بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فإنه مهما تنعم الإنسان في هذه الدنيا بالصحة والمال والجاه والسلطان، فإن ذلك كله إلى زوال، ويقبل بعدها الإنسان على الله تعالى بما قدّم من خير أو شر، فإن كان خيراً فإلى جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
وإن كان شراً فإلى نار تلظى وقودها الناس والحجارة، لو سيرت بها جبال الدنيا لذابت من شدة حرارتها.
فيجد الإنسان فيها أسوأ وأشد مما كان عليه في الدنيا من آلام ومتاعب، وينسى بذلك كل نعيم وكل شهوة محرمة تمتع بها في الحياة الدنيا.
ولشدة عظم الأمر وهو المنقلب فقد خوف النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه مما أمامهم من أهوال عظيمة ليحثهم على الإكثار من العمل الصالح والتزود للآخرة، فقال صلى الله عليه وسلم: «والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، ولما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله بالبكاء» فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوهمم ولهم خنين.
والخوف من الله عز وجل هو رأس الحكمة وجوهر الإيمان وهو التقوى، ومن عرف الله أكثر خافه أكثر، قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [فاطر: 28]
ولا يكفى الخوف بلا عمل لأن حقيقة الخوف تبعث على العمل، فمن خاف الله تعالى وقدره حق قدره قام بفروضه والتزم حدوده، واجتنب محارمه، وكان دائماً وأبداً مراقباً له مستشعراً حضوره {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} [الحديد: 4]
ولقد رغب الله عز وجل في الخوف في كتابه الكريم فقال تعالى:
{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46]
وقال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 40]
وقال تعالى في الحديث القدسي: «وعزتي وجلالي لا أجمع لعبدي أمنين ولا خوفين إن هو أمنني في الدنيا خوفته يوم أجمع عبادي، وإن هو خافني في الدنيا أمنته يوم أجمع عبادي».
والخوف من الله يدخل فيه الخوف من النار، والبكاء من خشية الله الجبار، والخوف المحمود هو ما حال بين صاحبه وبين محارم الله عز وجل وحدوده.
وسئل ابن عباس عن الخائفين فقال: "قلوبهم بالخوف فرحة، وأعينهم باكية يقولون كيف نفرح والموت من ورائنا، والقبر أمامنا، والقيامة موعدنا، وعلى جهنم طريقنا، وبين يدي الله موقفنا"
وأعظم الخائفين من الله هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان إذا تغير الهواء وهبت ريح عاصفة يتغير ويتردد في الحجرة ويدخل ويخرج كل ذلك خوفاً من عذاب الله"
وعن عبدالله بن الشخير رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الصلاة يسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل
هذا خوفه صلى الله عليه وسلم أما خوف الملائكة فقد قال الله عز وجل:
{يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل: 50]
وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجبريل: «مالي لم أر ميكائيل ضاحكاً قط؟ قال: ما ضحك منذ خلقت النار..!»
ونحن أخي الحبيب مثله أصحاب سفر طويل ورحلة شاقة ولكن أين الزاد؟
الزاد قصر الأمل في الدنيــا، والتزود للآخرة بالأعمال الصالحة، إنها رحلة بدأت وستنتهي، إننا نسير في دنيا كأضغاث أحلام، وكظل زائل زمن يسير، ثم نتوقف في موقف عظيم يوم يبعثر ما في القبور ويحصل ما في الصدور، فلا تطمئن أخي حتى تعلم أين مسكنك وقصرك ومستقرك ومنزلك.
وفقني الله وإياك لما يحب ويرضى، وجعلنا جميعاً ممن يخافونه ويخشونه حق خشيته، والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
دار ابن خزيمة
فريق عمل موقع وذكر الإسلامي