قال الإمام محمد بن الأمير الصنعاني -رحمه الله - في كتابه الشهير: (تطهير الاعتقاد من أدران الإلحاد) يبين حال التصوف والصوفية:
أما المتسمون بالمجاذيب الذين يلوكون لفظ الجلالة بأفواههم، ويقولونها بألسنتهم، ويخرجونها عن لفظها العربي فهم من أجناد إبليس اللعين، ومن أعظم حمر الكون الذين ألبستهم الشياطين حلل التلبيس والتزيين؛ فإن إطلاق الجلالة منفرداً عن إخبار عنها بقولهم: (الله الله) ليس بكلام ولا توحيد، وإنما هو تلاعب بهذا اللفظ الشريف بإخراجه عن لفظه العربي، ثم إخلاؤه عن معنى من المعاني، ولو أن رجلاً عظيماً صالحاً يسمى بزيد وصار جماعة يقولون: (زيد زيد)؛ لعُد ذلك استهزاءً وإهانةً وسخرية، ولا سيما إذا زادوا إلى ذلك تحريف اللفظ.
ثم انظر: هل أتى في لفظة من الكتاب والسنة ذكر الجلالة بانفرادها وتكريرها؟ أو الذي في الكتاب والسنة هو طلب الذكر والتوحيد والتسبيح والتهليل، وهذه أذكار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدعيته وأدعية آله وأصحابه خالية عن هذا الشهيق والنهيق والنعيق الذي اعتاده الذي من هو عن الله وعن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته ودله في مكان سحيق.
ثم قد يضيفون إلى الجلالة الشريفة أسماء جماعة من الموتى، مثل: (ابن علوان) و (أحمد بن الحسين) و(عبد القادر) و(العيدروس)؛ بل قد انتهى الحال إلى أنهم يفرون إلى أهل القبور من الظلم والجور؛ كعلي رومان، وعلي الأحمر وأشباههما، وقد صان الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم وأهل الكساء وأعيان الصحابة عن إدخالهم في أفواه هؤلاء الجهلة الضلال، فيجمعون أنواعاً من الجهل والشرك والكفر.
فإن قلت: إنه قد يتفق من هؤلاء الذين يلوكون الجلالة ويضيفون عليها عمل أهل الخلاعة والبطالة خوارق عادات، وأمور تظن كرامات؛ كطعن أنفسهم بالآلات الحادة، وحملهم لمثل الحنش والحية والعقرب، وأكلهم النار، ومسهم إياها بالأيدي وتقلبهم فيها بالأجسام.
قلت: هذه أحوال شيطانيه، وإنك لملبس عليك إن ظننتها كرامات للأموات أو حسنات للأحياء، لما هتف هذا الضال بأسمائهم وجعلهم أنداداً وشركاء لله تعالى في الخلق والأمر، فهؤلاء الموتى أنت تفرض أنهم أولياء الله تعالى، فهل يرضى ولي الله أن يجعله المجذوب أو السالك شريكاً له تعالى ونداً؟! إن زعمت ذلك فقد جئت شيئاً إداً، وصيرت هؤلاء الأموات مشركين، وأخرجتهم -وحاشاهم ذلك- عن دائرة الإسلام والدين؛ حيث جعلتهم أنداداً لله راضين فرحين، وزعمت أن هذه كرامات لهؤلاء المجاذيب الضلال المشركين، التابعين لكل باطل، المنغمسين في بحار الرذائل، الذين لا يسجدون لله سجدة، ولا يذكرون الله وحده.
فإن زعمت هذا فقد أثبت الكرامات للمشركين الكافرين وللمجانين، وهدمت بذلك ضوابط الإسلام وقواعد الدين المبين والشرع المتين.
وإذا عرفت بطلان هذين الأمرين علمت أن هذه أحوال شيطانية، وأفعال طاغوتية، وأعمال إبليسية، يبعلها الشياطين لإخوانهم من هؤلاء الضالين، معاونة من الفريقين على إغواء العباد، وقد ثبت في الأحاديث أن الشياطين والجان يتشكلون بأشكال الحية والثعبان، وهذا أمر مقطوع بوقوعه، فهم الثعابين التي يشاهدها الإنسان في أيدي المجاذيب، وقد يكون ذلك من باب السحر، وهو أنواع، وتعلمه ليس بالعسير؛ بل بابه الأعظم الكفر بالله وإهانة ما عظمه الله من جعل مصحف في كنيف ونحوه.
فلا يغتر من يشاهد ما يعظم في عينية من أحوال المجاذيب من الأمور التي يراها خوارق؛ فإن للسحر تأثيراً عظيماً في الأفعال، وهكذا الذين يقلبون الأعيان بالأسحار وغيرها.
وهذه قصيدة أخرى للإمام الصنعاني يذم فيها أصحاب وحدة الوجود وعبد الكريم الجيلي
صاحب كتاب (الإنسان الكامل)، يقول فيها:
هذا كتاب كله جهل وخلاف ما جاءت به الرسل
هذا كتاب كل داهية فيه فلا عقل ولا نقل
قد ضل أقوام برؤيته فغدوا وليس لدينهم ظل
هذا هو الإِنسان ألفه من لا يداني جهله البغل
مضمونه أن العباد هم ذات الإِله وهكذا الجهل
فالرب ذات العبد عندهم فهو الوجود الدق والجل
قد قال سبحاني أوائلهم وأنا الإِله وكم وكم ضلوا
قالوا ومن عبد الحجارة قد أضحى بما يأتي له الفضل
وعبادة الأوثان مكرمة فيها يطيب القول والفعل
والسامري أصاب عندهم إذ قال إن إلهه العجل
قالوا ومن شرب الخمور ومن يأتي الذكور ففعله حل
قد حرفوا الذكر الحكيم وما يتضمن الفرقان والنحل
قالوا العذاب عذوبة وكذا نار الجحيم لهيبها ظل
قد خالفوا دين الإِله فما فيه لهم وبل ولا طل
وخلاصة التحقيق أنهم قوم زنادقة فلا أغلو
قادوا إلى الإِسلام فاقرة وعليه سيف ضلالهم سَلُّوا
وأتوا بداهية يشيب لها من شوم ما فاهوا به الطفل
وعلى الذي قد أسسوه بنا قوم عليهم خندق الجهل
كم من غبي جاهل خدعت ألفاظهم إذ عنده تحلو
لم يدر جهلاً أن باطنها أن الشريعة ما لها أصل
يا للرجال أتجهلون هدى وافى به القرآن والرسل
ودلائلاً قامت لدينكم نادى بهن العقل والنقل
وقال رحمه الله تعالى:
ومن لأخيه قال يا كافر فقد بها باء هذا أو بها باء من يبدي
وليس بهذا الكفر يصبح خارجاً عن الدين فافهم ما أقرره عندي
وهذا به جمع الأحاديث والذي أتى في كتاب اللّه ذي العز والمجد
بلى بعض هذا الكفر يخرج فاعلاً له إن يكن للشرع والدين كالضد
كمن هو للأصنام يصبح ساجداً وسابِّ رسول اللّه فهو أخو الجحد
وهذا الذي فصلته الحق فاتبع طريق الهدى إن كنت للحق تستجدي
وجاء مثل هذا في النفاق وغيره من الفسق والكفر الذي كله يُرْدِي
فإن قلت قد كفرت من قال إنه إله وأن اللّه جل عن النِّدِّ
مسماه كل الكائنات جميعها من الكلب والخنزير والقرد والفهد
مع أنه صلى وصام وجانب التـ وسع في الدنيا ومال إلى الزهد
فقلت استمع مني الجواب ولا تكن غبياً جهولاً للحقائق كاللد
فإن الذي عنه سألت مجاهر بنفي الإِله الواحد الصمد الفرد
ونفي نبوءات النبيئين كلهم فما أحمد الهادي لدى ذاك بالمهدي
وتصويب أهل الشرك في شركهم فما أبو لهب إلا كحمزة في الجد
وهرون أخطا حين لام جماعة عكوفاً على عجل يخور ولا يهدي
فإن لم يكن هذا هو الكفر كله فعقلك عقل الطفل زُمِّلَ في المهد
فقد كفر الشيخ ابن تيمية ومن سواه من الأعلام في السهل والنجد
أولئك إذ قالوا الوجود بأسره هو اللّه لا رب يُمَيِّزُ عن عبد
وهذا مقال الفلاسفة الألى إلى النار مسراهم يقيناً بلا رد
وألفي في هذا ابن سبعين كتبه وتابعه الجيلي ويا بئس ما يبدي
ولكن أرى الطائي أطولهم يداً أتى بفصوص لا تزان بها الأيدي
وجاء منهم ابن الفارض الشاعر الذي أتى بعظيم الكفر في روضة الوردي
أجاد نظاماً مثل ما جاد كفره فسبحان ذي العرش الصبور على العبد
أنزهه عن كل قول يقوله ذوو الكفر والتعطيل من كل ذي جحد
وأثني عليه وهو واللّه بالثنا حقيق فقل ما شئت في الواحد الفرد
بديع السموات العلي خالق الملا ورازقهم من غير كدِّ ولا جهد
بدا خلقنا من أرضه ويردنا إليها ويخرجنا معيداً كما يبدي
فريقين هذا في جهنم نازل وذلك مزفوف إلى جنة الخلد
ألا ليت شعري أي دار أزورها فقد طال فكري في الوعيد وفي الوعد
إذا ما ذكرت الذنب خفت جهنماً فقال الرجا بل غير هذا ترى عندي
أليس رحيماً بالعباد وغافراً لما ليس شركاً قاله الرب ذو المجد
فقلت نعم لكن أتانا مقيداً بما شاءه فافهم وعَضَّ هنا الأيدي
فهل أنا ممن شاء غفران ذنبه فيا حبذا أم لست من ذلك الورد
هنا قطع الخوف القلوب وأسبل الـ دموع من الأبرار في ساحة الخلد
فأسأله حسن الختام فإنه إليه انقلابي في الرحيل إلى اللحد
ومغفرة منه ولطفاً ورحمة إذا ما نزلت القبر منفرداً وحدي
وأرجوه يعفو كل ذنب أتيته ويغفر لي ما كان في الهزل والجد
ويلحقنا بالمصطفى وبآله الـ كرام كراماً والصحاب أولي الرشد
قصدت بهذا النظم نصح أحبتي وأختمه بالشكر للّه والحمد
وصل على خير الأنام وآله صلاة وتسليماً يدوما بلا حد
ورَضِّ على الأصحاب أصحاب أحمد أولي الجد في نصر الشريعة والحد
نقلاً عن
http://www.alsoufia.com/articles.aspx?id=2550&selected_id=-2553&page_size=5&links=false&gate_id=0