الحمد لله الذي شرع لنا من الواجبات، ما يكون به: حياة قلوبنا،
و صلاح حالنا، و سعادة أرواحنا، و نعيم أبداننا، و حسن مآلنا.
و إلا فالنفس تحب الراحة، و تميل إلى الدعة، و تركن إلى السكون،
و لعل الإنسان لو تُرِك ليعبد ربه – عز وجل – كلٌ على قدر اجتهاده، دون تحديد، لأغوته
الدنيا، و أخره داعي التسويف، و غره طول الأمل، و حبسه هواه، و اجتمع عليه أعداؤه
من شياطين الإنس و الجن، فزاد تسلطهم على الغافلين، و كَثُرَ على الطريق
المتساقطون.
فهناك من يظل طوال العام يريد صيام النفل، و قيام الليل، و لكن
يُثَبِّطُه الشيطان، و يُكَبِّله مرض قلبه، و تَقْوى عليه نفسه، بِمددٍ من ذنوبه، فَيُسِوِّف
و يُؤجل.
حتى يأذن الله الرحمن الرحيم الحليم – سبحانه و تعالى – بالفرج، و يَهل هلال شعبان،
و تَهُبُّ ريح رمضان، و تنطلق ألسنة الدعاة إلى الله –تعالى - بالبشرى: بالرحمة، و المغفرة، و تصفيد الشيطان، و
العتق من النيران، كالبشير يُلقي بقميص الأمل على وجه القلب المكلوم بجراحات
المعاصي، المنكوس بمشارب الفتن، فيأت بصيرًا، أو يكاد.
و يهفو إلى هلال رمضان،
لعل الله أن يدركه برحمته، قبل أن تأتيه مَنِيَّتُه، ليصوم مع الصائمين، و يركع مع
الراكعين، و يتلو مع القارئين، و يجود مع المنفقين.
فإذا ارتوى من الصيام،
و ارتاح بالقيام، و رَطّب لسانه بالقرآن، و زَكَّى نفسه بالإنفاق، سَمَت نفسه، و
احتيا قلبه، و هَبّت رياح التوبة، على رماد المعصية، فاشتعلت من تحته جذوة المحبة،
و انفتحت عين البصيرة، فرأت عظمة الذات العلية، و اطلعت على سابق الخَطِيَّة،
فانهمرت منها دموع الخشية، ثم نزلت على قلبه آيات الرحمة، فاهتز قلبه رجاء الجنة،
و نفض عنه تراب الغفلة، و شَمَّر عن ساعِد الهِمَّة، ليحيا حياةً طيبة، فيها سعادة
الدنيا و الآخرة.
و الله المستعان.