تذكير المسلمين بخطر الرأي في الدّين
إعداد
أبي عبد الله غريب الأثري القسنطيني
غفر الله له
الحمد لله رب العامين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وبعد:
فإنّ من أعظم الأخطار التي تهدد المسلمين وتهدد دينهم وعقيدتهم القول في دين لله بالاستحسان والظنّ وما تهوى الأنفس، ولقد ذمّ الله تعالى الذين يقولون في دينه بغير علم فقال سبحانه: ((قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33) سورة الأعراف
قال العلامة السعدي رحمه الله تعالى: ((وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون)): في أسمائه وصفاته وأفعاله، وشرعه.
فكل هذه قد حرمها الله، ونهى العباد عن تعاطيها، لما فيها من المفاسد الخاصة والعامة، ولما فيها من الظلم والتجرؤ على الله، والاستطالة على عباد الله، وتغيير دين الله وشرعه))اهـ.
وقال الإمام البغوي رحمه الله: ((وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون)): في تحريم الحرث والأنعام، في قول مقاتل . وقال غيره، هو عام في تحريم القول في الدين من غير يقين . اهـ
قال الإمام ابن القيّم رحمه الله تعالى: ((ومن حيله ومكايده: الكلام الباطل، والآراء المتهافتة، والخيالات المتناقضة، التى هى زبالة الأذهان، ونُحاتة الأفكار، والزبد الذى يقذف به القلوب المظلمة المتحيرة، التى تعدل الحق بالباطل، والخطأ بالصواب.
قد تقاذفت بها أمواج الشبهات، ورانت عليها غيوم الخيالات، فمركبها القيل والقال، والشك والتشكيك، وكثرة الجدال، ليس لها حاصل من اليقين يعول عليه، ولا معتقد مطابق للحق يرجع إليه، يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا، فقد اتخذوا لأجل ذلك القرآن مهجورا، وقالوا من عند أنفسهم فقالوا منكرا من القول وزورا، فهم فى شكهم يعمهون، وفى حيرتهم يترددون، نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، واتبعوا ما تلته الشياطين على ألسنة أسلافهم من أهل الضلال، فهم إليه يحاكمون، وبه يتخاصمون، فارقوا الدليل واتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل)). اهـ
((موارد الأمان المنتقى من إغاثة اللهفان للشيخ علي حسن ص191-192)).
وقال الإمام عبد الحميد بن باديس عليه رحمة الله: ((العلم قبل العمل، ومن دخل في العمل بغير علم لا يأمن على نفسه من الضلال ولا على عبادته من مداخل الفساد والاختلال، وربّما اغترّ به الجهّال فسألوه فاغترّ هو بنفسه فتكلّم بما لا يعلم فضلّ وأضلّ)) الشهاب: ج2، م8، شعبان1351هـ
وقال العلامة الفقيه أحمد حمّاني –مفتي الجزائر الأسبق- رحمه الله تعالى: ((فمن الواجب أن يتّهم المرء رأيهُ، ولو زُيِّنَ لهُ وأن يتّبع نبيَّه في كلّ ما جاء به لأنّه أعرف منه بمصلحته)) اهـ ((صراع بين السنّة والبدعة 1/21 دار البعث، قسنطينة))
فالله الله في دين الله والحذر الحذر من القول على الله بغير علم ولا أثر.
ما المقصود بالرأي ؟
قال فضيلة الدكتور الشيخ محمّد حسين الذّهبي رحمه الله: ((يطلق الرأي على الاعتقاد، وعلى الاجتهاد، وعلى القياس، ومنه أصحاب الرأي أي أصحاب القياس)).( التفسير والمفسرون1/183مكتبة وهبة ط8 سنة 1424هـ).وهذا النوع من الرأي ليس هو المقصود في بحثنا هذا.
وللمزيد من التفاصيل حوله راجع الكتاب القيّم ((التفسير والمفسّرون)) للدكتور محمّد حسين الذهبي عليه رحمة الله (1/183-194) و((الإتقان في علوم القرآن)) للحافظ السيوطي رحمه الله (1/21-24).
ما هو الرأي الذي حذّر منه السلف ؟
والمقصود بالرأي في بحثنا هذا هو القول على الله بغير علم أو بالإستحسان والظنون والهوى في نحو مشكل القرآن ومتشابهه، ومشكل الحديث ومتشابهه، مما لا يُعلمُ إلا عن طريق النّقل الثابت الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلّم أو عن أصحابه رضوان الله عليهم.
ومن ذلك أيضا الفتاوى الشاذّة التي لا يعضدها دليل ولا تستند إلى أثر أو أثارة من علم وسيأتي بعضها فيما بعد إن شاء الله تعالى.
إذنفالرأي الذي حذر منه الصحابة والسلف وأهل العلم قاطبة هو أن يقول المرء في دين الله برأيهواستحسانه اعتماداً على عقله دون الرجوع إلى الأثر!
و في ذلك يقول الإمام سعد بن علي الزنجاني رحمه الله (من أئمة القرن الرابع الهجري) :
تمسك بحبل الله و اتبع الأثر ****ودع عنك رأيا لا يلائمه خبر.
(اجتماع الجيوش لابن القيم ص 119 ط/1 دار الكتب العلمية).
قال العلامة الشاطبي رحمه الله: ((الوجه الخامس من النقل: ما جاء منه في ذم الرأي المذموم،وهو المبني على غير أس، والمستند إلى غير أصل من كتاب ولا سنّة، لكنه وجه تشريعي فصار نوعا من الابتداع، بل هو الجنس فيها، فإنّجميع البدع إنّما هي رأي على غير أصل ولذلك وصف بوصف الضلال ...)). ((الإعتصام 1/107 المكتبة التوفيقية تحقيق هانني الحاج))
وقال أيضا: (( وقد اختلف العلماء في الرأي المقصود بهذه الأخبار والآثار
فقد قالت طائفة المراد به رأى اهل البدع المخالفين للسنن لكن في الاعتقاد كمذهب جهم وسائر مذاهب اهل الكلام لانهم استعملوا آراءهم في رد الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل وفي رد ظواهر القرآن لغير سبب يوجب الرد ويقتضي التأويل كما قالوا بنفي الرؤية نفيا للظاهر بالمحتملات ونفى عذاب القبر ونفى الميزان والصراط.
وكذلك ردوا احاديث الشفاعة والحوض إلى اشياء يطول ذكرها وهي مذكورة في كتب الكلام.
وقالت طائفة انما الرأي المذموم المعيب الرأي المبتدع وما كان مثله من ضروب البدع فإن حقائق جميع البدع رجوع إلى الرأي وخروج عن الشرع وهذا هو القول الاظهر.
إذ الأدلة المتقدمة لا تقتضي بالقصد الأوّل من البدع نوعا دون نوع
بل ظاهرها تقتضي العموم في كل بدعه حدثت أو تحدث إلى يوم القيامة كانت من الاصول او الفروع...)) (الإعتصام 1/109)
وقال بخاري المغرب الحافظ ابن عبد البّر رحمه الله :
وقال جمهور أهل العلم: ((الرأي المذموم هو القولُ في شرائع الدين بالإستحسان والظنون، والإشتغال بحفظ المعضلات والأغلوطات... فاستعمل فيها الرأي قبل أن تنزل، وفرّعت وشققت قبل أن تقع، وتكلّم فيها قبل أن تكون بالرأي المضارع للظن.
قالوا: وفي الإشتغال بهذا والإستغراق فيه تعطيل السنن والبعث على حملها.اهـ (جامع بيان العلم وفضله 2/302 نقلا عن المقدمة السلفية لفضيلة الشيخ أبي عبد الباري الأثري الجزائري ص24 مكتبة الفرقان)
وقال كذلك في تعليقه على الحديث الذي أخرجه الحاكم (4/430) والخطيب في تاريخه (13/309): ((تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة اعظمها فتنة قوم يقيسون الدين برأيهم يحرمون به ما احل الله ويحلون به ما حرم الله))((هذا هو القياس على غير أصل والكلام فى الدين بالتخرص والظن ألا ترى إلى قوله في الحديث ((يحلون الحرام ويحرمون الحلال)) ومعلوم أن الحلال ما في كتاب الله وسنة رسوله تحليله والحرام ما كان فى كتاب الله وسنة رسوله تحريمه فمن جهل ذلك وقال فيما سئل عنه بغير علم وقاس برأيه ما خرج منه عن السنة فهذا الذى قاس برأيه فضل وأضل ومن رد الفروع فى علمه إلى أصولها فلم يقل برأيه )). (الإعتصام 1/107)فيها الرأي قبل أن تنزل، وفرّعت وشققت قبل أن تقع، وتكلّم فيها قبل أن تكون بالرأي المضارع للظن.
وقال عبد العزيز بن رفيع: سئل عطاء عن مسألة فقال: لا أدري، فقيل له: ألا تقول فيها برأيك؟
قال: إني أستحي من الله أن يدانفي الأرض برأيي. اهـ(التفسير والمفسرون 1/86)
وقال قتادة رحمه الله لم أفت برأي منذ ثلاثين سنة.(اللالكائي في شرح
أصول الاعتقاد72)
وقال الإمام أبو عبد الله القرطبي رحمه الله تعالى: ((روى الترمذي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((اتقوا الحديث علي إلا ما علمتم فمن كذب علي متعمدا فليبوأ مقعده من النار ومن قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار)) [ضعيف: انظر الحديث رقم 114 في ضعيف الجامع]
وروي أيضا عن جندب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ)) [انظر الذي قبله].
قال أبو بكر محمد بن القاسم بن بشار بن محمد الدفع النحوي اللغوي في كتاب الرد ... فحمل بعض أهل العلم هذا الحديث على أن الرأي معنى به الهوى من قال في القرآن قولا يوافق هواه لم يأخذه عن أئمة السلف فأصاب فقد أخطأ لحكمه على القرآن بما لا يعرف أصله ولا يقف على مذاهب أهل الأثر والنقل فيه.
وقال ابن عطية: ومعنى هذا أن يسأل الرجل عن معنى في كتاب الله عز وجل فيتسور عليه برأيه دون نظر فيما قال العلماء واقتضته قوانين العلم كالنحو والأصول وليس يدخل في هذا الحديث أن يفسر اللغويون لغته والنحويون نحوه والفقهاء معانيه ويقول كل واحد باجتهاده المبني على قوانين علم ونظر فإن القائل على هذه الصفة ليس قائلا بمجرد رأيه قلت هذا صحيح ... وإنما النهي يحمل على أحد وجهين:
أحدهما أن يكون له في الشيء رأي وإليه ميل في طبعه وهواه فيتأول القرآن على وفق رأيه وهواه ليحتج على تصحيح غرضه ولو لم يكن له ذلك الرأي والهوى لكان لا يلوح له من القرآن ذلك المعنى وهذا النوع يكون تارة مع العلم ليث يحتج ببعض آيات القرآن على تصحيح بدعته وهو يعلم أن ليس المراد بالآية ذلك ولكن مقصوده أن يلبس على خصمه وتاره يكون مع الجهل وذلك إذا كانت الآية محتمله فيميل فهمه إلى الوجه الذي يوافق غرضه ويرجح دلك الجانب برأيه وهواه فيكون برأيه أي رأيه حمله على ذلك التفسير ولولا رأيه لما كان يترجح عنده ذلك الوجه (تفسير القرطبي 1/32-33)
السلف يذمّون الرأي وأصحابه :
إعداد
أبي عبد الله غريب الأثري القسنطيني
غفر الله له
الحمد لله رب العامين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وبعد:
فإنّ من أعظم الأخطار التي تهدد المسلمين وتهدد دينهم وعقيدتهم القول في دين لله بالاستحسان والظنّ وما تهوى الأنفس، ولقد ذمّ الله تعالى الذين يقولون في دينه بغير علم فقال سبحانه: ((قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33) سورة الأعراف
قال العلامة السعدي رحمه الله تعالى: ((وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون)): في أسمائه وصفاته وأفعاله، وشرعه.
فكل هذه قد حرمها الله، ونهى العباد عن تعاطيها، لما فيها من المفاسد الخاصة والعامة، ولما فيها من الظلم والتجرؤ على الله، والاستطالة على عباد الله، وتغيير دين الله وشرعه))اهـ.
وقال الإمام البغوي رحمه الله: ((وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون)): في تحريم الحرث والأنعام، في قول مقاتل . وقال غيره، هو عام في تحريم القول في الدين من غير يقين . اهـ
قال الإمام ابن القيّم رحمه الله تعالى: ((ومن حيله ومكايده: الكلام الباطل، والآراء المتهافتة، والخيالات المتناقضة، التى هى زبالة الأذهان، ونُحاتة الأفكار، والزبد الذى يقذف به القلوب المظلمة المتحيرة، التى تعدل الحق بالباطل، والخطأ بالصواب.
قد تقاذفت بها أمواج الشبهات، ورانت عليها غيوم الخيالات، فمركبها القيل والقال، والشك والتشكيك، وكثرة الجدال، ليس لها حاصل من اليقين يعول عليه، ولا معتقد مطابق للحق يرجع إليه، يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا، فقد اتخذوا لأجل ذلك القرآن مهجورا، وقالوا من عند أنفسهم فقالوا منكرا من القول وزورا، فهم فى شكهم يعمهون، وفى حيرتهم يترددون، نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، واتبعوا ما تلته الشياطين على ألسنة أسلافهم من أهل الضلال، فهم إليه يحاكمون، وبه يتخاصمون، فارقوا الدليل واتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل)). اهـ
((موارد الأمان المنتقى من إغاثة اللهفان للشيخ علي حسن ص191-192)).
وقال الإمام عبد الحميد بن باديس عليه رحمة الله: ((العلم قبل العمل، ومن دخل في العمل بغير علم لا يأمن على نفسه من الضلال ولا على عبادته من مداخل الفساد والاختلال، وربّما اغترّ به الجهّال فسألوه فاغترّ هو بنفسه فتكلّم بما لا يعلم فضلّ وأضلّ)) الشهاب: ج2، م8، شعبان1351هـ
وقال العلامة الفقيه أحمد حمّاني –مفتي الجزائر الأسبق- رحمه الله تعالى: ((فمن الواجب أن يتّهم المرء رأيهُ، ولو زُيِّنَ لهُ وأن يتّبع نبيَّه في كلّ ما جاء به لأنّه أعرف منه بمصلحته)) اهـ ((صراع بين السنّة والبدعة 1/21 دار البعث، قسنطينة))
فالله الله في دين الله والحذر الحذر من القول على الله بغير علم ولا أثر.
ما المقصود بالرأي ؟
قال فضيلة الدكتور الشيخ محمّد حسين الذّهبي رحمه الله: ((يطلق الرأي على الاعتقاد، وعلى الاجتهاد، وعلى القياس، ومنه أصحاب الرأي أي أصحاب القياس)).( التفسير والمفسرون1/183مكتبة وهبة ط8 سنة 1424هـ).وهذا النوع من الرأي ليس هو المقصود في بحثنا هذا.
وللمزيد من التفاصيل حوله راجع الكتاب القيّم ((التفسير والمفسّرون)) للدكتور محمّد حسين الذهبي عليه رحمة الله (1/183-194) و((الإتقان في علوم القرآن)) للحافظ السيوطي رحمه الله (1/21-24).
ما هو الرأي الذي حذّر منه السلف ؟
والمقصود بالرأي في بحثنا هذا هو القول على الله بغير علم أو بالإستحسان والظنون والهوى في نحو مشكل القرآن ومتشابهه، ومشكل الحديث ومتشابهه، مما لا يُعلمُ إلا عن طريق النّقل الثابت الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلّم أو عن أصحابه رضوان الله عليهم.
ومن ذلك أيضا الفتاوى الشاذّة التي لا يعضدها دليل ولا تستند إلى أثر أو أثارة من علم وسيأتي بعضها فيما بعد إن شاء الله تعالى.
إذنفالرأي الذي حذر منه الصحابة والسلف وأهل العلم قاطبة هو أن يقول المرء في دين الله برأيهواستحسانه اعتماداً على عقله دون الرجوع إلى الأثر!
و في ذلك يقول الإمام سعد بن علي الزنجاني رحمه الله (من أئمة القرن الرابع الهجري) :
تمسك بحبل الله و اتبع الأثر ****ودع عنك رأيا لا يلائمه خبر.
(اجتماع الجيوش لابن القيم ص 119 ط/1 دار الكتب العلمية).
قال العلامة الشاطبي رحمه الله: ((الوجه الخامس من النقل: ما جاء منه في ذم الرأي المذموم،وهو المبني على غير أس، والمستند إلى غير أصل من كتاب ولا سنّة، لكنه وجه تشريعي فصار نوعا من الابتداع، بل هو الجنس فيها، فإنّجميع البدع إنّما هي رأي على غير أصل ولذلك وصف بوصف الضلال ...)). ((الإعتصام 1/107 المكتبة التوفيقية تحقيق هانني الحاج))
وقال أيضا: (( وقد اختلف العلماء في الرأي المقصود بهذه الأخبار والآثار
فقد قالت طائفة المراد به رأى اهل البدع المخالفين للسنن لكن في الاعتقاد كمذهب جهم وسائر مذاهب اهل الكلام لانهم استعملوا آراءهم في رد الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل وفي رد ظواهر القرآن لغير سبب يوجب الرد ويقتضي التأويل كما قالوا بنفي الرؤية نفيا للظاهر بالمحتملات ونفى عذاب القبر ونفى الميزان والصراط.
وكذلك ردوا احاديث الشفاعة والحوض إلى اشياء يطول ذكرها وهي مذكورة في كتب الكلام.
وقالت طائفة انما الرأي المذموم المعيب الرأي المبتدع وما كان مثله من ضروب البدع فإن حقائق جميع البدع رجوع إلى الرأي وخروج عن الشرع وهذا هو القول الاظهر.
إذ الأدلة المتقدمة لا تقتضي بالقصد الأوّل من البدع نوعا دون نوع
بل ظاهرها تقتضي العموم في كل بدعه حدثت أو تحدث إلى يوم القيامة كانت من الاصول او الفروع...)) (الإعتصام 1/109)
وقال بخاري المغرب الحافظ ابن عبد البّر رحمه الله :
وقال جمهور أهل العلم: ((الرأي المذموم هو القولُ في شرائع الدين بالإستحسان والظنون، والإشتغال بحفظ المعضلات والأغلوطات... فاستعمل فيها الرأي قبل أن تنزل، وفرّعت وشققت قبل أن تقع، وتكلّم فيها قبل أن تكون بالرأي المضارع للظن.
قالوا: وفي الإشتغال بهذا والإستغراق فيه تعطيل السنن والبعث على حملها.اهـ (جامع بيان العلم وفضله 2/302 نقلا عن المقدمة السلفية لفضيلة الشيخ أبي عبد الباري الأثري الجزائري ص24 مكتبة الفرقان)
وقال كذلك في تعليقه على الحديث الذي أخرجه الحاكم (4/430) والخطيب في تاريخه (13/309): ((تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة اعظمها فتنة قوم يقيسون الدين برأيهم يحرمون به ما احل الله ويحلون به ما حرم الله))((هذا هو القياس على غير أصل والكلام فى الدين بالتخرص والظن ألا ترى إلى قوله في الحديث ((يحلون الحرام ويحرمون الحلال)) ومعلوم أن الحلال ما في كتاب الله وسنة رسوله تحليله والحرام ما كان فى كتاب الله وسنة رسوله تحريمه فمن جهل ذلك وقال فيما سئل عنه بغير علم وقاس برأيه ما خرج منه عن السنة فهذا الذى قاس برأيه فضل وأضل ومن رد الفروع فى علمه إلى أصولها فلم يقل برأيه )). (الإعتصام 1/107)فيها الرأي قبل أن تنزل، وفرّعت وشققت قبل أن تقع، وتكلّم فيها قبل أن تكون بالرأي المضارع للظن.
وقال عبد العزيز بن رفيع: سئل عطاء عن مسألة فقال: لا أدري، فقيل له: ألا تقول فيها برأيك؟
قال: إني أستحي من الله أن يدانفي الأرض برأيي. اهـ(التفسير والمفسرون 1/86)
وقال قتادة رحمه الله لم أفت برأي منذ ثلاثين سنة.(اللالكائي في شرح
أصول الاعتقاد72)
وقال الإمام أبو عبد الله القرطبي رحمه الله تعالى: ((روى الترمذي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((اتقوا الحديث علي إلا ما علمتم فمن كذب علي متعمدا فليبوأ مقعده من النار ومن قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار)) [ضعيف: انظر الحديث رقم 114 في ضعيف الجامع]
وروي أيضا عن جندب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ)) [انظر الذي قبله].
قال أبو بكر محمد بن القاسم بن بشار بن محمد الدفع النحوي اللغوي في كتاب الرد ... فحمل بعض أهل العلم هذا الحديث على أن الرأي معنى به الهوى من قال في القرآن قولا يوافق هواه لم يأخذه عن أئمة السلف فأصاب فقد أخطأ لحكمه على القرآن بما لا يعرف أصله ولا يقف على مذاهب أهل الأثر والنقل فيه.
وقال ابن عطية: ومعنى هذا أن يسأل الرجل عن معنى في كتاب الله عز وجل فيتسور عليه برأيه دون نظر فيما قال العلماء واقتضته قوانين العلم كالنحو والأصول وليس يدخل في هذا الحديث أن يفسر اللغويون لغته والنحويون نحوه والفقهاء معانيه ويقول كل واحد باجتهاده المبني على قوانين علم ونظر فإن القائل على هذه الصفة ليس قائلا بمجرد رأيه قلت هذا صحيح ... وإنما النهي يحمل على أحد وجهين:
أحدهما أن يكون له في الشيء رأي وإليه ميل في طبعه وهواه فيتأول القرآن على وفق رأيه وهواه ليحتج على تصحيح غرضه ولو لم يكن له ذلك الرأي والهوى لكان لا يلوح له من القرآن ذلك المعنى وهذا النوع يكون تارة مع العلم ليث يحتج ببعض آيات القرآن على تصحيح بدعته وهو يعلم أن ليس المراد بالآية ذلك ولكن مقصوده أن يلبس على خصمه وتاره يكون مع الجهل وذلك إذا كانت الآية محتمله فيميل فهمه إلى الوجه الذي يوافق غرضه ويرجح دلك الجانب برأيه وهواه فيكون برأيه أي رأيه حمله على ذلك التفسير ولولا رأيه لما كان يترجح عنده ذلك الوجه (تفسير القرطبي 1/32-33)
السلف يذمّون الرأي وأصحابه :