كتاب
البرهان على تحريم التناكح بين الإنس والجان
تأليف
فضيلة الشيخ
محمد بن عبد الله الإمام
حفظه الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد:
البرهان على تحريم التناكح بين الإنس والجان
تأليف
فضيلة الشيخ
محمد بن عبد الله الإمام
حفظه الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد:
فإن الزواج من أعظم مسائل الحياة التي تقوم عليه ديناً ودنيا، ولهذا اعتنى به الإسلام أيما عناية، وفصَّل مسائله أيما تفصيل وما يرتبط به من أحكام كثيرة وعظيمة، يُعلم هذا من الآيات والأحاديث الواردة في ذلك فما على المسلمين إلا أن يتفقهوا في أمر النكاح قبل أن يقدموا عليه حتى يسلموا من الغوائل التي تؤدي إلى تنغيص دينهم ودنياهم، ومن أعظم مسائل الزواج المختصة بالإنس أن الله جعله مقصوراً على ذرية آدم من بعضهم بعضاً فقط.
وقد ابتلي بعض المسلمين بالانخداع بالزواج من الجن جهلاً منهم بأضرار هذا الزواج
فمن خلال قيامي بالرقى على المصابين بالمس الشيطاني والتعرف على أحوال المصابين بذلك، بان لي بأن المبتلون بهذا النكاح عدد كثير، واتضح لي أن هذا الزواج مليء بالأضرار التي تؤدي إلى إفساد دين المسلم ودنياه، فرجعت إلى الأدلة المانعة من هذا الزواج فوجدتها كثيرة، ونظرت في كلام أهل العلم في هذا الزواج المشؤوم، فوجدت جمهورهم ما بين مصرح بتحريمه ومصرح بكراهيته، ولا يخفى على من عنده شيء من الإلمام بالنكاح المذكور أنه ليس مسألة فقهية فرعية فحسب، بل هو مسألة عظيمة لها ارتباط بالولاء والبراء والتعاون على الإثم والعدوان، ومما زاد الطين بلة أن قام بعض الكتَّاب بتأليف رسائل تدعوا إلى هذا الزواج، ولم يسلكوا مسلك أهل العلم في البحث والتمحيص والتحري للصواب، فجاءوا بالعجائب والمصائب، فرأيت أن أطرق المسألة بشيء من البحث والتمحيص والإيضاح لأهميتها في نظري.
وقد اعتمدت طريقة أهل العلم تضعيفاً وتصحيحاً وترجيحاً فدونك هذه الرسالة التي سميتها ( البرهان على تحريم التناكح بين الإنس والجان ) والله أسأل أن يجعلها مقبولة عند عباده ونافعة لي بين يديه.
الفصل الأول
تعريف النكاح
تعريف النكاح
يطلق ( النكاح ) في اللغة على: الجمع، والضم، والتداخل، ولزوم الشيء للشيء مستعلياً عليه.
وذكر بعض المفسرين أن النكاح في القرآن على عدة أوجه منها: العقد، الوطء، العقد والوطء. انظر "نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر" لابن الجوزي ص(591)
وأما في الشرع فكثيراً ما يراد بالنكاح: عقد الزواج، وهو قول أكثر أهل العلم.
وعرفه بعضهم بقوله: هو أن يعقد على امرأة بقصد الاستمتاع بها وحصول الولد، وغير ذلك من مصالح النكاح.
وعلى هذا التعريف لا يكون الزواج من جنية متحققاً منه ذلك، كما سيأتي بيان هذا في ثنايا هذه الرسالة.
والتعريف اللغوي والشرعي للنكاح لا تفاوت بينهما.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان الدليل على بطلان التحليل" ص(501): «النكاح في اللغة: الجمع والضم على أتم الوجوه، فإن كان اجتماعاً بالأبدان فهو الإيلاج الذي ليس بعده غاية في اجتماع البدنين، وإن كان اجتماعاً بالعقود فهو الجمع بينهما على وجه الدوام واللزوم».
بداية ظهور التناكح بين الجن والإنس في أوساط المسلمين
لقد كان المسلمون في عافية من حصول التناكح بين الجن والإنس سواء في عهد الرسول r أو في عهد الخلفاء الراشدين ومن جاء من بعدهم، ثم ظهر ذلك النكاح في غير عصر السلف الصالح، وأما القصص التي نسبت إلى مالك والأعمش أو زيد العمي فيما يتعلق بهذه المسألة، فغير صحيحة كما سيأتي هذا في الإجابة عن الشبه، ومما يقوي هذا أنها لو كانت في عصر التابعين لحصل الرد على المجيزين هذا النكاح ولو من بعض السلف، فيستفاد من هذا: أن ظهور التناكح بين الجن والإنس كان بعد عصر السلف، والله أعلم.
ولا زال أمر هذا النكاح يزيد ويكثر حتى قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" (19/39): «وقد يتناكح الإنس والجن ويولد بينهما ولد، وهذا كثير معروف، وقد ذكر العلماء ذلك وتكلموا عليه»
الاختلاف في وقوع الزواج بين الجن والإنس
لما كان وقوع التناكح بين الجن والإنس غريباً مريباً حصل الاختلاف بين الكثير في وقوعه وعدمه، واشتهر هذا حتى إن كثيراً من الكتَّاب في هذه المسألة يتطرقون في مؤلفاتهم لعقد فصل لمناقشة هذا الأمر وقوعه من عدمه.
وقد حصل هذا الخلاف قديماً وحديثاً، والذي ظهر لي من خلال بحث هذه المسألة وقوعه، وهو قول كثير من أهل العلم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: « وقد يتناكح الإنس والجن... وهذا كثير معروف» مجموع الفتاوى (19/39).
وقال صاحب "تفسير حدائق الروح والريحان" (15/302): «ومن هنا أخذ بعض العلماء أن يمتنع أن يتزوج المرء امرأة من الجن، إذ لا مجانسة بينهما فلا مناكحة، وأكثرهم على إمكانه»
وهذا الزواج يقل تارة ويكثر تارة، أما كثرته فتكون بسبب كثرة انتشار السحرة والكهان والمنجمين، خصوصاً السحرة المدعين الصلاح والتدين، كسحرة الصوفية، فإن من الصوفية يتعاطى الأعمال السحرية للدجل على المسلمين بأنهم أصحاب كرامات، حتى إن بعض الصوفية يفتخر بهذا الزواج، وهذا من المآخذ على الصوفية.
كيف توصَّل الإنسي إلى نكاح الجنية
من خلال المناقشة لمن تزوج بجنية تأكد لدي أن التوصل المذكور بين الجنسين يحصل بظهور الجنية على الإنسي، فيحصل للإنسي عند ظهور الجنية عليه خوف شديد وانزعاج كبير، ولكنها تغرر به حينما تتمثل له على هيئة امرأة جميلة من الإنس، ويكون معها نفر من الجن يدَّعون أنهم من أقاربها ومعهم عاقد منهم وما هي إلا لحظات قصيرة وقد تزوج الإنسي بالجنية، وهكذا يتعامل الجن مع الإنسية التي يريدون نكاحها، فإن رفض الإنسي أو الإنسية هذا الزواج فقد يتركونه وقد يؤذونه، والغالب المؤاذاة. فعلى من ابتلي بهذا أن يتجه إلى أمرين:
الأول: التضرع إلى الله والعبادة له بالصدق والإخلاص والخشية والمراقبة.
الثاني: المحاججة للجن بالقرآن والسنة، يخاطبهم بقوله: هل أنتم مسلمون أم كفار؟ فإن قالوا: كفار بين لهم أن الإسلام حرم مناكحة الكفار من الإنس إلا أهل الكتاب، فمن باب أولى أن يحرم مناكحتكم. وإن قالوا: نحن مسلمون، بين لهم أن المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله، ومن ظلمكم للمسلم الإنسي واعتداؤكم عليه ظهوركم عليه ودعوتكم إياه إلى ما منع منه الإسلام من المطالبة بالنكاح منكم، فمن صدقكم في إسلامكم وخوفكم من ربكم أن تبتعدوا عن هذا الظلم والاعتداء علينا فنطلب منكم أن تنصرفوا عنا راشدين، فإن كانوا مسلمين عندهم جهل مع حب الحق فسيقبلون النصيحة وينصرفون ولن يعودوا بإذن الله، وإن كانوا زنادقة أو ضلالاً أو كفاراً فالغالب أنهم يعاندون، فعلى المسلم الالتجاء إلى الله.
نفرة الفطرة البشرية عن زواج الإنسي بجنية
من شؤم الزواج بين الجن والإنس نفور الفطرة البشرية عنه، ومما يدل على ذلك الآتي:
1- بنو آدم ذكورهم وإناثهم لا يجدون أنفسهم تتطلع إلى هذا الزواج ولا ترغب فيه، بل لا يكاد يخطر ببال كثير منهم، بخلاف النكاح بين الإنس من بعضهم بعضاً، فهو غريزة فطروا عليها كغريزة الأكل والشرب، لا يجدون الاستغناء عنه.
2- يحصل من بعض من لم يتيسر له الزواج الإتجاه إلى الجرائم من زنا ولواط وغير ذلك، لكن لا تجده يبحث عن الزواج من الجن مع حالته هذه، فعلى ماذا يدل هذا؟
3- لا ترى الناس عند أن يعلموا بأن فلاناً تزوج بجنية لا تراهم فرحين مسرورين بذلك، ويُسمع من بعضهم كلاما يدل على نذفرة فطرهم عن هذا الزواج كقولهم: ما وجد فلان إلا جنية يتزوجها وبعضهم يقول: لو انعدمت النساء ما تزوجت جنية وهذا منهم بدافع الفطرة، فالدليل الفطري المذكور دليل مهم عظيم ينبغي اعتباره دليلا في هذه المسألة حتى لا تعاند الفطرة.
العقل السليم يستنكر الزواج من الجن
لما كان الزواج من الجن غريباً مريباً استنكرته العقول السليمة، قال القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (13/141): قال الماوردي: والقول بأن أم بلقيس جنية مستنكر من العقول لتباين الجنسين واختلاف الطبعين وتفارق الحسَّين»
وقال الآلوسي في "روح المعاني" (19/189): ثم ليت شعري إذا حملت الجنية من الإنسي هل تبقى على لطافتها، فلا تُرى، والحمل على كثافة قيُرى أو يكون الحمل لطيفا مثلها قلا يُرَيان، فإذا تم أمره تكثف وظهر كسائر بني آدم أو تكون متشكلة بشكل نساء بني آدم ما دام الحمل في بطنها وهو فيه يتغذى وينمو بما يصل إليه من غذائها وكل من الشقوق لا يخلو عن استبعاد كما لا يخفى»
وقال الألباني رحمه الله وهو يتحدث عن هذا النكاح: نعم العقل لا يحيله، ولكنه أيضا لا يدركه، بل إنه يستبعده كما تقدم، فالإيمان به يتطلب نصا صحيحا صريحا» السلسلة الضعيفة (12/610)
قلت: والعقل يستنكر هذا الزواج أيضاً لأنه اعتداء على الإنسي، فكيف يسعد المسلم بمعاملة من اعتدى عليه، فكيف بمن استمر في معاداته. ألا ترى أن الإنسي يفاجأ بجنية تطالبه بالزواج بها ليس له أي معرفة مسبقة بها.
وكيف يعقل صلاح هذا الزواج والمرأة الجنية ليست تحت تصرف زوجها الإنسي؟
وأيضا لو اعتدت على الإنسي بضرب أو قتل أو غيره فمن يأخذ حق زوجها منها؟
أمور ما لها إلا البعد عن هذا الزواج.
عدل سابقا من قبل أبو محمد عبدالحميد الأثري في 12.07.08 22:26 عدل 2 مرات