الإصلاح في القرآن (مفهومُه وميادينه ومسالكُه)
بسم الله الرحمن الرحيمالإصلاح في القرآن (مفهومُه وميادينه ومسالكُه)للشيخ عز الدين رمضانيإنَّالمتَتَبِّعَ للمواضع التيذُكِر فيها الإصلاحُ في القرآن يظهر له بوضوحـلا يدع مجالاً للشكِّـأنَّ هذه الكلمةومايتفرَّع منها من ألفاظ واشتقاقات، وما يُستوحى منها من معانٍ ومدلولات،قدتبوّأتمكانًا عليًّا في هذا الكتاب، إذْ عُدَّتْ من جملة أخلاقه وفضائله التي دعاإليهاوحثَّ على التزامها والتَّحلِّي بها، ويكفي للدِّلالة على أهميَّتها وبروزهاأنْذُكِرت أكثرَ من مائةٍ وسبعين مرَّة بأساليبَ متنوِّعةٍ وسياقاتٍ مختلفةٍومدلولاتتَخْلُصُ إلى أنَّ كلَّ ما يؤدِّي إلى الكفِّ عن المعاصي ومجانبة الفساد،أو إلىفعلِ الطَّاعات واتِّباع الرَّشاد فهو إصلاح.
فالإصلاحـومنه الصَّلاحـ كما يقولُأهل اللُّغة والبيانِ: نقيضُ الإفساد، وهما مختصَّان في أكثر الاستعمال بالأفعال،وقُوبِلَ في القرآنتارةً بالفساد، وتارةً بالسَّيِّئَةِ.
فمِنَالأوَّلِ قولُهتعالى: ﴿وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرضِ بَعْدَإِصْلاَحِهَا﴾[الأعراف: 56]،ومِنَالثَّاني قوله تعالى: ﴿خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَسَيِّئًا﴾ [التوبة: 102].
وممَّايُشَرِّفُ الإصلاحَ ويجعله آيةَ الصَّلاح ودليلَ الفلاحِ أنَّ اللهَتولاَّه بنفسهاستحقاقًا وفضلاً، ونسبَه إلى نفسِه الكريمةِ صفةً وفعلاً، وحملَ عليههذا الإنسانَحثًّا وترغيبًا ليكون لرسالته أهلاً، فكان إصلاحُه له تارةً بخَلْقِهإيَّاهُصالحًا، وتارةً بإزالةِ ما فيهِ منْ فسادٍ بعدوُجودِه، وتارةً بالحكملهبالصَّلاح كما قال تعالى :﴿وَأَصْلَحَبَالَهُمْ﴾ [محمد: 2]،﴿وَأَصْلِحْ لِيذُرِّيَّتِي﴾[الأحقاف: 15]،﴿يُصْلِحْ لَكُمْأَعْمَالَكُمْ﴾[الأحزاب: 71]،﴿إِنَّ اللهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَالْمُفْسِدِينَ﴾[يونس: 81].
ومن هُنا يتبيَّنمَدَى التَّلاَزُم الموجودِ بين الصَّلاح والإصلاح،وكلاهُما أَشَادَ بهما القرآنُبحيث لا يَنْفَكُّ أحدُهما عن الآخر؛ لأنَّ الصَّلاحيكون في النَّفس أوَّلاً ثميتعدَّى إلى الإصلاح للنَّفس، وبوجُودهما تكتملُالفضيلةُ ويؤولُ التَّغيير إلىاستقامةِ الحال.
لكن في الإصلاحمعنًى زائدًا علىالصَّلاح، وهو ما يحصُل فيه منَ النَّفْعِ المتعدِّي بخلافالصَّلاح الَّذي قد لايتعدَّى النَّفع القاصر، وإن كان مِن لازمِه أن يُؤَدِّيَإلى الإصلاح؛ لأنَّه ثمرةٌله؛ ولذا قالوا: «الصَّالحون يبنون أنفسَهم، والمصلِحُونيبنون غيرَهم«.
وقد جعلالله من مِنَنِهِ على المصْطَفَيْنَ من عباده إصلاحَ أعمالهم وتوفيقَهملعملالصَّالحات؛ فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوااتَّقُوا اللهَوَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْوَيَغْفِرْ لَكُمْذُنُوبَكُمْ﴾ [الأحزاب: 71]،وقال: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوابِمَانُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَعَنْهُمْسَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَبَالَهُمْ﴾[محمد: 2]
وفي طليعةِمنأصلحَهم الله وجعلَهم أئمَّةً في الصَّلاح والإصلاح الرُّسلُ عليهم السَّلام،كماقال في حقِّ خليله إبراهيم: ﴿وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِيالدُّنْيَاوَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَالصَّالِحِينَ﴾[البقرة: 130]،وقالفي حقِّ عيسى: ﴿وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاًوَمِنَالصَّالِحِينَ﴾[آل عمران: 46]، وقال في غيرهم: ﴿وَزَكَرِيَّاوَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّمِّنَالصَّالِحِينَ﴾ [الأنعام: 85]،وقال: ﴿وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّمِّنَالصَّابِرِينَوَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُممِّنَالصَّالِحِينَ﴾[الأنبياء: 85-86]
وإذا كانت مهمّةُ الرُّسلِوالأنبياءِ الإبلاغَ والإنذارَ وإقامةَ الحجَّة على النَّاس، فهي لا تخرج عن كونهامهمَّةَ إصلاحٍ وتغييرِ ما حلَّ بالأَنْفُسِ والهِمم، والشُّعوب والأُمَمِ من فسادِالتَّصوُّر والاعتقاد، وانحرافِ العبادة والسُّلوك، وسوءِالتَّعامل والتَّدبير، قالتعالى على لسان شعيب ؛ في معرض قيامه بواجب النُّصحوالتَّذكير لقومه: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَاتَوْفِيقِيإِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾[هود: 88]،ولمااسْتَخْلَفَ نبيُّ الله موسى أخاه هارونَ ـ عليه السلام ـ في قومه أوصاه بقوله: ﴿اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَالْمُفْسِدِينَ﴾[الأعراف: 142].
بسم الله الرحمن الرحيمالإصلاح في القرآن (مفهومُه وميادينه ومسالكُه)للشيخ عز الدين رمضانيإنَّالمتَتَبِّعَ للمواضع التيذُكِر فيها الإصلاحُ في القرآن يظهر له بوضوحـلا يدع مجالاً للشكِّـأنَّ هذه الكلمةومايتفرَّع منها من ألفاظ واشتقاقات، وما يُستوحى منها من معانٍ ومدلولات،قدتبوّأتمكانًا عليًّا في هذا الكتاب، إذْ عُدَّتْ من جملة أخلاقه وفضائله التي دعاإليهاوحثَّ على التزامها والتَّحلِّي بها، ويكفي للدِّلالة على أهميَّتها وبروزهاأنْذُكِرت أكثرَ من مائةٍ وسبعين مرَّة بأساليبَ متنوِّعةٍ وسياقاتٍ مختلفةٍومدلولاتتَخْلُصُ إلى أنَّ كلَّ ما يؤدِّي إلى الكفِّ عن المعاصي ومجانبة الفساد،أو إلىفعلِ الطَّاعات واتِّباع الرَّشاد فهو إصلاح.
فالإصلاحـومنه الصَّلاحـ كما يقولُأهل اللُّغة والبيانِ: نقيضُ الإفساد، وهما مختصَّان في أكثر الاستعمال بالأفعال،وقُوبِلَ في القرآنتارةً بالفساد، وتارةً بالسَّيِّئَةِ.
فمِنَالأوَّلِ قولُهتعالى: ﴿وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرضِ بَعْدَإِصْلاَحِهَا﴾[الأعراف: 56]،ومِنَالثَّاني قوله تعالى: ﴿خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَسَيِّئًا﴾ [التوبة: 102].
وممَّايُشَرِّفُ الإصلاحَ ويجعله آيةَ الصَّلاح ودليلَ الفلاحِ أنَّ اللهَتولاَّه بنفسهاستحقاقًا وفضلاً، ونسبَه إلى نفسِه الكريمةِ صفةً وفعلاً، وحملَ عليههذا الإنسانَحثًّا وترغيبًا ليكون لرسالته أهلاً، فكان إصلاحُه له تارةً بخَلْقِهإيَّاهُصالحًا، وتارةً بإزالةِ ما فيهِ منْ فسادٍ بعدوُجودِه، وتارةً بالحكملهبالصَّلاح كما قال تعالى :﴿وَأَصْلَحَبَالَهُمْ﴾ [محمد: 2]،﴿وَأَصْلِحْ لِيذُرِّيَّتِي﴾[الأحقاف: 15]،﴿يُصْلِحْ لَكُمْأَعْمَالَكُمْ﴾[الأحزاب: 71]،﴿إِنَّ اللهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَالْمُفْسِدِينَ﴾[يونس: 81].
ومن هُنا يتبيَّنمَدَى التَّلاَزُم الموجودِ بين الصَّلاح والإصلاح،وكلاهُما أَشَادَ بهما القرآنُبحيث لا يَنْفَكُّ أحدُهما عن الآخر؛ لأنَّ الصَّلاحيكون في النَّفس أوَّلاً ثميتعدَّى إلى الإصلاح للنَّفس، وبوجُودهما تكتملُالفضيلةُ ويؤولُ التَّغيير إلىاستقامةِ الحال.
لكن في الإصلاحمعنًى زائدًا علىالصَّلاح، وهو ما يحصُل فيه منَ النَّفْعِ المتعدِّي بخلافالصَّلاح الَّذي قد لايتعدَّى النَّفع القاصر، وإن كان مِن لازمِه أن يُؤَدِّيَإلى الإصلاح؛ لأنَّه ثمرةٌله؛ ولذا قالوا: «الصَّالحون يبنون أنفسَهم، والمصلِحُونيبنون غيرَهم«.
وقد جعلالله من مِنَنِهِ على المصْطَفَيْنَ من عباده إصلاحَ أعمالهم وتوفيقَهملعملالصَّالحات؛ فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوااتَّقُوا اللهَوَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْوَيَغْفِرْ لَكُمْذُنُوبَكُمْ﴾ [الأحزاب: 71]،وقال: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوابِمَانُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَعَنْهُمْسَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَبَالَهُمْ﴾[محمد: 2]
وفي طليعةِمنأصلحَهم الله وجعلَهم أئمَّةً في الصَّلاح والإصلاح الرُّسلُ عليهم السَّلام،كماقال في حقِّ خليله إبراهيم: ﴿وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِيالدُّنْيَاوَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَالصَّالِحِينَ﴾[البقرة: 130]،وقالفي حقِّ عيسى: ﴿وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاًوَمِنَالصَّالِحِينَ﴾[آل عمران: 46]، وقال في غيرهم: ﴿وَزَكَرِيَّاوَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّمِّنَالصَّالِحِينَ﴾ [الأنعام: 85]،وقال: ﴿وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّمِّنَالصَّابِرِينَوَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُممِّنَالصَّالِحِينَ﴾[الأنبياء: 85-86]
وإذا كانت مهمّةُ الرُّسلِوالأنبياءِ الإبلاغَ والإنذارَ وإقامةَ الحجَّة على النَّاس، فهي لا تخرج عن كونهامهمَّةَ إصلاحٍ وتغييرِ ما حلَّ بالأَنْفُسِ والهِمم، والشُّعوب والأُمَمِ من فسادِالتَّصوُّر والاعتقاد، وانحرافِ العبادة والسُّلوك، وسوءِالتَّعامل والتَّدبير، قالتعالى على لسان شعيب ؛ في معرض قيامه بواجب النُّصحوالتَّذكير لقومه: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَاتَوْفِيقِيإِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾[هود: 88]،ولمااسْتَخْلَفَ نبيُّ الله موسى أخاه هارونَ ـ عليه السلام ـ في قومه أوصاه بقوله: ﴿اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَالْمُفْسِدِينَ﴾[الأعراف: 142].