قال الله – تعالى : " وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ " ( سورة البقرة ، الآية 145 )
قال الإمام الشوكاني في تفسيره " فتح القدير " :
" فيه من التهديد العظيم ، و الزجر البليغ ما تقشعرّ له الجلود ، و ترجف منه الأفئدة .
و إذا كان الميل إلى أهوية المخالفين لهذه الشريعة الغراء ، و الملة الشريفة من رسول الله - صلى الله عليه و سلم - الذي هو سيد ولد آدم يوجب عليه أن يكون – و حاشاه - من الظالمين ، فما ظنك بغيره من أمته .
و قد صان الله هذه الفرقة الإسلامية بعد ثبوت قدم الإسلام ، و ارتفاع مناره عن أن يميلوا إلى شيء من هوى أهل الكتاب ، و لم تبق إلا دسيسة شيطانية ، و وسيلة طاغوتية ، و هي ميل بعض من تحمل حجج الله إلى هوى بعض طوائف المبتدعة ؛ لما يرجوه من الحطام العاجل من أيديهم ، أو الجاه لديهم إن كان لهم في الناس دولة ، أو كانوا من ذوي الصولة .
و هذا الميل ليس بدون ذلك الميل ، بل اتباع أهوية المبتدعة تشبه اتباع أهوية أهل الكتاب ، كما يشبه الماء الماء ، و البيضة البيضة ، و التمرة التمرة .
و قد تكون مفسدة اتباع أهوية المبتدعة أشدّ على هذه الملة من مفسدة اتباع أهوية أهل الملل ؛ فإن المبتدعة ينتمون إلى الإسلام ، و يظهرون للناس أنهم ينصرون الدين ، و يتبعون أحسنه ، و هم على العكس من ذلك ، و الضدّ لما هنالك ، فلا يزالون ينقلون من يميل إلى أهويتهم من بدعة إلى بدعة ، و يدفعونه من شنعة إلى شنعة ، حتى يسلخوه من الدين ، و يخرجوه منه ، و هو يظنّ أنه منه في الصميم ، و أن الصراط الذي هو عليه هو الصراط المستقيم ، هذا إن كان في عداد المقصرين ، و من جملة الجاهلين .
و إن كان من أهل العلم و الفهم المميزين بين الحق و الباطل ، كان في اتباعه لأهويتهم ممن أضله الله على علم ، و ختم على قلبه ، و صار نقمة على عباد الله ، و مصيبة صبها الله على المقصرين ؛ لأنهم يعتقدون أنه في علمه و فهمه لا يميل إلا إلى حق ، و لا يتبع إلا الصواب ، فيضلون بضلاله ، فيكون عليه إثمه ، و إثم من اقتدى به إلى يوم القيامة .
نسأل الله اللطف ، والسلامة ، و الهداية . "