أثر الأسفار المقدسة في إنحراف اليهود
للدكتور. محمود عبد الرحمن قدح
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
إن تحريف الأسفار المقدسة وتزويرها والادعاء بأنها من عند الله عز وجل أمر خطير، ينتج عنه انحراف في العقيدة والشريعة والأخلاق، لأن تلك الأسفار هي المصدر لكل ذلك، وهذا ما حدث لليهود -لعنهم الله- حينما تجرأ بعض أحبارهم وخبثائهم في ارتكاب جريمة تحريف ا لتوراة وأسفار أنبياء بني إسرائيل، وتزوير التلمود والكتب ، والادعاء بأنها من وحي الله عز وجل ، فقد نتج عنه انحراف أتباع التوراة والديانة اليهودية في عقيدتهم وشريعتهم وأخلاقهم ، وسوف نستعرض من خلال القرآن الكريم -الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه- ومن خلال الأسفار المقدسة عند اليهود بعض انحرافاتهم وضلالاتهم.
المطلب الأول : انحرافهم في الإيمان بالله عز وجل
1 - زعموا أن (عزير) ابن الله، وردّ الله عليهم بقوله عز وجل : ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنّىَ يُؤْفَكُونَ) .
2 - تشبيه الله عز وجل بصفات خلقه: ورد في التوراة المحرفة أن بني إسرائيل رأوا إلـه إسرائيل وتحت رجليه حجر من العقيق الأزرق .
وفي سفر دانيال 7/9،10 أن إلههم في صورة آدمي وأنه شيخ، أبيض الرأس واللحية -نعوذ بالله من هذا الكفر- وقد قال الله عز وجل عن نفسه تبارك وتعالى : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السّمِيعُ الْبَصِيرُ ) .
3 - وصف الله عز وجل بصفات العيب والنقائص: ورد في أسفار التوراة المحرفة أن الله تعالى تعب لما خلق السماوات والأرض في ستة أيام واحتاج إلى الراحة ( فأكملت السماوات والأرض وكل جندها وفرغ الرب في اليوم السابع من عمله الذي عمل ، فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل ) ، فردّ الله عليهم بقوله عز وجل: ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتةِ أَيّامٍ وَمَا مَسّنَا مِن لّغُوبٍ ) .
- وزعموا أن يد الله مغلولة فرد عليهم الله عز وجل بقوله: ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ... ) .
- وزعموا أن إلههم يندم ويحزن ، وينسى ويتذكر ، ويجهل كل ذلك في توراتهم المحرفة والعياذ بالله .
- ورد في تلمودهم أن إلههم يلعب مع الحوت الذي خلقه، ويبكي حتى تسقط دموعه حزناً على ما فعله بأبنائه اليهود، وأنه يكفر عن ذنوبه وأيمانه -تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً-.
4- يصفون إلههم بالعنصرية وأنه إله بني إسرائيل فقط .
المطلب الثاني : انحرافهم في الإيمان بالنبوة والأنبياء
1- إضطراب مفهوم النبوة في أسفارهم المحرفة وغموضه، فلفظة (النبي) تطلق في أسفارهم على النبي الصادق المرسل من الله ، وعلى النبي الكاذب، وعلى كهنة الهيكل ، وعلى العالِمْ الحبْر ، وعلى الساحر والمنجم، وعلى كهنة الآلهة الوثنية.
2- اختلاط مفهوم النبوة والوحي عندهم بالكهانة والتنجيم والسحر والرؤيا والخيالات.
3- يجعلون بعض النساء أنبياء، كمريم أخت موسى وخلدة ورفقة وغيرهن .
4- يتهمون بعض أنبيائهم بارتكاب الكبائر من الذنوب كالزنا والقتل والشرك بالله .
5- يكفرون ببعض الأنبيـاء ويقتلـون البعض الآخر، قال الله عز وجل: ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىَ الْكِتَابَ وَقَفّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيّنَاتِ وَأَيّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَىَ أَنْفُسُكُمْ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ ) .
6- إنكارهم نبوة ورسالة نبينا محمد مع أنهم يعرفون نبوته وصدقه كما يعرفون أبناءهم. قال تعالى: ( الّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنّ فَرِيقاً مّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) .
المطلب الثالث ً: انحرافهم في الإيمان بالتوراة وكتب الله المنزلة على أنبيائه الكرام
حينما تجرأ اليهود على تحريف التوراة وغيرها من الكتب السماوية فقدت قدسيتها في نفوسهم واستهانوا بها وأصبحوا كما قال عز وجل عنهم: ( اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابَاً مِنْ دُونِ الله المَسِيحَ ابنَ مَرْيَم وَمَا أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمّا يُشْرِكُون الآية).
وقال تعالى : ( مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لم يحَمِلُوهَا كَمَثَلِ الحِمَارِ يحَمِلُ أَسْفاراً بِئسَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ الله والله لا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالمِينَ ).
وكانوا كما أخبر النبي : (( إن بني إسرائيل كتبوا كتاباً فاتبعوه وتركوا التوراة )).
المطلب الرابع : انحرافهم في الإيمان بالملائكة
يحقدون على الملائكة ويزعمون أن جبريل وميكائيل من أعدائهم قال الله عـز وجـل: ( مَن كَانَ عَدُوّاً للّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنّ اللّهَ عَدُوّ لّلْكَافِرِينَ ) .
قال الإمام أبو جعفر بن جرير الطبري -رحمه الله : أجمع أهل العلم بالتأويل جميعاً أن هذه الآية نزلت جواباً لليهود من بني إسرائيل، إذ زعموا أن جبريل عدوٌ لهم وأن ميكائيل ولي لهم.
وعن أنس رضي الله عنه (أن عبد الله بن سلام رضي الله عنه بلغه مقدم النبي المدينة، فأتاه يسأله عن أشياء فقال: إني أسألك عن أشياء لا يعلمهن إلا نبي، ما أول أشراط الساعة، وما أول طعام يأكله أهل الجنة، وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه؟ قال : أخبرني به جبريل آنفاً. قال ابن سلام: ذاك عدو اليهود من الملائكة. قال : ...الحديث) .
المطلب الخامس: انحرافهم في الإيمان باليوم الآخر
1- تنكر بعض فرق اليهود كالصدوقيين قيام الأموات وتعتقد أن العقاب والثواب يحصلان في الدنيا، وبعض فرقهم تعتقد أن اليوم الآخر هو ظهور المسيح المنتظر وإقامة مملكة اليهود العالمية في الدنيا.
2- من يؤمن من اليهود باليوم الآخر فإن إيمانه لا يخلو من انحراف كما أخبرنا القرآن الكريم فقال عز وجل: ( وَقَالُواْ لَن تَمَسّنَا النّارُ إِلاّ أَيّاماً مّعْدُودَةً قُلْ أَتّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ بَلَىَ مَن كَسَبَ سَيّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـَئَتُهُ فَأُوْلَـَئِكَ أَصْحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ وَالّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ أُولَـَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) .
وعن أبي هريرة أنه قال: لما فُتحت خيبر أهديت لرسول الله شاةٌ فيها سُم، فقال رسول الله : (( اجمعوا لي من كان هاهنا من اليهود )) ، فجمعوا له، فقال لهم رسول الله : (( إني أسألكم عن شيء فهل أنتم صادقوني عنه )) ؟ فقالوا: نعم يا أبا القاسم. فقال لهم رسول الله : (( من أبوكم )) ؟ قالوا: أبونا فلان. فقال رسول الله : (( كذبتم، بل أبوكم فلان )) . فقالوا: صدقت وبررت، فقال: (( هل أنتم صادقوني عن شيء إن سألتكم عنه )) ؟ فقالوا : نعم يا أبا القاسم، وإن كذبناك عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا. قال لهم رسول الله : (( من أهل النار )) ؟ فقالوا : نكون فيها يسيراً ثم تخلفوننا فيها، فقال لهم رسول الله : (( اخسئوا فيها، والله لا نخلفكم فيها أبداً )) ، ثم قال لهم : (( هل أنتم صادقوني عن شيء إن سألتكم عنه )) ؟ قالوا : نعم . فقال : (( هل جعلتم في هذه الشاة سُمّاً )) ؟ فقالوا : نعم . فقال : (( ما حملكم على ذلك )) ؟ فقالوا : أردنا إن كنت كاذباً نستريح منك ، وإن كنت نبياً لم يضرك .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إن اليهود كانوا يقولون: هذه الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنما نعذب بكل ألف سنة يوماً في النار، وإنما سبعة أيام فنزلت: وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة... الآية .
ويرى الحاخامات أن الجحيم له أبواب ثلاثة ، باب في البرية ، وباب في البحر ، وباب في أورشليم .
ومن تعاليم التلمود أيضاً أن نار جهنم لا سلطان لها على مذنبي بني إسرائيل ، ولا سلطان لها على تلامذة الحكماء ( الحاخامات ) .
3- تحريفهم التوراة وغيرها من كتب الله المنزلة على أنبيائه في إخفاء وحذف نصوص إثبات اليوم الآخر فيها، فإن أسفارهم المقدسة لديهم تكاد تكون خالية منها.
وقال تعالى: ( وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنّةَ إِلاّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىَ تِلْكَ أَمَانِيّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) .
4- أما تلمودهم فتبدو العنصرية واضحة في أن الجنة لليهود فقط دون غيرهم وأن حاخاماتهم يدخلونها.
5 - أما مسألة الجنة ، فقد قال أحد الحاخامات : الجنة ليست مثل هذه الأرض ، لأنه لا أكل فيها ولا شرف ولا زوج ولا تناسل ولا تجارة ولا حقد ولا ضغينة ولا حسد بين النفوس ، بل الصالح سوف يجلس وعلى رأسه تاج وسيتمتع برونق السكينة .
ويتناقض هذا مع ما ورد في التلمود أيضاً : أن مأكل المؤمنين في النعيم هو لحم زوجة الحوت المملحة التي قتلها إلههم ، ويقدم لهم أيضاً على المائدة لحم ثور بري كبير جداً ، كان يتغذى بالعشب الذي ينبت في مائة جبل ، ويأكلون أيضاً لحم طير كبير لذي الطعم جداً ، ولحم إوز سمين للغاية ، أما الشراب فهو من النبيذ اللذيذ القديم المعصور ثاني يوم خليقة العالم .