معاوية رضي الله عنه بين المتعسفين والمنصفين |
إن الله عز وجل قد اصطفى خير خلقه ليكون خاتم الرسل إلى خير أمة، واصطفى من خير هذه الأمة صحابة له لمؤازرته ونصرته ونشر دين الله في الأرض، فأبلوا بلاءً حسناً، وبذلوا النفوس والأموال، وجاهدوا وصبروا، حتى أكمل الله الدين وأتم النعمة، وظهر الحق واندحر الباطل، ومن هؤلاء الصحابة معاوية رضي الله عنه. ففضلهم على من بعدهم عظيم، وقدرهم عند الله كبير، فقد بشرهم بالجنة والرضوان وبالمغفرة، وهم ليسوا معصومين، ولا عن الخطأ منزهين، لكن خطأهم مغفور، وسيئاتهم غارقة في بحور حسناتهم، لما لهم من سابقة حسنة وقدم صدق، وما علينا إلا الترضي عليهم، وإحسان الظن بهم، والدعاء لهم، ومعرفة حقهم وفضلهم، حتى يجمعنا الله بهم إن شاء الله في الجنة، إنه جواد كريم. |
خطر الطعن في الصحابة رضوان الله عليهم |
|
|
بسم الله الرحمن الرحيم الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:1-7] آمين. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم وارض عن الصحابة أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وارض عنا معهم بمنّك وكرمك يا أرحم الراحمين. رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ. سيكون الحديث بعنوان: (معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما بين المنصفين والمتعسفين) ولن يكون الحديث عن نسبه وحياته وحديثه وما إلى ذلك مما يتعلق به، وإنما سيكون مقصوراً على ناحية معينة، وهي كلام أهل الإنصاف فيه، الذين وفقهم الله سبحانه وتعالى لأن يسلكوا المسلك القويم، وأن يتكلموا فيه بما يليق به دون أن يقعوا فيما وقع فيه أناس لم يحالفهم التوفيق، ولم يحصل لهم ما يكون فيه سلامتهم ونجاتهم وسعادتهم. معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه هو أحد الصحابة الذين أكرمهم الله بصحبة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وكل كلام يقال في الصحابة -فيما يتعلق بفضلهم وما يجب لهم عموماً- فإن معاوية رضي الله تعالى عنه يدخل في ذلك، ولهم فيه كلام يخصه ويتعلق به مما ينبغي أن يوصف به وأن يتكلم فيه بالنسبة له رضي الله تعالى عنه وأرضاه. والكلام الآتي ليس لي منه إلا مجرد النقل من كتب بذل أصحابها جهوداً مشكورة في خدمة السنة النبوية، وفي بيان ما يجب للصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، فأنا سآتي بكلام عام في الصحابة جميعاً -ويدخل فيهم معاوية بن أبي سفيان - ثم بالكلام الخاص الذي يتعلق بـمعاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه. وقد يقول قائل: لماذا اخترت معاوية بن أبي سفيان فخصّصته بالحديث دون غيره؟ والجواب على ذلك: أن أحد التابعين قال قولة مشهورة، وهي: إن معاوية بن أبي سفيان ستر لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن كشف الستر اجترأ على ما وراءه. فالذي يجرؤ على أن يتكلم في معاوية رضي الله عنه بكلام لا يليق فإنه من السهل عليه أن يتكلم في غيره، ولن يكون الأمر مقتصراً عليه بل سيتجاوزه إلى من هو خير منه ومن هو أفضل منه، بل إلى من هو أفضل البشر بعد الأنبياء والمرسلين: أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ثم عمر الفاروق رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ثم عثمان بن عفان ، ثم علي بن أبي طالب ، وغيرهم من الصحابة. وفي الحقيقة أن ما حصل لهم من كلام يليق بهم فهم أهله، وهو اللائق بهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وهو محمدة لمن تكلم به ولمن حصل منه؛ ولهذا كان ذكر الأسلاف الذين أثنوا على الصحابة الأخيار رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم متردداً دائماً وأبداً على الألسنة، فيأتي كل جيل يذكر كلامهم الجميل، ويترحم عليهم، ويثنى عليهم؛ لكونهم قاموا بما يجب لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين. أما من تكلم فيهم بكلام لا ينبغي فهو في الحقيقة لم يضرهم وإنما ضر نفسه، وذلك أنهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم قَدِموا على ما قَدَّموا، وقد قدموا الخير الكثير، وقدموا الأعمال الجليلة التي قاموا بها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالذي يتكلم فيهم بما لا ينبغي لا يضرهم وإنما يضر نفسه، بل يكون ذلك زيادة في حسناتهم، ورفعة في درجاتهم؛ لأنه إذا تكلم فيهم بغير حق فإنهم يأخذون من حسناته إذا كان له حسنات، فيكون ذلك رفعة في درجاتهم، وإن لم يكن له حسنات فإنه (لا يضر السحاب نبح الكلاب) كما يقولون. ...... |
|
الصحابة هم الواسطة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين الناس |
|
|
أرسل الله سبحانه وتعالى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم، وختم به الرسالات، وجعل رسالته صلى الله عليه وسلم كاملة شاملة خالدة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وقد خصه الله سبحانه وتعالى بأصحاب اختارهم لصحبته، فشاء أن يوجدوا في زمانه، وقد قاموا بما أمكنهم من جد واجتهاد في الجهاد معه في سبيل الله، ونشر دعوته وسنته، وتلقي ما جاء عنه عليه الصلاة والسلام، فصاروا هم الواسطة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين من جاء بعدهم، ومن يقدح فيهم إنما يقدح في الواسطة التي تربط المسلمين برسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقدح في الصلة الوثيقة التي تربط الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذه لهم ميزة وخصيصة، وهي أنهم اختيروا لصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشّرفهم الله في هذه الحياة الدنيا بالنظر إلى طلعته، وما حصل ذلك لأحد سواهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. وشرفهم الله سبحانه وتعالى بأن سمعوا كلامه من فمه الشريف صلى الله عليه وسلم، فتلقوا منه الخير والنور والهدى، وأدوه إلى من بعدهم، فكل إنسان يأتي بعدهم فلهم عليه منّة، ولهم عليه فضل؛ لأن هذا الهدى والنور وهذا الخير الذي حصل لمن بعدهم لم يحصل إلا بواسطة أولئك الأخيار رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً)، فهذا الحديث الشريف لأصحاب رسول صلى الله عليه وسلم منه القسط الأكبر والحظ الأوفر؛ وذلك لأنهم هم الذين تلقوا هذا الهدى وهذا النور من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأدوه إلى من بعدهم، فكل من استفاد منه فلهم مثل أجره إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وقبلهم رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، الذي جاء بهذا الخير وهذا الهدى، فكل من اهتدى وكل من استفاد وكل من دخل في دين الله وعمل صالحاً فإن الله يثيب نبيه صلى الله عليه وسلم بمثل ما يثيب به ذلك العامل، من غير أن ينقص من أجر العامل شيء؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي دعا الناس إلى هذا الهدى، فله مثل أجور من استفاد خيراً بسببه صلوات الله وسلامه عليه. وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم الذين تلقوا هذا الهدى، فهم الذين جمعوا القرآن، وهم الذين حفظوه، وهم الذين أوصلوه إلى من بعدهم، وهم الذين تلقوا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أدوها إلى من بعدهم، فصار لهم الثواب الجزيل، والأجر العظيم، ولهم الحظ الأوفر من دعوة الرسول صلوات الله وسلامه عليه في الحديث الصحيح الذي قال فيه: (نضّر الله امرأً سمع مقالتي، فوعاها وأداها كما سمعها)، فإنهم هم الذين سمعوا منه مباشرة وبدون واسطة، وهذه خصيصة حصلت لهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. إذاً: هؤلاء الأخيار وهؤلاء الأسلاف هم الصلة الوثيقة التي تربطنا برسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن قدح فيهم؛ فقد قطع الصلة بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكفى بذلك ضلالاً وخذلاناً والعياذ بالله! ...... |
|