الصوفية مجلة الصوفيةالعدد التاسع
الفضائية الصوفية.. لماذا؟ وإلى أين؟
في أثناء انعقاد مؤتمر عن دور الصوفية أمام تحديات العصر أعلن محمد علاء أبو العزايم -شيخ الطريقة العزمية- إصدار قناة للصوفية في يناير القادم 2009م.
وذكر أن المتخصصين الإعلاميين من أبناء الطريقة العزمية قدموا دراسة لوضع خطة للفقرات التي ستعرض على القناة، وهي مقسمة بين: مسلسلات، وأفلام دينية ووثائقية، وبرامج يتحدث فيها علماء التصوف، ومحاضرات للتربية الصوفية للشباب، ودروس لحماية اللغة العربية، وتغطية احتفالات الموالد الصوفية والمؤتمرات.
وعن إعلانه من طرف واحد بث قناة الصوفية، قال أبوالعزايم: "اقترحت الموضوع على المجلس منذ عامين، الذي وافق بالإجماع، لكنهم لم يتخذوا أي خطوة في سبيل ذلك، وفي اجتماع المجلس غدًا سنعرف إن كان سيشارك جديا أم لا، وبناءً عليه سيتحدد اسم القناة بين (مشيخة عموم الطرق الصوفية) التابعة للمجلس أو قناة (الصفوة) للمشيخة العزمية).
وهنا ثارت العديد من التساؤلات حول دور هذه القناة، ومصدر تمويلها الذي يصل لخمسة ملايين دولار، خاصة مع الدور المشبوه المعروف عن الطريقة العزمية وعلاقتها بأمريكا وإيران، وتشيع الكثير من أفرادها، ودعوتها الشيعية الخفية، خاصة أن هذا الإعلان جاء بعد عودة أبو العزايم من مؤتمر للتصوف بأمريكا، القائم عليه مجموعة من شيعة إيران.
حاولنا أن نستطلع آراء بعض أهل العلم حول القناة ودورها القادم، وتوقعات فشلها أو نجاحها، وكيفية مواجهة ما ستنشره من بدع، فكانت الإجابات كالتالي:
يرى الدكتور علي محمد مقبول -الأستاذ بكلية الآداب قسم الدراسات الإسلامية بجامعة صنعاء اليمنية- أن القناة الفضائية التي يعتزم الصوفية في مصر وعلى رأسهم الطريقة (العزمية) بثها عما قريب لن يكون لها حضورها الإعلامي الذي تتوقعه هذه الطرق الصوفية؛ لأن التيار الصوفي -في اعتقادي- لن يكون له زخم إعلامي أو شعبي في العالم في الوقت الراهن، فالتصوف ما زال يشم اليد والرجل!! ونحن الآن في عالم الإنترنت والفضائيات والتطور العلمي والتقني الهائل فمن لم يسرع به عمله لا يسرع به حسبه.
وقال الدكتور مقبول: بالفعل كان للتيار الصوفي تأثير كبير على الأمة العربية والإسلامية خلال عقود طويلة مضت، كما كان الاستعمار الأجنبي يستفيد منه، ويحسن استخدام هذا التيار في خدمة وتحقيق أهدافه، ففي الوقت الذي كانت تضرب فيه مصر كانت الجماعات المتصوفة تقرأ صحيح البخاري في المسجد الأزهر! فهل يعقل أن يتفاعل الناس مع هذا التيار في ظل هذه الحالة التاريخية التي تعيشها الأمة؟! بالتأكيد هذا ضد المنطق، ولهذا فأنا أتوقع أن التيار الصوفي ومع هذا الانفجار المعلوماتي لن يكون له دور حقيقي وفاعل ربما ما زال يتبعه البعض؛ لكن لن يكون حجم التابعين كبيراً، وسيقتصر على العاطلين وأمثالهم الذين يرتاحون بأن تقول لهم: من صلى على النبي سيكون له كذا وكذا دون أن يستحثه على العمل والاجتهاد.
وأضاف الدكتور مقبول: أن التيار الصوفي في سلوكه هذا يخالف -للأسف الشديد- ما جاء به الإسلام الحقيقي؛ إذ العمل أن تبذل ما في وسعك من أجل نفسك والآخرين؛ لذلك قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه: ((لئن أخرج في حاجة أخي خير من أعتكف شهراً))، فيما قطع رجل شجرة كانت تؤذي المسلمين فأدخله الله الجنة.. فهل يكون العمل بهز الوسط والتمايل يمنة ويسرة، فضلاً عن تلك الأفعال التي يقوم بها من يدعون التصوف؟!
إننا لا نختلف -بالطبع- مع الاهتمام بالتربية الروحية والنفسية، فهذا يجب أن يكون في إطار التكامل في الإسلام لبناء الشخصية المسلمة بمختلف جوانبها، لكن أن يأتي مدعو التصوف بالبدع والخرافات في الوقت الذي تتقدم فيه الأمم.. سيكون الأمر بلا شك جللاً وخطيراً على مستقبل هذه الأمة!! في حين نجد –مثلاً- أن الجيش الاحتياطي في الكيان الصهيوني يساوي نصف السكان، فهل سنحرر القدس بالطبال والرقص وكلمات (هو وهي) وغير ذلك من الكلمات المبهمة، أم أن علينا أن نستنهض الأمة بالعمل والجد؟! فأي الأمرين ستقدم هذه الفضائية الجديدة؟ أعتقد أن عليهم أن يفكروا جيداً فيما سيقدمونه، وإلا سيقعون في خطأ كبير لا يمكن أن يغتفر.
ولفت الدكتور مقبول إلى أن العديد من البلاد العربية والإسلامية تشهد وجود هذا التيار بالفعل؛ إذ يوجد في اليمن –مثلاً- الكثير من أتباع هذا المنهج وبالذات في محافظات الجنوب اليمني، حتى إن بعضهم برز إعلامياً بشكل كبير، وهم يتحدثون دائماً عن حب الرسول صلى الله عليه وسلم، والبكاء خشية من الله، والزهد.. وغيرها من الأمور التي لا خلاف فيها بين المسلمين.. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: وماذا بعد؟.. فهل نتحدث عن حب النبي الكريم والبكاء ولا نعمل ولا نسعى، ولا نحاول أن نغير من أنفسنا، ولا نحاول أن نلحق بركب العلم الذي فاتنا؟! وهل سيكون الحديث عن الحب والبكاء هو أخذ بأسباب الرزق التي حث عليها الإسلام؟! بالتأكيد هذا أمر مرفوض شرعاً ومنطقاً.. وقديماً -مثلاً- كان يسمى اليمنيون بالمتوكلين، إلى أن رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه مجموعة من هؤلاء اليمنيين يحجون بلا زاد فقال لهم عمر: ((من أنتم؟ فقالوا له: نحن المتوكلون: فقال لهم: بل أنتم المتواكلون)).. فالمتوكل هو من يضع الحبة في الأرض ويتوكل على الله، وفي الحديث الشريف: ((اعقلها وتوكل)).. فهل مثل هذا التيار يمكن أن يتفاعل معه الناس في زمننا هذا؟ وهل يمكن أن تنجح فضائية تتحدث باسم تيار يحمل مثل هذه الأفكار؟ أعتقد أن الواقع والوعي بحقيقة الدين كفيلان بأن يصرفا نظر الناس عن مثل هذه الوسائل.
أما الدكتور جعفر شيخ إدريس -الكاتب والمفكر السوداني المعروف- فيتساءل: ماذا سيقول هؤلاء في تلك الفضائية التي يعتزمون بثها عن الصوفية الآن؟
فالصوفية صارت كلمة عامة جداً لا معنى لها، فأي شخص يمكن أن يقول عن نفسه إنه صوفي، مع أن الصوفية بشكلها العام والشائع بين الناس الآن هي مخالفة صريحة للسنة النبوية، وبالتالي فإن مثل هذه الفضائية أمر غير مبشر على الإطلاق.
وقال الدكتور إدريس: إنني أخشى أن يكون وراء هذه القناة الفضائية الجديدة بعض الجهات الخفية، فعندما كنا في أمريكا كنا نكاد نرى تشجيعاً من الحكومة الأمريكية للحركات الصوفية لكي تقف في وجه الحركات السنية الصحيحة، وأخشى أن يكون هذا الأمر من هذا النوع؛ بهدف مواجهة حالة الانتباه لأهمية الإعلام بمختلف وسائله التي سرت بين فصائل الصحوة الإسلامية في الآونة الأخيرة بالكثير من دولنا العربية والإسلامية.
وقال الدكتور إدريس -وهو يبتسم ابتسامة ساخرة-: ومع ذلك إنني أتوقع أن تحقق هذه القناة الفضائية الخاصة بالصوفية النجاح بعض الشيء؛ وذلك لأن هناك الكثيرين في العالم الإسلامي يقولون أو يدعون أنهم من المتصوفة، وهذا شيء مؤسف للغاية.
من جانبه شدد الدكتور محمد العبدة -المفكر الإسلامي السوري المعروف- ورئيس تحرير مجلة البيان السابق- على أننا لا نستطيع الآن أن نتحدث عن نجاح أو عدم نجاح هذه القناة الفضائية الخاصة بالصوفية، غير أنه يمكننا أن نقول: إنه على هؤلاء الصوفيين -إن كانوا فعلاً صادقين في أنهم يمثلون شيئاً من السلوك والأخلاق الإسلامية- أن يرجعوا إلى منهج أوائل الصوفية المشهورين بالزهد والسلوك الحسن والعبادة الصادقة الصحيحة، وليس إلى مصطلحات وألفاظ وأمور فيها الكثير من الاشتباه، وفيها باطل وحق، فإذا كانوا يريدون الخير حقيقة فليرجعوا إلى أمثال إبراهيم بن أدهم، والجنيد، وأمثالهم من الملتزمين بالحديث والسنة والمذاهب الأربعة، وعليه فإنهم مطالبون أيضاً بالالتزام بهذا النهج في هذه الفضائية بدلاً من أن يشاركوا في إحداث البلبلة بين الناس.
وقال الدكتور العبدة: إنه للأسف الشديد لم يعد المتصوفة في الوقت الحالي كما كان أعلام التصوف الحقيقي سابقاً، لا على مستوى الأخلاق والسلوك، ولا على مستوى العبادات والاستقامة، ولا حتى فيما يخص الابتعاد عن الجشع والتكسب من الجميع، وبالتالي لم يعودوا يمثلون هذا الخط في حقيقته وجوهره، فلا ننتظر أو نتوقع منهم أن يشاركوا أو يسهموا بهذه الفضائية وبرامجها في الإعلاء من القيم الروحية للمسلمين، أو أن يستحثوهم على أداء العبادات كما جاء بها الإسلام.
وأشار الدكتور العبدة إلى أن صوفية اليوم أصبحوا يتبعون طريقة معينة من الطرق المتعددة، والتي ترفع كل منها شعاراً معيناً، وتلتزم بما يسمى بـ (أوراد الذكر) التي كثيراً ما يخلطون بها أشياء وعبارات فلسفية ولا ينتبهون لها، وقد تكون هذه العبارات شركية ومخالفة تماماً لمنهج الإسلام.. فهل ستكون هذه الفضائية منبراً لمثل هذه الأشياء؟! أم أنها ستراعي حالة ووضع المسلمين، وما يجب أن تكون عليه وسائل الإعلام الإسلامية في وقت تعاني فيه أمتنا من مشكلات كبيرة تحتاج إلى تضافر الجهود من أجل التخفيف من حدتها؟!
وقال الدكتور العبدة: إننا نسمع كثيراً من بعض قيادات الطرق الصوفية أنهم من أهل السنة، وأنهم ملتزمون بالكتاب والسنة، فأهلاً وسهلاً بهم، والجميع بكل تأكيد يرحب بهم؛ بشرط أن يصدق فعلهم قولهم، لفتاً إلى أن هذه الفضائية ربما تكشف الكثير وتؤكد الكثير أيضاً.
من جهة أخرى بيّن الدكتور عبد العزيز آل عبد اللطيف – الأستاذ المشارك في قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض– أن لا غرابة أن ينشط أهل الأهواء - كالصوفية مثلاً – في سبيل التشبث بأذواقهم ومواجيدهم، فقد قال تعالى: (( وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ))[البقرة:93]^, لاسيما وأن (صحو) الصوفية يؤزّه الغرب عموماً وأمريكا خصوصاً, والباعث لذلك هو المكايدة للمذهب السلفي السني, وتقديم (التصوف) بديلاً مريحاً و ذلولاً للغرب وأذنابه!
هذا (الصحو) سيعقبه (المحو) والانطماس بعون الله تعالى؛ إذ إن من أسباب ظهور الحق: ظهور المعارضين والشانئين له, ولو أن أهل السنة والجماعة بذلوا بعض جهودهم في مدافعة هذا الوباء ومعالجته, ونشر السنة وتبليغ دين الله؛ لما كان لهؤلاء (الغثاء) أن يظهروا, ولكن نشكو إلى الله عجز الثقة وجلد الفاجر.
والمدافعة لهذه القناة تكون بنظيرها، فيسعى إلى إنشاء قنوات تهدف إلى تقرير منهج أهل السنة في التلقي والاستدلال في جميع شؤون الدين؛ من اعتقاد، وفروع، وسلوك وآداب.. وكشف عوار المناهج البدعية من تصوف وتشيع وكلام.. واتخاذ مراكز بحثية متخصصة من أجل إعداد الخطط والبرامج في رصد التصوف ومدافعته وكشف تهافته, ودعوة القوم ومناظرتهم ومحاورتهم؛ بل ومباهلتهم إذا احتيج إلى ذلك.. فهل نحن فاعلون؟
أما الباحث الإسلامي المغربي الأستاذ مصطفى البرجاوي فيقول: أنا لا أعرف شيئاً عن هذه القناة، ولكن الصوفية لا تخلو من أمرين: إما أن تكون مخالفة للشريعة، أو موافقة لها وفي الشريعة ما يغني.
وأضاف البرجاوي: أنه في تقرير لمؤسسة (راند) الأمريكية صنف التقرير الصوفية في قائمة ما سماه: بالجماعات الإسلامية المعتدلة، فهي -كما نعلم- لا تتعرض للتضييقات كما هو الشأن مع بعض الحركات الإسلامية الأخرى؛ لأنها بعيدة كل البعد عن الاشتغال بالمجال السياسي، كما أنها بعيدة عن هموم الناس ومشاكلهم؛ لهذا فهي أقرب إلى الرهبانية التي حذر منها الله سبحانه وتعالى.
واستطرد الأستاذ البرجاوي: إنني بحثت في موضوع الصوفية منذ مدة فوجدت أنها من أصول بوذية: (النرفانة) و(الزراديشتية)، والفلسفات الوثنية الوضعية مختلطة مع بعض تعاليم الإسلام؛ لهذا فقد أسميتهم في بعض المقالات: بتيار إخوان الصفا الجدد.
وأوضح البرجاوي أن ما يهم في المسألة ليس مصطلح الصوفية في ذاته بقدر ما تهم المضامين والمعتقدات؛ إذ الصوفية المتأخرة حادت على الطريق، واشتغلت بالطقوس والشطحات والبدع التي حذر منها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، في حين كانت دعوة الرسول دائماً هي الالتزام بالقرآن الكريم ومنهجه؛ مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: ((تركت فيكم شيئين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي: كتاب الله وسنتي)).
أما الأستاذ ممدوح إسماعيل -الكاتب والمحامي الإسلامي المصري المعروف- فيقول: إن مثل هذه القناة بلا شك أسلوب جديد للتآمر على الفكر الإسلامي الصحيح، ونظراً لوجود صوفية كثيرين في الوطن العربي، وانتشار الجهل والبدع، وسيطرة المفسدين على وسائل الإعلام التي استطاعوا منها تنفير طائفة من الناس عن الفكر الإسلامي السلفي؛ فإني أتوقع أن تشكل رقماً مقلقاً في الإعلام.
وأضاف إسماعيل: أن هناك أهدافاً متعددة من وراء هذه القناة، فمنها:
أولاً: سحب جمهور القنوات السلفية إليها، وثانياً: تخدير الجماهير المسلمة بالفكر الصوفي وقولبته كما يريدون؛ لأنه فكر متساهل ويلبي ما تريده أهواء الناس، وثالثاً: محاولة تدمير وإلغاء الأفكار السلفية والفهم السلفي في التوحيد خاصة، وهو مما يدمر الأمة ويجعلها قبلة لأي تخريب وتغريب واحتلال، سواء كان عسكرياً أو ثقافياً.
وحول مدى احتمالات نجاح هذه القناة قال الأستاذ إسماعيل: إنه بلا شك يمكن أن تنجح هذه القناة، ولكن أظن أن ذلك سيكون عبر محاولات الإغراء بالقبول، أي: لن ينشر ويذاع مظاهر تدخين المخدرات كما يحدث في الموالد، والاختلاط السافر، والشركيات الواضحة جداً، حيث سيقومون بالتخطيط لاستغفال الناس.. وبالتالي فإنني أتوقع أن تشكل قلقاً وليس نجاحاً، وهذا القلق مبعثه أن القنوات السلفية رغم وضوح وصحة المنهج إلا أنها إعلامياً تحتاج إلى جهد مميز لترتقي، وثانياً: بلا شك سوف تدعم القناة الصوفية من الدولة؛ لأنها سوف تحقق لهم رسالة سياسية؛ فضلاً عن وجود صوفيين في الحكم يهمهم نجاحها بكل طريقة.
وأضاف إسماعيل: كذلك فالنجاح كلمة لها مدلولاتها، لكن كما قلت: سوف تشكل قلقاً، بمعنى: أنها سوف تستقطب قطاعاً من الصوفية لتثبتهم على فسادهم، ولا يفوتنا أن استخدام الصوفية كورقة هامة في تغفيل الشعوب أمر مهم لم يغفل عنه المستعمرون منذ الحملة الفرنسية على مصر، حتى السفير الأمريكي الذي كان دائم الزيارة لقبر البدوي الصوفي والالتقاء مع الصوفية، فضلاً عن استخدامها من قبل النظم لتمرير أي قانون أو قرار بموافقة الصوفية ليصبغ بشكل ديني.
وأخيراً: الصوفية أخطر من الاحتلال العسكري؛ لأن أمر الاحتلال مفهوم ومعروف، لكن الصوفية تتغلغل داخل الفكر بثوب الإسلام، وهي تهدم الإسلام من الداخل ببدعها وعقيدتها الفاسدة.
أما الدكتور كمال حبيب -الكاتب والقيادي الإسلامي المعروف- فيقول: إننا دائماً في قضايا الإعلام والاجتماع والسياسة لا نأخذ الحدث مستقلاً عن سياقه، فالحديث عن إطلاق قناة صوفية لابد أن يكون في سياق أنهم يعتبرون أنفسهم طائفة تقوم بدور معين، وهو الدور الذي تحدث عنه الرئيس الأمريكي (جورج دبليو بوش) بقوله: إنه يريد أن يجعل الصراع الحضاري داخل الأمة الإسلامية وليس بين الإسلام والغرب، أي: أن يكون الصراع بين الحركات الإسلامية ذاتها، خاصة بين الصوفية وما يسمونها بالتيارات الوهابية والسلفية.. واليوم السياق يقول: إن الغرب يحاول طرح الإسلام الصوفي كنموذج متسامح تتميع فيه الحدود؛ كاللاهوت والناسوت، والشريعة الظاهرة والشريعة الباطنة، فالغربيون يرون أن التصوف أقرب في مرجعيته الفلسفية من المسيحية؛ لهذا فهم يحبون هذا النموذج لأنه يمكن أن يتصالح مع النموذج الأمريكي للإسلام، حيث لا يوجد فكرة أنا وهم (الآخر)، ولا يوجد ولاء أو براء وشعور بالذاتية، ومن ثم فإن السياق الذي طرحت فيه فكرة إطلاق القناة سياق قائم على تأجيج الصراع داخل الأمة.
وأضاف الدكتور حبيب: أن بعض الأبحاث حاولت الحديث عن دور الصوفية واكتشافه، وقد حاولوا تقديم أنفسهم بالمشاركة والقول في بعض الأمور السياسية؛ كالحديث عن التوريث والتمديد في مصر مثلاً، وهنا يتضح أن المسألة هي خلق تيار آخر غير موجود ولا يشعر به الناس، فهم يريدون إظهار التيار الصوفي بشكل قوي باعتباره قوى سياسية ضخمة في مواجهة قوى سياسية فاعلة.
وأوضح حبيب أن التيار الصوفي تيار متراجع؛ لأنه انطوائي، وغير قادر على أن يتعاطى مع مشاكل الناس الحقيقية، فهو تيار انسحابي، وهناك مشاكل مثل: الفقر، والبطالة، وفقدان الحرية، وغيرها، وليس للصوفية فيها رأي.. مشيراً إلى أن أي تيار يلتحق بالدولة يقضى عليه بالموت.
من جهته شدد الكاتب الصحفي الإسلامي الأستاذ عامر عبد المنعم: أن مثل هذه القنوات يجب ألا تثير قلق المسلمين، كما يجب ألا يبالغوا في تصورهم بمدى خطورتها، فمن حق أي طائفة أو فرقة أن تطلق قناة فضائية أو إذاعة لتعبر عن رأيها، وبالتالي لا يجب أن نبالغ في القلق منها، أو نبالغ في حجم ما يمكن أن تشكله هذه القنوات.
وأضاف عبد المنعم: أن أي قناة فضائية تخضع لمحاكمة الجمهور، والجمهور والرأي العام يشكلان ضغطاً شديداً على القنوات الفضائية تحديداً، وهو ما يدفع بهذه القنوات إلى الاعتدال وعدم التطرف، أو الدخول في مناطق تثير الاستهجان، وبالتالي فإن ما يجب أن نسعى إليه هو أن يكون الإعلام الفضائي الذي يطرح الإسلام غير صادم للآخرين، خاصة وأن التجربة حديثة، وستصحح نفسها مع الخبرة والوقت.
أما الصحفي مصطفى عبد الجواد -سكرتير تحرير موقع إسلام أون لاين- فيرى أن الحديث عن قناة فضائية تعبر عن التيارات والطرق الصوفية يبدو منطقياً، فالطفرة الأخيرة في عدد القنوات الفضائية العربية ونزوعها نحو التخصص؛ جعل الطريق ممهدة لذلك، لكن يبقى التساؤل حول طبيعة الرسالة والمضمون الذي ستقدمه هذه القناة.
فمن المؤكد أن للتدين الصوفي أتباعه الكثيرين، لكنهم مذاهب شتى؛ ولذا فإن القناة يمكنها أن تصنع وصفة للنجاح إذا ما ركزت على الرقائق والمواعظ السهلة، والتي تقرب مقاصد وتعاليم الدين للبسطاء والمسلمين العاديين، أما إذا ما انخرطت القناة في صراع ومعارك مع أصحاب التيارات الأخرى، أو ركزت على السلوكيات الشاذة لدى بعض المتصوفة؛ فإن ذلك قد يقلل من إمكانية نجاحها.
ولابد هنا أن نلفت إلى أن الكثير من الدعاة والوعاظ المحسوبين على التيار الصوفي، والذين يتمتعون بشعبية كبيرة، من الممكن أن يشكلوا ذخيرة ودفعة قوية لنجاح القناة.
الفضائية الصوفية.. لماذا؟ وإلى أين؟
في أثناء انعقاد مؤتمر عن دور الصوفية أمام تحديات العصر أعلن محمد علاء أبو العزايم -شيخ الطريقة العزمية- إصدار قناة للصوفية في يناير القادم 2009م.
وذكر أن المتخصصين الإعلاميين من أبناء الطريقة العزمية قدموا دراسة لوضع خطة للفقرات التي ستعرض على القناة، وهي مقسمة بين: مسلسلات، وأفلام دينية ووثائقية، وبرامج يتحدث فيها علماء التصوف، ومحاضرات للتربية الصوفية للشباب، ودروس لحماية اللغة العربية، وتغطية احتفالات الموالد الصوفية والمؤتمرات.
وعن إعلانه من طرف واحد بث قناة الصوفية، قال أبوالعزايم: "اقترحت الموضوع على المجلس منذ عامين، الذي وافق بالإجماع، لكنهم لم يتخذوا أي خطوة في سبيل ذلك، وفي اجتماع المجلس غدًا سنعرف إن كان سيشارك جديا أم لا، وبناءً عليه سيتحدد اسم القناة بين (مشيخة عموم الطرق الصوفية) التابعة للمجلس أو قناة (الصفوة) للمشيخة العزمية).
وهنا ثارت العديد من التساؤلات حول دور هذه القناة، ومصدر تمويلها الذي يصل لخمسة ملايين دولار، خاصة مع الدور المشبوه المعروف عن الطريقة العزمية وعلاقتها بأمريكا وإيران، وتشيع الكثير من أفرادها، ودعوتها الشيعية الخفية، خاصة أن هذا الإعلان جاء بعد عودة أبو العزايم من مؤتمر للتصوف بأمريكا، القائم عليه مجموعة من شيعة إيران.
حاولنا أن نستطلع آراء بعض أهل العلم حول القناة ودورها القادم، وتوقعات فشلها أو نجاحها، وكيفية مواجهة ما ستنشره من بدع، فكانت الإجابات كالتالي:
يرى الدكتور علي محمد مقبول -الأستاذ بكلية الآداب قسم الدراسات الإسلامية بجامعة صنعاء اليمنية- أن القناة الفضائية التي يعتزم الصوفية في مصر وعلى رأسهم الطريقة (العزمية) بثها عما قريب لن يكون لها حضورها الإعلامي الذي تتوقعه هذه الطرق الصوفية؛ لأن التيار الصوفي -في اعتقادي- لن يكون له زخم إعلامي أو شعبي في العالم في الوقت الراهن، فالتصوف ما زال يشم اليد والرجل!! ونحن الآن في عالم الإنترنت والفضائيات والتطور العلمي والتقني الهائل فمن لم يسرع به عمله لا يسرع به حسبه.
وقال الدكتور مقبول: بالفعل كان للتيار الصوفي تأثير كبير على الأمة العربية والإسلامية خلال عقود طويلة مضت، كما كان الاستعمار الأجنبي يستفيد منه، ويحسن استخدام هذا التيار في خدمة وتحقيق أهدافه، ففي الوقت الذي كانت تضرب فيه مصر كانت الجماعات المتصوفة تقرأ صحيح البخاري في المسجد الأزهر! فهل يعقل أن يتفاعل الناس مع هذا التيار في ظل هذه الحالة التاريخية التي تعيشها الأمة؟! بالتأكيد هذا ضد المنطق، ولهذا فأنا أتوقع أن التيار الصوفي ومع هذا الانفجار المعلوماتي لن يكون له دور حقيقي وفاعل ربما ما زال يتبعه البعض؛ لكن لن يكون حجم التابعين كبيراً، وسيقتصر على العاطلين وأمثالهم الذين يرتاحون بأن تقول لهم: من صلى على النبي سيكون له كذا وكذا دون أن يستحثه على العمل والاجتهاد.
وأضاف الدكتور مقبول: أن التيار الصوفي في سلوكه هذا يخالف -للأسف الشديد- ما جاء به الإسلام الحقيقي؛ إذ العمل أن تبذل ما في وسعك من أجل نفسك والآخرين؛ لذلك قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه: ((لئن أخرج في حاجة أخي خير من أعتكف شهراً))، فيما قطع رجل شجرة كانت تؤذي المسلمين فأدخله الله الجنة.. فهل يكون العمل بهز الوسط والتمايل يمنة ويسرة، فضلاً عن تلك الأفعال التي يقوم بها من يدعون التصوف؟!
إننا لا نختلف -بالطبع- مع الاهتمام بالتربية الروحية والنفسية، فهذا يجب أن يكون في إطار التكامل في الإسلام لبناء الشخصية المسلمة بمختلف جوانبها، لكن أن يأتي مدعو التصوف بالبدع والخرافات في الوقت الذي تتقدم فيه الأمم.. سيكون الأمر بلا شك جللاً وخطيراً على مستقبل هذه الأمة!! في حين نجد –مثلاً- أن الجيش الاحتياطي في الكيان الصهيوني يساوي نصف السكان، فهل سنحرر القدس بالطبال والرقص وكلمات (هو وهي) وغير ذلك من الكلمات المبهمة، أم أن علينا أن نستنهض الأمة بالعمل والجد؟! فأي الأمرين ستقدم هذه الفضائية الجديدة؟ أعتقد أن عليهم أن يفكروا جيداً فيما سيقدمونه، وإلا سيقعون في خطأ كبير لا يمكن أن يغتفر.
ولفت الدكتور مقبول إلى أن العديد من البلاد العربية والإسلامية تشهد وجود هذا التيار بالفعل؛ إذ يوجد في اليمن –مثلاً- الكثير من أتباع هذا المنهج وبالذات في محافظات الجنوب اليمني، حتى إن بعضهم برز إعلامياً بشكل كبير، وهم يتحدثون دائماً عن حب الرسول صلى الله عليه وسلم، والبكاء خشية من الله، والزهد.. وغيرها من الأمور التي لا خلاف فيها بين المسلمين.. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: وماذا بعد؟.. فهل نتحدث عن حب النبي الكريم والبكاء ولا نعمل ولا نسعى، ولا نحاول أن نغير من أنفسنا، ولا نحاول أن نلحق بركب العلم الذي فاتنا؟! وهل سيكون الحديث عن الحب والبكاء هو أخذ بأسباب الرزق التي حث عليها الإسلام؟! بالتأكيد هذا أمر مرفوض شرعاً ومنطقاً.. وقديماً -مثلاً- كان يسمى اليمنيون بالمتوكلين، إلى أن رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه مجموعة من هؤلاء اليمنيين يحجون بلا زاد فقال لهم عمر: ((من أنتم؟ فقالوا له: نحن المتوكلون: فقال لهم: بل أنتم المتواكلون)).. فالمتوكل هو من يضع الحبة في الأرض ويتوكل على الله، وفي الحديث الشريف: ((اعقلها وتوكل)).. فهل مثل هذا التيار يمكن أن يتفاعل معه الناس في زمننا هذا؟ وهل يمكن أن تنجح فضائية تتحدث باسم تيار يحمل مثل هذه الأفكار؟ أعتقد أن الواقع والوعي بحقيقة الدين كفيلان بأن يصرفا نظر الناس عن مثل هذه الوسائل.
أما الدكتور جعفر شيخ إدريس -الكاتب والمفكر السوداني المعروف- فيتساءل: ماذا سيقول هؤلاء في تلك الفضائية التي يعتزمون بثها عن الصوفية الآن؟
فالصوفية صارت كلمة عامة جداً لا معنى لها، فأي شخص يمكن أن يقول عن نفسه إنه صوفي، مع أن الصوفية بشكلها العام والشائع بين الناس الآن هي مخالفة صريحة للسنة النبوية، وبالتالي فإن مثل هذه الفضائية أمر غير مبشر على الإطلاق.
وقال الدكتور إدريس: إنني أخشى أن يكون وراء هذه القناة الفضائية الجديدة بعض الجهات الخفية، فعندما كنا في أمريكا كنا نكاد نرى تشجيعاً من الحكومة الأمريكية للحركات الصوفية لكي تقف في وجه الحركات السنية الصحيحة، وأخشى أن يكون هذا الأمر من هذا النوع؛ بهدف مواجهة حالة الانتباه لأهمية الإعلام بمختلف وسائله التي سرت بين فصائل الصحوة الإسلامية في الآونة الأخيرة بالكثير من دولنا العربية والإسلامية.
وقال الدكتور إدريس -وهو يبتسم ابتسامة ساخرة-: ومع ذلك إنني أتوقع أن تحقق هذه القناة الفضائية الخاصة بالصوفية النجاح بعض الشيء؛ وذلك لأن هناك الكثيرين في العالم الإسلامي يقولون أو يدعون أنهم من المتصوفة، وهذا شيء مؤسف للغاية.
من جانبه شدد الدكتور محمد العبدة -المفكر الإسلامي السوري المعروف- ورئيس تحرير مجلة البيان السابق- على أننا لا نستطيع الآن أن نتحدث عن نجاح أو عدم نجاح هذه القناة الفضائية الخاصة بالصوفية، غير أنه يمكننا أن نقول: إنه على هؤلاء الصوفيين -إن كانوا فعلاً صادقين في أنهم يمثلون شيئاً من السلوك والأخلاق الإسلامية- أن يرجعوا إلى منهج أوائل الصوفية المشهورين بالزهد والسلوك الحسن والعبادة الصادقة الصحيحة، وليس إلى مصطلحات وألفاظ وأمور فيها الكثير من الاشتباه، وفيها باطل وحق، فإذا كانوا يريدون الخير حقيقة فليرجعوا إلى أمثال إبراهيم بن أدهم، والجنيد، وأمثالهم من الملتزمين بالحديث والسنة والمذاهب الأربعة، وعليه فإنهم مطالبون أيضاً بالالتزام بهذا النهج في هذه الفضائية بدلاً من أن يشاركوا في إحداث البلبلة بين الناس.
وقال الدكتور العبدة: إنه للأسف الشديد لم يعد المتصوفة في الوقت الحالي كما كان أعلام التصوف الحقيقي سابقاً، لا على مستوى الأخلاق والسلوك، ولا على مستوى العبادات والاستقامة، ولا حتى فيما يخص الابتعاد عن الجشع والتكسب من الجميع، وبالتالي لم يعودوا يمثلون هذا الخط في حقيقته وجوهره، فلا ننتظر أو نتوقع منهم أن يشاركوا أو يسهموا بهذه الفضائية وبرامجها في الإعلاء من القيم الروحية للمسلمين، أو أن يستحثوهم على أداء العبادات كما جاء بها الإسلام.
وأشار الدكتور العبدة إلى أن صوفية اليوم أصبحوا يتبعون طريقة معينة من الطرق المتعددة، والتي ترفع كل منها شعاراً معيناً، وتلتزم بما يسمى بـ (أوراد الذكر) التي كثيراً ما يخلطون بها أشياء وعبارات فلسفية ولا ينتبهون لها، وقد تكون هذه العبارات شركية ومخالفة تماماً لمنهج الإسلام.. فهل ستكون هذه الفضائية منبراً لمثل هذه الأشياء؟! أم أنها ستراعي حالة ووضع المسلمين، وما يجب أن تكون عليه وسائل الإعلام الإسلامية في وقت تعاني فيه أمتنا من مشكلات كبيرة تحتاج إلى تضافر الجهود من أجل التخفيف من حدتها؟!
وقال الدكتور العبدة: إننا نسمع كثيراً من بعض قيادات الطرق الصوفية أنهم من أهل السنة، وأنهم ملتزمون بالكتاب والسنة، فأهلاً وسهلاً بهم، والجميع بكل تأكيد يرحب بهم؛ بشرط أن يصدق فعلهم قولهم، لفتاً إلى أن هذه الفضائية ربما تكشف الكثير وتؤكد الكثير أيضاً.
من جهة أخرى بيّن الدكتور عبد العزيز آل عبد اللطيف – الأستاذ المشارك في قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض– أن لا غرابة أن ينشط أهل الأهواء - كالصوفية مثلاً – في سبيل التشبث بأذواقهم ومواجيدهم، فقد قال تعالى: (( وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ))[البقرة:93]^, لاسيما وأن (صحو) الصوفية يؤزّه الغرب عموماً وأمريكا خصوصاً, والباعث لذلك هو المكايدة للمذهب السلفي السني, وتقديم (التصوف) بديلاً مريحاً و ذلولاً للغرب وأذنابه!
هذا (الصحو) سيعقبه (المحو) والانطماس بعون الله تعالى؛ إذ إن من أسباب ظهور الحق: ظهور المعارضين والشانئين له, ولو أن أهل السنة والجماعة بذلوا بعض جهودهم في مدافعة هذا الوباء ومعالجته, ونشر السنة وتبليغ دين الله؛ لما كان لهؤلاء (الغثاء) أن يظهروا, ولكن نشكو إلى الله عجز الثقة وجلد الفاجر.
والمدافعة لهذه القناة تكون بنظيرها، فيسعى إلى إنشاء قنوات تهدف إلى تقرير منهج أهل السنة في التلقي والاستدلال في جميع شؤون الدين؛ من اعتقاد، وفروع، وسلوك وآداب.. وكشف عوار المناهج البدعية من تصوف وتشيع وكلام.. واتخاذ مراكز بحثية متخصصة من أجل إعداد الخطط والبرامج في رصد التصوف ومدافعته وكشف تهافته, ودعوة القوم ومناظرتهم ومحاورتهم؛ بل ومباهلتهم إذا احتيج إلى ذلك.. فهل نحن فاعلون؟
أما الباحث الإسلامي المغربي الأستاذ مصطفى البرجاوي فيقول: أنا لا أعرف شيئاً عن هذه القناة، ولكن الصوفية لا تخلو من أمرين: إما أن تكون مخالفة للشريعة، أو موافقة لها وفي الشريعة ما يغني.
وأضاف البرجاوي: أنه في تقرير لمؤسسة (راند) الأمريكية صنف التقرير الصوفية في قائمة ما سماه: بالجماعات الإسلامية المعتدلة، فهي -كما نعلم- لا تتعرض للتضييقات كما هو الشأن مع بعض الحركات الإسلامية الأخرى؛ لأنها بعيدة كل البعد عن الاشتغال بالمجال السياسي، كما أنها بعيدة عن هموم الناس ومشاكلهم؛ لهذا فهي أقرب إلى الرهبانية التي حذر منها الله سبحانه وتعالى.
واستطرد الأستاذ البرجاوي: إنني بحثت في موضوع الصوفية منذ مدة فوجدت أنها من أصول بوذية: (النرفانة) و(الزراديشتية)، والفلسفات الوثنية الوضعية مختلطة مع بعض تعاليم الإسلام؛ لهذا فقد أسميتهم في بعض المقالات: بتيار إخوان الصفا الجدد.
وأوضح البرجاوي أن ما يهم في المسألة ليس مصطلح الصوفية في ذاته بقدر ما تهم المضامين والمعتقدات؛ إذ الصوفية المتأخرة حادت على الطريق، واشتغلت بالطقوس والشطحات والبدع التي حذر منها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، في حين كانت دعوة الرسول دائماً هي الالتزام بالقرآن الكريم ومنهجه؛ مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: ((تركت فيكم شيئين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي: كتاب الله وسنتي)).
أما الأستاذ ممدوح إسماعيل -الكاتب والمحامي الإسلامي المصري المعروف- فيقول: إن مثل هذه القناة بلا شك أسلوب جديد للتآمر على الفكر الإسلامي الصحيح، ونظراً لوجود صوفية كثيرين في الوطن العربي، وانتشار الجهل والبدع، وسيطرة المفسدين على وسائل الإعلام التي استطاعوا منها تنفير طائفة من الناس عن الفكر الإسلامي السلفي؛ فإني أتوقع أن تشكل رقماً مقلقاً في الإعلام.
وأضاف إسماعيل: أن هناك أهدافاً متعددة من وراء هذه القناة، فمنها:
أولاً: سحب جمهور القنوات السلفية إليها، وثانياً: تخدير الجماهير المسلمة بالفكر الصوفي وقولبته كما يريدون؛ لأنه فكر متساهل ويلبي ما تريده أهواء الناس، وثالثاً: محاولة تدمير وإلغاء الأفكار السلفية والفهم السلفي في التوحيد خاصة، وهو مما يدمر الأمة ويجعلها قبلة لأي تخريب وتغريب واحتلال، سواء كان عسكرياً أو ثقافياً.
وحول مدى احتمالات نجاح هذه القناة قال الأستاذ إسماعيل: إنه بلا شك يمكن أن تنجح هذه القناة، ولكن أظن أن ذلك سيكون عبر محاولات الإغراء بالقبول، أي: لن ينشر ويذاع مظاهر تدخين المخدرات كما يحدث في الموالد، والاختلاط السافر، والشركيات الواضحة جداً، حيث سيقومون بالتخطيط لاستغفال الناس.. وبالتالي فإنني أتوقع أن تشكل قلقاً وليس نجاحاً، وهذا القلق مبعثه أن القنوات السلفية رغم وضوح وصحة المنهج إلا أنها إعلامياً تحتاج إلى جهد مميز لترتقي، وثانياً: بلا شك سوف تدعم القناة الصوفية من الدولة؛ لأنها سوف تحقق لهم رسالة سياسية؛ فضلاً عن وجود صوفيين في الحكم يهمهم نجاحها بكل طريقة.
وأضاف إسماعيل: كذلك فالنجاح كلمة لها مدلولاتها، لكن كما قلت: سوف تشكل قلقاً، بمعنى: أنها سوف تستقطب قطاعاً من الصوفية لتثبتهم على فسادهم، ولا يفوتنا أن استخدام الصوفية كورقة هامة في تغفيل الشعوب أمر مهم لم يغفل عنه المستعمرون منذ الحملة الفرنسية على مصر، حتى السفير الأمريكي الذي كان دائم الزيارة لقبر البدوي الصوفي والالتقاء مع الصوفية، فضلاً عن استخدامها من قبل النظم لتمرير أي قانون أو قرار بموافقة الصوفية ليصبغ بشكل ديني.
وأخيراً: الصوفية أخطر من الاحتلال العسكري؛ لأن أمر الاحتلال مفهوم ومعروف، لكن الصوفية تتغلغل داخل الفكر بثوب الإسلام، وهي تهدم الإسلام من الداخل ببدعها وعقيدتها الفاسدة.
أما الدكتور كمال حبيب -الكاتب والقيادي الإسلامي المعروف- فيقول: إننا دائماً في قضايا الإعلام والاجتماع والسياسة لا نأخذ الحدث مستقلاً عن سياقه، فالحديث عن إطلاق قناة صوفية لابد أن يكون في سياق أنهم يعتبرون أنفسهم طائفة تقوم بدور معين، وهو الدور الذي تحدث عنه الرئيس الأمريكي (جورج دبليو بوش) بقوله: إنه يريد أن يجعل الصراع الحضاري داخل الأمة الإسلامية وليس بين الإسلام والغرب، أي: أن يكون الصراع بين الحركات الإسلامية ذاتها، خاصة بين الصوفية وما يسمونها بالتيارات الوهابية والسلفية.. واليوم السياق يقول: إن الغرب يحاول طرح الإسلام الصوفي كنموذج متسامح تتميع فيه الحدود؛ كاللاهوت والناسوت، والشريعة الظاهرة والشريعة الباطنة، فالغربيون يرون أن التصوف أقرب في مرجعيته الفلسفية من المسيحية؛ لهذا فهم يحبون هذا النموذج لأنه يمكن أن يتصالح مع النموذج الأمريكي للإسلام، حيث لا يوجد فكرة أنا وهم (الآخر)، ولا يوجد ولاء أو براء وشعور بالذاتية، ومن ثم فإن السياق الذي طرحت فيه فكرة إطلاق القناة سياق قائم على تأجيج الصراع داخل الأمة.
وأضاف الدكتور حبيب: أن بعض الأبحاث حاولت الحديث عن دور الصوفية واكتشافه، وقد حاولوا تقديم أنفسهم بالمشاركة والقول في بعض الأمور السياسية؛ كالحديث عن التوريث والتمديد في مصر مثلاً، وهنا يتضح أن المسألة هي خلق تيار آخر غير موجود ولا يشعر به الناس، فهم يريدون إظهار التيار الصوفي بشكل قوي باعتباره قوى سياسية ضخمة في مواجهة قوى سياسية فاعلة.
وأوضح حبيب أن التيار الصوفي تيار متراجع؛ لأنه انطوائي، وغير قادر على أن يتعاطى مع مشاكل الناس الحقيقية، فهو تيار انسحابي، وهناك مشاكل مثل: الفقر، والبطالة، وفقدان الحرية، وغيرها، وليس للصوفية فيها رأي.. مشيراً إلى أن أي تيار يلتحق بالدولة يقضى عليه بالموت.
من جهته شدد الكاتب الصحفي الإسلامي الأستاذ عامر عبد المنعم: أن مثل هذه القنوات يجب ألا تثير قلق المسلمين، كما يجب ألا يبالغوا في تصورهم بمدى خطورتها، فمن حق أي طائفة أو فرقة أن تطلق قناة فضائية أو إذاعة لتعبر عن رأيها، وبالتالي لا يجب أن نبالغ في القلق منها، أو نبالغ في حجم ما يمكن أن تشكله هذه القنوات.
وأضاف عبد المنعم: أن أي قناة فضائية تخضع لمحاكمة الجمهور، والجمهور والرأي العام يشكلان ضغطاً شديداً على القنوات الفضائية تحديداً، وهو ما يدفع بهذه القنوات إلى الاعتدال وعدم التطرف، أو الدخول في مناطق تثير الاستهجان، وبالتالي فإن ما يجب أن نسعى إليه هو أن يكون الإعلام الفضائي الذي يطرح الإسلام غير صادم للآخرين، خاصة وأن التجربة حديثة، وستصحح نفسها مع الخبرة والوقت.
أما الصحفي مصطفى عبد الجواد -سكرتير تحرير موقع إسلام أون لاين- فيرى أن الحديث عن قناة فضائية تعبر عن التيارات والطرق الصوفية يبدو منطقياً، فالطفرة الأخيرة في عدد القنوات الفضائية العربية ونزوعها نحو التخصص؛ جعل الطريق ممهدة لذلك، لكن يبقى التساؤل حول طبيعة الرسالة والمضمون الذي ستقدمه هذه القناة.
فمن المؤكد أن للتدين الصوفي أتباعه الكثيرين، لكنهم مذاهب شتى؛ ولذا فإن القناة يمكنها أن تصنع وصفة للنجاح إذا ما ركزت على الرقائق والمواعظ السهلة، والتي تقرب مقاصد وتعاليم الدين للبسطاء والمسلمين العاديين، أما إذا ما انخرطت القناة في صراع ومعارك مع أصحاب التيارات الأخرى، أو ركزت على السلوكيات الشاذة لدى بعض المتصوفة؛ فإن ذلك قد يقلل من إمكانية نجاحها.
ولابد هنا أن نلفت إلى أن الكثير من الدعاة والوعاظ المحسوبين على التيار الصوفي، والذين يتمتعون بشعبية كبيرة، من الممكن أن يشكلوا ذخيرة ودفعة قوية لنجاح القناة.