من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 27.03.10 9:14
بسم الله الرحمن الرحيم
حكم التأمين على السيارات
لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
السؤال:
هل نقيس على حالة الصندوق هذه ما تفعله بعض شركات التأمين الحالية من استحصال مبلغ معين من كل شخص يريد أن يؤمن على مثلاً بضاعته أو سيارته أو نحو ذلك؟
الجواب :
لا نقيسه على هذا فإن شركات التأمين هذه لا شك أنها محرمة وأنها من الميسر الذي قرنه الله تعالى بالخمر وعبادة الأصنام والاستقسام بالأزلام
كما قال الله عز وجل)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
وذلك لأن هذا العقد ضرر دائر بين الغنم والغرم
وكل عقد هذه حاله فإنه من الميسر
إذ أن الإنسان يكون فيه حاله دائرة بين أن يكون غانماً أو غارماً
وأضرب لك مثلاً بأنه إذا كان عندي سيارة وأعطيت شركات التأمين مبلغاً من المال كل شهر كل شهر مثلا لنفرض أنه مائة ريال فمعنى ذلك أنها ستطلب في السنة ألفا ومائتي ريال قد يحدث حادث على سيارتي يستهلك خمسة آلاف ريال لإصلاحها وحينئذ تكون الشركة غارمةً لأنه أخذ منها أكثر مما بذل لها وقد يكون الأمر بالعكس قد تمضي السنة والسنتان والثلاث ولم يحصل على سيارتي حادث وحين إذن أكون أنا غارماً لأنه أخذ مني مبلغاً من المال بغير حق وهذا بعينه هو الميسر لأنه يشبه الرهان الذي قد يكون الإنسان فيه غانما وقد يكون فيه غارماً
ولأنه نفس ما قاله الرسول عليه الصلاة والسلام حيث نهى عن بيع الغرر فإن هذا يشبهه إن لم يكن هو إياه ثم إن في هذا التأمينات في الحقيقة إضراراً بالمجتمع وإخلالا بالأمن
لأن هذا الذي قد أمن على حادث سيارته قد يؤديه هذا التأمين إلى التهور وعدم المبالاة بالصدم والحادث لأنه يرى أنه مؤمن له
ولهذا
ينبغي حفظاً لأمن المجتمع أن تمنع هذه التأمينات أو هذه الشركات
فالذي أرى فيه هذا أنه يجب على كل مؤمن أن يجعل اعتماده على ربه سبحانه وتعالى
وأن يبتعد عن المعاملات المحرمة لأن هذا المال الذي بأيدينا هو عارية إما أن يؤخذ منا ويتلف في حياتنا
وإما أن نؤخذ منه ونتلف ويبقى لغيرنا
فالواجب على المؤمن ألا يجعل المال غاية بل يجعله وسيلة
وليتذكر دائماً قول الله عز وجل)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)
وليتذكر دائماً قول الله عز وجل)
حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ)) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ)
أي
لعلي أنفق مالي من جملة ما يدخل في هذه الآية لعلي أنفق مالي الذي تركته فيما يقربني إلى الله من الأعمال الصالحة
فقال الله عز وجل كلا أي عبارة أو بمعنى حقاً
) إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)
فنصيحتي للمسلم ألا يتشبه بالكفار الذين يجعلون المال غاية لا وسيلة ويجعلون الدنيا مقراً لأن مقر المؤمن هي دار الآخرة التي هي خير وأفضل وأعظم من هذه الدنيا بكثير كما قال الله تعالى
) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
وليعلم أنه إذا اتقى الله عز وجل في عباداته ومعاملاته وأخلاقه وولايته التي ولي عليها من أهله من زوجات وغيرهم ليعلم أنه يتق الله عز وجل في ذلك فإن الله تعالى قد ضمن له وهو لا يخلف الميعاد أن يرزقه من حيث لا يحتسب وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً)) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً)) وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً)
فأنت يا أخي المؤمن اصبر والرزق سيأتيك إذا سعيت له بالأسباب المشروعة غير المحظورة وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (إنه ألقي في روعي إنه لن تموت نفس حتى أن تستكمل رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطالب)
ونسأل الله تعالى أن يحمي المسلمين من الربا والميسر وأن يسهل لهم معاملاتهم الطيبة التي يأكلونها رغداً هنيئاً لا تبعة عليهم في الدنيا ولا في الآخرة
لكن قد يقول قائل :
إذا ابتليت بهذا الأمر فقدمت إلى بلد أو كنت في بلد يرغموني على هذا التأمين
فماذا أصنع
هل
أعطل سيارتي واستأجر أم ماذا أصنع
أقول
في هذا إنه إذا أرغمت على هذا التأمين فلا حرج عليك أن تدفع ما أرغمت عليه
ولكن
إذا حصل عليك حادث فلا تأخذ منهم إلا مقدار ما دفعت لا تأخذ منهم ما يكون بهذا الحادث إذا كان أكثر مما أعطيتهم وبهذا تكون خرجت من التبعة لأنك ظلمت في هذا العقد المحرم الذي أجبرت عليه وبدفع هذه الفلوس التي أجبرت على دفعها فإذا ظلمت فإنك تأخذ قدر مظلمتك باختيارهم هم لأنهم هم الذين سيدفعون إليك هذا بمقتضى العقد الذي أجبروك عليه فلا أرى بأساً أن تأخذ منهم مقدار ما دفعت فقط على هذا الحادث الذي حصل لك وإذا كان الحادث أقل مما دفعت فهم لم يعطوك إلا بقدر الحادث وهذا لا شك أنك ستأخذه.
المصدر :
مكتبة الفتاوى : فتاوى نور على الدرب (نصية) : البيوع لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله