بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
أما بعد...
يلهث الكثير ممن استهوته الشياطين بالطعن في معاوية رضي الله عنه ، وإن لم يطعن قلل من شأنه بأن يسمه بأنه من مسلمة الفتح وأنه من الطلقاء إلى غيرها من الأمور .. حتى وصل بالبعض منهم إلى أن يتوقف في شأنه و يعرضه على ميزان الجرح والتعديل .. ناسياً أو متناسياً أنه من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن الأمة قد أجمعت على تعديلهم دون استثناء من لابس الفتن منهم و من قعد .. و لم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة .
واسمه هو معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي رضي الله عنه، صحابي جليل , ولد في مكة قبل البعثة النبوية بخمس سنين تقريباً، وقيل أكثر، ونشأ وتربى بين قومه بني أمية في شرف ونبل وثراء .
بغضوه الرافضة وشتموه وتعاطف معهم الجهلة من أهل السنة في بغضه . جهلوا ما له من الفضل فهو خال المؤمنين وكاتب الوحي رضي الله عن معاوية فقد دعا له النبي عليه الصلاة والسلام فقال ( اللهم اجعله هادياً مهدياً واهد به ) وقال عليه الصلاة السلام ( اللهم علّم معاوية الحساب وقه العذاب)
اسلم معاوية رضي الله عنه عام الفتح , وروى انه اسلم يوم الحديبية فكتم إيمانه حتى عام الفتح ثم هاجر إلى المدينة لينال شرف كتابة وحي الله على نبيه عليه الصلاة والسلام .
في عهده اتسعت رقعة بلاد المسلمين جهة بلاد الروم ، وبلاد السند ، وكابل ، والأهواز ، وما وراء النهر ، وشمال أفريقيا , وقد أنشأ أول أسطول حربي وفتح به قبرص وصقلية .
ولاه عمر بن الخطاب على الشام بعد موت أخيه يزيد . وأقره عثمان رضي الله عنه على الولاية..
استقل بالشام حتى اجتمع عليه المسلمين وبايعوه بعد أن تنازل له سبط رسول الله الحسن بن علي بن أبي طالب عن الخلافة رضي الله عنهم جميعاً , عام 41 عام الجماعة لاجتماع كلمة المسلمين . وظل خليفة على المسلمين حتى توفي عام 60 للهجرة .
ومع ما حصل من فتنة إلا أن معاوية كان يكن لعلي الحب الاحترام وقد ألح معاوية على ضرار بن ضمرة بأن يصف له علياً رضي الله عنه وما أن وصفه واسترسل في الوصف ذرفت دموع معاوية رضي الله عنه حتى خرت على لحيته فما يملكها وهو ينشفها بكمه وقد اختنق القوم بالبكاء ثم قال معاوية رحم الله أبا الحسن كان والله كذلك فكيف حزنك عليه يا ضرار قال حزن من ذبح ولدها في حجرها فلا ترقا عبرتها ولا يسكن حزنها."صفوة الصفوة".
ثم إن أن معاوية بن أبي سفيان كان من كبار الصحابة و كان كاتب الوحـي الذي قال عنه النبي(( اللهم اجـعله هادياً مهدياً واهد به )). و أخرج مسلم في صحيحه عن ابن عباس أن أبا سفيان طلب من النبي ثلاثة مطالب (( فقال للنبي : يا نبي الله ثلاثٌ أعطينـهن قـال: نعـم ـ منـها ـ قال: معـاوية، تجعله كاتباً بين يديك، قال: نعـم ...))
وعندما ولي معاوية الشام كانت سياسته مع رعيته من أفضل السياسات وكانت رعيته تحبه ويحبُّهم .
(( قال قبيصة بن جابر: ما رأيت أحداً أعظم حلماً ولا أكثر سؤدداً ولا أبعد أناة ولا ألين مخرجاً، ولا أرحب باعاً بالمعروف من معاوية. وقال بعضهم: أسمع رجل معاوية كلاماً سيئاً شديداً، فقيل له لو سطوت عليه؟ فقال: إني لأستحي من الله أن يضيقَ حلمي عن ذنب أحد رعيتي. وفي رواية قال له رجل: يا أمير المؤمنين ما أحلمك؟ فقال: إني لأستحي أن يكون جرم أحد أعظم من حلمي )) لذلك استجابوا له عندما أراد المطالبة بدم عثمان وبايعوه على ذلك ووثقوا له أن يبذلوا في ذلك أنفسهم وأموالهم، أو يدركوا بثأره أو ينفي الله أرواحهم قبل ذلك.
*والفتوحات التي كانت في عهده كثيره وهي :
1.حركة الجهاد ضد الدولة البيزنطية (القسطنطنية)
2- فتوحات الشمال الافريقي (القيروان) ووصل إلى المحيط الأطلسي .
3- فتوحات الجناح الشرقي للدولة الأموية(خراسان وسجستان وما وراء النهر والسند)
4- غزو الروم ابتداءً من عام 42هـ حتى سنة 60هـ فيما يسمى بالشاتية والصائفة.
5- فتح جزيرة رودس على يد جنادة بن أمية الأزوي سنة 31هـ.
6- فتح جزر أخرى منها جزيرة أوراد سنة 32هـ وجزيرة جربة سنة 35هـ.
7- ابتداء بناء القيروان سنة 36هـ بعد فتح إفريقية على يد عقبة بن نافع.
8- إعادة فتح سجستان وخراسان على عبدالله بن عامر بن كريز.
9- غزو بلاد الغور (أفغانستان) حالياً.
10- فتح بلخ وقهستان وما وراء نهر جيحون.
11- فتح مدينة ترمذ (التي نسب إليها الترمذي)
*شبه حول معاوية رضي الله عنه:
معاوية رضي الله عنه ما أراد الحكم ولا اعترض على إمامة عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه بل طالب بتسليمه قتلة عثمان ثم يدخل في طاعته بعد ذلك، فقد أورد الذهبي في ( السير ) عن يعلى بن عبيد عن أبيه قال (( جاء بو مسلم الخولاني وناس معه إلى معاوية فقالوا له: أنت تنازع علياً أم أنت مثله؟ فقال معاوية: لا واللـه إني لأعلم أن علياً أفضل مني، وإنه لأحق بالأمر مني، ولكن ألستم تعلمون أنّ عثمان قتل مظلومـا، وأنا ابن عمه، وإنمـا أطلب بدم عثمان، فأتوه فقولوا له فليدفـع إليّ قتلة عثمـان وأسلّم لـهُ فأتوْا علياً فكلّموه بذلك فلم يدفعهم إليه )) ، طالمـا أكّد معـاوية ذلك بقولـه (( ما قاتلت علياً إلا في أمر عثمان )) ، وهذا هو ما يؤكده عليّ ومن مصادر الشيعة الاثني عشرية أنفسهم، فقد أورد الشريف الرضي في كتاب نهج البلاغة في خطبة لعليّ قوله (( وبدء أمرنا أنا التقينا والقوم من أهل الشام، والظاهر أن ربنا واحد ونبينا واحد، ودعوتنا في الإسلام واحدة، ولا نستزيدهم في الإيمان بالله والتصديق برسوله، ولا يستزيدوننا، الأمر واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان ونحن منه براء )) فهذا عليّ يؤكد أن الخلاف بينه وبين معاوية هو مقتل عثمان وليس من أجل الخلافة أو التحكم في رقاب المسلمين كما يدعي غلاة الرافضة و يقرر أن عثمان وشيعته هم أهل إسلام وإيمان ولكن القضية اجتهادية كل يرى نفسه على الحق في مسألة عثمان.
و أما قولهم بأن معاوية أرغم المسلمين بالقوة والقهر على بيعة ابنه يزيد، فهذا من الكذب الظاهر فإن معاوية لم يرغم الناس على بيعة ابنه يزيد ولكنه عزم على الأخذ بعقد ولاية عهده ليزيد وتم له ذلك، فقد بايع الناس ليزيد بولاية العهد ولم يتخلّف إلا الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير، وتوفيّ معاوية ولم يرغمهم على البيعة. أما أن يزيد فاسق شارب للخمر فهذا كذب أيضاً وندع محمد بن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه يجيب على هذا الادعاء لأنه أقام عند يزيد وهو أدرى به، قال ابن كثير في البداية (( لما رجع أهل المدينة من عند يزيد مشى عبد الله بن مطيع وأصحابه إلى محمد بن الحنفية فأرادوه على خلع يزيد فأبى عليهم، فقال ابن مطيع: إن يزيد يشرب الخمر ويترك الصلاة ويتعدّى حكم الكتاب. فقال لهم: ما رأيت منه ما تذكرون، وقد حضرته وأقمت عنده فرأيته مواظباً على الصلاة متحرياً للخير يسأل عن الفقه ملازماً للسنة، قالوا: فإن ذلك كان منه تصنّعاً لك. فقال: وما الذي خاف مني أو رجا حتى يظهر إليّ الخشوع؟ أفأطلعكم على ما تذكرون من شرب الخمر؟ فلئن كان أطلعكم على ذلك إنكم لشركاؤه، وإن لم يكن أطلعكم فما يحل لكم أن تشهدوا بما لم تعلموا. قالوا: إنه عندنا لحق وإن لم يكن رأيناه. فقال لهم أبى اللـه ذلك علـى أهل الشهادة، فقال { إلا من شهد بالحق وهم يعلمون } ولست من أمركم في شيء، قالوا: فلعلك تكره أن يتولى الأمر غيرك فنحن نولّيك أمرنا. قال: ما استحل القتال على ما تريدونني عليه تابعاً ولا متبوعاً، فقالوا: فقد قاتلت مع أبيك، قال: جيئوني بمثل أبي أقاتل على مثل ما قاتل عليه، فقالوا: فمر ابنيك أبا القاسم والقاسم بالقتال معنا، قال: لو أمرتهما قاتلت. قالوا: فقم معنا مقاماً نحض الناس فيه على القتال، قال: سبحان الله!! آمر الناس بما لا أفعله ولا أرضاه إذاً ما نصحت لله في عباده قالوا: إذاً نكرهك. قال: إذا آمر الناس بتقوى الله ولا يرضون المخلوق بسخط الخالق، وخرج إلى مكة ))
.
أما أن معاوية أمر بسبّ عليّ من على المنابر فكذب، ولا يوجد دليل صحيح ثابت بذلك، وسيرة معاوية و أخلاقه تستبعد هذه الشبهة، أما ما يذكره بعض المؤرخين من ذلك فلا يلتفت إليه لأنهم بإيرادهم لهذا التقول لا يفرقون بين صحيحها وسقيمها، إضافة إلى أن أغلبهم من الشيعة.
و قد قلنا أن معاوية لم يقاتل علي إلا في أمر عثمان وقد رأى أنه ولي دم عثمان وهو أحد أقربائه واستند إلى النصوص النبوية التي تبين وتظهر أن عثمان يقتل مظلوماً ويصف الخارجين عليه بالمنافقين إشارة إلى ما رواه الترمذي وابن ماجة عن عائشة قالت (( قال رسول الله ( يا عثمان! إن ولاّك الله هذا الأمر يوماً، فأَرادكَ المنافقون أن تخْلع قميصك الذي قمَّصَكَ الله، فلا تخلعه ) يقول ذلك ثلاث مرات ))، وقد شهد كعب بن مرة أمام جيش معاوية بذلك فقال (( لولا حديث سمعته من رسول الله ما قمت ـ أي ما قمت بالقتال بجانب معاوية للقصاص من قتلة عثمان ـ وذكر الفتن فقرّ بها فمر رجل مقنع في ثوب فقال: هذا يومئذ على الهدى. فقمت إليه فإذا هو عثمان بن عفان، فأقبلت عليه بوجهه فقلت: هذا ؟ قال: نعم ))، وأيضاً عن عبد الله بن شقيق بن مرة قال (( قال رسول الله تهيج على الأرض فتن كصياصي البقر. فمر رجل متقنع، فقال رسول الله هذا وأصحابه يومئذ على الحق. فقمت إليه فكشفت قناعه وأقبلت بوجهه إلى رسول الله فقلت يا رسول الله هو هذا؟ قال هو هذا. قال: فإذا بعثمان بن عفان ))، وقد رأى معاوية وأنصاره أنهم على الحق بناء على ذلك،
و كان معاوية يقاتل في ظنه دفاعاً عن الحق و عن دم عثمان المهدور و لم يكن ممن تأخذه العزة بالإثم. فعندما قتل عثمان و بويع علي كتب معاوية إلى علي أن عثمان ابن عمي قد قتل ظلماً و أنا وكيله و الله يقول"و من قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليِّهِ سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً" (الإسراء:33) فأرسل إلي قتلة عثمان أقتص منهم. و كان علي يستمهله في الأمر حتى يتمكن ويفعل ذلك. ثم يطلب علي من معاوية أن يسلمه الشام فيأبى معاوية ذلك حتى يسلمه القتلة و أبى أن يبايع علياً هو و أهل الشام. فكان أن جعل الله لمعاوية سلطاناً و جعله منصوراً كما وعد. و لم يعترض معاوية و لا أحد من المسلمين على أحقية علي بالخلافة و إنما أقصر بعضهم عن بيعته لرغبتهم في أن يثأر من قتلة عثمان أولاً كما أسلفنا من قبل. و كان طريقهم الحق و الاجتهاد و لم يكونو في محاربتهم لغرض دنيوي أو لإيثار باطل أو لاستشعار حقد كما قد يتوهمه متوهم و ينزع اليه ملحد و إنما اختلف اجتهادهم في الحق و قد روى البخاري: إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَ إِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ.
و من المسلم عند كل من اطلع على مذهب الإمامية يعلم أنهم يكفرون معاوية لقتاله علياً و لكن الثابت أن الحسن بن علي ـ وهو من الأئمة المعصومين عنـدهـم ـ قد صالح معـاوية و بايعـه علـى الخـلافة فهل صـالح الحسن( المعصوم ) كافر و سلّم له بالخـلافة؟! أم أصلـح بين فئتـين مسلمتين كمـا قـال النـبي(( ابـني هـذا سيـد، و لعـل اللـه يصـلح به بين فئتين من المسلمين ))
فضائله رضي الله عنه :
إن معاوية رضي الله عنه كان من كتاب الوحي ، و من أفضل الصحابة و أصدقهم لهجة و أكثرهم حلماً فكيف يعتقد أن يقاتل الخليفة الشرعي و يهرق دماء المسلمين من أجل ملك زائل ، و هو القائل : والله لا أخير بين أمرين ، بين الله و بين غيره إلا اخترت الله على سواه
و روى الترمذي في فضائل معاوية أنه لما تولى أمر الناس كانت نفوسهم لا تزال مشتعلة عليه ، فقالوا كيف يتولى معاوية و في الناس من هو خير مثل الحسن و الحسين . قال عمير و هو أحد الصحابة : لا تذكروه إلا بخير فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( اللهم اجعله هادياً مهدياً و اهد به )
و أخرج الإمام أحمد ، عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( اللهم علِّم معاوية الكتاب و قِهِ العذاب)
و أخرج أبو داود و البخاري في الأدب المفرد من طريق أبي مجلز قال : خرج معاوية على ابن الزبير و ابن عامر ، فقام ابن عامر و جلس ابن الزبير ، فقال معاوية لابن عامر : اجلس فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "من أحب أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار"
كما أن الصحابة الأئمة قد عرفوا قدره وفضله وقد أثني عليه الكثير منهم فقال عنه سعد ابن أبي وقاص : " انه ما رأى بعد عثمان أقضى بالحق من معاوية"
وعن الشعبي إن قبيصة بن جابر الأسدي : ألا أخبركم من صحبت ؟عمر بن الخطاب فما رأيت رجلاً افقه فقهاً ولا أحسن مدارسة منه . ثم صحبت طلحة بن عبيد الله فما رأيت رجلاً أعطى للجزيل من غير مسألة منه . ثم صحبت معاوية فما رأيت رجلاً أحب رفيقاً ولا أشبه سريرة بعلانية منه .
وعن عبد الله بن عمر بن العاص قال : " ما رأيت أحدا اسوداً من معاوية قال جبلة بن سحيم قلت : ولا عمر ؟ قال : كان عمر خير منه وكان معاوية اسود منه "
وقال مجاهد" : لو أدركتم معاوية لقلتم هذا المهدي"
وروي أنه ذكر عمر ابن عبد العزيز وعدله عند الأعمش فقال : ( فكيف لو أدركتم معاوية ؟ قالوا: في حلمه ؟ لا والله , بل في عدله)
وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما" : ما رأيت رجلاً كان اخلق بالملك من معاوية"
وقيل لابن عباس رضي الله عنهما: هل لك في أمر أمير المؤمنين معاوية فإنه ما أوتر إلا بواحدة؟ قال: أصاب، إنه فقيه. رواه البخاري.
و عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: ما رأيت أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من أميركم هذا - يعني معاوية. تاريخ دمشق 52/235 ، والذهبي في السير 3/135
وعن يزيد الأصم قال: قال علي رضي الله عنه: قتلاي وقتلى معاوية في الجنة. سنده حسن للطبراني في الكبير 19/307