الاصدار الرابع
سعادة النساء
في التسليم لشرع رب الأرض والسماء
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله ..
أما بعد :
أختنا الحبيبة .. هذا حديث خاص بك، مختص بمصلحتك جالب لسعادتك، ضامن لنجاحك وفلاحك محقق لآمالك ومنتهى أمنياتك.
أختي الحبيبة .. يا من رضيت بالله ربا خالقا ومالكا وحاكما مشرعا، يحكم ما يريد لا معقب لحكمه ، ويقضي ما يشاء لا راد لمشيئته.
أختي الحبيبة .. يا من أحبت مولاها الذي خلقها فسواها وبالعقل السليم حلاها وإلى الصراط المستقيم هداها.
يا من عرفت أن سيدها بها رحيم ولطيف ورفيق ورؤوف، إذا شرع لها وأمرها فإنما ذلك لنفعها بتحقيق مصالح آخرتها ودنياها، وإذا هو نهاها فإنما عن الشر يبعدها وعن الضر حفظها وحماها.
فمالها لا ترضى به حاكما آمرا وناهيا وهو الحكم الذي لا يحكم إلا بالحق والحاكم الذي يحكم بين الخلق ويحكم فيهم بما شاء والحكيم الذي لا يفعل إلا الفعل الصواب المتقن السديد.
ومالها تلك المسلمة المؤمنة لا ترضى عن ربها فيما قضى وقدر لها وهو الذي لا يقضي لعبده إلاّ الخير.
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم « لا يقضي اللهُ للمؤمن قضاءً إلا كان خيراً له إن أصابته سراء شكر كان خيراً له وإن أصابته ضراءّ صبر كان خيراً له وليس ذلك إلا ّللمؤمن » رواه مسلم
نعم ومالها تلك المؤمنة لا ترضى بما حكم الله وشرّع وهي تعلم ما لله تعالى من حق التعظيم والتبجيل والتوقير قال تعالى {مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً } (نوح :13 )
وهو سبحانه إذا حكم حكما أو قضى قضاء أحب أن يرضى عبده بذلك فلا يقول غير { سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا }عند سماع حكمه و { إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ } عند قضائه قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :«إنّ الله إذا أحبّ قوماً ابتلاهم ، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فعليه السخط» رواه الترمذي ، والله تعالى قد أمر المسلمين بأخذ شرائع الإسلام كافة دون ردّ لها أو اعتراض عليها أو كراهة لها أو حرج منها إذ أن هذا هو حقيقة الإسلام.
قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ( 208) َفإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ( 209 ) } البقرة : 208 - 209
يقول الشيخ السعدي - رحمه الله - هذا أمر من الله تعالى للمؤمنين أن يدخلوا { فِي السِّلْمِ كَآفَّةً } أي في جميع شرائع الدين ولا يتركوا منها شيئا وأن لا يكونوا ممن اتخذ إلهه هواه إن وافق الأمر المشروع هواه فعله وإن خالفه تركه بل الواجب أن يكون الهوى تبعاً للدين وأن يفعل كل ما يقدر عليه من أفعال الخير، وما يعجز عنه يلتزمه وينويه فيدركه بنيّته، ولما كان الدخول في السلم كافة لا يمكن ولا يتصور إلا بمخالفة طرق الشيطان قال تعالى { وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ } أي في العمل بمعاصي الله والعدو المبين لا يأمر إلا بالسوء والفحشاء وما به الضرر عليكم ولما كان العبد لا بد أن يقع منه خلل أو زلل قال تعالى { فإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ } أي: على علم ويقين { فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } وفيه من الوعيد الشديد والتخويف ما يوجب ترك الزلل فإن العزيز القاهر الحكيم إذا عصاه العاصي قهره بقوته وعذَّبهُ بمقتضى حكمته فإن من حكمته تعذيب العصاة والجناة. أهـ
إذاً أختنا الفاضلة.. من يؤمن بالله كما جاء في النداء في أول الآية لا بد له من أن يحقق الإستسلام لجميع شرائع الإسلام وإن ترك منها شيئاً أصبح عبداً لهواه نعوذ بالله من هذه الحال ، فالخروج على حكم من أحكام الله قد يوقع العبد فيما لا تحمد عقباه والعياذ بالله من الكفر أو الشرك أو النفاق مما قد يتسبب في دخوله النار.
ولا تتعجبي من ذلك وتستنكري هذا القول وتحسبي أن هذا غلو وتكفير للمسلمين بدون سبب والعياذ بالله.
فقد تقولين: وهل يعقل أن يقع المسلم بعد إسلامه في كفر أو شرك أو نفاق ؟!
نعم، ولو لم يكن هذا محتملا ما تعوذ منه النبي صلي الله عليه وسلم وهو المعصوم من ذلك ولكنه يعلم أمته الأخطار المحدقة بهم ويحذرهم منها ويوصيهم بالوقاية و التعوذ منها ، وقد ورد في أكثر من دعاء تعوذه صلي الله عليه وسلم من هذه الكبائر بقوله : « اللهم إِني أعوذ بك أن أُشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم » رواه مسلم
وقال :« اللهم إِني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم والقسوة والغفلة والعيلَة والذلة والمسكنة ، وأعوذ بك من الفقر والكفر والفسوق والشقاق والنفاق والسمعة والرياء » رواه البخاري ومسلم
إذا فالأمر جدا خطير والخطب جليل ولابد للمسلم من أن يتفحص إيمانه ويتأكد من صحة إسلامه ويضمن بقاء سلامة معتقده ونقاء توحيده الذي هو رأس ماله وسبب نجاته.
وقد يرى البعض مبالغة في إيقاع المسلم بالكفر أو الشرك أو النفاق وما ذاك إلا بسبب جهلنا في ديننا إذ أن علماء العقيدة قد رتبوا أمورا على رد الأحكام الشرعية تتراوح ما بين الكفر والنفاق والشرك خفيت على كثير من المسلمين الذين انشغلوا بأمور دنياهم عن تعلم دينهم الذي هو أوجب الواجبات عليهم لتحقيق ما خلقوا من أجله.