أهمية الشهادة وخطورتها ملخص الخطبة: 1- مقصد إقامة العدل ومنع الظلم. 2- حقيقة الشهادة وضرورة المجتمع إليها. 3- وجوب الشهادة بالحق. 4- ذم كتمان الشهادة. 5- ضوابط الشهادة الشرعية. 6- شهادة الزور. 7- نظام التوثيق. | |||
الخطبة الأولى إخوة الإسلام، لقد جاء دين الإسلام وفي أبرز مقاصده إقامة العدل وتأسيسُه، ومنع الظلم بشتَّى صوره وأشكاله، فالقسط والعدل هو غاية الرسالة المحمدية بل الرسالات كلها، لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيّنَـٰتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ [الحديد:25]. عدلٌ ينظم ميادين الحياة كلها، ويعم حقوق الخالق والمخلوق جميعها، ويشمل الأفعال والأقوال والتصرفات بشتى أشكالها. عدلٌ في كل ميدان، وقسط مع كل إنسان، إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإْحْسَانِ وَإِيتَآء ذِى ٱلْقُرْبَىٰ [النحل:90]. وإن دين الإسلام، وهو يقرر مبادئ الحق ويصوغ قواعد الإصلاح ويؤسس مناهج الخير، فهو الدين الذي يكفل لهذه المبادئ الخيرة، والمناهج الإصلاحية طرقاً توصل إليها، ووسائل تضمن سلامتها مما يُخل بها، أو يناقض أغراضها ويهدد مقصودها. وإن من أبرز أسباب إقامة العدل، وأظهر ركائز القسط القيامَ بالشهادة ومعرفة أهميتها، ودورها في المجتمع، ومراعاة حقها والواجب نحوها. الشهادة ـ عباد الله ـ معيار لتمييز الحق من الباطل، وحاجز يفصل الدعاوى الصادقة من الكاذبة، قال بعضهم: الشهادة بمنزلة الروح للحقوق، فالله أحيا النفوس بالأرواح الطاهرة، وأحيا الحقوق بالشهادة الصادقة. والشهادة ضرورية لقيام الحياة الاجتماعية، وما يخالطها من أحداث ويصحبها من وقائع مادية وتصرفات إرادية ومعاملات وعلاقات عائلية. قال شريح رحمه الله: "الحكم داءٌ، والشهادة شفاءٌ، فأفرغ الشفاء على الداء"[1]. إخوة الإسلام، توفية الشهادة حقَّها فرض لازم وواجب محتَّم يقول جل وعلا: وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَـٰدَةَ لِلَّهِ [الطلاق:2]. والقائمون بشهاداتهم في عداد أهل البر والإحسان، ومن زمرة أهل الفضل والإيمان، يقول جل وعلا في وصف المكرمين: وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَـٰدٰتِهِم قَائِمُونَ [المعارج:33]. ومن حقوق الإيمان وواجباته الشهادة بالحق، ولو على النفس أو أقرب قريب، يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِٱلْقِسْطِ شُهَدَاء للَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ ٱلْوٰلِدَيْنِ وَٱلأقْرَبِينَ [النساء:135]. وإقامة الشهادة تشمل تحملها على إنشاء العقود والتصرفات، وأداءها أمام القضاء والقضاة، قال أهل العلم: ومن دُعي إلى الشهادة على عقد أو تصرف من حقوق العباد ولم يوجد غيره يقوم مقامه وجب عليه تحمل الشهادة إذن، وإلا فهو مندوب ومرغّبٌ فيه، وفي حق الجميع حينئذ فرض كفاية، وهذا بعض ما قرروه في التحمل. وأما الأداء فقال أهل العلم: وأداء الشهادة فرض على الكفاية، إذا قام بها العدد الكافي سقط الإثم عن الجماعة، وإن امتنع الجميع أثموا، وإذا لم يكن هناك غير ذلك العدد من الشهود الذين يحصل بهم الحكم، وخيف ضياع حق العبد، وجبت على الإنسان حينئذٍ وجوباً عينياً، يقول جل وعلا في جميع ما تقدم: وَلاَ يَأْبَ ٱلشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ [البقرة:282]، وهذا في حقوق العباد، أما الحدود فالستر أفضل كما قررته سنة النبي . ولئن كان الأمر هكذا بالنسبة للتحمل والأداء، فإن ضده وهو الكتمان أمر مذموم شرعاً ومبغوض طبعاً، يقول جل وعلا: وَلاَ تَكْتُمُواْ ٱلشَّهَـٰدَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ ءاثِمٌ قَلْبُهُ [البقرة:283]، قال بعض أهل العلم: ما توعد الله على شيء كتوعده على كتمان الشهادة حيث قال: فَإِنَّهُ ءاثِمٌ قَلْبُهُ. فكتمان الشهادة ـ عباد الله ـ جرم عظيم وإثم كبير، يقول جل وعلا حكاية عن شهود الوصية: وَلاَ نَكْتُمُ شَهَـٰدَةَ ٱللَّهِ إِنَّا إِذَاً لَّمِنَ ٱلآثِمِينَ [المائدة:106]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: (شهادة الزور من أكبر الكبائر، وكتمانها كذلك)[2]. معاشر المسلمين، وإذا تمهدت لنا تلك الحقائق الغراء، فإن من اللازم على المسلم العلم بأن شريعة الإسلام وهي تجعل الشهادة أساساً لإثبات الحدود وطريقاً لإظهار الحقوق، فإنها تحيط الشهادة بسياج يحقق أهدافها، وتشرعها وفق ضوابط تضمن تحقيق مقاصدها، وتسيّر طرق إنشائها وعرضها في محيط مبادئ، وأسس تمنع الانحراف بها إلى ما يضاد أهدافها وأغراضها، وتأسيساً على ذلك فالأصل في شريعة الإسلام أن تكون الشهادة مبنية على علم وبيان، وأن تنشأ عن ثقة واطمئنان، قال تعالى: إِلاَّ مَن شَهِدَ بِٱلْحَقّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [الزخرف:86]، ويقول عز وجل حكاية عن إخوة يوسف: وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا [يوسف:81]. قال أهل العلم: والأصل أن تكون الشهادة عن مشاهدة وعيان، وأن يكون مستندها أقوى أسباب العلم، فما من شأنه أن يعاينه الشاهد كالقتل والسرقة والغصب والرضاع والزنى ونحو ذلك فلا يصح أن يشهد به إلا بالمعاينة والمشاهدة البصرية له، وما من شأنه أن يسمع فلا يصح للشاهد أن يشهد به إلا بالسماع والمعاينة لقائله، كعقود النكاح والبيوع والإجارات والطلاق ونحوها. إخوة الإسلام، ومن تلك المنطلقات الآنفة، فإن شهادة الإنسان على ما لا يعلمه أو شهادته بخلاف ما يعلمه جريمة عظمى وطامة كبرى. نعم، كيف لا تكون كذلك؟! وهي حقيقة شهادة الزور التي هي عند أهل العلم الشهادة الكاذبة التي ليس لها أساس من الصحة، أياً كانت دوافعها، ومهما كانت تبريراتها. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وضابط الزور وصف الشيء على خلاف ما هو به، وقد يضاف إلى القول فيشمل الكذب والباطل، وقد يضاف إلى الشهادة فتختص بها"[3]، وقال بعضهم: "الزور هو الكذب الذي قد سُوّي وحُسِّن في الظاهر ليُحسب أنه صدق" انتهى. عباد الله، إن شهادة الزور من أكبر الكبائر وأعظم الذنوب، يقول جل وعلا: وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ [الحج:30]. روى الترمذي وغيره أن النبي قام خطيباً فقال: ((أيها الناس، عدلت شهادة الزور إشراكاً بالله)) ثم قرأ : فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرّجْسَ مِنَ ٱلأْوْثَـٰنِ وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ [الحج:30][4]، ورُوي ذلك موقوفاً عن ابن مسعود بإسناد حسن[5]. وفي الصحيحين أن النبي قال: ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟!)) ثلاثاً، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((الإشراك بالله، وعقوق الوالدين))، وجلس وكان متكئاً فقال: ((ألا وقول الزور))، قال: فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت[6]. شهادة الزور ـ عباد الله ـ واضحة الأضرار سيئة الآثار، ولا غرو فهي تحوِّل الشهادة عن وظيفتها، فتكون سنداً للباطل بدلَ الحق، وعوناً للجور مكانَ العدل، كيف وهي سبب لطمس معالم الإنصاف، وطريقٌ لفساد الأحكام، وسبيل لتقويض الأمن والأمان، فاتقوا الله عباد الله، والتمسوا سبل المتقين، وطريق المؤمنين، الذين قال الله جل وعلا فيهم: وَٱلَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّواْ كِراماً [الفرقان:72]. أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. |
النقل
لطفا من هنا
http://alminbar.al-islam.com/Default.aspx?Action=SpeachDetails&mediaItURL=5878&subsubID=
لطفا من هنا
http://alminbar.al-islam.com/Default.aspx?Action=SpeachDetails&mediaItURL=5878&subsubID=