موقف أهل السنة والجماعة من التكفير والارجاء للشيخ ابرهيم الرحيلي
المحاضرة
موقف أهل السنة والجماعة من التكفير والإرجاء
الجزء الأوّل
لفضيلة الشيخ إبراهيم الرّحيلي
[شريط مفرغ]
تونس في: 07-07-2009
بسم الله الرّحمان الرّحيم
إنّ الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له و أشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن نبيّنا محمدا عبده و رسوله بلّغ الأمانة و أدّى الرّسالة و نصح للأمّة اللهمّ صلى و سلم و بارك على عبدك و رسولك محمّد و على من اهتدى بهديه و استنّ بسنّته إلى يوم الدّين.
أما بعد
فإنّي أشكر الأخوة القائمين على هذا المخيّم المبارك و على استضافتهم لي للإسهام في هذا اللّقاء المبارك بما يمنّ الله عزّ و جلّ به عليّ و أسأل الله عزّ و جلّ أن يجزيهم خيرا و أن يكتب لهم الأجر و المثوبة.
أيّها الأخوة إنّ الله عزّ و جلّ قد امتنّ على هذه الأمّة بنعم عظيمة من أعظمها بعثة هذا النبيّ الكريم فيها, بعثة محمّد صلى الله عليه و سلّم أشرف الخلق على ربّه و أعظمهم منزلة عند الله عزّ و جلّ{ لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ }[آل عمران: 164] و أكمل الله عزّ و جلّ لهذه الأمّة الفضل و أتمّ عليها النّعمة بنعمة كمال الدّين كما قال الله عزّ و جلّ{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً } [المائدة: 3]
هذه النعمة كان أحبار اليهود يغبطون هذه الأمّة على هذه النّعمة كما صرّح بعض كبارهم لعمر على ما روى البخاري أنّ رجلا من أحبار اليهود قال لعمر رضي الله آية في كتابكم لو نزلت علينا معشر اليهود لاتخذنا ذلك اليوم عيدا قال عمر و أيّ آية قال { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } [المائدة: 3]
هذه النعمة نعمة كمال الدّين نعمة عظيمة أدركها سلف الأمّة من الصّحابة و التّابعين فلزموا هدي نبيّهم صلى الله عليه و سلّم حتّى لقوا ربّهم غير مبدّلين و لا مغيّرين ثمّ لمّا نشأت الأمّة من لم يتفقّه على النبيّ صلى الله عليه و سلّم و لم يحظ ما حضي به الصّحابة الكرام و من كان على طريقهم من التّابعين لم يحظ بالفقه بدين الله نشأت البدع في الإسلام كما أخبر النبيّ صلى الله عليه و سلّم عن وجود البدع و عن نشأتها في الإسلام على ما ثبت عنه في الحديث الصّحيح الحديث المشهور في افتراق الأمّة حيث أخبر النبيّ صلى الله عليه و سلّم "أنّ اليهود افترقوا على إحدى و سبعين فرقة و أنّ النّصارى افترقوا على اثنتين و سبعين فرقة و أنّ هذه الأمّة ستفترق على ثلاث و سبعين فرقة قال كلّها في النّار إلاّ واحدة" ثمّ سئل النبيّ صلى الله عليه و سلّم عن الفرقة النّاجية فقال" هم على من كان على مثل ما أنا عليه اليوم و أصحابي"
انقضى عهد الخلفاء الرّاشدين و البدع مندحرة و أهلها أذلّة و إن نبتت بعض نوابتها, نبتت بعض نوابت البدع في آخر عهد الخلفاء الرّاشدين في عهد عليّ رضي الله عنه و ذلك بعد مقتل عثمان رضي الله عنه على يد طائفة باغية من أهل الشرّ و الأهواء فنتج عن ذلك افتراق الأمّة و ما وُجد من الحروب و نجا من تلك الفتنة أصحاب النبيّ صلى الله عليه و سلّم و تهالك من تهالك فيها من أهل البدع
و أوّل البدع ظهورا في الإسلام هي بدعة التكفير فإنّ بدعة التكفير هي أوّل بدعة ظهرت في الإسلام و في عهد عليّ رضي الله عنه و إن كانت بدعة التشيّع قد أطلّت برأسها قبل ذلك لكنّه لا يُعرف ببدعة التشيّع فرقة تتبنّى فكرها و تقاتل عليها قبل خروج الخوارج على علي رضي الله عنه
و إن سبقت في الظّهور إلاّ أنّ بدعة التكفير التي تبنّاها الخوارج كانت هي أوّل البدع ظهورا اجتمع عليها قوم و قاتلوا عليها و موضوع المحاضرة كما سمعتم هو في معالجة هذا الانحراف في عقيدة المسلم و هو بدعة التكفير بغير دليل ثمّ معالجة بدعة أخرى مضادّة لهذه البدعة و على طرف آخر من الضّلال و هي بدعة الإرجاء
و ينبغي أن يُعلم أنّ كلام الناّس في التكفير و الإرجاء إصابة و خطأ مرجعه إلى قولهم في مسألة الإيمان و هو فرع عن عقيدتهم في حقيقة الإيمان ما هو الإيمان؟ و ما هي حقيقته؟ و لذا سيكون حديثنا في معالجة هذين الانحرافين بالرّجوع إلى أصوله و بالرّجوع إلى تاريخ ظهوره في الأمّة حتّى يُعلم من أين نشأ التكفير؟ و من أين نشأ الإرجاء؟ و من الذي خالف فيه؟
أمّا نشأة التكفير فهو كما ذكرت أوّل ما ظهر التكفير في عهد عليّ رضي الله عنه و بالتحديد بعد موقعة صِفِّين أو في خلال موقعة صفّين عندما اتفق جيش علي رضي الله عنه و جيش معاوية على التحكيم و افترق الجيشان على الاتفاق على التحكيم فيما بينهما فانصرف علي رضي الله عنه بجيشه إلى الكوفة و انصرف معاوية رضي الله عنه بجيشه إلى دمشق و في رجوع عليّ رضي الله عنه إلى الكوفة انحازت طائفة كبيرة من جيشه عددهم اثني عشر ألف رجل و هم الخوارج قالوا لعلي رضي الله عنه حكّمت الرّجال في كتاب الله ثمّ انحازوا بقرية تسمّى حروراء بالقرب من الكوفة فبعث إليهم علي رضي الله عنه ابن عبّاس فناظرهم و ظهرت حجّته عليهم و رجع منهم ثمانية آلاف و بقي أربعة آلاف رجل تحت إمرة عبد الله بن وهب الرّاسبي يُنكرون على علي رضي الله عنه هذه المسألة و قالوا له لقد حكّمت الرّجال في كتاب الله فكفرت فتب من ذلك أو اخلع نفسك فكانت هذه المقالة هي أوّل بذرة للتكفير تكفير لمن؟ للخليفة الرّاشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه من قِبل الخوارج الذين ذكر المؤرّخون أنّهم لم يتربّوا و لم يتفقّهوا على أصحاب النبي ّصلى الله عليه و سلّم بل أئمّتهم من الأعراب الذين لم يرزقوا الفقه في الدّين فقاتلهم عليّ رضي الله عنه و ما قتل من جيشه إلاّ اثنان كما في بعض الرّوايات و في بعض الرّوايات أنّ الذي قُتل من جيش عليّ أقلّ من عشرة و أمّا الخوارج فلم يبقى منهم إلاّ عشرة قُتلوا جميعا و بقي منهم عشرة فرّوا إلى الأمصار فرّ اثنان إلى عمان و اثنان إلى (....)(1) و اثنان إلى الجزيرة و اثنان إلى(....) باليمن يقول (.....) فانتشرت بدعة الخوارج في تلك المناطق التي فرّوا إليها
ثمّ بدأت تلك البدعة بعد قتال عليّ رضي الله عنه لهم تستشري في نفوس بعض أهل الأهواء حتى أصبح معتقدهم معروفا و كان يجمعهم يجمع هؤلاء الخوارج تكفير علي و معاوية و الحسنين و من رغب بالتحكيم بل من شارك في الحروب فخاض النّاس في تلك البدعة و يذكر المؤرّخون أنّ الإمام الجليل الحسن البصري كان يوما في مجلسه و في درسه فجاءه رجل يسأله عن حكم مرتكب الكبيرة فأطرق الحسن البصري متأملاّ متدبّرا فخرج من بين تلاميذه رجل هو واصل بن عطاء فقال مجيبا متقدّما على شيخه في حكم مرتكب الكبيرة قال أقول أنّه في منزلة بين المنزلتين لا كافر و لا مؤمن ثمّ أجاب الحسن البصري فقال هو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته ثمّ اعتزل واصل بن عطاء مجلس الحسن البصري فاجتمع إليه قوم سُمّوا بالمعتزلة فتبنّت المعتزلة فكر الخوارج و خالفتهم في بعضه كما سيأتي وافقوهم في نفي اسم الإيمان عن مرتكب الكبيرة ثمّ جاءت طائفة أخرى أرادت أن تردّ البدعة بدعة التكفير بغير دليل و الغلو في هذا الجانب فتبنّت فكرا آخر و عقيدة أخرى مضادّة لعقيدة الخوارج و هي بدعة الإرجاء
و قد ذكر المؤرّخون أنّ أوّل من أظهر الإرجاء وسط النّاس هو غيلان الدمشقي القدري و غيلان الدمشقي القدري متوفّى سنة خمس و مائة ثمّ تبنّى فكره الجهم بن صفوان المتوفّى سنة ثمان و عشرين و مائة و ظهر الإرجاء عن طريق الجهم بن صفوان و اشتهر عنه و كانت بدعة الإرجاء تقوم على أنّ الذنوب و المعاصي لا تضرّ الإيمان و أنّ المؤمن إذا آمن و صدّق بقلبه لا تضره الذنوب فكانت على النقيض من عقيدة الخوارج التي تكفّر بالذنوب فتوسّط أهل السنّة بين الطّرفين في أنّ مرتكب الكبيرة مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته و قالوا هو مؤمن ناقص الإيمان.
من هنا نشأت بدعة التكفير بغير دليل و بدعة الإرجاء و هذه النشأة نتبيّن منها أنّ بدعة التكفير بغير دليل و بدعة الإرجاء غريبة عن الإسلام و عن أهل الإسلام تبنّاها جهلة أو بعض أهل الأهواء فأين عبد الله بن وهب الرّاسبي من أصحاب النبيّ صلى الله عليه و سلّم في العلم و أين غيلان الدمشقي القدري و الجهم بن صفوان من فقهاء الأمّة.
--------------------------------
(1)علامة الحذف (...) في التفريغ كله للكلمات التي لم أتبيّنها
هذا هو منشأ التكفير و منشأ الإرجاء و ينبغي أن نقرّر هنا أنّ التكفير هو على قسمين تكفير بحق و هذا منهج شرعيّ دلّت النّصوص عليه و تكفير بغير دليل و هذا باطل و هو التكفير المذموم و أمّا الإرجاء فهو بدعة محضة ليس هناك قسم للإرجاء يقال فيه أنّه حقّ أمّا حقيقة الخلاف في هاتين المسألتين فمرجعه كما قلت إلى قول المخالفين في مسألة الإيمان و في حقيقة الإيمان ما هو الإيمان؟ و ما هو حقيقته؟
ذكر أهل العلم أقوال النّاس في هذه المسألة من أهل الحقّ الذين هم أهل السنّة و أهل الباطل و عُنوا بها عناية بالغة حتّى يعلم الأصل الذي نشأ فيه الانحراف و ملخّص القول في اختلاف النّاس في الإيمان أنّ أهل السنّة و الجماعة يعرّفون الإيمان اللّغوي بأنّه الإقرار الإيمان في اللغة الإقرار و قيل هو التصديق, و الإقرار أدلّ على الإيمان من التصديق كما قرر ذلك شيخ الإسلام بن تيميّة رحمه الله و أمّا الإيمان في الشّرع عند أهل السنّة و الجماعة فهو اعتقاد بالقلب و قول باللسان و عمل بالأركان:
فاعتقاد القلب هو بالإقرار للنبي ّصلى الله عليه و سلّم بالرّسالة و للربّ عزّ و جلّ بالرّبوبيّة و الألوهيّة و هذا هو قول القلب و كذلك بتعبّد الله عزّ و جلّ بالأعمال القلبيّة كالمحبّة و الإخلاص و التوكّل و الرّغبة و الخشية و الإنابة إلى غير ذلك من أعمال القلوب و هذا يسمّيه العلماء عمل القلب.
و أمّا اللّسان فكذلك عمله ينقسم إلى قسمين:
الإقرار باللّسان و النطق بالشّهادتين و هذا يسمّيه العلماء قول اللّسان.
و تعبّد الله عزّ و جلّ بالعبادات القوليّة التي لا تُؤدّى إلاّ باللّسان و هذا يسمّى عمل اللّسان.
و أمّا عمل الجوارح فهو تعبّد الله عزّ و جلّ بأعمال الجوارح التي تباشرها الجوارح كالصّلاة و الصّوم و الجهاد و الحجّ هذا هو تعريف الإيمان عند أهل السنّة و الجماعة و نلاحظ من خلال هذا التّعريف دخول الأعمال في مسمّى الإيمان عند أهل السنّة و الجماعة مع اعتقاد القلب و قول اللّسان و أمّا الخوارج فإنّهم و كذلك المعتزلة فإنّهم يعرّفون الإيمان بأنّه اعتقاد بالقلب و قول باللّسان و عمل بالأركان يوافقون أهل السنّة في أصل التعريف ثمّ يجعلون الأعمال شرطا لصحّة الإيمان يجعلون التزام الأعمال شرطا لصحّة الإيمان و عندهم أنّ الفاسق الذي ارتكب بعض الذّنوب قد زال عنه مسمّى الإيمان لا يكون مؤمنا
ثمّ اختلف بعد ذلك الخوارج و المعتزلة في مسمّى الكافر بعد أن اتفقوا على أنّه يزول عنه مسمّى الإيمان فقالت الخوارج هو كافر
و قالت المعتزلة هو في منزلة بين المنزلتين هذا في الدّنيا
و أمّا في الآخرة فيتّفق الخوارج و المعتزلة على أنّه خالد مخلّد في النّار ينبغي لنا أن ندرك الفرق بين قول أهل السنّة و بين قول الخوارج لأنّه قد يُشكل على البعض فأهل السنّة يجعلون العمل من الإيمان و الخوارج و المعتزلة يجعلون العمل من الإيمان و يفترق أهل السنّة على الخوارج و المعتزلة في ذهاب بعض العمل هل يذهب بمسمّى الإيمان أم لا و هنا ضابط لموقف أهل السنّة من العمل هل يزول الإيمان مع ذهاب العمل أم لا؟
أهل السنّة في هذه المسألة في علاقة العمل و في تأثير العمل على الإيمان ملخّص قولهم أنّ قولهم ينقسم إلى ثلاثة أقسام من حيث العمل و في تأثير العمل على الإيمان فهناك قسم اتفقوا على أنّه إذا ذهب ذهب معه الإيمان و هو النّطق بالشهادتين باتفاق أهل السنّة إذا اعتقد المسلم بقلبه و صدّق و لم ينطق بالشهادتين أنّه لا يكون مسلما و لا مؤمنا هذا القسم المتفق عليه أنّه إذا ذهب ذهب معه الإيمان و أمّا القسم المختلف فيه فهو بقيّة أركان الإسلام
و قد اختلفوا في التكفير بترك ركن من أركان الإسلام الأربعة بعد الشّهادتين على خمسة أقوال هي خمس روايات عن الإمام أحمد
القول الأوّل
أنّ المسلم لا يكفر بترك أحد أركان الإسلام الأربعة بعد الشّهادتين لا يكفر بتركها إذا اعتقد وجوبها هذا القول الأوّل.
القول الثّاني
أنّه يكفر بترك واحد من الأركان الأربعة و إن اعتقد وجوبه فمن ترك الصّلاة أو الصوم أو الحجّ أو الزّكاة يكون كافرا على هذا القول.
القول الثّالث
أنّه لا يكفر إلاّ بترك الصّلاة فقط و على هذا القول كثير من أهل العلم قديما و حديثا
القول الرّابع
أنّه لا يكفر إلاّ بترك الصّلاة و الزّكاة
القول الخامس
أنّه لا يكفر إلاّ بترك الصّلاة و الزّكاة إذا قاتل عليها إذا قاتل الإمام.
فالفرق بين القول الرّابع و الخامس هو مقاتلة الإمام فإن ترك الصّلاة و الزّكاة و لم يقاتل فلا يكفر عند أصحاب القول الخامس و هو كافر عند أصحاب القول الرّابع هذه المسألة مسألة أركان الإسلام الأربعة هي التي حصل فيها الخلاف بين أهل السنّة و أمّا النطق بالشّهادتين فهو محلّ اتفاق أنّه إذا ترك النطق مع القدرة يكون كافرا و الخلاف في مسألة التكفير بترك ركن من أركان الإسلام يقوى و يضعف و أقوى ما ذكر فيه أنّ المسلم يكفر بترك الصّلاة إذا تركها من غير عذر
و أمّا بقيّة الأركان فعلى الصّحيح الذي عليه الأكثر من أهل السنّة أنّه لا يكفر بترك الزكاة أو الصوم أو الحجّ إذا اعتقد ذلك
أمّا القسم الثّالث فهو قسم متفق عليه أنّه لا يزول الإيمان و لا يزول أصل الإيمان بترك شيء من الأعمال الأخرى و هذا القسم هو سائر المحرّمات و سائر الواجبات إذا ارتكب المسلم محرّما من الكبائر كالزنا و شرب الخمر و أكل مال اليتيم و الرّبا فإنّه لا يزول عنه الإيمان الأصلي أصل الإيمان و كذلك إذا ترك بعض الواجبات من غير أركان الإسلام فهو بالاتفاق أنّه لا يزال عنه مسمّى الإيمان إذا هذا هو موقف أهل السنّة من الأعمال
أمّا الخوارج و المعتزلة فيقولون أنّه إذا ارتكب محرّما كالزنى أو شرب الخمر زال عنه مسمّى الإيمان ثمّ يختلفون بعد ذلك هل هو كافر أو في منزلة بين منزلتين و أمّا في الآخرة فيتّفقون على أنّه خالد مخلّد في النّار أمّا المرجئة و هم الطرف الآخر الذي يمثّل جانب التقصير في مسألة الإيمان كما أنّ الخوارج يمثّلون جانب الغلو فهم على النقيض من قول الخوارج يقولون أنّ الإيمان اتفق المرجئة على أنّ الأعمال لا تدخل في مسمّى الإيمان و لهذا سمّوا مرجئة لإرجائهم العمل عن مسمّى الإيمان
ثمّ بعد ذلك اختلفوا على ثلاثة مذاهب في الإرجاء
المذهب الأوّل
و هو المرجئة الغالية يقولون أنّ الإيمان هو المعرفة أنّ الإيمان
هو معرفة القلب و منهم من يُدخل فيه أعمال القلوب كالمحبّة و الخوف و الرّجاء
و منهم
من لا يُدخل شيئا من أعمال القلوب أو أعمال الجوارح و إنّما يكون الإيمان هو المعرفة فقط
و هذا هو قول الجهم بن صفوان و قد ردّ على هذا القول على أنّه يلزم منه أن يكون إبليس مؤمن لأنّ إبليس يعرف ربّه قال ربّ فأنظرني إلى يوم يبعثون فإبليس يعلم بقلبه ربّه فعلى هذا يكون مؤمنا على قول المرجئة.
القسم الثّاني
من أقسام المرجئة قالوا إنّ الإيمان هو مجرّد قول اللّسان فإذا تلفّظ بالإسلام تحقق له الإيمان و هذا هو قول الكرّامية و قد رُدّ على هذا القول بأنّ لازمه أنّ المنافقين مؤمنون لأنّ المنافق يتلفّظ بلسانه فإذا تلفّظ بلسانه حصل له الإيمان عند المرجئة
و أمّا القسم الثّالث
فهم من يقولون أنّ الإيمان هو اعتقاد القلب و قول اللّسان و هؤلاء يسمون بمرجئة الفقهاء لأنّ الذي قال به طائفة من أهل الفقه بالكوفة لكنّ أصحاب هذا القول يقولون أنّ الأعمال واجبة بطرق آخر و بدليل آخر
و لهذا قال بعض أهل العلم أنّ الخلاف بينهم و بين أهل السنّة صوري و الحقيقة أنّه ليس صوريّا لأنّه تظهر ثمرة الخلاف في زيادة الإيمان و في نقصانه و أمّا الغلاة منهم و هم الجهميّة و الكرّاميّة فإنّهم يرون أنّ المعرفة أو قول اللّسان كما هي عند الكرّاميّة إذا تحققت فإنّ الأعمال لا(....)
و لا يزاد عليها و يقول الجهميّة يستوي إيمان جبريل و إيمان الفاسق من هذه الأمّة و هم الذين أثرت عنهم العبارة المشهورة لا يضرّ مع الإيمان ذنب كما لا تنفع مع الكفر طاعة إذا بهذا يظهر توسّط أهل السنّة بين المرجئة الذين لا يرون أنّ للأعمال أثر في الإيمان مطلقا و بين الخوارج و المعتزلة الذين يقولون أنّ العمل إذا ذهب بعضه ذهب الإيمان
و قد ردّ أهل السنّة على الطّائفتين بما عندهم من الحقّ فاستدلّ أهل السنّة في الردّ على المرجئة الذين يقولون أنّ الأعمال لا تدخل في مسمّى الإيمان بالأدلّة من كتاب الله و من سنّة النبيّ صلى الله عليه و سلّم التي تدلّ على دخول العمل في مسمّى الإيمان كقول الله عزّ و جلّ{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً *الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ* أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً }[الأنفال:2, 3, 4]
فأخبر الله عزّ و جلّ أنّ المؤمن كاإن زنامان هو من إذا ذكر الله عنده وجل قلبه و ازداد إيمانا ووصفهم بأنّهم يقيمون الصّلاة و مما رزقناهم ينفقون فدلّ على أنّ الأعمال من الإيمان و كذلك قول الله عزّ و جلّ {لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ }[المجادلة: 22]
فبين الله عزّ و جلّ و أخبر أنّ المؤمن الذي وجد في قلبه الإيمان الكامل لا يوّاد من حاد الله و رسوله ثمّ أخبر أنّ المُوادّة منقطعة بين المؤمنين و بين أعداء الله و رسوله صلى الله عليه و سلّم و أخبر أنّ أولائك هم الذين أيّدهم الله و تحقق لهم الإيمان
و كذلك دلّت الأدلّة من السنّة على أنّ الأعمال من الإيمان كقول النبيّ صلى الله عليه و سلّم على ما جاء في حديث أبي هريرة الذي أخرجه الشيخان يقول النبيّ صلى الله عليه و سلّم:" الإيمان بضع و سبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلاّ الله و أدناها إماطة الأذى عن الطّريق و الحياء شعبة من شعب"
الإيمان فبيّن النبيّ صلى الله عليه و سلّم أنّ للإيمان شعب تزيد عن السبعين جاء في رواية البخاري بضع و ستّون في صحيح مسلم بضع و سبعون شعبة فهذه الشعب الكثيرة و التي منها الحياء من شعب الإيمان
و كذلك قول النبيّ صلى الله عليه و سلّم كما جاء في حديث أبي هريرة أيضا يقول النبيّ صلى الله عليه و سلّم "أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا" فبيّن أنّ حسن الخلق من الإيمان الحديث رواه أبو داوود و الحاكم و صححه ووافقه الذهبي
في حديث أبي أمامة الباهلي الذي أخرجه أحمد و الحاكم وصححه ووافقه الذّهبي يقول النبيّ صلى الله عليه و سلّم "البذاذة من الإيمان" و البذاذة هي التقشّف في اللّباس
و في الصّحيحين من حديث أنس رضي الله عنه يقول النبيّ صلى الله عليه و سلّم "و الذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من والده وولده و النّاس أجمعين"
و من حديث أنس في صحيح البخاري يقول النبيّ صلى الله عليه و سلّم «لا يؤمن أحدكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه"
فدلّت هذه النّصوص على أنّ العمل من الإيمان كما جاء في النصوص الأخرى نفي الإيمان عن بعض من قامت به بعض الذنوب
كما في الحديث الصحيح من حديث أبي هريرة و هو في الصّحيحين يقول النبيّ صلى الله عليه و سلّم "لا يزني الزّاني حين يزني و هو مؤمن و لا يشرب الخمر حين يشربها و هو مؤمن و لا يسرق حين يسرق و هو مؤمن و لا ينتهب النهبة حين ينتهبها يرفع النّاس إليه فيها أبصارهم و هو مؤمن"
فنفى النبيّ صلى الله عليه و سلّم الإيمان عن السارق و الزاني و شارب الخمر و المنتهب و ما هو هذا الإيمان المنفي الإيمان المنفي هنا هو الإيمان الكامل عند أهل السنّة الإيمان الواجب الكامل كما قرّر أهل العلم
لأنّ هذا هو معتقد أهل السنّة أنّ العمل من الإيمان لكن إذا ذهب بعض العمل هل يذهب الإيمان على التفصيل الذي تقدّم إذا ذهب العمل الواجب من غير أركان الإسلام التي تقدّم الكلام فيها فهو باتفاق أهل العلم من أهل السنّة أنّه لا يزال عنه أصل الإيمان و إنّما يزال عنه الإيمان الكامل
و كذلك إذا ارتكب المحرّمات وهو معتقد لحرمتها فإنّه لا يُزال عنه أصل الإيمان و إنّما يُزال عنه الإيمان الكامل الواجب
يقول شيخ الإسلام بن تيميّة
لم يرد في النّصوص نفي الإيمان إلاّ على ترك واجب لا ينفى الإيمان على ترك المستحبّ ثمّ هذا الإيمان المنفي كما تقدّم هو الإيمان الكامل الواجب و أمّا أصل الإيمان فهو غير منتفي و هنا دلّت الأدلّة على هذا الأمر و التي فيها الردّ على الخوارج و في هذه النصوص رد على المرجئة الذين يرون أنّ العمل لا يدخل في الإيمان و في النصوص الأخرى التي دلّت على أنّ الذنب و على أنّ الكبيرة إذا حصلت من المؤمن أنّها لا تزيل عنه أصل الإيمان
فقول الله عزّ و جلّ {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا } [الحجرات: 9] فسمّى الله عزّ و جلّ الطّائفتين المتقاتلتين و صفهما بالإيمان و معلوم أنّ القتال قتال المسلم من أكبر الكبائر و مع هذا وصف الطّائفتين المتقاتلتين بالإيمان و كذلك قول الله عزّ و جلّ{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ }[البقرة: 178]
تأمّلوا قول الله عزّ و جلّ فمن عفي له من أخيه فجعل القاتل أخا لوليّ الدمّ فمن عُفي له من أخيه و لم يزيل عنه الإيمان لم يزل عنه أصل الإيمان
و كذلك دلّت السنّة على هذا الأمر كما جاء في حديث أبي ذرّ في الصحيحين يقول النبيّ صلى الله عليه و سلّم "ما من عبد يقول لا إله إلاّ الله إلاّ دخل الجنّة قال أبو ذرّ رضي الله عنه "و إن زنا و إن سرق؟ قال النبيّ صلى الله عليه و سلّم و إن زنا و إن سرق قال أبو ذرّ و إن زنا و إن سرق؟ قال النبيّ صلى الله عليه و سلّم و إن زنا و إن سرق ثلاث مرّات ثمّ قال في الرّابعة رغم أنف أبي ذرّ" فخرج أبو ذرّ رضي الله عنه يقول و إن رغم أنف أبي ذر
و في بعض الرّوايات أنّ أبا ذرّ إذا حدّث بهذا الحديث قال و إن رغم أنف أبي ذرّ رضي الله عنه وكذلك حديثا آخر حديث أنس يقول النبيّ صلى الله عليه و سلّم و هو في صحيح مسلم" يخرج من النّار من قال لا إله إلاّ الله و في قلبه وزن شعيرة من خير و يخرج من النّار من قال لا إله إلاّ الله و في قلبه وزن برة من خير و يخرج من النّار من قال لا إله إلاّ الله و في قلبه وزن ذرّة من خير"
و هذا في حقّ العصاة الموحّدين الذين دخلوا النّار بذنوبهم لكنّهم خرجوا من النّار بما معهم من أصل الإيمان و إلاّ لو كانوا كفّار كما يقول الخوارج لم يخرجوا من النّار لأنّ الجنّة محرّمة على الكافر كما قال الله عزّ و جلّ{ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ ٍ} [المائدة: 72]
و قال{ فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدّثر: 48] فتأمّلوا إلى لزوم الحقّ عند أهل السنّة أخذوا بنصوص الوعد و الوعيد و جمعوا بينها فوُفّقوا إلى تلك العقيدة المعتدلة المتوسّطة أنّ المؤمن إذا أذنب نقص إيمانه لكن بقي معه أصل الإيمان
و قد دلّت الأدلّة كما تقدّم على أنّ المؤمن إذا أذنب يبقى معه أصل الإيمان و هو أيضا لا نقول أنّه مؤمن كامل و إنّما نقول هو مؤمن ناقص الإيمان كما قال النبيّ صلى الله عليه و سلّم "لا يزني الزّاني حين يزني و هو مؤمن" أي لا يزني الزّاني حين يزني و هو مؤمن كامل الإيمان بل هو مؤمن ناقص الإيمان هذه هي عقيدة أهل السنّة و هي العقيدة التي دلّت عليها الأدلّة
و يظهر لنا من خلال هذا العرض كيف نشأ الضّلال عند أهل التكفير و أهل الإرجاء فالخوارج و المعتزلة أخذوا بنصوص الوعيد و أغفلوا الجانب الآخر و هو نصوص الوعد و المرجئة أخذوا بنصوص الوعد و أغفلوا جانب الوعيد و هذا هو حال عامّة المبتدعة أنّهم يأخذون بطرف من الحقّ و يتركون الطرف الآخر
و يتوسّط أهل السنّة بين الطّوائف المبتدعة في هذا الباب و في غيره فهم وسط بين الفرق كما أنّ هذه الأمّة وسط بين الملل{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} [البقرة: 143]
فأهل السنّة وسط بين فرق الأمّة كما أنّ أهل الإسلام وسط بين أهل الملل
, من خلال هذا العرض يظهر لنا عدّة أمور.
الأمر الأوّل
أنّ بدعة التكفير بغير دليل ليست هي وليدة هذا العصر و إنّما هي بدعة موروثة عن الخوارج الذين خرجوا على عليّ رضي الله عنه و كفّروه بل تمتدّ إلى ذو الخويصرة الذي خرج على النبيّ صلى الله عليه و سلّم لكن بغير(....) كما جاء في الحديث في أبي سعيد الخدري في الصحيحين يقول بينما كان النبيّ صلى الله عليه و سلّم في قسم يقسم الغنائم و هذا القسم هو يوم حنين عندما غنم النبيّ صلى الله عليه و سلّم من هوازن و ثقيف يوم حنين الغنائم الكثيرة قسم بين النّاس فأعطى المؤلّفة قلوبهم الكثير و لم يعطي بعض كبار الصّحابة لأنّ الإيمان قد استقرّ في نفوسهم فلا يحتاجون إلى ذلك
فجاء جاهل الإيمان راد النبيّ صلى الله عليه و سلّم يحمله سوء الضن كما ذكر أبو سعيد الخدري يقول بينما كان النبيّ صلى الله عليه و سلّم في قسم إذ جاء ذو الخويصرة فقال يا محمّد اعدل فإنّك لم تعدل قال النبيّ صلى الله عليه و سلّم " و من يعدل إن لم أعدل خِبْتَ و خَسِرْت "
و في لفظ لبعض الرّواة خِبْتُ و خَسِرْت ثمّ قال عمر رضي الله عنه يا رسول الله ائذن لي فيه فأضرب عنقه قال" دعه فإنّ له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاته و صيامه مع صيامه يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم "
في بعض الرّوايات "لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدّين مروق السّهم من الرّميّة" ثمّ قال "آيتهم رجل أسود مخدج اليد كأنّ يده ثدي امرأة"
يقول أبو سعيد الخدري فأشهد إنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلّم يقول هذا و أشهد أنّ علي رضي الله عنه قاتلهم يوم النّهراوان و قد كنت معه فأُتي بذي الثديّة إلى علي رضي الله عنه و ألقي بين يديه و رأيته على الوصف الذي أخبر النبيّ صلى الله عليه و سلّم
و جاء في رواية أخرى لمسلم يقول علي رضي الله عنه بعد أن فرغ من قتل الخوارج قال ابحثوا عن ذو الثديّة فبحثوا فلم يجدوه فقال ارجعوا فابحثوا عنه فوالله إنّي لن أَكذب و لم أُكذب فما زالوا يبحثون عنه حتّى وجدوه في خربة فأتوا به إلى علي رضي الله عنه و ألقي بين يديه فكبّر و قال صدق الله و بلّغ رسوله صلى الله عليه و سلّم
و في بعض الرّوايات فسجد شكرا لله و هي بدعة التكفير يظهر لنا من حيث النشأة غربتها عن الإسلام و كذلك أنّها إنّما نشأت من ذي الخويصرة و من عبد الله بن وهب الرّاسبي و خصم ذو الخويصرة هو النبيّ صلى الله عليه و سلّم و خصم عبد الله بن وهب هو علي رضي الله عنه
و أهل السنّة في عقيدتهم هم سبأ لنبيّهم صلى الله عليه و سلّم و من تبنّى ذلك الفكر فهو متّبع سواء شعر أم لم يشعر لذي الخويصرة فما أشبه الليلة بالبارحة كم من رجل يقول لولاّة الأمر اليوم اعدل فإنّك لم تعدل و يقول لبعض أهل العلم ما قالت الخوارج لعليّ كفرت و داهنت و حكمّت الرّجال في كتاب الله
فينبغي للعاقل أن ينظر لنفسه و أن لا ينخدع بالشّعارات و إنّما ينظر إلى(...) و أهل السنّة يستدلوّن بعقيدتهم بالأدلّة من الكتاب و السنّة كما سمعتم كذلك الجانب الآخر و هو جانب الإرجاء مرجعه إلى أناس مشبوهين كغيلان القدري أو الجهم بن صفوان و كذلك واصل بن عطاء الذي اعترض على الحسن البصري فأهل السنّة هم أتباع الحسن البصري و لمن قبله و من بعده من أهل العلم و أهل الإرجاء هم سبأ للجهم و لغيلان القدري هذا ما يتعلّق بالخلاف في مسألة الإيمان
والنقل
لطفا من هنا
http://www.kulalsalafiyeen.com/vb/showthread.php?t=13118
المحاضرة
موقف أهل السنة والجماعة من التكفير والإرجاء
الجزء الأوّل
لفضيلة الشيخ إبراهيم الرّحيلي
[شريط مفرغ]
تونس في: 07-07-2009
بسم الله الرّحمان الرّحيم
إنّ الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له و أشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن نبيّنا محمدا عبده و رسوله بلّغ الأمانة و أدّى الرّسالة و نصح للأمّة اللهمّ صلى و سلم و بارك على عبدك و رسولك محمّد و على من اهتدى بهديه و استنّ بسنّته إلى يوم الدّين.
أما بعد
فإنّي أشكر الأخوة القائمين على هذا المخيّم المبارك و على استضافتهم لي للإسهام في هذا اللّقاء المبارك بما يمنّ الله عزّ و جلّ به عليّ و أسأل الله عزّ و جلّ أن يجزيهم خيرا و أن يكتب لهم الأجر و المثوبة.
أيّها الأخوة إنّ الله عزّ و جلّ قد امتنّ على هذه الأمّة بنعم عظيمة من أعظمها بعثة هذا النبيّ الكريم فيها, بعثة محمّد صلى الله عليه و سلّم أشرف الخلق على ربّه و أعظمهم منزلة عند الله عزّ و جلّ{ لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ }[آل عمران: 164] و أكمل الله عزّ و جلّ لهذه الأمّة الفضل و أتمّ عليها النّعمة بنعمة كمال الدّين كما قال الله عزّ و جلّ{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً } [المائدة: 3]
هذه النعمة كان أحبار اليهود يغبطون هذه الأمّة على هذه النّعمة كما صرّح بعض كبارهم لعمر على ما روى البخاري أنّ رجلا من أحبار اليهود قال لعمر رضي الله آية في كتابكم لو نزلت علينا معشر اليهود لاتخذنا ذلك اليوم عيدا قال عمر و أيّ آية قال { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } [المائدة: 3]
هذه النعمة نعمة كمال الدّين نعمة عظيمة أدركها سلف الأمّة من الصّحابة و التّابعين فلزموا هدي نبيّهم صلى الله عليه و سلّم حتّى لقوا ربّهم غير مبدّلين و لا مغيّرين ثمّ لمّا نشأت الأمّة من لم يتفقّه على النبيّ صلى الله عليه و سلّم و لم يحظ ما حضي به الصّحابة الكرام و من كان على طريقهم من التّابعين لم يحظ بالفقه بدين الله نشأت البدع في الإسلام كما أخبر النبيّ صلى الله عليه و سلّم عن وجود البدع و عن نشأتها في الإسلام على ما ثبت عنه في الحديث الصّحيح الحديث المشهور في افتراق الأمّة حيث أخبر النبيّ صلى الله عليه و سلّم "أنّ اليهود افترقوا على إحدى و سبعين فرقة و أنّ النّصارى افترقوا على اثنتين و سبعين فرقة و أنّ هذه الأمّة ستفترق على ثلاث و سبعين فرقة قال كلّها في النّار إلاّ واحدة" ثمّ سئل النبيّ صلى الله عليه و سلّم عن الفرقة النّاجية فقال" هم على من كان على مثل ما أنا عليه اليوم و أصحابي"
انقضى عهد الخلفاء الرّاشدين و البدع مندحرة و أهلها أذلّة و إن نبتت بعض نوابتها, نبتت بعض نوابت البدع في آخر عهد الخلفاء الرّاشدين في عهد عليّ رضي الله عنه و ذلك بعد مقتل عثمان رضي الله عنه على يد طائفة باغية من أهل الشرّ و الأهواء فنتج عن ذلك افتراق الأمّة و ما وُجد من الحروب و نجا من تلك الفتنة أصحاب النبيّ صلى الله عليه و سلّم و تهالك من تهالك فيها من أهل البدع
و أوّل البدع ظهورا في الإسلام هي بدعة التكفير فإنّ بدعة التكفير هي أوّل بدعة ظهرت في الإسلام و في عهد عليّ رضي الله عنه و إن كانت بدعة التشيّع قد أطلّت برأسها قبل ذلك لكنّه لا يُعرف ببدعة التشيّع فرقة تتبنّى فكرها و تقاتل عليها قبل خروج الخوارج على علي رضي الله عنه
و إن سبقت في الظّهور إلاّ أنّ بدعة التكفير التي تبنّاها الخوارج كانت هي أوّل البدع ظهورا اجتمع عليها قوم و قاتلوا عليها و موضوع المحاضرة كما سمعتم هو في معالجة هذا الانحراف في عقيدة المسلم و هو بدعة التكفير بغير دليل ثمّ معالجة بدعة أخرى مضادّة لهذه البدعة و على طرف آخر من الضّلال و هي بدعة الإرجاء
و ينبغي أن يُعلم أنّ كلام الناّس في التكفير و الإرجاء إصابة و خطأ مرجعه إلى قولهم في مسألة الإيمان و هو فرع عن عقيدتهم في حقيقة الإيمان ما هو الإيمان؟ و ما هي حقيقته؟ و لذا سيكون حديثنا في معالجة هذين الانحرافين بالرّجوع إلى أصوله و بالرّجوع إلى تاريخ ظهوره في الأمّة حتّى يُعلم من أين نشأ التكفير؟ و من أين نشأ الإرجاء؟ و من الذي خالف فيه؟
أمّا نشأة التكفير فهو كما ذكرت أوّل ما ظهر التكفير في عهد عليّ رضي الله عنه و بالتحديد بعد موقعة صِفِّين أو في خلال موقعة صفّين عندما اتفق جيش علي رضي الله عنه و جيش معاوية على التحكيم و افترق الجيشان على الاتفاق على التحكيم فيما بينهما فانصرف علي رضي الله عنه بجيشه إلى الكوفة و انصرف معاوية رضي الله عنه بجيشه إلى دمشق و في رجوع عليّ رضي الله عنه إلى الكوفة انحازت طائفة كبيرة من جيشه عددهم اثني عشر ألف رجل و هم الخوارج قالوا لعلي رضي الله عنه حكّمت الرّجال في كتاب الله ثمّ انحازوا بقرية تسمّى حروراء بالقرب من الكوفة فبعث إليهم علي رضي الله عنه ابن عبّاس فناظرهم و ظهرت حجّته عليهم و رجع منهم ثمانية آلاف و بقي أربعة آلاف رجل تحت إمرة عبد الله بن وهب الرّاسبي يُنكرون على علي رضي الله عنه هذه المسألة و قالوا له لقد حكّمت الرّجال في كتاب الله فكفرت فتب من ذلك أو اخلع نفسك فكانت هذه المقالة هي أوّل بذرة للتكفير تكفير لمن؟ للخليفة الرّاشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه من قِبل الخوارج الذين ذكر المؤرّخون أنّهم لم يتربّوا و لم يتفقّهوا على أصحاب النبي ّصلى الله عليه و سلّم بل أئمّتهم من الأعراب الذين لم يرزقوا الفقه في الدّين فقاتلهم عليّ رضي الله عنه و ما قتل من جيشه إلاّ اثنان كما في بعض الرّوايات و في بعض الرّوايات أنّ الذي قُتل من جيش عليّ أقلّ من عشرة و أمّا الخوارج فلم يبقى منهم إلاّ عشرة قُتلوا جميعا و بقي منهم عشرة فرّوا إلى الأمصار فرّ اثنان إلى عمان و اثنان إلى (....)(1) و اثنان إلى الجزيرة و اثنان إلى(....) باليمن يقول (.....) فانتشرت بدعة الخوارج في تلك المناطق التي فرّوا إليها
ثمّ بدأت تلك البدعة بعد قتال عليّ رضي الله عنه لهم تستشري في نفوس بعض أهل الأهواء حتى أصبح معتقدهم معروفا و كان يجمعهم يجمع هؤلاء الخوارج تكفير علي و معاوية و الحسنين و من رغب بالتحكيم بل من شارك في الحروب فخاض النّاس في تلك البدعة و يذكر المؤرّخون أنّ الإمام الجليل الحسن البصري كان يوما في مجلسه و في درسه فجاءه رجل يسأله عن حكم مرتكب الكبيرة فأطرق الحسن البصري متأملاّ متدبّرا فخرج من بين تلاميذه رجل هو واصل بن عطاء فقال مجيبا متقدّما على شيخه في حكم مرتكب الكبيرة قال أقول أنّه في منزلة بين المنزلتين لا كافر و لا مؤمن ثمّ أجاب الحسن البصري فقال هو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته ثمّ اعتزل واصل بن عطاء مجلس الحسن البصري فاجتمع إليه قوم سُمّوا بالمعتزلة فتبنّت المعتزلة فكر الخوارج و خالفتهم في بعضه كما سيأتي وافقوهم في نفي اسم الإيمان عن مرتكب الكبيرة ثمّ جاءت طائفة أخرى أرادت أن تردّ البدعة بدعة التكفير بغير دليل و الغلو في هذا الجانب فتبنّت فكرا آخر و عقيدة أخرى مضادّة لعقيدة الخوارج و هي بدعة الإرجاء
و قد ذكر المؤرّخون أنّ أوّل من أظهر الإرجاء وسط النّاس هو غيلان الدمشقي القدري و غيلان الدمشقي القدري متوفّى سنة خمس و مائة ثمّ تبنّى فكره الجهم بن صفوان المتوفّى سنة ثمان و عشرين و مائة و ظهر الإرجاء عن طريق الجهم بن صفوان و اشتهر عنه و كانت بدعة الإرجاء تقوم على أنّ الذنوب و المعاصي لا تضرّ الإيمان و أنّ المؤمن إذا آمن و صدّق بقلبه لا تضره الذنوب فكانت على النقيض من عقيدة الخوارج التي تكفّر بالذنوب فتوسّط أهل السنّة بين الطّرفين في أنّ مرتكب الكبيرة مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته و قالوا هو مؤمن ناقص الإيمان.
من هنا نشأت بدعة التكفير بغير دليل و بدعة الإرجاء و هذه النشأة نتبيّن منها أنّ بدعة التكفير بغير دليل و بدعة الإرجاء غريبة عن الإسلام و عن أهل الإسلام تبنّاها جهلة أو بعض أهل الأهواء فأين عبد الله بن وهب الرّاسبي من أصحاب النبيّ صلى الله عليه و سلّم في العلم و أين غيلان الدمشقي القدري و الجهم بن صفوان من فقهاء الأمّة.
--------------------------------
(1)علامة الحذف (...) في التفريغ كله للكلمات التي لم أتبيّنها
هذا هو منشأ التكفير و منشأ الإرجاء و ينبغي أن نقرّر هنا أنّ التكفير هو على قسمين تكفير بحق و هذا منهج شرعيّ دلّت النّصوص عليه و تكفير بغير دليل و هذا باطل و هو التكفير المذموم و أمّا الإرجاء فهو بدعة محضة ليس هناك قسم للإرجاء يقال فيه أنّه حقّ أمّا حقيقة الخلاف في هاتين المسألتين فمرجعه كما قلت إلى قول المخالفين في مسألة الإيمان و في حقيقة الإيمان ما هو الإيمان؟ و ما هو حقيقته؟
ذكر أهل العلم أقوال النّاس في هذه المسألة من أهل الحقّ الذين هم أهل السنّة و أهل الباطل و عُنوا بها عناية بالغة حتّى يعلم الأصل الذي نشأ فيه الانحراف و ملخّص القول في اختلاف النّاس في الإيمان أنّ أهل السنّة و الجماعة يعرّفون الإيمان اللّغوي بأنّه الإقرار الإيمان في اللغة الإقرار و قيل هو التصديق, و الإقرار أدلّ على الإيمان من التصديق كما قرر ذلك شيخ الإسلام بن تيميّة رحمه الله و أمّا الإيمان في الشّرع عند أهل السنّة و الجماعة فهو اعتقاد بالقلب و قول باللسان و عمل بالأركان:
فاعتقاد القلب هو بالإقرار للنبي ّصلى الله عليه و سلّم بالرّسالة و للربّ عزّ و جلّ بالرّبوبيّة و الألوهيّة و هذا هو قول القلب و كذلك بتعبّد الله عزّ و جلّ بالأعمال القلبيّة كالمحبّة و الإخلاص و التوكّل و الرّغبة و الخشية و الإنابة إلى غير ذلك من أعمال القلوب و هذا يسمّيه العلماء عمل القلب.
و أمّا اللّسان فكذلك عمله ينقسم إلى قسمين:
الإقرار باللّسان و النطق بالشّهادتين و هذا يسمّيه العلماء قول اللّسان.
و تعبّد الله عزّ و جلّ بالعبادات القوليّة التي لا تُؤدّى إلاّ باللّسان و هذا يسمّى عمل اللّسان.
و أمّا عمل الجوارح فهو تعبّد الله عزّ و جلّ بأعمال الجوارح التي تباشرها الجوارح كالصّلاة و الصّوم و الجهاد و الحجّ هذا هو تعريف الإيمان عند أهل السنّة و الجماعة و نلاحظ من خلال هذا التّعريف دخول الأعمال في مسمّى الإيمان عند أهل السنّة و الجماعة مع اعتقاد القلب و قول اللّسان و أمّا الخوارج فإنّهم و كذلك المعتزلة فإنّهم يعرّفون الإيمان بأنّه اعتقاد بالقلب و قول باللّسان و عمل بالأركان يوافقون أهل السنّة في أصل التعريف ثمّ يجعلون الأعمال شرطا لصحّة الإيمان يجعلون التزام الأعمال شرطا لصحّة الإيمان و عندهم أنّ الفاسق الذي ارتكب بعض الذّنوب قد زال عنه مسمّى الإيمان لا يكون مؤمنا
ثمّ اختلف بعد ذلك الخوارج و المعتزلة في مسمّى الكافر بعد أن اتفقوا على أنّه يزول عنه مسمّى الإيمان فقالت الخوارج هو كافر
و قالت المعتزلة هو في منزلة بين المنزلتين هذا في الدّنيا
و أمّا في الآخرة فيتّفق الخوارج و المعتزلة على أنّه خالد مخلّد في النّار ينبغي لنا أن ندرك الفرق بين قول أهل السنّة و بين قول الخوارج لأنّه قد يُشكل على البعض فأهل السنّة يجعلون العمل من الإيمان و الخوارج و المعتزلة يجعلون العمل من الإيمان و يفترق أهل السنّة على الخوارج و المعتزلة في ذهاب بعض العمل هل يذهب بمسمّى الإيمان أم لا و هنا ضابط لموقف أهل السنّة من العمل هل يزول الإيمان مع ذهاب العمل أم لا؟
أهل السنّة في هذه المسألة في علاقة العمل و في تأثير العمل على الإيمان ملخّص قولهم أنّ قولهم ينقسم إلى ثلاثة أقسام من حيث العمل و في تأثير العمل على الإيمان فهناك قسم اتفقوا على أنّه إذا ذهب ذهب معه الإيمان و هو النّطق بالشهادتين باتفاق أهل السنّة إذا اعتقد المسلم بقلبه و صدّق و لم ينطق بالشهادتين أنّه لا يكون مسلما و لا مؤمنا هذا القسم المتفق عليه أنّه إذا ذهب ذهب معه الإيمان و أمّا القسم المختلف فيه فهو بقيّة أركان الإسلام
و قد اختلفوا في التكفير بترك ركن من أركان الإسلام الأربعة بعد الشّهادتين على خمسة أقوال هي خمس روايات عن الإمام أحمد
القول الأوّل
أنّ المسلم لا يكفر بترك أحد أركان الإسلام الأربعة بعد الشّهادتين لا يكفر بتركها إذا اعتقد وجوبها هذا القول الأوّل.
القول الثّاني
أنّه يكفر بترك واحد من الأركان الأربعة و إن اعتقد وجوبه فمن ترك الصّلاة أو الصوم أو الحجّ أو الزّكاة يكون كافرا على هذا القول.
القول الثّالث
أنّه لا يكفر إلاّ بترك الصّلاة فقط و على هذا القول كثير من أهل العلم قديما و حديثا
القول الرّابع
أنّه لا يكفر إلاّ بترك الصّلاة و الزّكاة
القول الخامس
أنّه لا يكفر إلاّ بترك الصّلاة و الزّكاة إذا قاتل عليها إذا قاتل الإمام.
فالفرق بين القول الرّابع و الخامس هو مقاتلة الإمام فإن ترك الصّلاة و الزّكاة و لم يقاتل فلا يكفر عند أصحاب القول الخامس و هو كافر عند أصحاب القول الرّابع هذه المسألة مسألة أركان الإسلام الأربعة هي التي حصل فيها الخلاف بين أهل السنّة و أمّا النطق بالشّهادتين فهو محلّ اتفاق أنّه إذا ترك النطق مع القدرة يكون كافرا و الخلاف في مسألة التكفير بترك ركن من أركان الإسلام يقوى و يضعف و أقوى ما ذكر فيه أنّ المسلم يكفر بترك الصّلاة إذا تركها من غير عذر
و أمّا بقيّة الأركان فعلى الصّحيح الذي عليه الأكثر من أهل السنّة أنّه لا يكفر بترك الزكاة أو الصوم أو الحجّ إذا اعتقد ذلك
أمّا القسم الثّالث فهو قسم متفق عليه أنّه لا يزول الإيمان و لا يزول أصل الإيمان بترك شيء من الأعمال الأخرى و هذا القسم هو سائر المحرّمات و سائر الواجبات إذا ارتكب المسلم محرّما من الكبائر كالزنا و شرب الخمر و أكل مال اليتيم و الرّبا فإنّه لا يزول عنه الإيمان الأصلي أصل الإيمان و كذلك إذا ترك بعض الواجبات من غير أركان الإسلام فهو بالاتفاق أنّه لا يزال عنه مسمّى الإيمان إذا هذا هو موقف أهل السنّة من الأعمال
أمّا الخوارج و المعتزلة فيقولون أنّه إذا ارتكب محرّما كالزنى أو شرب الخمر زال عنه مسمّى الإيمان ثمّ يختلفون بعد ذلك هل هو كافر أو في منزلة بين منزلتين و أمّا في الآخرة فيتّفقون على أنّه خالد مخلّد في النّار أمّا المرجئة و هم الطرف الآخر الذي يمثّل جانب التقصير في مسألة الإيمان كما أنّ الخوارج يمثّلون جانب الغلو فهم على النقيض من قول الخوارج يقولون أنّ الإيمان اتفق المرجئة على أنّ الأعمال لا تدخل في مسمّى الإيمان و لهذا سمّوا مرجئة لإرجائهم العمل عن مسمّى الإيمان
ثمّ بعد ذلك اختلفوا على ثلاثة مذاهب في الإرجاء
المذهب الأوّل
و هو المرجئة الغالية يقولون أنّ الإيمان هو المعرفة أنّ الإيمان
هو معرفة القلب و منهم من يُدخل فيه أعمال القلوب كالمحبّة و الخوف و الرّجاء
و منهم
من لا يُدخل شيئا من أعمال القلوب أو أعمال الجوارح و إنّما يكون الإيمان هو المعرفة فقط
و هذا هو قول الجهم بن صفوان و قد ردّ على هذا القول على أنّه يلزم منه أن يكون إبليس مؤمن لأنّ إبليس يعرف ربّه قال ربّ فأنظرني إلى يوم يبعثون فإبليس يعلم بقلبه ربّه فعلى هذا يكون مؤمنا على قول المرجئة.
القسم الثّاني
من أقسام المرجئة قالوا إنّ الإيمان هو مجرّد قول اللّسان فإذا تلفّظ بالإسلام تحقق له الإيمان و هذا هو قول الكرّامية و قد رُدّ على هذا القول بأنّ لازمه أنّ المنافقين مؤمنون لأنّ المنافق يتلفّظ بلسانه فإذا تلفّظ بلسانه حصل له الإيمان عند المرجئة
و أمّا القسم الثّالث
فهم من يقولون أنّ الإيمان هو اعتقاد القلب و قول اللّسان و هؤلاء يسمون بمرجئة الفقهاء لأنّ الذي قال به طائفة من أهل الفقه بالكوفة لكنّ أصحاب هذا القول يقولون أنّ الأعمال واجبة بطرق آخر و بدليل آخر
و لهذا قال بعض أهل العلم أنّ الخلاف بينهم و بين أهل السنّة صوري و الحقيقة أنّه ليس صوريّا لأنّه تظهر ثمرة الخلاف في زيادة الإيمان و في نقصانه و أمّا الغلاة منهم و هم الجهميّة و الكرّاميّة فإنّهم يرون أنّ المعرفة أو قول اللّسان كما هي عند الكرّاميّة إذا تحققت فإنّ الأعمال لا(....)
و لا يزاد عليها و يقول الجهميّة يستوي إيمان جبريل و إيمان الفاسق من هذه الأمّة و هم الذين أثرت عنهم العبارة المشهورة لا يضرّ مع الإيمان ذنب كما لا تنفع مع الكفر طاعة إذا بهذا يظهر توسّط أهل السنّة بين المرجئة الذين لا يرون أنّ للأعمال أثر في الإيمان مطلقا و بين الخوارج و المعتزلة الذين يقولون أنّ العمل إذا ذهب بعضه ذهب الإيمان
و قد ردّ أهل السنّة على الطّائفتين بما عندهم من الحقّ فاستدلّ أهل السنّة في الردّ على المرجئة الذين يقولون أنّ الأعمال لا تدخل في مسمّى الإيمان بالأدلّة من كتاب الله و من سنّة النبيّ صلى الله عليه و سلّم التي تدلّ على دخول العمل في مسمّى الإيمان كقول الله عزّ و جلّ{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً *الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ* أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً }[الأنفال:2, 3, 4]
فأخبر الله عزّ و جلّ أنّ المؤمن كاإن زنامان هو من إذا ذكر الله عنده وجل قلبه و ازداد إيمانا ووصفهم بأنّهم يقيمون الصّلاة و مما رزقناهم ينفقون فدلّ على أنّ الأعمال من الإيمان و كذلك قول الله عزّ و جلّ {لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ }[المجادلة: 22]
فبين الله عزّ و جلّ و أخبر أنّ المؤمن الذي وجد في قلبه الإيمان الكامل لا يوّاد من حاد الله و رسوله ثمّ أخبر أنّ المُوادّة منقطعة بين المؤمنين و بين أعداء الله و رسوله صلى الله عليه و سلّم و أخبر أنّ أولائك هم الذين أيّدهم الله و تحقق لهم الإيمان
و كذلك دلّت الأدلّة من السنّة على أنّ الأعمال من الإيمان كقول النبيّ صلى الله عليه و سلّم على ما جاء في حديث أبي هريرة الذي أخرجه الشيخان يقول النبيّ صلى الله عليه و سلّم:" الإيمان بضع و سبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلاّ الله و أدناها إماطة الأذى عن الطّريق و الحياء شعبة من شعب"
الإيمان فبيّن النبيّ صلى الله عليه و سلّم أنّ للإيمان شعب تزيد عن السبعين جاء في رواية البخاري بضع و ستّون في صحيح مسلم بضع و سبعون شعبة فهذه الشعب الكثيرة و التي منها الحياء من شعب الإيمان
و كذلك قول النبيّ صلى الله عليه و سلّم كما جاء في حديث أبي هريرة أيضا يقول النبيّ صلى الله عليه و سلّم "أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا" فبيّن أنّ حسن الخلق من الإيمان الحديث رواه أبو داوود و الحاكم و صححه ووافقه الذهبي
في حديث أبي أمامة الباهلي الذي أخرجه أحمد و الحاكم وصححه ووافقه الذّهبي يقول النبيّ صلى الله عليه و سلّم "البذاذة من الإيمان" و البذاذة هي التقشّف في اللّباس
و في الصّحيحين من حديث أنس رضي الله عنه يقول النبيّ صلى الله عليه و سلّم "و الذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من والده وولده و النّاس أجمعين"
و من حديث أنس في صحيح البخاري يقول النبيّ صلى الله عليه و سلّم «لا يؤمن أحدكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه"
فدلّت هذه النّصوص على أنّ العمل من الإيمان كما جاء في النصوص الأخرى نفي الإيمان عن بعض من قامت به بعض الذنوب
كما في الحديث الصحيح من حديث أبي هريرة و هو في الصّحيحين يقول النبيّ صلى الله عليه و سلّم "لا يزني الزّاني حين يزني و هو مؤمن و لا يشرب الخمر حين يشربها و هو مؤمن و لا يسرق حين يسرق و هو مؤمن و لا ينتهب النهبة حين ينتهبها يرفع النّاس إليه فيها أبصارهم و هو مؤمن"
فنفى النبيّ صلى الله عليه و سلّم الإيمان عن السارق و الزاني و شارب الخمر و المنتهب و ما هو هذا الإيمان المنفي الإيمان المنفي هنا هو الإيمان الكامل عند أهل السنّة الإيمان الواجب الكامل كما قرّر أهل العلم
لأنّ هذا هو معتقد أهل السنّة أنّ العمل من الإيمان لكن إذا ذهب بعض العمل هل يذهب الإيمان على التفصيل الذي تقدّم إذا ذهب العمل الواجب من غير أركان الإسلام التي تقدّم الكلام فيها فهو باتفاق أهل العلم من أهل السنّة أنّه لا يزال عنه أصل الإيمان و إنّما يزال عنه الإيمان الكامل
و كذلك إذا ارتكب المحرّمات وهو معتقد لحرمتها فإنّه لا يُزال عنه أصل الإيمان و إنّما يُزال عنه الإيمان الكامل الواجب
يقول شيخ الإسلام بن تيميّة
لم يرد في النّصوص نفي الإيمان إلاّ على ترك واجب لا ينفى الإيمان على ترك المستحبّ ثمّ هذا الإيمان المنفي كما تقدّم هو الإيمان الكامل الواجب و أمّا أصل الإيمان فهو غير منتفي و هنا دلّت الأدلّة على هذا الأمر و التي فيها الردّ على الخوارج و في هذه النصوص رد على المرجئة الذين يرون أنّ العمل لا يدخل في الإيمان و في النصوص الأخرى التي دلّت على أنّ الذنب و على أنّ الكبيرة إذا حصلت من المؤمن أنّها لا تزيل عنه أصل الإيمان
فقول الله عزّ و جلّ {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا } [الحجرات: 9] فسمّى الله عزّ و جلّ الطّائفتين المتقاتلتين و صفهما بالإيمان و معلوم أنّ القتال قتال المسلم من أكبر الكبائر و مع هذا وصف الطّائفتين المتقاتلتين بالإيمان و كذلك قول الله عزّ و جلّ{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ }[البقرة: 178]
تأمّلوا قول الله عزّ و جلّ فمن عفي له من أخيه فجعل القاتل أخا لوليّ الدمّ فمن عُفي له من أخيه و لم يزيل عنه الإيمان لم يزل عنه أصل الإيمان
و كذلك دلّت السنّة على هذا الأمر كما جاء في حديث أبي ذرّ في الصحيحين يقول النبيّ صلى الله عليه و سلّم "ما من عبد يقول لا إله إلاّ الله إلاّ دخل الجنّة قال أبو ذرّ رضي الله عنه "و إن زنا و إن سرق؟ قال النبيّ صلى الله عليه و سلّم و إن زنا و إن سرق قال أبو ذرّ و إن زنا و إن سرق؟ قال النبيّ صلى الله عليه و سلّم و إن زنا و إن سرق ثلاث مرّات ثمّ قال في الرّابعة رغم أنف أبي ذرّ" فخرج أبو ذرّ رضي الله عنه يقول و إن رغم أنف أبي ذر
و في بعض الرّوايات أنّ أبا ذرّ إذا حدّث بهذا الحديث قال و إن رغم أنف أبي ذرّ رضي الله عنه وكذلك حديثا آخر حديث أنس يقول النبيّ صلى الله عليه و سلّم و هو في صحيح مسلم" يخرج من النّار من قال لا إله إلاّ الله و في قلبه وزن شعيرة من خير و يخرج من النّار من قال لا إله إلاّ الله و في قلبه وزن برة من خير و يخرج من النّار من قال لا إله إلاّ الله و في قلبه وزن ذرّة من خير"
و هذا في حقّ العصاة الموحّدين الذين دخلوا النّار بذنوبهم لكنّهم خرجوا من النّار بما معهم من أصل الإيمان و إلاّ لو كانوا كفّار كما يقول الخوارج لم يخرجوا من النّار لأنّ الجنّة محرّمة على الكافر كما قال الله عزّ و جلّ{ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ ٍ} [المائدة: 72]
و قال{ فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدّثر: 48] فتأمّلوا إلى لزوم الحقّ عند أهل السنّة أخذوا بنصوص الوعد و الوعيد و جمعوا بينها فوُفّقوا إلى تلك العقيدة المعتدلة المتوسّطة أنّ المؤمن إذا أذنب نقص إيمانه لكن بقي معه أصل الإيمان
و قد دلّت الأدلّة كما تقدّم على أنّ المؤمن إذا أذنب يبقى معه أصل الإيمان و هو أيضا لا نقول أنّه مؤمن كامل و إنّما نقول هو مؤمن ناقص الإيمان كما قال النبيّ صلى الله عليه و سلّم "لا يزني الزّاني حين يزني و هو مؤمن" أي لا يزني الزّاني حين يزني و هو مؤمن كامل الإيمان بل هو مؤمن ناقص الإيمان هذه هي عقيدة أهل السنّة و هي العقيدة التي دلّت عليها الأدلّة
و يظهر لنا من خلال هذا العرض كيف نشأ الضّلال عند أهل التكفير و أهل الإرجاء فالخوارج و المعتزلة أخذوا بنصوص الوعيد و أغفلوا الجانب الآخر و هو نصوص الوعد و المرجئة أخذوا بنصوص الوعد و أغفلوا جانب الوعيد و هذا هو حال عامّة المبتدعة أنّهم يأخذون بطرف من الحقّ و يتركون الطرف الآخر
و يتوسّط أهل السنّة بين الطّوائف المبتدعة في هذا الباب و في غيره فهم وسط بين الفرق كما أنّ هذه الأمّة وسط بين الملل{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} [البقرة: 143]
فأهل السنّة وسط بين فرق الأمّة كما أنّ أهل الإسلام وسط بين أهل الملل
, من خلال هذا العرض يظهر لنا عدّة أمور.
الأمر الأوّل
أنّ بدعة التكفير بغير دليل ليست هي وليدة هذا العصر و إنّما هي بدعة موروثة عن الخوارج الذين خرجوا على عليّ رضي الله عنه و كفّروه بل تمتدّ إلى ذو الخويصرة الذي خرج على النبيّ صلى الله عليه و سلّم لكن بغير(....) كما جاء في الحديث في أبي سعيد الخدري في الصحيحين يقول بينما كان النبيّ صلى الله عليه و سلّم في قسم يقسم الغنائم و هذا القسم هو يوم حنين عندما غنم النبيّ صلى الله عليه و سلّم من هوازن و ثقيف يوم حنين الغنائم الكثيرة قسم بين النّاس فأعطى المؤلّفة قلوبهم الكثير و لم يعطي بعض كبار الصّحابة لأنّ الإيمان قد استقرّ في نفوسهم فلا يحتاجون إلى ذلك
فجاء جاهل الإيمان راد النبيّ صلى الله عليه و سلّم يحمله سوء الضن كما ذكر أبو سعيد الخدري يقول بينما كان النبيّ صلى الله عليه و سلّم في قسم إذ جاء ذو الخويصرة فقال يا محمّد اعدل فإنّك لم تعدل قال النبيّ صلى الله عليه و سلّم " و من يعدل إن لم أعدل خِبْتَ و خَسِرْت "
و في لفظ لبعض الرّواة خِبْتُ و خَسِرْت ثمّ قال عمر رضي الله عنه يا رسول الله ائذن لي فيه فأضرب عنقه قال" دعه فإنّ له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاته و صيامه مع صيامه يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم "
في بعض الرّوايات "لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدّين مروق السّهم من الرّميّة" ثمّ قال "آيتهم رجل أسود مخدج اليد كأنّ يده ثدي امرأة"
يقول أبو سعيد الخدري فأشهد إنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلّم يقول هذا و أشهد أنّ علي رضي الله عنه قاتلهم يوم النّهراوان و قد كنت معه فأُتي بذي الثديّة إلى علي رضي الله عنه و ألقي بين يديه و رأيته على الوصف الذي أخبر النبيّ صلى الله عليه و سلّم
و جاء في رواية أخرى لمسلم يقول علي رضي الله عنه بعد أن فرغ من قتل الخوارج قال ابحثوا عن ذو الثديّة فبحثوا فلم يجدوه فقال ارجعوا فابحثوا عنه فوالله إنّي لن أَكذب و لم أُكذب فما زالوا يبحثون عنه حتّى وجدوه في خربة فأتوا به إلى علي رضي الله عنه و ألقي بين يديه فكبّر و قال صدق الله و بلّغ رسوله صلى الله عليه و سلّم
و في بعض الرّوايات فسجد شكرا لله و هي بدعة التكفير يظهر لنا من حيث النشأة غربتها عن الإسلام و كذلك أنّها إنّما نشأت من ذي الخويصرة و من عبد الله بن وهب الرّاسبي و خصم ذو الخويصرة هو النبيّ صلى الله عليه و سلّم و خصم عبد الله بن وهب هو علي رضي الله عنه
و أهل السنّة في عقيدتهم هم سبأ لنبيّهم صلى الله عليه و سلّم و من تبنّى ذلك الفكر فهو متّبع سواء شعر أم لم يشعر لذي الخويصرة فما أشبه الليلة بالبارحة كم من رجل يقول لولاّة الأمر اليوم اعدل فإنّك لم تعدل و يقول لبعض أهل العلم ما قالت الخوارج لعليّ كفرت و داهنت و حكمّت الرّجال في كتاب الله
فينبغي للعاقل أن ينظر لنفسه و أن لا ينخدع بالشّعارات و إنّما ينظر إلى(...) و أهل السنّة يستدلوّن بعقيدتهم بالأدلّة من الكتاب و السنّة كما سمعتم كذلك الجانب الآخر و هو جانب الإرجاء مرجعه إلى أناس مشبوهين كغيلان القدري أو الجهم بن صفوان و كذلك واصل بن عطاء الذي اعترض على الحسن البصري فأهل السنّة هم أتباع الحسن البصري و لمن قبله و من بعده من أهل العلم و أهل الإرجاء هم سبأ للجهم و لغيلان القدري هذا ما يتعلّق بالخلاف في مسألة الإيمان
والنقل
لطفا من هنا
http://www.kulalsalafiyeen.com/vb/showthread.php?t=13118