لا لتدريس المنطق
بقلم:
عبد الله السهلي
باحث وأكاديمي
اطلعت على مقالة (تدريس المنطق ضرورة لمنهجية التفكير) للأستاذ يوسف أبا الخيل في جريدة الرياض صفحة حروف وأفكار عدد (13797) في يوم الاثنين 5ربيع الأول 1427هـ وقبل البدء بالتعقيب على مقالة الأستاذ يوسف أود أن أجمل أبرز الأفكار التي أوضحها الكاتب في مقالته حسب ترتيب السياق:
* اختزال مناهج التفكير في المنطق وحده وأنه يعصم من الزلل في التفكير وأنه لابد منه لكل باحث!!
* إرجاع سبب تخلف المسلمين عن ركب المنطق إلى العلماء الذين قالوا (من تمنطق فقد تزندق) وأنه (من علوم الكفار)!.
* ثناء الكاتب على المنطق الأرسطي نسبة إلى المعلم الأول أرسطو وشرحه لأسلوبه في كونه منطقا يعتمد على مقدمتين يبنى عليهما نتيجته وذكر المثال: كل إنسان فان، وبما أن سقراط إنسان فإن سقراط فان..
* استشهاده بمقولة لابن رشد وكذلك أخرى لابن حزم في الثناء علي المنطق ومنهجه.
* توصية الكاتب بضرورة تدريس المنطق في مرحلتي الماجستير والدكتوراه لطلاب الشريعة وأصول الدين.
* ثمة إشارات من الكاتب إلى تنقص خصوم المنطق والفلسفة وأنهم أعطوا وجهاً كالحاً للمنطق!! وأن تعثر المنطق في الثقافة العربية كونه من (علوم الكفار)! وبسبب قوة وسيطرة التيار البياني في نسخته التقليدية النصية!! يعني بذلك (مدرسة أهل الأثر).
ولعلي ابتداءً أثني على الكاتب الأستاذ يوسف أبا الخيل في جودة ترتيب أفكاره وتسلسلها بغض النظر عن موافقتنا له أو مخالفتنا. ثم لعلي أنطلق من فكرة أوردها أشاطره الرأي فيها وهي ذم المنطق من قبل علماء المسلمين أو بتعبير أكثر دقة نقد المنطق لاسيما المنطق الأرسطي.
فقد سبق علماء الإسلام علماء أوروبا بقرون في نقدهم للمنطق الأرسطي ولعل حامل الراية في هذا شيخ الإسلام ابن تيمية فلقد ألف كتاب (نقض المنطق)، وكتاب (الرد على المنطقيين) وهو من أعظم الكتب في التراث الفكري الإسلامي بل التراث الإنساني كافة.
وأول قضية يحاول ابن تيمية أن ينفيها في رده على المنطق اليوناني هي الزعم بأن هذا المنطق لابد منه لكل باحث وعالم!! (خلافاً لما يدعو له أبا الخيل هنا)
وابن تيمية لا يكتفي بإصدار الفتاوى بالتحريم كما فعل بعض العلماء.
بل يكشف بطريقة منهجية فساد هذا المنطق، ولعل من الأهمية أن نوضح المنطق الأرسطي وأن المدرسيين (المشائيين) من أتباع أرسطو كانوا ساخطين على التجربة وبعيدين عن مواجهة الطبيعة ومعالجة الواقع بل محاربين لها لأن الطريقة المنطقية - في زعمهم - تكفي في معرفة القواعد التي تخضع لها الأشياء!
ومن الطريف أن أرسطو كان يعتقد أن أسنان الرجل أكثر من أسنان المرأة!!
ولو أنه كلف زوجته أن تفتح فمها لأدرك خطأ مقولته! لكن ذلك خروج من القياس إلى التجربة وهو ما لا يروقه!
(وطالما صرح ابن تيمية بأن المنطق اليوناني (لا يحتاج إليه الذكي ولا ينتفع به البليد!).
ولقد لخص ابن تيمية رأيه في المنطق اليوناني بقوله
(فإذا كانت صناعتهم بين معلوم لا يحتاج إلى القياس المنطقي، وبين ما لا يمكنهم أن يستعملوا فيه القياس المنطقي كان عديم الفائدة).
وممن نقد المنطق الأرسطي وهو ليس من التيار البياني في نسخته التقليدية النصية!! بل ليس من المسلمين!
(فرانسيس بيكون ت 1626) أو (جون ستيورات مل 1872) و(جون لوك).
يقول الدكتور الشيعي العراقي علي الوردي: «وصل نقد المنطق على يد ابن تيمية إلى القمة.. إن العلوم الطبيعية في نظر ابن تيمية تجريبية أكثر مما هي قياسية»، وهذا ما يقرره الدكتور مصطفى طباطبائي وهو شيعي إيراني في كتابه القيم (المفكرون الإسلاميون في مواجهة المنطق اليوناني، ص138)، يقول: «... ابن تيمية عاش قبل فرنسيس بيكون بثلاثمائة عام، وقبل جون لوك وقبل جورج بركلي بأربعة قرون وقد سبقهم جميعاً في نقد المنطق» وابن تيمية هنا يتضح فيه قول الدكتور عبد الرحمن الوكيل: (.. أما ابن تيمية فكان بين معجب لم يعن ببحث مناحي العظمة الفكرية للإمام ابن تيمية، وبين حاقد موتور يحاول طمس هذه العظمة وتلك العبقرية).
يقول ابن خلدون عن المنطق
(وأظنه ليس من العلماء النصيين في النسخة التقليدية) كما يقول أبا الخيل!!. يقول ابن خلدون (إن كثيراً من فحول النظار في الخليقة يحصلون على المطالب في العلوم بدون صناعة المنطق، ص490)، وهذا الأمر مشاهد وانظر على سبيل المثال دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية التي قامت على البرجماتية، وعلماؤها من أفلس الناس في جانب الفلسفة ومع ذلك تجد معظم المخترعين العلماء لا يعرفون عن المنطق شيئاً ولم يضيرهم ذلك ولم يعيقهم عن التقدم والصناعة!!.
إن المنهج التجريبي الذي يرفل الغرب في ثيابه اليوم في العلوم الطبيعية كان من نتاج الفكر الإسلامي يقول (بريف ولت) في كتابه (بناء الإنسانية) (إن روجر بيكون - واضع المنهج التجريبي - درس اللغة العربية والعلم العربي في مدرسة أكسفورد على خلفاء معلميه العرب، وليس لروجر بيكون ولا فرنسيس بيكون الذي جاء بعده. الحق في أن ينسب إليهما الفضل في ابتكار المنهج التجريبي فلم يكن روجر بيكون إلا رسولاً من رسل العلم والمنهج الإسلاميين إلى أوروبا المسيحية).
ومن المنصفين الغربيين الذين شهدوا بهذا كذلك (برا نتل) و(جولد تسهير)، ولعل من نافلة القول لدى المختصين أن أوروبا لم تقم من كبوتها ولم تظهر نهضتها العلمية إلا بعد أن تخلصت من أغلال المنطق الأرسطي الذي يدعو الأستاذ يوسف أبا الخيل جامعتنا إلى تبنيه وأنه سبيل التقدم لكن إلى أين؟ إنه التقدم إلى الوراء!!
في الوقت الذي يدعو العلماء والممنهجين إلى أهمية المنهج التجريبي - خصم المنطق - وتبنيه لاسيما في العلوم الطبيعية دون الإنسانية. يأتي الأستاذ أبا الخيل ليخالف هذا الزخم العلمي الضخم من العلماء المسلمين وغير المسلمين!! النصيين وغير النصيين ليقول: لا. المنطق أهم شيء وهو سبيل الخروج والنهوض وأداة التفكير المثلى!! بل يقرر أن عدم الأخذ به سبب للتخلف ويعنف على عبارة (من تمنطق تزندق) ويسخر بمن قال إنه من علوم الكفار!!
إن المنطق ليس أداة متحررة من الثقافة بل هو إرث يوناني إغريقي وثني ترجم في عهد المأمون وكان معظم المترجمين من غير المسلمين من اليعاقبة والنساطرة واليزيدية وغيرهم. ولهذا ولما سبق جاءت الفتوى بتحريمه.
وأظن أن من الموضوعية!! يا أستاذ يوسف عدم محاكمة الأفكار والعبارات مبتوتة عن سياقها الموضوعي والزماني (من تمنطق زندق) الواقع أن القائلين بالتحريم كابن تيمية وابن الصلاح والنووي قد تابعوا في ذلك الإمام الشافعي فقد أخرج النووي في ذم الكلام أن بشراً المريسي دخل على الشافعي فقال له الشافعي: أخبرني عما تدعو إليه؟ أكتاب ناطق وفريضة مفترضة وسنة قائمة وجدت عن السلف البحث فيه والسؤال؟ قال بشر: لا إلا أنني لا يسعني خلافه، فقال الشافعي : أقررت بنفسك على الخطأ، فأين أنت من الكلام في الفقه والأخبار. فلما خرج قال: لا يفلح. السيوطي (صون المنطق، 1/35) وقد روي مثل ذلك عن الإمامين أبي حنيفة ومالك (السابق، 1/64).
أما لمز الأستاذ يوسف أبا الخيل في مقولة (علوم الكفار) وتنصيصه على ذلك فإن كنت تقصد السخرية بهذا فلم يثبت عن المسلمين النهي عن الأخذ عن الكفار فيما هو من علوم الدنيا ومن النتاج البشري الذي لا يخالف العقيدة الإسلامية.
وأهل السنة والجماعة من المسلمين من أشد الناس إنصافاً مع غيرهم وها هو عمرو بن العاص يثني على الروم: (إن فيهم لخصالاً أربع. إنهم لأحلم الناس عند فتنة وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة وأوشكهم كرة بعد فرة وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف وخامسة حسنة جميلة وأمنعهم من ظلم الملوك (صحيح مسلم، كتاب الفتن، وأشراط الساعة).
أما إن كنت أستاذ يوسف تعرّض بـ (علوم الكفار) باعتراضك على كلمة الكفار فأظنك تحفظ سورة (قل يا أيها الكافرون)!!.
أما ثناء الكاتب ثم شرحه للأسلوب القائم عليه المنطق الأرسطي وأنه يتألف من مقدمتين (الكبرى والصغرى) ثم النتيجة، فلعلي أنقل ما قال الدكتور محمود الدسوقي في (منهج البحث في العلوم الإنسانية) ومجمل كلامه أن المنطق الأرسطي لا يكسب علماً جديداً بل يدور في دائرة معلقة ذلك أنه يهتم بأسلوب التفكير ولا يهتم بموضوع ومحتوى التفكير. ثم ذكر أنه يمكن أن تكون المقدمتان صحيحتين: والنتيجة خطأ ومثال ذلك (مثال جدلي) مقدمة كبرى: الحرية حق لكل إنسان، مقدمة صغرى: المجرم إنسان، (مقدمتان صحيحتان) النتيجة الحرية حق للمجرم (نتيجة خطأ).
(وقد تكون المقدمتان خاطئتين والنتيجة صحيحة. مثال ذلك: المقدمة الكبرى: كل إنسان حصان، المقدمة الصغرى: كل حصان عاقل، النتيجة كل إنسان عاقل (نتيجة صحيحة).
أما استشهاد الكاتب بمقولات عن ابن رشد وابن حزم، فابن رشد يقول عنه المستشرق مونك: انه لم يكن مبتكراً وانه لا يختلف لا في القليل ولا في الكثير عن غيره من الفلاسفة الذين تأثروا بمذهب الأفلاطونية الحديثة.
ثم يقول مونك: «.. نعم ابن رشد مجرد ناقل وشارح لأرسطو ومنطقه الذي يعد الآن منطق متخلف أصبح من الذكريات. (نصوص ومصطلحات فلسفية ص172).
وحسبك أن موك وقبله بيكون وبيكون الآخر وستيوارت مل وجون لوك وغيرهم وهم الورثة الشرعيون للإرث الإغريقي قد لفظوه ورموا به عرض الحائط!
أما ابن حزم رحمه الله وهو من علماء الإسلام الكبار وحسبك من مؤلفاته: (الفصل في الملل والنحل) في العقائد و(المحلي) في الفقه. فقد كان يرى ضرورة تعلم المنطق بالرغم من عدم قبوله لقياس العلة وللقياس كمصدر ثانوي للتشريع في الإسلام ولكن ابن حزم كما يذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء عن الصاعدي ان ابن حزم أعرض عنه وتركه في آخر حياته، وقد سبقه في هذا الغزالي، فقد كان شديد الثقة بالمنطق وألف كتاباً فيه سماه (القسطاس المستقيم) زعم فيه انه تعلمه من الأنبياء، وإنما تعلمه من ابن سينا، وابن سينا تعلمه من كتب أرسطو، وإن كان الغزالي في آخر حياته رجع عن ذلك وبين عيب المنطق ولوازمه الفاسدة ونهى عنه، وحذر منه، انظر: الرد على المنطقيين (14 – 15) لابن تيمية والمنقذ من الضلال للغزالي (66 – 99).
ثم بعد ذلك أود أن أوضح أن المنطق يدرس في مرحلة الدكتوراه في الأقسام الشرعية، ففي قسم الدراسات الإسلامية بجامعة الملك سعود على سبيل المثال هناك مقرر المنطق ولكن يدرس ويُنقد لا يدرس ليُمجد!
أخيراً: إنني إذ أشكر الأستاذ يوسف أبا الخيل على طرح مثل هذه الموضوعات النخبوية أرجو أن يتقبل النقد والتعقيب بصدر رحب، كما أشكر جريدة «الرياض» الغراء لإتاحة الرأي والرأي الآخر.
-------
شبكة الرد ـ الخميس 12 جمادى الأولى 1427هـ الموافق 8/6/2006م
(صحيفة الرياض) الاثنين 2 جمادى الأولى 1427هـ - 29 مايو 2006م - العدد 13853
والنقل
لطفا من هنا
http://majles.alukah.net/showthread.php?t=16870
بقلم:
عبد الله السهلي
باحث وأكاديمي
اطلعت على مقالة (تدريس المنطق ضرورة لمنهجية التفكير) للأستاذ يوسف أبا الخيل في جريدة الرياض صفحة حروف وأفكار عدد (13797) في يوم الاثنين 5ربيع الأول 1427هـ وقبل البدء بالتعقيب على مقالة الأستاذ يوسف أود أن أجمل أبرز الأفكار التي أوضحها الكاتب في مقالته حسب ترتيب السياق:
* اختزال مناهج التفكير في المنطق وحده وأنه يعصم من الزلل في التفكير وأنه لابد منه لكل باحث!!
* إرجاع سبب تخلف المسلمين عن ركب المنطق إلى العلماء الذين قالوا (من تمنطق فقد تزندق) وأنه (من علوم الكفار)!.
* ثناء الكاتب على المنطق الأرسطي نسبة إلى المعلم الأول أرسطو وشرحه لأسلوبه في كونه منطقا يعتمد على مقدمتين يبنى عليهما نتيجته وذكر المثال: كل إنسان فان، وبما أن سقراط إنسان فإن سقراط فان..
* استشهاده بمقولة لابن رشد وكذلك أخرى لابن حزم في الثناء علي المنطق ومنهجه.
* توصية الكاتب بضرورة تدريس المنطق في مرحلتي الماجستير والدكتوراه لطلاب الشريعة وأصول الدين.
* ثمة إشارات من الكاتب إلى تنقص خصوم المنطق والفلسفة وأنهم أعطوا وجهاً كالحاً للمنطق!! وأن تعثر المنطق في الثقافة العربية كونه من (علوم الكفار)! وبسبب قوة وسيطرة التيار البياني في نسخته التقليدية النصية!! يعني بذلك (مدرسة أهل الأثر).
ولعلي ابتداءً أثني على الكاتب الأستاذ يوسف أبا الخيل في جودة ترتيب أفكاره وتسلسلها بغض النظر عن موافقتنا له أو مخالفتنا. ثم لعلي أنطلق من فكرة أوردها أشاطره الرأي فيها وهي ذم المنطق من قبل علماء المسلمين أو بتعبير أكثر دقة نقد المنطق لاسيما المنطق الأرسطي.
فقد سبق علماء الإسلام علماء أوروبا بقرون في نقدهم للمنطق الأرسطي ولعل حامل الراية في هذا شيخ الإسلام ابن تيمية فلقد ألف كتاب (نقض المنطق)، وكتاب (الرد على المنطقيين) وهو من أعظم الكتب في التراث الفكري الإسلامي بل التراث الإنساني كافة.
وأول قضية يحاول ابن تيمية أن ينفيها في رده على المنطق اليوناني هي الزعم بأن هذا المنطق لابد منه لكل باحث وعالم!! (خلافاً لما يدعو له أبا الخيل هنا)
وابن تيمية لا يكتفي بإصدار الفتاوى بالتحريم كما فعل بعض العلماء.
بل يكشف بطريقة منهجية فساد هذا المنطق، ولعل من الأهمية أن نوضح المنطق الأرسطي وأن المدرسيين (المشائيين) من أتباع أرسطو كانوا ساخطين على التجربة وبعيدين عن مواجهة الطبيعة ومعالجة الواقع بل محاربين لها لأن الطريقة المنطقية - في زعمهم - تكفي في معرفة القواعد التي تخضع لها الأشياء!
ومن الطريف أن أرسطو كان يعتقد أن أسنان الرجل أكثر من أسنان المرأة!!
ولو أنه كلف زوجته أن تفتح فمها لأدرك خطأ مقولته! لكن ذلك خروج من القياس إلى التجربة وهو ما لا يروقه!
(وطالما صرح ابن تيمية بأن المنطق اليوناني (لا يحتاج إليه الذكي ولا ينتفع به البليد!).
ولقد لخص ابن تيمية رأيه في المنطق اليوناني بقوله
(فإذا كانت صناعتهم بين معلوم لا يحتاج إلى القياس المنطقي، وبين ما لا يمكنهم أن يستعملوا فيه القياس المنطقي كان عديم الفائدة).
وممن نقد المنطق الأرسطي وهو ليس من التيار البياني في نسخته التقليدية النصية!! بل ليس من المسلمين!
(فرانسيس بيكون ت 1626) أو (جون ستيورات مل 1872) و(جون لوك).
يقول الدكتور الشيعي العراقي علي الوردي: «وصل نقد المنطق على يد ابن تيمية إلى القمة.. إن العلوم الطبيعية في نظر ابن تيمية تجريبية أكثر مما هي قياسية»، وهذا ما يقرره الدكتور مصطفى طباطبائي وهو شيعي إيراني في كتابه القيم (المفكرون الإسلاميون في مواجهة المنطق اليوناني، ص138)، يقول: «... ابن تيمية عاش قبل فرنسيس بيكون بثلاثمائة عام، وقبل جون لوك وقبل جورج بركلي بأربعة قرون وقد سبقهم جميعاً في نقد المنطق» وابن تيمية هنا يتضح فيه قول الدكتور عبد الرحمن الوكيل: (.. أما ابن تيمية فكان بين معجب لم يعن ببحث مناحي العظمة الفكرية للإمام ابن تيمية، وبين حاقد موتور يحاول طمس هذه العظمة وتلك العبقرية).
يقول ابن خلدون عن المنطق
(وأظنه ليس من العلماء النصيين في النسخة التقليدية) كما يقول أبا الخيل!!. يقول ابن خلدون (إن كثيراً من فحول النظار في الخليقة يحصلون على المطالب في العلوم بدون صناعة المنطق، ص490)، وهذا الأمر مشاهد وانظر على سبيل المثال دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية التي قامت على البرجماتية، وعلماؤها من أفلس الناس في جانب الفلسفة ومع ذلك تجد معظم المخترعين العلماء لا يعرفون عن المنطق شيئاً ولم يضيرهم ذلك ولم يعيقهم عن التقدم والصناعة!!.
إن المنهج التجريبي الذي يرفل الغرب في ثيابه اليوم في العلوم الطبيعية كان من نتاج الفكر الإسلامي يقول (بريف ولت) في كتابه (بناء الإنسانية) (إن روجر بيكون - واضع المنهج التجريبي - درس اللغة العربية والعلم العربي في مدرسة أكسفورد على خلفاء معلميه العرب، وليس لروجر بيكون ولا فرنسيس بيكون الذي جاء بعده. الحق في أن ينسب إليهما الفضل في ابتكار المنهج التجريبي فلم يكن روجر بيكون إلا رسولاً من رسل العلم والمنهج الإسلاميين إلى أوروبا المسيحية).
ومن المنصفين الغربيين الذين شهدوا بهذا كذلك (برا نتل) و(جولد تسهير)، ولعل من نافلة القول لدى المختصين أن أوروبا لم تقم من كبوتها ولم تظهر نهضتها العلمية إلا بعد أن تخلصت من أغلال المنطق الأرسطي الذي يدعو الأستاذ يوسف أبا الخيل جامعتنا إلى تبنيه وأنه سبيل التقدم لكن إلى أين؟ إنه التقدم إلى الوراء!!
في الوقت الذي يدعو العلماء والممنهجين إلى أهمية المنهج التجريبي - خصم المنطق - وتبنيه لاسيما في العلوم الطبيعية دون الإنسانية. يأتي الأستاذ أبا الخيل ليخالف هذا الزخم العلمي الضخم من العلماء المسلمين وغير المسلمين!! النصيين وغير النصيين ليقول: لا. المنطق أهم شيء وهو سبيل الخروج والنهوض وأداة التفكير المثلى!! بل يقرر أن عدم الأخذ به سبب للتخلف ويعنف على عبارة (من تمنطق تزندق) ويسخر بمن قال إنه من علوم الكفار!!
إن المنطق ليس أداة متحررة من الثقافة بل هو إرث يوناني إغريقي وثني ترجم في عهد المأمون وكان معظم المترجمين من غير المسلمين من اليعاقبة والنساطرة واليزيدية وغيرهم. ولهذا ولما سبق جاءت الفتوى بتحريمه.
وأظن أن من الموضوعية!! يا أستاذ يوسف عدم محاكمة الأفكار والعبارات مبتوتة عن سياقها الموضوعي والزماني (من تمنطق زندق) الواقع أن القائلين بالتحريم كابن تيمية وابن الصلاح والنووي قد تابعوا في ذلك الإمام الشافعي فقد أخرج النووي في ذم الكلام أن بشراً المريسي دخل على الشافعي فقال له الشافعي: أخبرني عما تدعو إليه؟ أكتاب ناطق وفريضة مفترضة وسنة قائمة وجدت عن السلف البحث فيه والسؤال؟ قال بشر: لا إلا أنني لا يسعني خلافه، فقال الشافعي : أقررت بنفسك على الخطأ، فأين أنت من الكلام في الفقه والأخبار. فلما خرج قال: لا يفلح. السيوطي (صون المنطق، 1/35) وقد روي مثل ذلك عن الإمامين أبي حنيفة ومالك (السابق، 1/64).
أما لمز الأستاذ يوسف أبا الخيل في مقولة (علوم الكفار) وتنصيصه على ذلك فإن كنت تقصد السخرية بهذا فلم يثبت عن المسلمين النهي عن الأخذ عن الكفار فيما هو من علوم الدنيا ومن النتاج البشري الذي لا يخالف العقيدة الإسلامية.
وأهل السنة والجماعة من المسلمين من أشد الناس إنصافاً مع غيرهم وها هو عمرو بن العاص يثني على الروم: (إن فيهم لخصالاً أربع. إنهم لأحلم الناس عند فتنة وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة وأوشكهم كرة بعد فرة وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف وخامسة حسنة جميلة وأمنعهم من ظلم الملوك (صحيح مسلم، كتاب الفتن، وأشراط الساعة).
أما إن كنت أستاذ يوسف تعرّض بـ (علوم الكفار) باعتراضك على كلمة الكفار فأظنك تحفظ سورة (قل يا أيها الكافرون)!!.
أما ثناء الكاتب ثم شرحه للأسلوب القائم عليه المنطق الأرسطي وأنه يتألف من مقدمتين (الكبرى والصغرى) ثم النتيجة، فلعلي أنقل ما قال الدكتور محمود الدسوقي في (منهج البحث في العلوم الإنسانية) ومجمل كلامه أن المنطق الأرسطي لا يكسب علماً جديداً بل يدور في دائرة معلقة ذلك أنه يهتم بأسلوب التفكير ولا يهتم بموضوع ومحتوى التفكير. ثم ذكر أنه يمكن أن تكون المقدمتان صحيحتين: والنتيجة خطأ ومثال ذلك (مثال جدلي) مقدمة كبرى: الحرية حق لكل إنسان، مقدمة صغرى: المجرم إنسان، (مقدمتان صحيحتان) النتيجة الحرية حق للمجرم (نتيجة خطأ).
(وقد تكون المقدمتان خاطئتين والنتيجة صحيحة. مثال ذلك: المقدمة الكبرى: كل إنسان حصان، المقدمة الصغرى: كل حصان عاقل، النتيجة كل إنسان عاقل (نتيجة صحيحة).
أما استشهاد الكاتب بمقولات عن ابن رشد وابن حزم، فابن رشد يقول عنه المستشرق مونك: انه لم يكن مبتكراً وانه لا يختلف لا في القليل ولا في الكثير عن غيره من الفلاسفة الذين تأثروا بمذهب الأفلاطونية الحديثة.
ثم يقول مونك: «.. نعم ابن رشد مجرد ناقل وشارح لأرسطو ومنطقه الذي يعد الآن منطق متخلف أصبح من الذكريات. (نصوص ومصطلحات فلسفية ص172).
وحسبك أن موك وقبله بيكون وبيكون الآخر وستيوارت مل وجون لوك وغيرهم وهم الورثة الشرعيون للإرث الإغريقي قد لفظوه ورموا به عرض الحائط!
أما ابن حزم رحمه الله وهو من علماء الإسلام الكبار وحسبك من مؤلفاته: (الفصل في الملل والنحل) في العقائد و(المحلي) في الفقه. فقد كان يرى ضرورة تعلم المنطق بالرغم من عدم قبوله لقياس العلة وللقياس كمصدر ثانوي للتشريع في الإسلام ولكن ابن حزم كما يذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء عن الصاعدي ان ابن حزم أعرض عنه وتركه في آخر حياته، وقد سبقه في هذا الغزالي، فقد كان شديد الثقة بالمنطق وألف كتاباً فيه سماه (القسطاس المستقيم) زعم فيه انه تعلمه من الأنبياء، وإنما تعلمه من ابن سينا، وابن سينا تعلمه من كتب أرسطو، وإن كان الغزالي في آخر حياته رجع عن ذلك وبين عيب المنطق ولوازمه الفاسدة ونهى عنه، وحذر منه، انظر: الرد على المنطقيين (14 – 15) لابن تيمية والمنقذ من الضلال للغزالي (66 – 99).
ثم بعد ذلك أود أن أوضح أن المنطق يدرس في مرحلة الدكتوراه في الأقسام الشرعية، ففي قسم الدراسات الإسلامية بجامعة الملك سعود على سبيل المثال هناك مقرر المنطق ولكن يدرس ويُنقد لا يدرس ليُمجد!
أخيراً: إنني إذ أشكر الأستاذ يوسف أبا الخيل على طرح مثل هذه الموضوعات النخبوية أرجو أن يتقبل النقد والتعقيب بصدر رحب، كما أشكر جريدة «الرياض» الغراء لإتاحة الرأي والرأي الآخر.
-------
شبكة الرد ـ الخميس 12 جمادى الأولى 1427هـ الموافق 8/6/2006م
(صحيفة الرياض) الاثنين 2 جمادى الأولى 1427هـ - 29 مايو 2006م - العدد 13853
والنقل
لطفا من هنا
http://majles.alukah.net/showthread.php?t=16870