عاصم السّلفي )
والله الموفق
منقول
الحمد لله ناصر أهل الحق ومظهرهم على جميع الخلق،خصنا بخير ملة شرعت وبأفضل كتاب آياته فصلت
وبأكرم نبي أخلاقه عظمت،نصر الإسلام بكتاب نافع وبسيف قاطع ،جعل بقايا من أهل العلم نصحوا لجميع الأمم،
يحيين بكلام الله الموتى ويبصرون بالسنن أهل العمى ويرشدون بالآثار أهل الهوى،أذل رؤوس البدع والكفر
وصيرهم عبرة لأهل العبر،ففي الضلال من خالف السنة من كل نحلة وفي النيران من خالف الإسلام من كل ملة .وأشهد أن لا إله إلا الله فهو معبود العبيد ومحذر من النار حرها شديد أعدت لكل جبار عنيد ومن نجى منها فهو المؤمن السعيد .
وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله وصفيه من بين خلقه وخليله،حذر من الشرك والمعاصي والمحدثات فاتبعه خلق كثير من المسلمين والمسلمات وخالفه شرذمة هلكت من المشركين والمشركات ،تركنا على المحجة البيضاء والطريقة الواضحة الغراء لا يزيغ عنها إلا أهل الغوغاء.
فصلي اللهم وسلم على هذا النبي الأمي ومن تابعه من كل إنسي وجني حتى تقوم الساعة يا عزيز ياقوي.
أما بعد
فقد خص الله هذه الأمة بخصائص عظيمة ومنها حفظ الدين وظهور المجددين،
فأما حفظ الدين فهو سلامته من كل نقص أو زيادة فيه قال الله عز وجل "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)( الحجر 9.)
قال بن كثير –رحمه الله-"قرر تعالى أنه هو الذي أنزل عليه الذكر وهو القرآن, وهو الحافظ له من التغيير والتبديل,"
قال بن السعدي-رحمه الله- في تفسيره: " إنا نحن نزلنا الذكر "
أي : القرآن الذي فيه ذكرى لكل شيء ، من المسائل والدلائل الواضحة ، وفيه يتذكر من أراد التذكر ،
" وإنا له لحافظون "
أي : في حال إنزاله ، وبعد إنزاله ، ففي حال إنزاله حافظون له ، من استراق كل شيطان رجيم . وبعد إنزاله أودعه الله في قلب رسوله ، واستودعه في قلوب أمته ، وحفظ الله ألفاظه من التغيير فيها ، والزيادة والنقص ، ومعانيه ، من التبديل ، فلا يحرف محرف معنى من معانيه ، إلا وقيض الله له من يبين الحق المبين ، وهذا من أعظم آيات الله ونعمه على عباده المؤمنين ، ومن حفظه : أن الله يحفظ أهله من أعدائهم ، ولا يسلط عدوا يجتاحهم .
وسمى الله عز وجل السنة أيضا ذكرا فقال:" وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)سورة النحل 43 44
قال البغوي-رحمه الله_ وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم " أراد بالذكر الوحي، وكان النبي صلى الله عليه ومبيناً للوحي، وبيان الكتاب يطلب من السنة
قال شيخ الإسلام بن تيمية [ إنا نحن نزلنا إليك الذكر أي السنة لتبين للناس ما نزل عليهم أي القرآن]
فلله الحمد والمنة على حفظ الدين
وأما ظهور المجددين فقد روى الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة رضى الله تعالى عنه ولا أعلمه إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال" إن الله يبعث إلى هذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها."
قال إبن حجر-رحمه الله –في الفتح’ونظير ما نبه عليه ما حمل عليه بعض الأئمة حديث أن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها أنه لا يلزم ان يكون في رأس كل مائة سنة واحد فقط’
فهؤلاء المجددين هم الذين ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين،فهؤلاء هم الذين يجب الرجوع إليهم دون غيرهم.
قال ابن القيم: " العالِم بكتاب الله وسنة رسوله وأقوال الصحابة فهو المجتهد في النوازل، فهذا النوع الذي يَسوغ لهم الإفتاء ويَسوغ استفتاؤهم ويتأدى بهم فرضُ الاجتهاد، وهم الذين قال فيهم رسول الله : (( إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدِّد لها دينها )) ".
فلله الحمد والمنة على ظهور المجددين.
ومن جانب آخر نرى أهل البدع والمحدثات يحاولون تحريف الدين والزيادة فيه والتبديل .(قاصدين أو غير قاصدين)
فتصدى الله لهم بآيات الذكر الحكيم وحذرنا من سوء قصدهم ونواياهم فقال عز وجل { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7)}آل عموان
فعن عائشة –رضي الله عنه-قالت :" قرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هذه الآية فقال رسول الله" "فإِذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمَّى اللّه فاحذروهم"رواه البخاري ومسلم.وأبو داوود
فالله عز وجل لم يقل فأما الذين زاغوا فيتبعون ما تشابه منه ،إنما أثبت للزائغين إتباع المتشابه.
ولهاذا كان من منهج أهل البدع الإعتقاد ومن ثم الإستدلال،ومن منهج أهل السنة الاستدلال ومن ثم الإعتقاد
فلا ريب إن كان هذا هو حال أهل البدع من إتباع المتشابه فلا بد لهم من قذف الشبهات بين المسلمين لإثبات أنهم هم المصيبون.
وإن كانت الشبه ليست من دين الله وظهرت جماعة تحاول إلصاقها بالشرع الحنيف فهذا يعني محاولت منهم للتطاول على كتاب الله وسنة نبيه بالزيادة فيهما .
فلزم من ذلك مجاهدتهم والتحذير منهم ومن بدعهم ،حتى يتحقق لنا حفظ الدين
والذين وكلوا بذلك بعد الأنبياء هم العلماء فهم ورثتهم الذين ورثوا علمهم
فهناك مجموعة من الشبهات يتداولها أهل البدع في زماننا من الإخوان والتبليغ والقطبيين وغيرهم ،جعلوا منها أساسا لدينهم ،وقاعدتا من قواعده ،فتولى أهل العلم إفنادها بأدلة الكتاب والسنة ,فلله الحمد والمنة
وسأقوم بعرض بعض تلك الشبه مع ردود العلماء عليها فأقول مستعينا بالله.
-الشبه الأولى:-قولهم أن حكام عصرنا كفار لأنهم يشرعون مع الله والمشرع مع الله كافر:
فبعد أن أبطل أهل العلم شبهة الحكم بغير ما أنزل الله وبينوا أن الحكم بغير ما أنزل الله ينقسم إلى ثلاثة أقسام،
جاء هؤلاء الأفاكون بشبهة أخرى وهي أن الحكام اليوم لا يحكمون بغير ما أنزل الله فقط بل هم يشرعون معه
فرد أهل العلم هذه الشبه بمايلي:
إن الله -عزَّ وجلَّ- قد خصَّ نفسه بالتشريع ، فهو حق من حقوق الله لا يشاركه فيها أحد، قَالَ تعالى: {ولا يشرك في حكمه أحداً} سورة الكهف(آية/26) ، وقال تعالى: {إن الحكم إلا لله} سورة يوسف(آية/40)، وَقَالَ تَعَالَى : {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} سورة الشورى(آية/21).
فلا يجوز لأحد كائن من كان أن ينصب نفسه ندا لله ويشرع معه،لا في الحلال ولا في الحرام ولا في باقي مستلزمات الإسلام
وكلمة التشريع تعود للفعل "شرع" وَلَهُ معانٍ:
الْمَعْنَى الأَوَّل: البيان والإظهار، قَالَ القَاضِي عياض فِي مَشَارِق الأَنْوَارِ(2/248) : «وشرع لكم من الدين أي بينه وأظهره».
الْمَعْنَى الثَّانِي: البدء كَقَوْلِهِم : شرع فِي البناء، أيْ: بدأ بِهِ.
والشريعة الأَمْر الظاهر البَيِّنُ، أَوْ الطَّرِيْقُ المسلوكة المستقيمة.
وَفِي الشرع: الدين الَّذِي أمر الله عباده أن يتقربوا بِهِ إِلَيْهِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي تهذيب الأَسْمَاءِ(3/153) : «الشَّرِيْعَةُ: ما شرع الله تعالى لعباده من الدين، وقد شرع لهم شرعاً أيْ: سَنَّ.
قال الهروي: قال ابن عرفة: الشرعة والشريعة سواء، وهو الظاهر المستقيم من المذهب، يقال: شرع الله تعالى هذا أي جعله مذهباً ظَاهِراً.
قُلْتُ: قد ذكر الواحدي وغيره عن أهل اللغة في قول الله عز وجل: {ثم جعلناك على شريعة من الأَمْر} أقوالاً؛ فَقَالُوا: الشَّرِيْعَةُ: الدين، والملة، والمنهاج، والطريقة، والسُّنَّة، والقصد. قَالُوا: وبذلك سميت شريعة النهر لأَنَّهُ يوصل منها إلى الانتفاع.
والشرائع في الدين: المذاهب التي شرعها الله تعالى لخلقه» انْتَهَى كلام النَّوَوِيِّ.
وقَالَ ابن منظور فِي لِسَان العَرَبِ(8/176) : «والشريعة والشرعة: ما سَنَّ اللهُ من الدينِ وأمر به كالصوم والصلاة والحج والزكاة وسائر أعمال البِرِّ».من مقال للشيخ أبي عمر العتيبي بعنوان الرد والتبكيب بالمقدسي صاحب كشف شبهات المجادلين عن الطواغيت،نشر في شبكة سحاب السلفية.
ومما استدل به هؤلاء قول الله عز وجل [أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21)] الشورى 21
وهذه أقوال أهل التفسير في هذه الآية:
قال بن جرير في تفسيره" يقول تعالى ذكره أم لهؤلاء المشركين بالله شركاء في شركهم وضلالتهم شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللّهُ يقول: ابتدعوا لهم من الدين ما لم يبح الله لهم ابتداعه"
قال الإمام بن السعدي –رحمه الله-في تفسيره:
" شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله "
من الشرك والبدع ، وتحريم ما أحل الله ، وتحليل ما حرم الله ونحو ذلك ، مما اقتضته أهواؤهم . مع أن الدين لا يكون إلا ما شرعه الله تعالى ، ليدين به العباد ، ويتقربوا به إليه . فالأصل الحجر على كل أحد ، أن يشرع شيئا ما جاء عن الله ولا عن رسوله . فكيف بهؤلاء الفسقة المشتركين هم وهم على الكفر
فنهم من كلام الإمامين أن المشرعين صنفين الكفار وأهل البدع
فأقول لهؤلاء إننا نرى في زماننا تشريعات كثيرة فمثلا نرى أن هناك عصابات للسرقة والسطو تسن قوانيين وتضع تشريعات لعملها
وأيضا الخمارات لها قوانيين وتشريعات وكذلك بالنسبة للبنوك الربيوية .
فهل يصح أن نقول عن هذه المنظمات الفاسقة أنها تشرع مع الله في كافرة ؟
بالطبع لا إلا إذا استحلت ذلك.
وكذلك بالنسبة للمجالس التشريعية في زماننا فهم يقصدون بالتشريع التعريف العرفي أي اللغوي.
قَالَ شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمهُ اللهُ- فِي مجموع الفتاوى( 3/268 ) : " ولفظ "الشرع" يقال في عرف الناس على ثلاثة معان :
"الشرع المنَزَّل" : وهو ما جاء به الرسول ، وهذا يجب اتباعه ومن خالفه وجبت عقوبته.
والثاني: "الشرع المؤَوَّل" : وهو آراء العلماء المجتهدين فيها كمذهب مالك ونحوه ، فهذا يسوغ اتباعه ، ولا يجب ، ولا يحرم .
وليس لأحد أن يلزم عموم الناس به ، ولا يمنع عموم الناس منه.
والثالث: "الشرع المُبَدَّل" : وهو الكذب على الله ورسوله ، أو على الناس بشهادات الزور ونحوها ، والظلم البين ؛ فمن قال: إن هذا من شرع الله فقد كفر بلا نزاع ، كمن قال: إن الدم والميتة حلال ولو قال: هذا مذهبي ونحو ذلك."
معنى هذا أن الشرع المبدل قسمان منه ماهو كفر ومنه ما هو فسق.
فالكفر هوأن تقول هذا من شرع الله .إذا علمت أنه ليس من عند الله فهنا يسمى كافرا.
جاء في فتاوى الشيخ العثيمين-رحمه الله-مايلي" فمن شرع للناس شرعا سوى شرع الله ورى أنه أحسن من شرع الله وأنفع للعباد، وأنه مساو لشرع الله، وأنه يجوز ترك شرع الله إليه، فإنه كافر لأنه جعل نفسه ندا لله – عز وجل – سواء في العبادات أو المعاملات، والدليل على ذلك قوله تعالى : (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) (المائدة :50) فدلت الآية على أنه لا أحد أحسن من حكم الله ولا مساو لحكم الله، لأن أحسن اسم : معناه لا يوجد شي في درجته ، ومن زعم ذلك، فقد كذب الله – عز وجل - . قال تعالى : (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) (المائدة : 44) وهذا دليل على أنه لا يجوز العدول عن شرع الله إلى غيره ، وأنه كفر"
فهل الحكام اليوم لما يقومون بتشريعاتهم يقولون أن هذا من عند الله أومن عند أنفسنا؟
فلا يشك عاقل أنهم ينسبون التشريعات لأنفسهم.
أما الفسق هو أن تنسبها أي التشريعات للبشر.
وأيضا أهل البدع لما يبتدعون في دين الله هل يعتبرون مشرعين أم لا ؟
بالطبع هم مشرعون ولكن تأويلهم يمنع أهل العلم من تكفيرهم .
ولم يرد عن السلف أنهم كفروا أهل البدع بأعيانهم فقد روي عن الإمام أحمد أنه كان يصلي وراء الجهمي.
وأن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-كان يصلي وراء نجدة الحروري.
وختاما أقول أن مسألة التشريع إذا كان يقصد بها المعنى العرفي أي الغوي ،ففيها تفصيل فهي تدور بين الإباحة والتحريم،أما إن كان يقصد بها المعنى الشرعي فهي كفر أكبر مخرج من الملة.
والله أعلم
ملاحظة|:إستفدت كثيرا من مقال الشيخ أبي عمر العتيبي المسمى بالرد والتبكيت بالمقدسي
صاحب كشف شبهات المجادلين عن الطواغيت المنشور في شبكة سحاب السلفية
لجمال بن عبد العزيز الربيعي
( أبو عاصم السّلفي )
والله الموفق
منقول