( تذلل وانكسار مؤثر جدا ) لأبي الوفاء بن عقيل رحمه الله .
قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله في كتابه ( صيد الخاطر ) ص541 :
تفكرت في نفسي يوماً تفكر محقق ، فحاسبتها قبل أن تحاسب ، ووزنتها قبل أن توزن ، فرأيت اللطف الرباني ، من بدأ الطفولة وإلى الآن أرى لطفاً بعد لطف ، وستراً على قبيح ، وعفواً عما يوجب عقوبة ، وما أرى لذلك شكراً إلا باللسان .
ولقد تفكرت في خطايا لو عوقبت ببعضها لهلكت سريعاً ، ولو كشف للناس بعضها لاستحييت .
ثم قال :
فوجدت أبا الوفاء بن عقيل قد ناح نحو ما نحت فأعجبتني نياحته فكتبتها ههنا .
قال لنفسه :
يا رعناء تقوّمين الألفاظ ليقال مناظر . وثمرة هذا أن يقال : يا مناظر ، كما يقال للمصارع الفاره .
ضيعت أعز الأشياء وأنفسها عند العقلاء ، وهي أيام العمر حتى شاع لك بين من يموت غداً اسم مناظر ، ثم ينسى الذاكر والمذكور إذا درست القلوب .
هذا إن تأخر الأمر إلى موتك ، بل ربما نشأ شاب أفره منك فموهوا له وصار الاسم له .
والعقلاء عن الله تشاغلوا بما - إذا انطووا - نشرهم وهو العمل بالعلم ، والنظر الخالص لنفوسهم .
أفٍ لنفسي وقد سطرت عدة مجلدات في فنون العلوم وما عبق بها فضيلة .
إن نوظرت شمخت ، وإن نوصحت تعجرفت ، وإن لاحت الدنيا طارت إليها طيران الرخم ، وسقطت عليها سقوط الغراب على الجيف .
فليتها أخذت أخذ المضطر من الميتة .
توفر في المخالطة عيوباً تبلى ولا تحتشم نظر الحق إليها .
وإن انكسرت لها غرض تضجرت ، فإن امتدت بالنعم اشتغلت عن المنعم .
أفٍ والله مني ؛ اليوم على وجه الأرض وغداً تحتها .
والله إن نتن جسدي بعد ثلاث تحت التراب أقل من نتن خلائقي وأنا بين الأصحاب .
والله إنني قد بهرني حلم هذا الكريم عني ؛ كيف سترني وأنا أتهتك ، ويجمعني وأنا أتشتت .
وغداً يقال : مات الحبر العالم الصالح ، ولو عرفوني حق معرفتي بنفسي ما دفنوني .
والله لأنادين على نفسي نداء المتكشفين معائب الأعداء .
ولأنوحن نوح الثاكلين ؛ إذ لا نائح لي ينوح علي لهذه المصائب المكتومة ، والخلال المغطاة التي قد سترها من خبرها ، وغطاها من علمها .
والله ما أجد لنفسي خلة استحسن أن أقول متوسلاً بها . اللهم اغفر لي كذا بكذا .
والله ما ألتفتُّ قط إلا وجدت منه سبحانه براً يكفيني ، ووقاية تحميني ؛ مع تسلط الأعداء .
ولا عرضت حاجة فممدت يدي إلا قضاها ، هذا فعله معي وهو رب غني عني ، وهذا فعلي وأنا عبد فقير إليه .
ولا عذر لي فأقول ما دريت أو سهوت .
والله لقد خلقني خلقاً صحيحاً سليماً ، ونور قلبي بالفطنة ، حتى أن الغائبات والمكتومات تنكشف لفهمي .
فواحسرتاه على عمر انقضى فيما لا يطابق الرضى .
وحرماني لمقامات الرجل الفطناء .
يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله وشماتة العدو بي .
واخيبة من أحسن الظن بي إذا شهدت الجوارح علي .
واخذلاني عند إقامة الحجة ، سخر الله مني الشيطان وأنا الفطن .
اللهم توبة خالصة من هذه الأقذار ، ونهضة صادقة لتصفية ما بقي من الأكدار .
وقد جئتك بعد الخمسين وأنا من خلق المتاع .
وأبى العلم إلا أن يأخذ بيدي إلى معدن الكرم ، وليس لي وسيلة إلا التأسف والندم .
فوالله ما عصيتك جاهلاً بمقدار نعمك ، ولا ناسياً لما أسلفت من كرمك .. فاغفر لي سالف فعلي ".
والنقل
لطفا من هنا
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=225541