تنبيه العبيد إلى وجوب الاهتمام بالتوحيد (الحلقة
الأولى)
الأولى)
إنَّ الحمد لله نحمده
ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئاتأعمالنا، من يهده الله فلا مضل له،
ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاالله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى
الله عليهوسلم.ألا
وإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدى هدى محمد، وشر الأمورمحدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة
ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أما بعد:
فلا ريب أن مسألة التوحيد من أعظم مسائل الدين
وأجلها([1]) وقد تتابع اهتمام الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
بايضاحها وبيانها ودعوه الناس إليها . قال الله تعالى : ((وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله
إلا أنا فاعبدون )) [الأنبياء : 25] وقال
عز وجل : ((ولقد بعثنا
في كل امة رسولا ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت)) [النحل: 36] وقال: ((واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من
دون الرحمن آلهة يعبدون))
[الزخرف:
45]. ولهذا كانت حياة النبي صلى
الله عليه وسلم كلها حافلة ببيان التوحيد والتحذير من الشرك والبراءة من
أهله.
فإذا تأملنا قصص الأنبياء والمرسلين التي وردت
في القرآن الكريم، وما حدث لهم مع أممهم، نجد أنهم اتفقوا جميعاً على دعوة
واحدة([2]) ، هي الدعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له، واجتناب
الشرك ، وإن اختلفت شرائعهم([3]).
وقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يعلم
أصحابه حدوده وقواعده([4]) . كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي
الله «يَا معَاذ أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ علَى الْعبَاد؟ قَالَ اللَّهُ
وَرَسُولُهُ أَعْلَم قَالَ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلا يُشْرِكُوا بِه شَيْئًا أَتَدرِي
مَا حَقُّهُمْ عَلَيْهِ؟ قَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَم قَالَ أَنْ لا
يُعَذِّبَهُمْ»([5])، ومن عظم التوحيد أن قبول الأعمال الصالحة تتوقف على
سلامة أصول اعتقاد الفرد من الشرك والكفر، فمن يشوبعقيدته ذلك ،لا تنفعه أعماله الصالحة يوم
القيامة،وإنفعل الكثير من أعمال البر
،فالعمل الصالح لا يقبل إلا إذا كان صاحبه وموحداً، وأنيقصد صاحبه التقرب به إلى الله ،وأن يكون هذا العمل
موافقاً لما شرعه الله ، فمن صلى وصام وزكى وحج وجاهد في سبيل الله لكنه يذبح لغير
الله أو يدعوغير الله أو يتوسل بغير الله
أو يستغيث بغير الله فقد أشرك بالله فلا تنفعه الصلاة ،ولاينفعه الصيام ،ولا تنفعه الزكاة ،ولا ينفعه الحج ، رغم
أن هذا الشخص يشهد أن لا إلهإلا الله ،وأن
محمدا رسول الله لكنه فعل ما لا يجوز إلا لله ،وإذا وجدنا شخصا يصلىويصوم ويزكى ويحج ويبر الوالدين و يعطف على المساكين
لكنه يعتقد أن نبيا منالأنبياء ليس بنبي
فهو كافر أيضاً لا تنفعه أعمال البر يوم القيامة؛لأنه فقد أصلاًمن أصول الإيمان ألا وهو الإيمان بجميع الرسل من هنا
ندرك أهمية التوحيد ،بأن أهم شيء يجب أن يعرفه الناس ،وإذا صلح اعتقاد الفرد صلح
سلوكه فصلاح سلوكالفرد تابع لصلاح عقيدته
وسلامة أفكاره وسداد منهجه ، وفساد سلوك الفرد ومنهجه تابع لفساد
عقيدتهوانحرافها ،وإذا صلح الفرد صلح
المجتمع ؛ لأن المجتمع ما هو إلا أفراد إذا صلحواصلح مجتمعهم ففساد المجتمع الذي نعيش فيه سببه الرئيسي
هو فساد عقيدة غالب أفرادهوكما أنه سبب ضعف
المسلمين الذين يعدون اليوم بالملايين.([6])
فالاهتمام بالتوحيد اهتمام بالأصل، كما أن أحب الأعمال إلى الله وأعظمها وزنًا هو توحيده
وعبادته وحده لا شريك له، وأن أعظم العمل وزرًًا وشناعة هو فعل ما يضاد التوحيد وهو
الشرك بالله.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في
رسالته الجميلة قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة: مبينًا هذا الأصل العظيم : " وهذا
الأصل _ أي توحيد الله_ هو أصل الدين الذي لا يقبل الله من الأولين والآخرين دينًا
غيره، وبه أرسل الرسل، وأنزل الكتب.كما قال تعالى ((واسئل من أرسلنا من قبلك من
رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون)) [الزخرف : 45]، وقال تعالى: ((وما أرسلنا
من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون)) [الأنبياء: 25]، وقال
تعالى : ((ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من
هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة))[النحل: 36]."اهـ.
فكانت العناية بالتوحيد بعد الأنبياء أتباعهم
من الدعاة والمصلحين فقد أكثروا من التأليف فيه والتصنيف ؛ لأن كل دعوة لا تقوم على
التوحيد فإنها دعوة فاشلة ، لا تحقق أهدافها ، ولا تكون لها نتيجة . كل دعوة تهمش
التوحيد ولا تهتم به ؛ فإنها تكون دعوة خاسرة في نتائجها. وهذا شيء مشاهد ومعروف
،لأنه هو أول الدين وآخره، وقطب رحاه ،
وذروة سنامه،وظاهره وباطنه ، قامت عليه الأدلة، ونادت عليه الشواهد، وأوضحته
الآيات، وأثبتته البراهين، نصبت عليه القبلة، وأسست عليه الملة، ووجبت به الذمة،
وعُصِمت به الأنفس، وانفصلت به دار الكفر عن دار الإسلام، وانقسم به الناس إلى
مهتدٍ وغوي، وسعيد وشقي.([7])
ثم يأتي من أبناء المسلمين اليوم فيقول لماذا
تتركون الأهم وترفعون من شأن المهم؟ لماذا كل هذا الاهتمام كبير بالتوحيد من قبل
علماء السنة السلفيين وعدم الاهتمام بقضايا العصر و متابعة مشاكل الواقع وإيجاد حل
لها؟([8] )
فهذا السؤال شحذ همتي لإعداد هذا المقال الذي
هو مقدمة لما بعده سأقتصر فيه على بيان أهمية التوحيد([9]) في القرآن والسنة، وأهميته ومكانته عند علماء
السنة السابقين واللاحقين، وأسباب الاهتمام الكبير بالتوحيد وقد أكتبت هذا إبراءاً
للذمة ودفاعاً عن حياض الدين وتنبيها للغافلين.
وقد جعلته على أربعة فصول:
الفصل الأول: أهمية التوحيد في القرآن والسنة.
الفصل الثاني: مكانة التوحيد عند الرسل
والأنبياء.
الفصل الثالث: مكانة التوحيد
وأهميته عند علماء السنة.
الفصل الرابع: أسباب الاهتمام
بالتوحيد.
نسأل الله الإعانة فيما نستوفيه
من الإيضاح والإبانة وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه الفقير إلى ربه ومولاه أبو
أحمد هداية خميسي الجزائري عفا الله عنه
[1] - قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "
التوحيد سر القرآن ولُبُّ الإيمان"
قاعدة في التوسل ص ( 309 ).
وقال الإمام ابن القيم في كتابه الفوائد ص 214 : " السنة شجرة والشهور فروعها والأيام أغصانها والساعات
أوراقها والأنفاس ثمرها، فمن كانت أنفاسه في طاعة فثمرة شجرته طيبة، ومن كانت في
معصية فثمرته حنظل، وإنما يكون الجُداد [قطف الثمار] يوم المعاد، فعند الجُداد
يتبين حلوّ الثمار من مُرّها، والإخلاص والتوحيد شجرة في القلب ثمرها في الدنيا طيب
الحياة، والنعيم المقيم في الآخرة، وكما أن ثمار الجنة لا مقطوعة ولا ممنوعة، فثمرة
التوحيد والإخلاص في الدنيا كذلك، وكما أن الشرك والكذب والرياء شجرة في القلب،
ثمرها في الدنيا الخوف والغمّ وضيق الصدر وظلمة القلب، وثمرها في الآخرة الزقوم
والعذاب المقيم، وقد ذكر الله تعالى هاتين الشجرتين في سورة
ابراهيم"
وقال تقي الدين أحمد بن
علي المقريزي في كتابه تجريد التوحيد:
" واعلم أن أنفس الأعمال وأجلها قدراً
توحيد الله تعالى"
[2] - قال
العلامة ابن كثير رحمه الله : " جميع الأنبياء قبله كلهم كانت دعوتهم إلى الإسلام،
وأصله عبادة الله وحده لا شريك له " تفسير القرآن
العظيم لابن كثير (ج2 ص55-56).
وقال أيضاً: (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نحن معشر الأنبياء أولاد عَلات ديننا واحد"،
يعني: أن المقصود هو عبادة الله وحدهلا شريك له بشرائع متنوعة لرسله، كما قال
تعالى: ((لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ
شِرْعَةًوَمِنْهَاجًا))New Roman] 48] "تفسير
القرآن العظيم (ج5 ص371)
وقال الإمام ابن أبي العز
الحنفي في شرح العقيدة الطحاوية يقول -رحمه الله-: ((اعلم أن التوحيد أول دعوة
الرسل، وأول منازل الطريق، وأول مقام يقوم فيه السالك إلى الله عز وجل، قال تعالى:
{لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ
مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ } [الأعراف:59]. وقال هود عليه السلام لقومه
اعبدوا الله مالكم من إله غيره}[الأعراف: 85]. وقال صالح عليه السلام لقومه:
{اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}[الأعراف: 73] وقال شعيب عليه
السلام لقومه: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 85]
وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا
اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا
مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا
فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25].
وقال صلى الله عليه وسلم :
((أمرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله))
.
ولهذا كان الصحيح أن أول واجبٌ
يجب على الملكف شهادة ألا إله إلا الله، لا النظر ولا القصد إلى النظر ولا الشك
كماهي أقوال لأرباب الكلام المذموم، بل أئمة السلف كلهم متفقون على أن أول ما يؤمر
به العبر الشهادتان... فالتوحيد أول ما يدخل به في الإسلام، وآخر ما يخرج به من
الدنيا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله
إلا الله دخل الجنة)) وهو أول واجب وآخر واجب)) شرح الطحاوي ص(77-78)
[3] - قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه
مدارج السالكين (3/443) "التوحيد مفتاح دعوة الرّسل"
[4] - قال شيخ الإسلام رحمه الله كما في مجموع
الفتاوى (1/136): " وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحقق هذا التوحيد لأمته
ويحسم عنهم مواد الشرك إذ هذا تحقيق قولنا لا إله إلا الله فإن الإله هو الذي تألهه
القلوب لكمال المحبة والتعظيم والإجلال والإكرام والرجاء والخوف"
[5] - رواه البخاري ومسلم.
[6]- قال شيخ
الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوي (1/24، 25):" واعلم أن فقر العبد إلى
الله أن يعبد الله لا يشرك به شيئا، ليس لهنظير فيقاس به؛ لكن يشبه من بعض الوجوه
حاجة الجسد إلى الطعام والشراب، وبينهمافروق كثيرة.
فإن حقيقة العبد قلبه، وروحه، وهى لا صلاح لها إلا
بإلهها الله الذىلا إله إلا هو، فلا تطمئن فى الدنيا إلا بذكره، وهى كادحة إليه
كَدْحًا فملاقيته،ولابد لها من لقائه، ولا صلاح لها إلا بلقائه.
ولو حصل للعبد لذات أو سرور بغير الله فلا يدوم
ذلك، بل ينتقل مننوع إلى نوع، ومن شخص إلى شخص، ويتنعم بهذا فى وقت وفى بعض
الأحوال، وتارة أخرىيكون ذلك الذى يتنعم به والْتَذَّ غير منعم له ولا ملتذ له، بل
قد يؤذيه اتصالهبه ووجوده عنده، ويضره ذلك.
وأما إلهه فلا بد له منه في كل حال وكل وقت، وأينما
كان فهو معه… "
[7] - قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في
مجموع الفتاوى (19/ 96 - 97) : "حاجة العبد إلى الرسالة أعظم بكثير من حاجة المريض
إلى الطب، فإن آخر ما يقدر بعدم الطبيب موت الأبدان، وأما إذا لم يحصل للعبد نور
الرسالة وحياتها، مات قلبه موتا لا ترجى الحياة معه أبدا، أو شقي شقاوة لا سعادة
معها أبدا"
[8] - بل هناك من يهون من شأن التوحيد ويزهد
في تعليمه فيتبجح بقوله عفا الله عنه إن الدعوة إلى التوحيد هي دعوة إلى سياسة
المراحيض فإن الناس كلهم يشهدون أنه لا إله إلا الله لما لا نهتم بالقضايا العالمية
ونعالجها فالتوحيد الآن أصبح لا فائدة فيه ولا حاجة له لأن الأصنام التي كانت تعبد
من دون الله لم تعد موجودة الآن .
[9] - سئل
الشيخ عبد العزيز الراجحي حفظه الله السؤال التالي: " نرجو إلقاء الضوء على أهمية
التوحيد، ووجوب العناية به تعلماً وعملاً وتعليماً؛ لما لهذا الأمر من أهمية
عظيمة؟
الجواب: لا شك في أن معرفة حقيقة التوحيد أمر مهم؛ لأنه أمر
عظيم، ولأنه الأمر الذي خلق الله من أجله الخلق، وبعث من أجله الرسل، وأنزل من أجله
الكتب، وهو الذي يترتب عليه السعادة والشقاوة، فجدير بالمسلم وطالب العلم خاصة أن
يعلم حقيقة التوحيد الذي بعث الله به رسله وأنزله به كتبه، وأن يدرس كتب العلماء
المحققين، وأن يدرس على أيدي علماء الشريعة ويسأل عما أشكل عليه، ويبحث حتى يتبين
له الحق، ويفرق بين توحيد الربوبية، وتوحيد الإلهية، وتوحيد الأسماء والصفات، ويعلم
أن توحيد الربوبية والأسماء والصفات توحيد فطري، قد فطر الله عليه الخلق وأقر به
المشركون، ولكن النزاع في توحيد العبادة أو الإلهية، لا سيما أن هناك بعض المخرفين
من المحاضرين والأساتذة وغيرهم يسبون أهل التوحيد، ويسمونهم أهل التلحيد. فعلى طالب
العلم أن يكون على علم وإلمام بهؤلاء، فليس كل من تكلم أو استطاع أن يتكلم وأن
يحاضر طالب علم عنده تحقيق، بل قد يكون مخرفاً، ولهذا حذر الإمام الشيخ محمد بن عبد
الوهاب رحمه الله من علماء المشركين، وقال: إن علماء المشركين عندهم علوم وفهوم
وشبه، لكن على باطل، قال الله تعالى: ((فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ
بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ ))[غافر:83]، فعندهم علم
لكنه مزيف، وهناك كثير من المخرفين من المحاضرين والدكاترة، وكثير من المؤلفين في
الساحة يقررون الشرك ويقولون: إن دعاء الموتى والذبح لهم والنذر لهم ليس شركاً. فهم
يقررون مذهب الصوفية. إذاً: فلا بد لطالب العلم من أن يكون على حذر، ولا بد من أن
يدرس العلم الشرعي من معادنه ومنابعه الصافية، من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله
عليه وسلم، ويدرس على أهل العلم المعتبرين من أهل السنة والجماعة، أهل الحق الذين
يوثق بهم؛ لأن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم. فاختر أهل العلم العارفين
بالله الواقفين عند كتاب الله وسنة رسوله، الذين يأخذون بكتاب الله وسنة رسوله
وبأقوال سلف الأمة وأئمتهم من الصحابة والتابعين؛ لأنهم أفضل الناس وأعلم الناس
بمراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم، فالذي قرره السلف من الصحابة والتابعين
والعلماء والأئمة من كتاب الله وسنة رسوله هو الحق، وإياك وبنيات الطريق، وإياك أن
تنحرف، فما أكثر المنحرفين! وما أكثر دعاة الضلال! وما أكثر المخرفين من المؤلفين
والمحاضرين والدكاترة والمدرسين في الجامعات والأندية وفي الندوات، وفي الأمكنة
العامة وفي كل مكان! فكن على حذر، وخذ دينك عمن تثق به، وادرس كتاب الله وسنة رسوله
صلى الله عليه وسلم، وخذ العقيدة الصحيحة الصافية من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله
عليه وسلم، والعلم إنما يؤخذ من أفواه العلماء، فلا يكفي طالب العلم أن يطلب العلم
من الكتب؛ لأنه لم يكن هناك طالب علم أو عالم ناشئ من الكتب أبداً، والعلماء
والأئمة لهم مشايخ كانوا يأخذون العلم عنهم. وجلسة واحدة تجلسها مع شيخ تعدل ساعات
طويلة وأياماً طويلة تقرؤها بنفسك من الكتب، وهذا شيء مجرب ومعروف، والدروس في
المساجد فيها خير وبركة، فالإنسان إذا قصد المسجد وأخلص نيته لله فهو على خير عظيم،
والملائكة تحفه وتدعو له، وهو في روضة من رياض الجنة، وكذلك الدروس في الجامعات
والكليات فيها خير وبركة إذا أخلص الإنسان فيها نيته. " دروس في العقيدة
[18].