محبته للآل ورضاهم عنه :
جاء في مسند الإمام أحمد "مسند الشامين" حديث معاوية بن أبي سفيان- رضي الله تعالى- بسنده عن معاوِيَةَ قَال : رأَيت رسول اللَّه - صلَّى اللَّه علَيه وسلَّم- يَمُصُّ لسانه أَو قَال :شفَتَه يعني الْحسن بن عليٍّ - صَلوات اللَّه عليه - وإِنَّه لَن يعذَّب لسان أَو شفَتان مصَّهما رسول اللَّه - صَلَّى اللَّه علَيه وسلَّمَ" "مسند الإمام أحمد" برقم(16245) وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الصحيح غير عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي فقد روى له أبو داود والنسائي وهو ثقة.
وهذا من عدل هذا الصحابي الجليل، وغلبة الحق على قلبه ونفسه فها هو يقول عمن كان ينافسه الخلافة ليبين أن من الدين والإيمان حب آل بيت النبوة .
وكذلك ما نقله صاحب "العقد الفريد" من أن معاوية – رضي الله تعالى عنه- أخذ بيد الحسن بن علي – رضي الله تعالى عنهما- في مجلس له، ثم قال لجلسائه : من أكرم الناس أباً وأماً وجداً وجدة ؟
فقالوا : أمير المؤمنين أعلم . فأخذ بيد الحسن و قال : هذا أبوه علي بن أبي طالب، وأمه فاطمة بنت محمد - صلى الله عليه وسلم- و جده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجدته خديجة - رضي الله عنها .
وأخرج الحافظ ابن كثير – رحمه الله تعالى- أن معاوية - رضي الله عنه- كان إذا لقي الحسن بن علي - رضي الله عنهما - قال : مرحباً بابن رسول الله وأهلاً، ويأمر له بثلاثمائة ألف، و يلقى ابن الزبير - رضي الله عنه - فيقول : مرحباً بابن عمة رسول الله وابن حواريه، ويأمر له بمئة ألف" "البداية والنهاية".
وأخرج الإمام الآجري عن الزهري– رحمهما الله تعالى- قال : لما قتل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه- وجاء الحسن بن علي - رضي الله عنهما- إلى معاوية، فقال له معاوية : لو لم يكن لك فضل على يزيد إلا أن أمك من قريش وأمه امرأة من كلب، لكان لك عليه فضل، فكيف وأمك فاطمة بنت رسول صلى الله عليه وسلم ؟!"
بل .. ومع ما حصل من فتنة إلا أن معاوية – رضي الله تعالى عنه- كان يكن لعلي الحب الاحترام، وقد ألح معاوية على ضرار بن ضمرة بأن يصف له علياً - رضي الله عنه - وما أن وصفه واسترسل في الوصف ذرفت دموع معاوية - رضي الله عنه - حتى خرت على لحيته فما يملكها وهو ينشفها بكمه وقد اختنق القوم بالبكاء، ثم قال معاوية : رحم الله أبا الحسن! كان والله كذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار . قال : حزن من ذبح ولدها في حجرها؛ فلا ترقا عبرتها ولا يسكن حزنها" "صفوة الصفوة".
وعن مغيرة قال : لما جاء قتل علي إلى معاوية - رضي الله عنه- جعل يبكي ويسترجع فقالتْ له امرأته : تبكي عليه، وقد كنتَ تقاتله؟ فقال لها ويحك إنك لا تدرين ما فقد الناس من الفضل والفقه والعلم" "تاريخ دمشق"(62/99)
وعن جابر - رضي الله عنه – قال : كنا عند معاوية رضي الله عنه، فذكر عليـا فأحسن ذكره ثم قال: وكيف لا أقول هذا لهم؟ وهم خيار خلق الله وعنده عتره نبيه، أخيار أبناء أخيار" "تاريخ دمشق"(45/318)
وهذا جعفر بن محمد عن أبيه : أن الحسن والحسين رضي الله عنهما كانا يقبلان جوائز معاوية - رضي الله عنه - وهذا دليل على تعظيم معاوية لأهل بيت النبوة وإكرامه إياهم" الآجري في "الشريعة" (1963) اللالكائي (2782) .
وعندما ولي معاوية الشام كانت سياسته مع رعيته من أفضل السياسات وكانت رعيته تحبه ويحبُّهم .
وللمؤرخ العلامة ابن خلدون – رحمه الله تعالى- في اعتبار معاوية من الخلفاء الراشدين فقد قال : " إن دولة معاوية وأخباره كان ينبغي أن تلحق بدول الخلفاء الراشدين وأخبارهم، فهو تاليهم في الفضل والعدالة والصحبة" .
أجل .. كانت سيرة كاتب الوحي، خال المؤمنين، أفضل ملوك هذه الأمة، بل ملك الإسلام، معاوية – رضي الله تعالى عنه- مع رعيته من خيرة سيرة الولاة، وقد كانت رعيته يحبونه؛ وقد ثبت في "الصحيحين" عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال : خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنوكم"
زهده وتأله، ومحنته ومنيته :
روى الإمام أحمد – رحمه الله تعالى- بسنده إلى علي بن أبي حملة عن أبيه قال : رأيت معاوية على المنبر بدمشق يخطب الناس وعليه ثوب مرقوع .
وأخرج ابن كثير عن يونس بن ميسر الزاهد - و هو أحد شيوخ الإمام الأوزاعي - قال : رأيت معاوية في سوق دمشق وهو مردف وراءه وصيفاً، وعليه قميص مرقوع الجيب ويسير في أسواق دمشق .
وأخرج أبو داود والبخاري في "الأدب المفرد" من طريق أبي مجلز قال : خرج معاوية على ابن الزبير وابن عامر، فقام ابن عامر وجلس ابن الزبير، فقال معاوية لابن عامر : اجلس فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "من أحب أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار"
وهذا يدل على مدى حرص معاوية على اتباع هدي النبي - صلى الله عليه وسلم- وتواضعه - رضي الله عنه - وخوفه من عذاب الله - عز وجل .
وقد أوردت هذه الأمثلة ليعلم الناس أن الصورة الحقيقية لمعاوية تخالف الصورة المكذوبة التي كان أعداؤه من الرافضة يصورونه بها .
وقال عبد الله بن المبارك - رحمه الله تعالى : معاوية عندنا محنة، فمن رأيناه ينظر إليه شزراً اتهمناه على القوم، يعني الصحابة" انظر "البداية والنهاية" لابن كثير (8/139) .
وقال الربيع بن نافع الحلبي ( ت: 241 هـ ) رحمه الله تعالى : "معاوية ستر لأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم- فإذا كشف الرجل الستر اجترأ على ما وراءه ([4])" "البداية والنهاية" (8/139)
وقال الحافظ ابن كثير– رحمه الله تعالى- في ترجمة معاوية – رضي الله تعالى عنه : "وأجمعت الرعايا على بيعته في سنة إحدى وأربعين ... فلم يزل مستقلاً بالأمر في هذه المدة إلى هذه السنة التي كانت فيها وفاته، والجهاد في بلاد العدو قائم، وكلمة الله عالية، والغنائم ترد إليه من أطراف الأرض، والمسلمون معه في راحة وعدل، وصفح وعفو" "البداية والنهاية" (8/122)
وعن صفوان بن عمرو أن عبد الملك مر بقبر معاوية فوقف عليه فترحم، فقال له رجل من قريش قبر من هذا يا أمير المؤمنين؟ فقال : قبر رجل كان والله ما علمته، ينطق عن علم، ويسكت عن حلم،إذا أعطى أغنى، وإذا حارب أفنى، ثم عجل له الدهر ما أخره لغيره ممن بعده، هذا قبر أبي عبد الرحمن معاوية يرحمه الله" "انساب الأشراف"(5/165)
رضي الله عنك يا خالنا معاوية، وعن جميع صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم .
رفع شبهة لعن علي على المنابر بأمر من معاوية - رضي الله عنهما .
والجواب : إن هذه فرية بلا مرية على معاوية - رضي الله عنه- بل من الأباطيل التي روج لها الرافضة، ذلك أنها دعوى تحتاج إلى دليل، كما أنها مفتقرة إلى صحة النقل، وأغلب الرافضة ومن أشرب قلبه ببغض الصحابة – رضي الله تعالى عنهم- عموما، ومعاوية - رضي الله عنه – خصوصا، لا يسندون فضلا عن يتثبتون فيما ينقلون، وإنما يكتفون بزعمهم : ( كما ذكر ذلك المؤرخون ) أو ( وكتب التواريخ طافحة بذلك ) فلا يحيلون إلى أي مصدر متصل موثوق، وكما هو معلوم مدى أهمية الإحالة والتوثيق لمثل هذه الدعاوى عند المحققين والباحثين([5]) .
ونقول :
أولاً : نحيل الناظر الباصر إلى عاليه، إلى تلكم الفضائل وثناءات الرسول – صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم- والصحب العدول– رضي الله تعالى عنهم أجمعين- وأئمة السلف والخلف - رحمهم الله تعالى- على معاوية - رضي الله عنه : إذا ثبت هذا في حق معاوية - رضي الله تعالى عنه- فإنه من أبعد المحال على من كانت هذه سيرته أن يحمل الناس على لعن علي - رضي الله عنه - على المنابر وهو من هو في الفضل .
أجل .. ومن علم سيرة معاوية - رضي الله عنه- في الملك وما اشتهر به من الحلم والصفح وحسن السياسة للرعية، ظهر له أن ذلك من أكبر الكذب عليه
ثانياً : من اللوازم الباطلة له : إتهام سلفنا الصالح وأهل العلم من بعدهم الذين أثنوا عليه ذلك الثناء البالغ، قد مالؤوه على الظلم والبغي واتفقوا على الضلال!! وحاشهم، إذ هذا مما نزهت الأمة عنه بنص حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم : "إن أمتي لا تجتمع على ضلالة" "السنة لابن أبي عاصم برقم (82–84) وضعفه جدا العلامة الألباني .[/b]
ثالثاً : كيف يسمح معاوية - رضي الله عنه- بذلك؟! وهو الذي لم يصحّ عنه أبداً أنه سبّ علياً أو لعنه مرة واحدة، فضلاً عن التشهير به على المنابر!! .
وقد علق الحافظ ابن كثير - رحمه الله تعالى- في على قصة لعن علي - رضي الله عنه - على المنابر بعد القنوت، بقوله : "ولا يصح هذا" "البداية والنهاية" (7/284)
رابعاً : ثم لنا أن نتساءل أيضاً : لماذا يُلعن بنو أمية بسب علي - رضي الله عنه - وهم الغالبون المنتصرون ؟
خامساً : وأما ما قيل من أن علياً كان يلعن في قنوته معاوية و أصحابه، وأن معاوية إذا قنت لعن علياً وابن عباس والحسن والحسين، فهو غير صحيح؛ لأن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا أكثر حرصاً من غيرهم على التقيّد بأوامر الشارع الذي نهى عن سباب المسلم و لعنه .
وقد قال - صلى الله عليه وسلم : "من لعن مؤمناً فهو كقتله" "صحيح البخاري مع الفتح" (10/479) .
وقوله - صلى الله عليه وسلم : " لا يكون اللعانون شفعاء و لا شهداء يوم القيامة" "صحيح الجامع" (2/1283) .
ثم إن هذا الأثر – قصة لعن علي على منابر بني أمية - مروي من طريق علي بن محمد وهو شيخ ابن سعد وهو المدائني فيه ضعف .
و شيخه لوط بن يحي ( أبو مخنف ) ليس بثقة متروك الحديث وإخباري تالف لا يوثق به وعامة روايته عن الضعفاء والهلكى و المجاهيل . انظر : السير (7/302 ) والميزان (3/419 ) . وفي سندها أيضاً أبو جناب الكلبي، ضعيف . راجع هذه الرواية الملفقة في "تاريخ الطبري"(5/71) .
وهذا الأثر هو الوحيد الذي ورد فيه التصريح المباشر بقصة اللعن، وهو الذي يتمسك به عامة أهل البدع والجهل، يشير إلى أن علياً - رضي الله عنه- كان يلعن معاوية وعمرو بن العاص وغيرهم !! فلماذا لم يتحدثوا عن هذه؟!!
وأما ما سوى هذه الرواية، فهي شبهات واهية، ليس فيها أي دليل على ما يتشدق به أهل البدع والأهواء .
وما أجمل وأدلّ أن يقال هنا ما قاله الأعمش – رحمه الله تعالى : " حدثناهم بغضب أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم- فاتخذوه دينًا " "سير أعلام النبلاء" (2/394) .
الشبهة الأولى :
ما جاء في صحيح الإمام مسلم – رحمه الله تعالى- عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه – رضي الله تعالى عنه- قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال : ما منعك أن تسب أبا تراب؟ فقال : أما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فلن أسبه لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم .
سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول له : خلفه في مغازيه فقال له علي : يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبوة بعدي
وسمعته يقول يوم خيبر : لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، قال : فتطاولنا لها فقال : ادعوا لي علياً، فأتي به أرمد فبصق في عينه ودفع الراية إليه، ففتح الله عليه .
ولما نزلت هذه الآية { قل تعالوا ندعُ أبناءكم .. } دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال : اللهم هؤلاء أهلي" "صحيح الإمام مسلم" برقم(2404) .
الجواب : هذا الحديث لا يفيد أن معاوية أمر سعداً بسب علي، ولكنه كما هو ظاهر فإن معاوية أراد أن يستفسر عن المانع من سب علي، فأجابه سعداً عن السبب، ولم نعلم أن معاوية عندما سمع رد سعد غضب منه ولا عاقبه .
كما أن سكوت معاوية هنا، تصويب لرأي سعد، ولو كان معاوية ظالماً يجبر الناس على سب علي كما يدعون، لما سكت عن سعد ولأجبره على سبه، ولكن لم يحدث من ذلك شيء، فعُلم أنه لم يأمر بسبه ولا رضي بذلك .
يقول النووي - رحمه الله تعالى - في ذلك : قول معاوية هذا، ليس فيه تصريح بأنه أمر سعداً بسبه، وإنما سأله عن السبب المانع له من السب، كأنه يقول : هل امتنعت تورعاً أو خوفاً أو غير ذلك . فإن كان تورعاً وإجلالاً له عن السب، فأنت مصيب محسن، وإن كان غير ذلك فله جواب آخر، ولعل سعداً قد كان في طائفة يسبون، فلم يسب معهم، وعجز عن الإنكار، أو أنكر عليهم، فسأله هذا السؤال، قالوا : ويحتمل تأويلاً آخر أن معناه : ما منعك أن تخطئه في رأيه واجتهاده، وتظهر للناس حسن رأينا واجتهادنا وأنه أخطأ" "شرح صحيح مسلم" ( 15 / 175 ) .
وقال أبو العباس القرطبي – رحمه الله تعالى : " وهذا ليس بتصريح بالسب، وإنما هو سؤال عن سبب امتناعه ليستخرج من عنده من ذلك، أو من نقيضه، كما قد ظهر من جوابه، ولما سمع ذلك معاوية سكت وأذعن، وعرف الحق لمستحقه" "المفهم" (6/278).
والذي يظهر لي في هذا والله أعلم : أن معاوية - رضي الله عنه- إنما قال ذلك على سبيل المداعبة لسعد، وأراد من ذلك استظهار بعض فضائل علي - رضي الله عنه- فإن معاوية - رضي الله عنه- كان رجلاً فطناً ذكياً يحب مطارحة الرجال واستخراج ما عندهم، فأراد أن يعرف ما عند سعد في علي - رضي الله عنهما - فألقى سؤاله بهذا الأسلوب المثير .
وهذا مثل قوله - رضي الله عنه - لابن عباس : أنت على ملة علي؟ فقال له ابن عباس : ولا على ملة عثمان، أنا على ملة رسول الله - صلى الله عليه وسلم" "الإبانة الكبرى" لابن بطة (1/ 355) .
وظاهر قول معاوية هنا لابن عباس – رضي الله تعالى عنهم- جاء على سبيل المداعبة، فكذلك قوله لسعد – رضي الله تعالى عنه- هو من هذا الباب، وأما ما ادعى الرافضة من الأمر بالسب، فحاشا معاوية - رضي الله عنه - أن يصدر منه مثل ذلك .
والمانع من هذا عدة أمور :
المانع الأول : أن معاوية نفسه ما كان يسب علياً - رضي الله عنه - فكيف يأمر غيره بسبه ؟
بل كان معظماً له معترفاً له بالفضل والسبق إلى الإسلام، كما دلت على ذلك أقواله الثابتة عنه .
قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله تعالى : "وقد ورد من غير وجه أن أبا مسلم الخولاني وجماعة معه دخلوا على معاوية فقالوا له : هل تنازع علياً أم أنت مثله؟ فقال : والله إني لأعلم أنه خير مني وأفضل، وأحق بالأمر مني" "البداية والنهاية" (8/132).
و" لما جاء خبر قتل علي إلى معاوية جعل يبكي، فقالت له امرأته : أتبكيه وقد قاتلته؟ فقال : ويحك إنك لا تدرين ما فقد الناس من الفضل والفقه والعلم" "البداية والنهاية" (8/133)
المانع الثاني : أنه لا يعرف بنقل صحيح أن معاوية - رضي الله عنه- تعرض لعلي - رضي الله عنه - بسب أو شتم أثناء حربه له في حياته، فهل من المعقول أن يسبه بعد انتهاء حربه معه ووفاته؟!!!
فهذا من أبعد ما يكون عند أهل العقول وأبعد منه أن يحمل الناس على سبه وشتمه .
المانع الثالث : أن معاوية - رضي الله عنه- كان رجلاً ذكياً، مشهور بالعقل والفطانة، فلو أراد حمل الناس على سب علي، وحاشاه من ذلك، أفكان يطلب ذلك من مثل سعد بن أبي وقاص، وهو من هو في الفضل والورع، مع عدم دخوله في الفتنة أصلاً !!
فهذا لا يفعله أقل الناس عقلاً وتدبيراً، فكيف بمعاوية؟!!
المانع الرابع : أن معاوية - رضي الله عنه - انفرد بالخلافة بعد تنازل الحسن بن علي - رضي الله عنهما - له واجتمعت عليه الكلمة والقلوب، ودانت له الأمصار بالملك، فأي نفع له في سب علي؟!
بل الحكمة وحسن السياسة تقتضي عدم ذلك، لما فيه من تهدئة النفوس وتسكين الأمور ومثل هذا لا يخفى على معاوية - رضي الله عنه- الذي شهدت له الأمة بحسن السياسة والتدبير
المانع الخامس : أنه كان بين معاوية - رضي الله عنه- بعد استقلاله بالخلافة وأبناء علي من الألفة والتقارب ما هو مشهور وفي كتب السير والتاريخ .
ومن ذلك : أن الحسن والحسين وفدا على معاوية فأجازهما بمائتي ألف، وقال لهما : ما أجاز بهما أحد قبلي، فقال له الحسن : ولم تعط أحد أفضل منا" "البداية والنهاية" (8/139) .
ودخل مرة الحسن على معاوية فقال له : مرحباً وأهلاً بابن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وأمر له بثلاثمائة ألف" "البداية والنهاية" (8/140) .
وهذا مما يقطع بكذب ما ادعي في حق معاوية ([6]) - رضي الله عنه - من حمله الناس على سب علي - رضي الله عنه - إذ كيف يحصل هذا مع ما بينه وبين أولاده من هذه الألفة والمودة والاحتفاء والتكريم .
الشبهة الثانية :
ما جاء في صحيح الإمام مسلم – رحمه الله تعالى- عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : استُعمل على المدينة رجل من آل مروان قال : فدعا سهل بن سعد فأمر أن يشتم علياً رضي الله عنه ، فأبى سهل، فقال له : أما إذا أبيت فقل : لعن الله أبا تراب، فقال سهل : ما كان لعلي اسم أحب إليه من أبي تراب ..." "صحيح الإمام مسلم" برقم(2409) ثم ذكر الحديث وسبب تسميته بذلك .
الجواب : في نقاط :
أولاً : هذا الادعاء لا أساس له من الصحة، بل إن استشهاد هؤلاء وأمثالهم بهذا الحديث لا حجة فيه .
ثانياً " أين التصريح باسم معاوية – رضي الله تعالى عنه- فيه ؟
ثالثاً : ثم إن الرجل من آل مروان، ومن المعروف لدى الجاهل قبل العالم أن معاوية - رضي الله عنه – سفياني، وليس مرواني ..
رابعاً : ومن الغرائب أن هؤلاء المبتدعة ينكرون سبّ علي، ولم يتورعوا عن سبّ خير البرية بعد الأنبياء أبي بكر وعمر وعثمان!! وكتبهم طافحة بذلك .
خامساً : ولنستمع في إبطاله إلى ما رواه الحافظ أبو نعيم في "الحلية" عن أبي صالح قال : دخل ضرار بن ضمرة الكناني على معاوية فقال له معاوية : صف لي علياً .
فقال ضرار : أو تعفيني يا أمير المؤمنين؟
قال معاوية : لا أعفيك .
قال ضرار : أما إذ لا بدّ، فإنه كان و الله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلاً، ويحكم عدلاً، ويتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، و يستأنس بالليل وظلمته، كان والله غزير العبرة، طويل الفكرة، يقلب كفه، ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما جشب – غليظ، أو بلا إدام - كان و الله كأحدنا، يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه، وكان مع تقربه إلينا و قربه منا لا نكلمه هيبة له، فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، يعظم أهل الدين، و يحب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله، فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، يميل في محرابه قابضاً على لحيته، يتململ تململ السليم– اللديغ- ويبكي بكاء الحزين ، فكأني أسمعه الآن و هو يقول : يا ربنا، يا ربنا، يتضرع إليه، ثم يقول للدنيا : إلىّ تغررت؟ إلىّ تشوفت؟ هيهات، هيهات، غري غيري، قد بَتَتّكِ ثلاثاً، فعمرك قصير، ومجلسك حقير، وخطرك كبير، آهٍ آه من قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق .
فوكفت دموع معاوية على لحيته ما يملكها، وجعل ينشفها بكمه، وقد اختنق القوم بالبكاء .
فقال - أي : معاوية : كذا كان أبو الحسن رحمه الله، كيف وَجْدُكَ عليه يا ضرار؟
قال ضرار : وَجْدُ من ذبح واحِدُها في حِجْرِها، لا ترقأ دمعتها ولا يسكن حزنها، ثم قام فخرج" "الحلية" (1/84 - 85)
قال القرطبي معلقاً على وصف ضرار لعلي - رضي الله عنه - وثنائه عليه بحضور معاوية، وبكاء معاوية من ذلك، وتصديقه لضرار فيما قال : "وهذا الحديث يدل على معرفة معاوية بفضل علي - رضي الله عنه - ومنزلته، وعظم حقه ومكانته، وعند ذلك يبعد على معاوية أن يصرح بلعنه وسبه، لما كان معاوية موصوفاً به من العقل والدين والحلم وكرم الأخلاق وما يروى عنه من ذلك فأكثره كذب لا يصح..." "المفهم" للقرطبي ( 6 / 278 ) .
وبعد هذا الموقف، هل يتصور من معاوية - رضي الله عنه- أن يصرح بلعن علي - رضي الله عنه - على المنابر؟!
وهل يعقل أن يسع حلم معاوية - رضي الله عنه - الذي بلغ مضرب الأمثال([7]) سفهاء الناس وعامتهم وهو أمير المؤمنين، ثم يأمر بعد ذلك بلعن الخليفة الراشد علي بن أبي طالب على المنابر، ويأمر ولاته بذلك في سائر الأمصار والبلدان؟!! والحكم في هذا لكل صاحب عقل وفهم ودين" منقول بتصرف .
وعلى عاليه : قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى : " وأما الصحابة والتابعون، فقال غير واحد من الائمة : إن كل من صحب النبى أفضل ممن لم يصحبه مطلقاً، وعينوا ذلك في مثل معاوية، وعمر بن عبد العزيز، مع أنهم معترفون بأن سيرة عمر بن عبد العزيز أعدل من سيرة معاوية، قالوا : لكن ما حصل لهم بالصحبة من الدرجة أمر لا يساويه ما يحصل لغيرهم بعلمه.
واحتجوا بما في "الصحيحين" أنه قال: " لا تسبوا أصحابي، فوا الذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أُحدٍ ذهبا لما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نَصِيفَة "
قالوا : فإذا كان جبل أحد ذهبا لا يبلغ نصف مد أحدهم، كان في هذا من التفاضل ما يبين أنه لم يبلغ أحد مثل منازلهم التي أدركوها بصحبة النبى - صلى الله عليه وسلم- وفى المسالة بسط وبيان لا يحتمله هذا المكان" "مجموع الفتاوى"(4/527) .
ونقل الحافظ عن الإمام أبو المظفَّر السمعاني (489هـ) رحمه الله أَنَّه قَالَ : " التعرُّض إِلَى جانب الصحابة علامةٌ علَى خذلان فاعله، بل هُوَ بدعةٌ وضلالةٌ" "الفتح" (4/365).
إذا علمت هذا وأيقنته، فقهت حال من ينبح بالطعن في معاوية - رضي الله تعالى عنه- ناسياً أو متناسياً أنه من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم- وأن الأمة قد أجمعت على تعديلهم دون استثناء من لابس الفتن منهم ومن قعد، ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة .
بغضوه الرافضة وكفّروه، جهلوا، بل قبروا ما له من الفضائل، فهو أحد الأمناء على الوحي فكيف لا يستأمن على ما دونه؟!! وهو كذلك خال المؤمنين، فكيف؟!!!
رضي الله تعالى عن معاوية وأبيه وأمه، فقد دعا له النبي عليه الصلاة والسلام فقال : "اللهم اجعله هادياً مهدياً واهد به" وقال عليه الصلاة السلام : "اللهم علّم معاوية الحساب، وقه العذاب" "السلسلة الصحيحة" برقم(3227) فماذا بعد؟!!!
الخاتمة
قال مؤرخ الإسلام الحافظ شمس الدين الذهبي – رحمه الله تعالى : "فهذَا ما تَيسَّر من سيرة العشرة، وهم أَفْضل قريش، وأَفْضل السَّابِقين المهاجرِين، وأَفْضل البدرِيِّين، وأَفْضل أَصحاب الشَّجرة، وسادة هذه الأُمَّة في الدُّنيا والآخرة .
فَأَبعد اللهُ الرَّافضةَ؛ ما أَغواهم، وأَشدَّ هواهم !
كيف اعترفوا بِفَضْلِ واحد منهم، وبخسوا التسعةَ حقَّهم، وافْتروا علَيهم بِأنَّهم كتموا النصَّ في عليٍّ أَنَّه الخليفَة؟!
فَواللهِ ما جرى من ذَلك شيء ... وأَنَّهم زوَّروا الأَمر عنه بِزعمهم، وخالَفوا نبِيَّهم، وبادروا إِلَى بيعَة رجل من بني تيم ( وهو أبو بكر الصديق رضي الله عنه) يتَّجِر ويتَكسَّب؛ لا لرغبة في أَمواله، ولا لرهبة من عشيرته ورِجاله!
ويْحكَ .. أَيفعل هذَا من لَه مسكَة عقْل؟!
ولَو جاز هذَا علَى واحد لَما جاز علَى جماعة، ولَو جاز وقُوعُه من جماعة، لاستَحال وقوعه والحالَة هذِه من أُلُوف من سادة المهاجرِين والأَنصار، وفرسان الأُمَّة، وأَبطَالِ الإِسلام
لَكن لاَ حيلَةَ في بُرْء الرَّفْضِ؛ فَإِنَّه داء مزمن، والهدى نُور يقذفه اللهُ في قَلب من يشاء؛
فَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِالله" "سير أعلام النبلاء" (1/140 - 141) ما أروعه وأورعه من بيان، لله درك .
وأختم بتأكيد حقيقة لا تخفى : وإنما أعني بها ما قاله شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى : " كل مؤمن آمن بالله؛ فللصحابة - رضي الله عنهم- عليه فضل إلى يوم القيامة، وكل خير فيه الشيعة وغيرهم فهو ببركة الصحابة" "مختصر منهاج السنة" (2/563) .
وهنا ينشئ سؤال لأهل العرفان : فهل من الوفاء الطعن فيهم، أم من الجحود .
" رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ" سورة "الحشر" الآية(9)
وصلي اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى إخوانه وآله وصحبه أجمعين
والحمد لله رب العالمين
كتبه
الفقير إلى رحمة مولاه
أبو عبد الله
محمد بن عبد الحميد بن محمد حسونة
في 14/11/1431هـ ـ 21/10/2010م
--------------------- |[ الحاشية ]| ----------------------
([1]) قال الإمام أبو محمد ابن حزم – رحمه الله تعالى- عنه : "كان أحد الـمُجّان، ومن غلب عليه الهزل، وأحد الضُلاّل المضلين" "الفِصَل..."(5/39) .
وقال خطيب أهل السنة الإمام ابن قتيبة – رحمه الله تعالى : "تجده يقصد في كتبه للمضاحيك والعبث، يريد بذلك استمالة الأحداث وشُراب النبيذ.. وهو مع هذا من أكذب الأمة، وأوضعهم لحديث، وأنصرهم لباطل" "مختلف الحديث" ص(59-60)
([2]) وهنا أنقل- آسفاً- عن مصري جاهل تلوث بنجس الرفض، أعني به رأس الطريقة العزمية الرافضية، إذ : " أبدى محمد علاء الدين ماضى أبو العزائم شيخ عموم الطريقة العزمية استعجابه ممن يطلقون على معاوية، ويزيد ابنه، وأبو سفيان، لقب سيدنا، قائلا : متى كانوا أسيادنا ؟ فهل قتلة سيدنا الحسين هم أسياد لنا ؟ مشيرا إلى أن بنى أمية موجودون إلى وقتنا هذا ويجب أن تفيق الأمة من غفوتها..." http://www.youm7.com/News.asp?NewsID=255243& هذا .. ومما يذكر ليشكر : إنكار "مجمع البحوث الإسلامية" بالأزهر عليهم "ولا أدري هل لدى المتصوفة من يروض هذه ( الكلاب المسعورة ) التي بدأت تسير خلف أحفاد ابن العلقمي، فهم الآن ينقضون عروة من عرى الإسلام، ولئن عشتُ إلى قابل لسوف أرى ما يلوكونه في( معاوية) و ( أبي معاوية) - رضي الله عنهما – هوَ هوَ ما يقولونه في الصديق وشهيد المحراب وذي النورين" https://alrbanyon.yoo7.com/montada-f9/topic-
t8565.htm?highlight=%e3%da%c7%e6%ed%c9 .
([3]) وقد اتكأت في سيري هنا على بحث للشيخ سعد بن ضيدان السبيعي- وبنيت عليه .
([4]) ومن هؤلاء كذلك المودوي في كتابه "الخلافة والملك" وفيه طعن على معاوية – رضي الله عنه – وبني أمية، غرّه ما تناقله رواة الشيعة عنهم من أكاذيب انظر ص(66،78،84 ،113،205،219 ،233) الأمر الذي وقعه فيما هو أسوأ، عندما لمز عثمان – رضي الله تعالى عنه! انظر ص(64،70،71) كيف وقد طعن بعض الأنبياء – عليهم جميعاً وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى التسليم .
وهذا البلاء نهديه بل نلقيه في وجه أتباعه الثوريين التهيجيين – هداهم الله تعالى .
([5]) وقال شيخ الإسلام – رحمه الله تعالى : " .. يَنْبَغِي أَنْ يَعْرِفَ أَنَّهُ قَدْ كَذَبَ عَلَى عَلِيٍّ وَأَهْلِ بَيْتِهِ؛ لَا سِيَّمَا عَلَى جَعْفَرٍ الصَّادِقِ مَا لَمْ يَكْذِبْ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ حَتَّى إنَّ الْإِسْمَاعِيلِيَّة وَالْنُصَيْرِيَّة يُضِيفُونَ مَذْهَبَهُمْ إلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْمُعْتَزِلَةُ" اهـ "مجموع الفتاوى" (13/244)
وقال أيضا عن الروافض : "حتى لا يكاد يوثق برواية أحد منهم، أعرض عنهم أهل الصحيح فلا يروي البخاري ومسلم أحاديث علي إلا عن أهل بيته كأولاده مثل الحسن والحسين، ومثل محمد بن الحنفية، وكاتبه عبيد الله بن أبي رافع أو أصحاب ابن مسعود وغيرهم، مثل عبيدة السلماني، والحارث التيمي، وقيس بن عباد وأمثالهم، إذ هؤلاء صادقون فيما يروونه عن علي، فلهذا أخرج أصحاب الصحيح حديثهم" اهـ . "مجموع فتاوى شيخ الإسلام" (13/32)
قال العلامة الألوسي – رحمه الله تعالى – في كتابه "صبّ العذاب على من سبّ الأصحاب" : " وما يذكره المؤرخون من أن معاوية - رضي الله تعالى- عنه كان يقع في الأمير كرم الله تعالى وجهه بعد وفاته، ويظهر ما يظهر في حقه، ويتكلم بما يتكلم في شأنه، مما لا ينبغي أن يعول عليه، أو يلتفت إليه؛ لأن المؤرخين ينقلون ما خبث وطاب، ولا يميزون بين الصحيح والموضوع والضعيف، وأكثرهم حاطب ليل، لا يدري ما يجمع، فالاعتماد على مثل ذلك في مثل هذا المقام الخطر والطريق الوعر والمَهمَه الذي تضل فيه القطا ويقصر دونه الخطا، مما لا يليق بشأن عاقل، فضلا عن فاضل " "صب العذاب على من سب الأصحاب" ص( 421) .
وفي تخصيص تشويه العهد الأموي، يقول المؤرخ محمود شاكر – رحمه الله تعالى- عندما قال : "إن تاريخ بني أمية قد أصابه الكثير من التشويه" "التاريخ الإسلامي" (4/5) .
([6]) ومن ذلك كذلك : إبطال دعوى لعن الإمام الشوكاني – رحمه الله تعالى- لمعاوية – رضي الله تعالى عنه : "فقد دأب أهل البدع على الأستشهاد بكلام منسوب للشوكاني - رحمه الله - يلعن فيه الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهما - وابنه يزيد، ومع صدور الطبعة الجديدة من كتاب ( نيل الأوطار) بتحقيق محمد صبحي حلاق تبين أن الأمر بخلاف ذلك! فقد أبطل حلاق هذه التهمة، بالرجوع إلى صور المخطوطات المعتمدة في التحقيق ومنها نسخة كُتبت بخط الشوكاني نفسه، ونسخة أخرى كُتبت بخط أحد تلاميذه– الدلواني- فتبين عدم وجود ( اللعن ) في هذه النسخ .
قلت : كيف وقد قال الإمام الشوكاني - رحمه الله تعالى – في كتابه "نيل الأوطار"(7/131) الناشر دار الجيل سنة النشر 1973 في "باب المرأة تنفق من مال الزوج بغير علمه إذا منعها الكفاية" عن عائشة أن هندا قالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم فقال خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" رواه الجماعة إلا الترمذي قوله : "... وأيضا قد كان في أولادها في ذلك الوقت من هو مكلف كمعاوية رضي الله عنه "
وقال أيضا - رحمه الله تعالى - في تفسيره "فتح القدير..."(5/214) : خرج عبد ابن حميد وابن المنذر وابن عدي وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في الآية قال : كانت المودة التي جعل بينهم تزويج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان فصارت أم المؤمنين فصار معاوية خال المؤمنين" .
([7]) أجل .. فقد بلغ معاوية – رضي الله تعالى عنه- في الحلم مضرب الأمثال، وقدوة الأجيال؛ قال عبد الملك بن مروان وقد ذُكر عنده معاوية : "ما رأيت مثله في حلمه واحتماله وكرمه" "البداية والنهاية" (8/138).