الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
قال الشيخ ربيع المدخلي في أضواء إسلامية [ ص160- 166] :
فلو كتب مقالة في مدح الصحابة ، ثم كتب كتاباً أو مقالاً يطعن فيه في أصحاب رسول الله ، أو ألف كتباً يحرم فيها الربا والزنى والخمر، ثم ألف كتاباً يبيح فيه هذه المحرمات ، أو كتب كتاباً في إثبات الصفات ، ثم كتب كتاباً يعطل فيه صفات الله ، أو كتب كتباً ومقالات فيها توحيد الله ، والفصل بين الخالق والمخلوق ،ثم كتب في أحد كتبه القول في وحدة الوجود مرة واحدة ؛ فإنه يدان بعمله هذا ، ويتحمل مسؤوليته ، ولا يربط بين ماضيه وحاضره ، ولا يعبأ بما يناقض هذا الضلال ، ولا يعامل انحرافه وضلاله معاملة نصوص الرب تبارك وتعالى في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
وعلى هذا جرى عمل علماء السنة من هذه الأمة وسلفها الصالح ، وهذه أقوالهم وكتبهم طافحة بهذاالمنهج الحق في مواجهة أهل الضلال والبدع ، ولم يستعملوا مع معبد الجهني ولا مع الجعد بن درهم وعمرو بن عبيد وجهم بن صفوان وبشر المريسي وابن أبي داؤد ولا مع طوائفهم هذا المنهج الذي رفع فيه عبد الله عزام والقطبيون سيد قطب إلى مكانة الرب وأقواله إلى مكانة الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
قال البقاعي رحمه الله في كتابه [ تنبيه الغبي على تكفير ابن عربي ]:
لأني لم أستشهد على كفره وقبيح أمره إلا بما لا ينفع معه التأويل من كلامه ، فإنه ليس كل كلام يقبل تأويله وصرفه عن ظاهره ، وذلك يرجع إلى قاعدة الإقرار بشيء، وتعقيبه بمايرفع شيئاً من معناه ، ولا خلاف عند الشافعية في أنه إن كان مفصولاً لا يقبل ، وأما إذا كان موصولاً ؛ ففيه خلاف.
ومن صور ما لا ينفع فيه الصرف عن الظاهر، كما لو أقر ببيع أو هبة ، ثم قال : كان ذلك فاسداً ، فأقررت بظني الصحة ؛ فإنه لا يصدق في ذلك.
وقال إمام الحرمين : لو نطق بكلمة الردة ، وزعم أنه أضمر تورية ؛ كفرظاهراً وباطناً.
قال الغزالي في "البسيط" بعد حكايته عن الأصوليين : لحصول التهاون منه ، وهذا المعنى – يعني : التهاون – لا يتحقق في الطلاق ، فاحتمل قبول التأويل بإطلاقه "
انظر كيف ينكر العلماء على المواقف والأقوال المعينة ، وكيف يضعون القواعد والضوابط بحزم لإدانة المغالطين والمتلاعبين والمتهربين ، فليس كل كلام يقبل التأويل والصرف عن ظاهره ، وليس هناك ربط بين ما يتضمن الكفر من كلامه وما يتضمن الإيمان من كلامه السابق أو اللاحق ، ولو نطق بكلمة الردة فهو كافر باطناً وظاهراً ، ولو أبدى أقوى المعاذير لأنه متهاون وتهاونه واستهانته بموجبات الكفر ذنب لا يغتفر ، يسلكه في عداد الكافرين المرتدين .
قال البقاعي :
" قال الشيخ ولي الدين بن العراقي ابن الشيخ زين الدين : وقد بلغني عن الشيخ علاء الدين القونوي ، وأدركت أصحابه ، أنه قال في مثل ذلك : إنما يؤول كلام المعصومين. وهو كما قال"
ثم ذكر كلام الذهبي فيه ( أي : في ابن عربي ) ، وساق الأسانيد إلى ابن عبد السلام بما يأتي من تكفيره ، ثم قال :
"وأما ابن الفارض ؛ فالاتحاد في شعره ، وأمرنا أن نحكم بالظاهر ، وإنمانؤول كلام المعصومين "
انظر إلى كلام العلماء في الكلام الذي ظاهره الكفر ، لا يجوز عندهم تأويله ؛ لأن التأويل لايكون إلا لكلام المعصومين ، ولم يقولوا : نجمع بين نصوصه المتعارضة ، أو نرجع إلى النسخ أو الترجيح ؛ لأن هذه الضوابط والقواعد إنما وضعت لكلام المعصومين عن الخطأوالكذب فيما يبلغونه عن الله ، وليس حال غيرهم وشأنه كذلك ، حتى يلجأ العلماء إلى مساواتهم بالمعصومين .
وقال البقاعي رحمه الله في خلال رده على من يتأول كلام ابن الفارض :
"مع أن الفاروق ابن الخطاب رضي الله عنه الذي ما سلك فجاً إلا سلك الشيطان فجاً غير فجه ، قد أنكر التأويل لغير كلام المعصوم ، ومنع منه رضي الله عنه ، وأهلك كل من خالفه وأرداه وبسيف الشرع قتله وأخزاه ، فيما رواه عنه البخاري في كتاب الشهادات من [ صحيحه ]: " إن ناساً كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله ، وإن الوحي قد انقطع ، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم ، فمن أظهر خيراً ؛ أمناه ، وقربناه ، وليس إلينا من سريرته شيء ، والله يحاسبه في سريرته ، ومن أظهر لنا سوءاً ؛ لم نأمنه ، ولم نصدقه ، وإن قال : إن سريرته حسنة "
وقد أخذ هذا الأثر الصوفية ، وأصلوا عليه طريقهم ، منهم صاحب " العوارف "، استشهد به في "عوارفه" وجعله من أعظم معارفه ، فمن خالف الفاروق رضي الله عنه ؛ كان أخف أحواله أن يكون رافضياً خبيثاً ، وأثقلها أن يكون كفاراً عنيداً .
وهذا الذي سماه الفاروق رضي الله عنه ظاهراً هو الذي يعرف في لسان المتشرعة بالصريح ، وهو ماقابل النص ، والكناية والتعريض .
وقد تبع الفاروق رضي الله عنه على ذلك بعد الصوفية سائر العلماء ، لم يخالف منهم أحد ؛ كمانقله إمام الحرمين عن الأصوليين كافة ، وتبعه الغزالي ، وتبعهما الناس .
وقال الحافظ زين الدين العراقي : إنه أجمع عليه الأمة من أتباع الأئمة الأربعة وغيرهم من أهل الاجتهاد الصحيح .
وكذا قال الإمام أبو عمر بن عبد البر في التمهيد .
وأصله إمامنا الشافعي في " الرسالة " ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم [ إنكم تختصمون إليَّ ، ولعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته ، فأقضي له...] الحديث. رواه الستة عن أم سلمة رضي الله عنها في أمثال كثيرة .
وقال الأصوليون كافة : التأول إن كان لغير دليل ، كان لعباً ، وما ينسب إلى بعض المذاهب من تأويل ما هو ظاهر في الكفر فكذب أو غلط منشؤه سوء الفهم… وإنما أولنا كلام المعصوم ؛ لأنه لا يجوز عليه الخطأ ، وأما غيره ؛ فيجوز عليه الخطأ سهواً وعمداً.
هذه أقوال من يجيز التأويل ؛ فكيف بأقوال أئمة الإسلام الذين لا يجيزون تأويل نصوص صفات الله ، ويوجبون الأخذ بظاهرها اللائق بالله ، المنزه عن مشابهة المخلوقين ؟! فإن هؤلاء أشدالناس أخذاً لأهل الباطل والبدع بظاهر أقوالهم "
انتهى كلام الشيخ ربيع حفظه الله تعالى
قلت : هذاتحرير بالغ من فضيلة الشيخ ربيع في تقرير أنه لا يؤول إلا كلام المعصوم .
وفيه الرد على من يقول :" لا بد من تأويل كلام السلفي " فالسلفي ليس معصوماً ، فتكون هذه الكلمة مخالفةً للإجماع ، ولا يعني هذا عدم اعتبار السياق المفسر لمراد المتكلم فتنبه .
والتأويل هوصرف الكلام عن المعنى الراجح إلى معنى مرجوح لقرينة ، ويقابله الظاهر الذي هو دلالة الكلام على معنى راجح مع احتمالٍ لغيرٍ مرجوح .
وغير المعصوم يجوز عليه التناقض والضلال لهذا انعقد الإجماع على أنه لا يجوز تأويل كلامه .
وتأمل كيف أنهم لم يتأولوا كلام من ظاهر قوله الكفر الأكبر الذي يفوق كفر اليهود والنصارى كابن عربي وغيره مع انتسابهم لأهل العلم ، فمن باب أولى لا يتأول كلام من ظاهر قولهِ البدعة فنقل المرء من السنة إلى البدعة أهون من نقله من الإسلام إلى الكفر .
وهنا تذكر قاعدة :" ليس كل من وقع في الكفر كافر وليس كل من وقع في البدعة مبتدع "
وكذلك القول بحمل الكلام على أحسن المحامل ، إن كان المقصود به تأويل ما كان ظاهره باطلاً لم يجز ذلك.
وعلى ما سبق نقول :
لا يجوز تأويل قول من يقول :" الأصل في التعامل مع الكفار المودة "
فالظاهر المتبادر إلى ذهن كل من يقرأ الكلام الدعوة إلى مودة الكفار ، فلا يجوز حمل هذا الكلام على غير ظاهره لأن ذلك سيكون تأويلاً لكلام غير المعصوم .
ولا يجوز تأويل قول القائل:" والأصل في علاقة المسلمين بغيرهم هي السلم ،فلا قتال حيث لاعدوان "
فظاهره تعطيل جهاد الطلب بل هو نصٌ في ذلك وحمله على غير هذا تأويل لكلام غير المعصوم .
ولا يجوز تأويل قول القائل : " وضمان حاجاته الأساسيّة ، وإدارة شؤون المجتمعات وفق مبادئ العدل والشورى ، والاستفادة مما قدّمه المجتمع الإنساني من صيغ وآليات لتطبيق الديمقراطيّة "
فظاهره الثناء على الديمقراطية الكافرة فلا يجوز تأويله على غير هذا لأنه تأويلٌ لكلام غير المعصوم .
وهذه العبارات وغيرها قد دلت القرائن على أن قائلها ما أراد إلا ظاهرها ، مع كون الأصل هو الظاهر .
القرينة الأولى : دعوة الناس متعلمهم وجاهلهم إلى تأييد هذا الكلام .
الثانية : الإحتفاء بتواقيع أهل الضلال على هذا الكلام .
الثالثة : كون عامة المواطن المنتقدة كلها سائرةً على وتيرة واحدة وهي وتيرة التمييع .
وإن من المكر الكبار جعل الظاهر من قبيل المجمل ، ومعلومٌ عند من درس علم الأصول الفرق الواضح بين ( المجمل ) و ( الظاهر ) ، فإن المجمل ما لا يستفاد منه عند الإطلاق عمل ، أوما يتوقف فهم معناه على غيره ، وبعضهم عرفه بأنه ما لا يستفاد منه عند الإطلاق معنى وهذا أشبه بكلام أهل التفويض والتعريفان السابقان أصح.
فما صح أن يستفاد منه معنى مستقل بذاته لا يكون مجملاً البتة
وإنما هو من قبيل الظاهر أو النص ، وكيف يكتب المرء ميثاقاً يدعو جميع المسلمين على القول به وتكون أهم فقراته من قبيل المجمل الذي لا يفهم إلا بغيره !
ثم إنهم هم يجنون على أنفسهم بأنفسهم فيقولوا :
" نتأول هذه الفقرة بكذا "
و : " يمكنك حمل هذه الفقرة على كذا "،
والتأويل إنما يقابل الظاهر كما يقابل المجمل المبين ، وكذا كلام سيد ابن قطب في خلق القرآن ووحدة الوجود هو من قبيل الظاهر وليس من قبيل المجمل.
ثم إننا لوتنزلنا وقلنا أن هذه الألفاظ مجملة فقد ذم السلف استخدام الألفاظ المجملة المحتملة في الرد على أهل الباطل.
قال الشيخ ربيع في جواب حول مسألة اشتراط إقامة الحجة في التبديع :" قال شيخ الإسلام رحمه الله في درء تعارض العقل والنقل [ 1/254] :
فطريقة السلف والأئمة أنهم يراعون المعاني الصحيحة المعلومة بالشرع والعقل.
ويرُاعون أيضاً الألفاظ الشرعية ، فيعبرون بها ما وجدوا إلى ذلك سبيلا , ومن تكلم بما فيه معنى باطل يخالف الكتابوالسنة ردوا عليه .
ومن تكلم بلفظ مبتدع يحتمل حقا وباطلا نسبوه إلى البدعة أيضا ، وقالوا : إنما قابل بدعة ببدعة وردَّ باطلا بباطل"
أقول - الشيخ ربيع - :
في هذا النص بيان أمور عظيمة ومهمة يسلكها السلف الصالح للحفاظ على دينهم الحق وحمايته من غوائل البدع والأخطاء منها :
1- شدة حذرهم من البدع ومراعاتهم للألفاظ والمعاني الصحيحة المعلومة بالشرع والعقل ، فلا يعبرون - قدر الإمكان - إلا بالألفاظ الشرعية ولا يطلقونها إلا على المعاني الشرعية الصحيحة الثابتة بالشرع المحمدي .
2- أنهم حراس الدين وحماته ، فمن تكلم بكلام فيه معنى باطل يخالف الكتاب و السنة ردوا عليه .
ومن تكلم بلفظ مبتدع يحتمل حقاً وباطلاً نسبوه إلى البدعة ولو كان يرد على أهل الباطل ، وقالوا إنما قابل بدعة ببدعة أخرى ، ورد باطلا بباطل ، ولو كان هذا الراد من أفاضل أهل السنة والجماعة ، ولا يقولون ولن يقولوا يحمل مجمله على مفصله لأنا نعرف أنه من أهل السنة .
قال شيخ الإسلام بعد حكاية هذه الطريقة عن السلف والأئمة :" ومن هذا القصص المعروفة التي ذكرها الخلال في كتاب " السنة " هو وغيره في مسألة اللفظ والجبر ".
أقول:
يشير - رحمه الله تعالى- إلى تبديع أئمة السنة من يقول :" لفظي بالقرآن مخلوق " لأنه يحتمل حقاًوباطلاً ، وكذلك لفظ " الجبر " يحتمل حقاً وباطلاً ، وذكر شيخ الإسلام أن الأئمة كالأوزاعي وأحمد بن حنبل ونحوهما قد أنكروه على الطائفتين التي تنفيه والتي تثبته .
وقال رحمه الله :" ويروى إنكار إطلاق " الجبر " عن الزبيدي وسفيان الثوري وعبد الرحمن بن مهدي وغيرهم.
وقال الأوزاعي وأحمد وغيرهما :" من قال جبر فقد أخطأ ومن قال لم يجبر فقد أخطأ بل يقال إن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء ونحو ذلك .
وقالوا ليس للجبر أصل في الكتاب والسنة وإنما الذي في السنة لفظ - الجَبْل - لا لفظ الجبر ؛ فإنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأشج عبد القيس :" إن فيك لخلقين يحبهما الله : الحلم والأناة فقال : أخلقين تخلقت بهما أم خلقين جبلت عليهما ؟، فقال : " بل جبلت عليهما "،
فقال : الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله ".
وقالوا إن لفظ " الجبر " لفظ مجمل .
ثم بين أنه قد يكون باعتبار حقاً وباعتبار باطلاً ، وضرب لكل منهما مثالاً .
ثم قال :" فالأئمة منعت من إطلاق القول بإثبات لفظ الجبر أو نفيه ، لأنه بدعة يتناول حقاً وباطلاً " اهــ
قلت : والعلماءالسلفيون لم يتأولوا لبعض الأجلاء لما زلت أقدامهم
قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (14 /354 ) :" وشاع هذا القول في كثير من الصوفية ومشايخ المعرفة و الحقيقة فصاروا يوافقون جهماً في مسائل الأفعال و القدر و إن كانوا مكفرين له في مسائل الصفات كأبي إسماعيل الأنصاري الهروي صاحب كتاب ذم الكلام فانه من المبالغين في ذم الجهمية لنفيهم الصفات و له كتاب تكفير الجهمية و يبالغ في ذم الأشعرية مع أنهم من أقرب هذه الطوائف إلى السنة و الحديث و ربما كان يلعنهم
وقد قال له بعض الناس بحضرة نظام الملك أتلعن الأشعرية فقال ألعن من يقول ليس في السموات إله و لا في المصحف قرآن و لا في القبر نبي و قام من عنده مغضبا.
ومع هذا فهو في مسألة إرادة الكائنات و خلق الأفعال أبلغ من الأشعرية لا يثبت سببا و لاحكمة بل يقول إن مشاهدة العارف الحكم لا تبقي له استحسان حسنة و لا استقباح سيئة
والحكم عنده هي المشيئة لأن العارف المحقق عنده هو من يصل إلى مقام الفناء فيفنى عن جميع مراداته بمراد الحق و جميع الكائنات مرادة له و هذا هو الحكم عنده والحسنة و السيئة يفترقان في حظ العبد لكونه ينعم بهذه و يعذب بهذه و الالتفات إلى هذا هو من حظوظ النفس و مقام الفناء ليس فيه إلا مشاهدة مراد الحق "
قلت : أبوإسماعيل الأنصاري هذا عالمٌ جليل وقد اشتهر عنه تكفير الأشاعرة ولعنهم وله كتابٌ عظيم اسمه ( ذم الكلام ) كله ( حدثنا ) و ( أخبرنا ) عقد فيه فصلاً في لعن أهل البدع وأهل الكلام .
وقد عرض على السيف على عدة مرات لا يقال له ارجع عن مذهبك وإنما يقال له ( اسكت عمن خالفك)
وقد تمعر منه بعض متعصبة الأشعرية حتى قال السبكي في " طبقات الشافعية الكبرى " (3/132): اعلم أن أبا إسماعيل الهروي الذي تسميه المجسمة شيخ الإسلام..اهـ
ومع هذا كله لما تأثر بالمتكلمين في باب العلل والأسباب ، أدانه العلماء السلفيون بذلك كما في كلام شيخ الإسلام السابق ، ولم يقولوا :" قد صنف كتاباً عظيماً في ذم أهل الكلام فكيف يصدر منه هذا " وإن كان ذلك دخل عليه من باب التصوف لا من باب الكلام غير أن كلاهما منافٍ للتمسك بالأثر الذي دعا إليه الهروي في كتابه العظيم ( ذم الكلام ) .
وقال السبكي في طبقات الشافعية (5/270) : " ذكر البحث عما رمي به الماوردي من الاعتزال
قال ابن الصلاح هذا الماوردي عفا الله عنه يتهم بالاعتزال وقد كنت لا أتحقق ذلك عليه وأتأول له وأعتذرعنه في كونه يورد في تفسيره في الآيات التي يختلف فيها أهل التفسير تفسير أهل السنة وتفسير المعتزلة غير متعرض لبيان ما هو الحق منها وأقول لعل قصده إيراد كل ما قيل من حق أو باطل ولهذا يورد من أقوال المشبهة أشياء مثل هذا الإيراد حتى وجدته يختار في بعض المواضع قول المعتزلة وما بنوه على أصولهم الفاسدة ومن ذلك مصيره في الأعراف إلى أن الله لا يشاء عبادة الأوثان وقال في قوله تعالى { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن } وجهان في جعلنا أحدهما معناه حكمنا بأنهم أعداء والثاني تركناهم على العداوة فلم نمنعهم منها.
وتفسيره عظيم الضرر لكونه مشحونا بتأويلات أهل الباطل تلبيسا وتدسيسا على وجه لا يفطن له غير أهل العلم والتحقيق مع أنه تأليف رجل لا يتظاهر بالانتساب إلى المعتزلة بل يجتهد في كتمان موافقتهم فيما هو لهم فيهم وافق ثم هو ليس معتزليا مطلقا فإنه لا يوافقهم في جميع أصولهم مثل خلق القرآن كمادل عليه تفسيره في قوله عز وجل
{ ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث } وغير ذلك ويوافقهم في القدر وهي البلية التي غلبت على البصريين وعيبوا بها قديما "
قلت : انظر كيف حذر ابن الصلاح من تفسير الماوردي لوجود تأويلات المعتزلة فيه ، مع كون المارودي يخالفهم في بعض المسائل فلم يجعل مخالفته لهم في بعض الأبواب حادياً له على ( تأويل ) كلامه الآخر الذي يوافقهم فيه
وتأمل كيف حذر ابن الصلاح من تفسير الماوردي مع كون مصنفه عالماً شافعياً جليلاً وهو صاحب كتاب ( الحاوي ) الذي يعد من أنفس كتب الفقه الشافعي وأوسعها ، فكيف لو رأى تفسير ( ابن قطبٍ ) أو غيره ممن تجرأ على كتاب الله عز وجل وافتأت على علماء الأمة والله المستعان.
قال الشيخ ربيع المدخلي في النصوص النبوية السديدة : " ومنها حديث ابن عباس-رضي الله عنهما - : أن رجلاً قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : ما شاء الله وشئت ! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم- : أجعلتني لله عدلاً.قل : ما شاء الله وحده.
الشاهد من الحديث : قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لهذا الصحابي الجليل الذي لا يريد إلا إجلال النبي - صلى اللهعليه وسلم -: أجعلتني لله عدلاً , وفي لفظ : أجعلتني لله ندًا .
وله شاهد من حديث قتيلة بنت صيفي الجهنية - رضي الله عنها - قالت : إن حبرًا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : إنكم تشركون ، تقولون : ما شاء الله وشئت ، وتقولون : والكعبة . فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم- : قولوا : ما شاء الله ثم شئت ، وقولوا : ورب الكعبة .
والشاهد منه : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يغضب من قول اليهودي بل أقره وأمر أصحابه : أن يقولوا القول الصواب الذي لا يخدش في التوحيد ، ولم يأمرالنبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه ولا أمر اليهودي بحمل المجمل على المفصل - صلى الله عليه وسلم-وهو الناصح الأمين .
وللحديثين شواهد في الجملة فيها النهي عن قول : ما شاء الله وشئت .
• قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لخطيب من خطباء أصحابه يريدالخير . قال هذا الصحابي في خطبته : من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى
فقال له الرسول - صلى الله عليه وسلم -: بئس خطيب القوم أنت .
هذا صحابي جليل - رضي الله عنه - لم يحمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مجمله على مفصله وإن كان صحابيًا لا يريد إلا خيرًا.
هذا النص وحده في نظر المؤمنين يدك قواعد من يقول : " حمل المجمل على المفصل " و" منهج الموازنات " و " نصحح ولا نهدم الأشخاص " ، فهل هناك أشد من قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : بئس خطيب القوم أنت !؟
فإذا قال خطيب قوم كلامًا باطلاً ، أو قال في كتاب ، أو شريط ببدعة فقلنا له : بئست البدعة بدعتك لحق لنا ذلك ؛ لأننا مستندون إلى جبل عظيم وهو هذا النص النبوي العظيم والموقف المحمدي الكريم .
فلو جاءنا احدهم بقال فلان وقال علان نقول له : سلم للأدلة واعرف قواعد السلف المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله مثل قولهم : ( إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل ) و ( كل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم ")
أقول : فأين التأويل ؟ ، والحمل على أحسن المحامل لمن كان على الجادة وإن كان ظاهر كلامه باطلاً ؟
قال البخاري [212 ]حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ لَا يَدْرِي لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبُّ نَفْسَهُ.
قلت : في هذا الحديث أن النية السليمة لا تصحح العامل الفاسد فالذي سيسب نفسه لا يقصد ذلك قطعاً
فلا يأتي أحدهم بتأصيلات يهون فيها من شأن البدع ويقول :" لا أقصد التهوين "
فالمراد لا يدفع الإيراد وذاك الصحابي ما قصد أن يجعل لله نداً قطعاً
وكذلك من يسب الصحابة ويصفهم بــ الغثاء ثم يزعم أنه لا يقصد السب ، أو يقول تأولوا للسني إذا قالها متناسياً أن غير المعصوم لا يتأول كلامه .
ولا يأتين بعد ذلك متحذلق يقيس قياساً بارداً ويقول :" إذا كان كلام الله يؤول وفيه محكم ومتشابه فكلام الناس من باب أولى "
وما علم المسكين أن الوحي لا يتناقض والخلق يتناقضون .
وقال العلامة أحمد بن يحيى النجمي في " تنبيه الغبي على مخالفات أبي الحسن المأربي" ( ص/14 ), إذ قال : أنا لا أمنع من جمع كلام العالم الذي فيه احتمال , إلى كلامه الآخر , ليتبين بالكلام الآخر هل القائل يسير على وتيرةٍ واحدة , أم أن كلامه الآخر مناقض للأول , بل إن هذا الجمع المقصود منه أن يتبين هل هو مشى على الحق والأدلة في الموضعين , فتعرف نزاهته , أو يتبين ميله في أحدهما , فيدان بذلك الميل.اهـ
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
من هنــابي دي اف
كتبه عبد الله الخليفي
منقول من سحاب السلفية