صفة الشم لله تعالى
قوله [ابن حجر] "... مع أنه سبحانه وتعالى منزه على استطابة الروائح .. الخ"
هذا الجزم من الحافظ رحمه بنفي الشم عن الله تعالى الذي هو إدارك المشمومات لم يذكر عليه دليلا إلا قوله : "إذ ذاك من صفة الحيوان" وهذه الشبهة هي بعينها هي شبة كل من نفى صفة من صفات الله سبحانه من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة ،
وهي شبهة باطلة ، فما ثبت لله تعالى من الصفات يثبت له على ما يليق به ، ويختص به كما يقال ذلك في سمعه وبصره وعلمه ، وسائر صفاته ،
وصفة الشم ليس في العقل ما يقتضي نفيها فإذا قام الدليل السمعي على إثباتها ، وجب إثباتها على الوجه اللائق به سبحانه
، وهذا الحديث ، وهو قوله :" لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ". ليس نصا في إثبات الشم بل هو محتمل لذلك ، فلا يجوز نفيه من غير حجة ،
وحينئذ فقد يقال : إنه صفة الشم لله تعالى مما يجب التوقف فيه لعدم الدليل البين على النفي أو الأثبات فليتدبر ، والله أعلم بمراده
ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم .
هذا وقد قال ابن القيم عند هذا الحديث :" ثم ذكر كلام الشراح في معنى طيبه ، وتأويلهم إياه بالثناء على الصائم والرضا بفعله على عادة كثير منهم بالتأويل من غير ضرورة حتى كانه قد بورك فيه فهو موكل به .
وأي ضرورة تدعو إلى تأويل كونه أطيب عند الله من ريح المسك بالثناء على فاعله ، والرضا بفعله ، وإخراج اللفظ عن حقيقته ؟
وكثير من هؤلاء ينشئ للفظ معنى ثم يدعي إرادة ذلك المعنى بلفظ النص من غير نظر منه إلى استعمال ذلك اللفظ في المعنى الذي عينه أو احتمال اللغة له.
ومعلوم أن هذا يتضمن الشهادة على الله تعالى ورسوله بأن مراده من كلامه كيت وكيت ، فإن لم يكن ذلك معلوما بوضع اللفظ لذلك المعنى أو عرف الشارع صلى الله عليه وسلم وعادته المطردة أو الغالبة باستعمال ذلك اللفظ في هذا المعنى أو تفسيره له به ، و إلا كانت شهادة باطلة ، وأدنى أحوالها أن تكون شهادة بلا علم .
ومن المعلوم أن أطيب ما عند الناس من الرائحة رائحة المسك ، فمثّل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الخلوف عند الله تعالى بطيب رائحة المسك عندنا ، وأعظم ونسبة استطابة ذلك إليه سبحانه وتعالى كنسبة سائر صفاته وأفعاله إليه ؛ فإنها استطابة لا تماثل استطابة المخلوقين
كما أن رضاه وغضبه وفرحه وكراهيته وحبه وبغضه لا تماثل ما للمخلوق من ذلك ، كما أن ذاته سبحانه وتعالى لا تشبه ذوات خلقه ، وصفاته لا تشبه صفاتهم ، وأفعالهم لا تشبه أفعالهم ، وهو سبحانه وتعالى يستطيب الكلم الطيب فيصعد إليه ، والعمل الصالح فيرفعه ، وليست هذه الاستطابة كاستطابتنا .
ثم إن تأويله لا يرفع الإشكال ؛ إذ ما استشكله هؤلاء من الاستطابة يلزم مثله في الرضا ، فإن قال: رضا ليس كرضا المخلوقين ، فقولوا: استطابة ليست كاستطابة المخلوقين ،
وعلى هذا جميع ما يجئ من هذا الباب .
الوابل الصيب ص44-54.
منقول
http://majles.alukah.net/showthread.php?t=860
بسم الله الرحمن الرحيم
فائدة
قال الشيخ عبدالرحمن البراك حفظه الله في تعليقه على فتح الباري لابن حجر تحقيق الشيخ نظر الفاريابي 5/215: فائدة
قوله [ابن حجر] "... مع أنه سبحانه وتعالى منزه على استطابة الروائح .. الخ"
هذا الجزم من الحافظ رحمه بنفي الشم عن الله تعالى الذي هو إدارك المشمومات لم يذكر عليه دليلا إلا قوله : "إذ ذاك من صفة الحيوان" وهذه الشبهة هي بعينها هي شبة كل من نفى صفة من صفات الله سبحانه من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة ،
وهي شبهة باطلة ، فما ثبت لله تعالى من الصفات يثبت له على ما يليق به ، ويختص به كما يقال ذلك في سمعه وبصره وعلمه ، وسائر صفاته ،
وصفة الشم ليس في العقل ما يقتضي نفيها فإذا قام الدليل السمعي على إثباتها ، وجب إثباتها على الوجه اللائق به سبحانه
، وهذا الحديث ، وهو قوله :" لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ". ليس نصا في إثبات الشم بل هو محتمل لذلك ، فلا يجوز نفيه من غير حجة ،
وحينئذ فقد يقال : إنه صفة الشم لله تعالى مما يجب التوقف فيه لعدم الدليل البين على النفي أو الأثبات فليتدبر ، والله أعلم بمراده
ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم .
هذا وقد قال ابن القيم عند هذا الحديث :" ثم ذكر كلام الشراح في معنى طيبه ، وتأويلهم إياه بالثناء على الصائم والرضا بفعله على عادة كثير منهم بالتأويل من غير ضرورة حتى كانه قد بورك فيه فهو موكل به .
وأي ضرورة تدعو إلى تأويل كونه أطيب عند الله من ريح المسك بالثناء على فاعله ، والرضا بفعله ، وإخراج اللفظ عن حقيقته ؟
وكثير من هؤلاء ينشئ للفظ معنى ثم يدعي إرادة ذلك المعنى بلفظ النص من غير نظر منه إلى استعمال ذلك اللفظ في المعنى الذي عينه أو احتمال اللغة له.
ومعلوم أن هذا يتضمن الشهادة على الله تعالى ورسوله بأن مراده من كلامه كيت وكيت ، فإن لم يكن ذلك معلوما بوضع اللفظ لذلك المعنى أو عرف الشارع صلى الله عليه وسلم وعادته المطردة أو الغالبة باستعمال ذلك اللفظ في هذا المعنى أو تفسيره له به ، و إلا كانت شهادة باطلة ، وأدنى أحوالها أن تكون شهادة بلا علم .
ومن المعلوم أن أطيب ما عند الناس من الرائحة رائحة المسك ، فمثّل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الخلوف عند الله تعالى بطيب رائحة المسك عندنا ، وأعظم ونسبة استطابة ذلك إليه سبحانه وتعالى كنسبة سائر صفاته وأفعاله إليه ؛ فإنها استطابة لا تماثل استطابة المخلوقين
كما أن رضاه وغضبه وفرحه وكراهيته وحبه وبغضه لا تماثل ما للمخلوق من ذلك ، كما أن ذاته سبحانه وتعالى لا تشبه ذوات خلقه ، وصفاته لا تشبه صفاتهم ، وأفعالهم لا تشبه أفعالهم ، وهو سبحانه وتعالى يستطيب الكلم الطيب فيصعد إليه ، والعمل الصالح فيرفعه ، وليست هذه الاستطابة كاستطابتنا .
ثم إن تأويله لا يرفع الإشكال ؛ إذ ما استشكله هؤلاء من الاستطابة يلزم مثله في الرضا ، فإن قال: رضا ليس كرضا المخلوقين ، فقولوا: استطابة ليست كاستطابة المخلوقين ،
وعلى هذا جميع ما يجئ من هذا الباب .
الوابل الصيب ص44-54.
منقول
http://majles.alukah.net/showthread.php?t=860