وصايا إلى أبنائنا من أهل الحديث والأثر.
الحمد لله وكفى والصّلاة والسلام على المصطفى، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
أما بعد:
إنّ حربَ أهلِ الحديث الشريفة على عقيدة الغلو وأصحابها الذين ضيّقوا الواسع، واختزلوا الفسيح، وطعنوا في العلماء وتلامذتهم، وجعلوا سَعة الإسلام قطرة ماء؛ طهارةٌ للأرض من الفساد، ومسلك شرعي لجمع كلمة المسلمين على الحق، وسبيل من سبل البر والتقرب من الله.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في "الحث على اجتماع كلمة المسلمين" (ص10): (ومن أعظمِ البرِّ السَّعي في جمعِ كلمةِ المسلمينَ، واتفاقِهم بكلِّ طريقٍ، كما أنَّ السَّعيَ في تفريقِ كلمةِ المسلمينَ من أعظمِ التعاونِ على الإثمِ والعدوانِ)اهـ.
وهذه المساجلات العلمية مع دعاة الغلو لا ينبغي أن يفهمَ منها بعضُ أبنائنا غفر الله لهم أنها رخصة مفتوحة لمجالسة رؤوس أهل البدع والمأفونين من أتباعهم الذين ينشرون البغضاء والقطيعة بين أبناء الأمة، وفسحة في التساهل على باطلهم
فهذا فهم منهم خاطئ، واستنتاج ساقط، عليهم أن يتنزهوا عنه ويستغفروا الله منه
وليحذر أبناؤنا رعاهم الله من شرّ أهل الباطل أن يقعوا فريسة في شباك أهل الأهواء فيفسدوا عليهم دينهم وفطرتهم، فإن أهل البدع إذا شعروا أنهم تمكنوا من عقول أبنائنا استهلكوهم في نشر الخلاف بين العاملين في حقل الدعوة إلى الله، فإننا لاحظنا في الآونة الأخيرة أنّ الإخوان المفلسين، والمتظاهرين بالتوبة من الخوارج الذين نزلوا من الجبال، والمناصرين لمذهبهم من القعدية، والروافض، والقصاص، والحزبيين، والسروريين، قد اختلسوا قطعة من أبناء المسلمين المبتدئين في الاستقامة وضموها إلى حقلهم العفن، وهم الآن جاهدون في حشوهم بأفكارهم المريبة، وعقائدهم الباطلة، وشبههم الخاطفة لاستعمالهم في ضرب أهل الحق، ونشر الفتن والخلاف بينهم
وبهذا يكون أهل الأهواء قد ضربوا عصفورين بحجر كما يقولون من غير أن يصيبهم أذى أو يصلهم نقد تهتز منه نحلتهم، بل هم بمأمن عن أعين الناس، متظاهرين بسلامة الصدر والفقه في الدين وبعد النظر والاهتمام بكبرى قضايا الأمة، والمشاركة في بناء الوطن بالأفكار والنظريات الحضرية زعموا، وتجسيد مبادئ الحوار بين الأديان والحضارات، وغيرها من الشعارات التي يتسترون من وراءها،
وفي المضمار نفسه يعملون في سرية تامة لإعادة ترتيب أحزابهم من الداخل، وتمكين أفرادهم من المناصب الهامة في الدولة، وينشرون بين العامة والخاصة أن منهج السلف الذي يسمونه بالتيّار البدوي ذي الصبغة الطائفية
كما قال أحدهم عامله الله بما يستحق قد أثقل ظهر الأمة بالخلاف، وغرق في قضايا هامشية لا تخدم الأمة، وأفراده كالفخار يكسر بعضه بعضا، والأكاديميين منهم صاروا مطوقين بحبل الإحسان يسوقهم شباب مبتدأ إلى سراب بقيعة، فلم يسلم من طوق الشباب المتهور إلا من كان مربوطا بالله ثم بكبار أهل العلم في العصر الحديث، وغيرها من الأقاويل التي يطلقها أهل الأهواء في أوساط الأمة لضرب منهج أهل الحديث من الداخل وبأيد أبنائه والله المستعان.
إن القطعة المغصوبة أو المختلسة التي روضها أهل الأهواء للتشويش على أهل الحديث ثم وضعوها في الواجهة متزينة بمظهر أهل السنة والجماعة؛ هي التي الآن تجسد أفكار الفرق الضالة في قلب الأمة وترسم خريطتهم في نشر الفرقة دون أن تشعر، وهي التي تقوم بعمل الفرق الضالة دون راتب، لأنها قطعة مبتدئة في الاستقامة، ولم تروض في حلق أهل العلم
ولهذا استطاع أهل الأهواء بسهولة تجنيدها لخدمة مشروعهم الخرافي، وتزين الباطل لها في صورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، [أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ]، وأشعروهم أن نشاطهم المتضمن لإبعاد بعض مشايخ أهل الحديث عن حقل الدعوة إلى الله، والطعن فيهم بكل ما يجدونه بين أيديهم ولو كان صادرا من جعبة الروافض هو حماية لمنهج السّلف من المتعالمين والمتشددين، والمتصدرين! وغيرها من الأوهام والهالات التي استطاع رؤوس الفرق الضالة من وراء الستار أن يحوّلوها إلى حقائق ملموسة في منظور هذه القطعة المغصوبة، والله المستعان.
أخرج عبد الرزاق في المصنف بإسناد صحيح قال أبو العالية الرياحي رحمه الله: (إيَّاكُم وهذِهِ الأَهْواءُ الّتي تُلقي بين النَّاسِ العَدَاوة والبَغْضَاء).
وقال الشاطبي رحمه الله في الاعتصام: (وقد حذر العلماء من مصاحبتهم ومجالستهم، [يعني أهل البدع] وذلك مظنة إلقاء العداوة والبغضاء). اهـ
قلت: صدقا رحمهما الله؛ أ لا فليحذر أبناؤنا من أن يكونوا معاول هدم يستعملهم أهل الباطل لنشر الشّر بين أهل الحديث، وإياهم من الركون إلى المبتدعة والمنافقين وأهل الأهواء حتى ولو جاءوهم في صورة الناصحين المشفقين عليهم
قال تعالى: [وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ]
ولو جاء أهل الأهواء بالأيمان المغلظة فلا ينبغي لأبنائنا أن يصدقوا كلامهم، وينشروا طعناتهم في أهل الحديث لأنهم مخروموا العدالة، ويسيرون على منهج أبي مرة اللعين في بذر العداوة بين الناس، قال تعالى: [وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ]، وإياهم من الاستبشار بحديثهم فهم شر عليهم ولو قرؤوا عليهم القرآن.
قال ابن بطة رحمه الله في الإبانة الكبرى: (فالله الله، معشر المسلمين، لا يحملنّ أحداً منكم حسنُ ظنّه بنفسه، وما عهده من معرفته بصحة مذهبه على المخاطرة بدينه في مجالسة بعض أهل هذه الأهواء، فيقول: أداخله لأناظره، أو لأستخرج منه مذهبه، فإنهم أشد فتنة من الدَّجال، وكلامهم ألصق من الجرب، وأحرق للقلوب من اللَّهب).
إنّ كُلاً من الغلوّ الذي سلكته فرقة الحدادية، وغلاة الفرق الضالة من الصوفية القبورية، والخوارج وغيرهم، ومنهج المميعة من أهل البدع المنتهي إلى تجريد الإسلام من أصوله ومعالمه الواضحة ضلالٌ وتهلكةٌ للمسلم، وبعد عن الإسلام الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ورضيه الربّ للخلق دينا؛ قال تعالى: [وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ]، والسلامة في سلوك الطّريق الوسط الذي كان عليه السلف الأخيار، [وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا]
ومن ذلك قوله تعالى: [قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ]
قال ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، ومحمد بن ربيع، والربيع بن أنس، والضحاك، وقتادة: أي أعدلهم وخيرهم. [انظر: تفسير بن كثير (14/96ط/ مكتبة أولاد الشيخ)].
وقال العلامة عبد الرحمن السّعدي في تفسيره (ص1044): ([قَالَ أَوْسَطُهُمْ]؛ أي: أعدَلُهم وأحسنهم طريقة).
فمنهج أهل الحديث والأثر حسنة بين سيئتين، ونهر بين جبلين، ولهذا نجد الإسلام الحنيف يحذر من المصير إلى أحد الانحرافين: الغلو أو التقصير، يقول تعالى: [اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيم َصِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ].
قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين: (مَا أمر اللهُ بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان، إما إلى تفريطٍ وإضاعةٍ، وإما إلى إفراطٍ وغُلوٍ، ودينُ الله وسطٌ بين الجافي عنه والغالي فيه، كالوادي بين جبلين، والهدى بين ضلالتين، والوسط بين طرفين ذميمين، كما أن الجافي عن الأمر مضيع له، فالغالي فيه مضيع له، هذا بتقصيره عن الحد، وهذا بتجاوزه الحد).
فصل:
بما يصير الرجل مبتدعا؟.
بما يصير الرجل مبتدعا؟.
أخرج الإمام البخاري في صحيحه (برقم2641) من طريق الزهري قال: حدثني حميد بن عبد الرحمن بن عوف: أن عبد الله بن عتبة قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: (إنّ أُناسا كانوا يُؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيرا أمنّاه وقرّبناه، وليس لنا من سريرته شيء، الله يحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوءا لم نأمّنه ولم نصدّقه، وإن قال: إنّ سريرته حسنة).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (24 /172): (من خالف الكتاب المستبين، والسنّة المستفيضة، أو ما أجمع عليه سلف الأمة خلافاً لا يعذر فيه، فهذا يعامل بما يعامل به أهل البدع).اهـ
وقال كذلك رحمه الله في مجموع الفتاوى (35 /414): (وَالبدعَة الَّتِي يُعَدُّ بِهَا الرَّجلُ مِن أَهلِ الأهوَاء: مَا اشتَهر عِندَ أَهلِ الْعِلْمِ بِالسُّنَّةِ مُخَالَفَتُهَا لِلكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، كَبدعَةِ الْخَوَارِجِ، وَالرَّوافِضِ، وَالقَدَرِيَّةِ، وَالمرجِئَةِ، فَإِنَّ عبد اللَّهِ بنَ الْمُبَارَكِ، وَيوسفَ بنَ أَسْبَاطٍ، وَغَيْرَهُمَا قَالُوا: أُصُولُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً هِيَ أَرْبَعٌ: الْخَوَارِج، وَالرَّوَافِض، وَالْقَدَرِيَّة، وَالْمُرْجِئَة)اهـ.
وقال كذلك رحمه الله في الاستقامة (ج2 ص224): (ولهذا كان من خرج عن موجب الكتاب والسنة من المنسوبين إلى العلماء والعبَّاد يُجعل من أهل الأهواء، كما كان السلف يسمُّونهم أهل الأهواء. وذلك أن كل من لم يتّبع العلم فقد اتّبع هواه، والعلم بالدين لا يكون إلا بهدى الله الذي بعث به رسوله صلى الله عليه وسلم).اهـ
إن الإخوان المفلسين، والخوارج الجدد، والروافض، والأحباش، وغلاة الصوفية، والسروريين أتباع سرور زين العابدين، والعقلانيين من المعتزلة الجدد بقيادة محمد الغزالي المصري، ودعاة وحدة الأديان، ودعاة تجديد أصول الإسلام بقيادة حسن الترابي السوداني، والليبراليين، ودعاة والسِّلم مع الجميع بقيادة الدكتور خالص جلبي السوري والمقيم بالسعودية الذي كان في بداية حياته بسورية على منهج الخوارج ثم لما رأى هذا المذهب لا يحقق مطامعه الدنياوية بالسعودية قفز إلى نقيضه وهو منهج السّلم مع الجميع، ومن أبرز أفكار هذا المنهج:
1=احترام وجهات النظر والرأي الآخر مهما كان.
2=حرية الإنسان في الدعوة إلى ما يعتقده في كل مكان.
3=حرية الإنسان في التنقل بين العقائد والأديان.
4=إلغاء حد الردّة الذي يعارض حرية التنقل بين الأديان.
5=أن الحقيقة المطلقة لا يملكها أحد من البشر!!.
ودعاة الطائفة العصرانية التي تعود قديما إلى رؤوس أهل الاعتزال، وأما حديثا فتعود جذورها إلى مدرسة جمال الدين الإيراني الشيعي المسوني لا الأفغاني، ومحمد عبده الثوري الخارجي لأنه شارك في ثورة أحمد عرابي، وعبد الله نديم حاملي فكر جمال الدين الإيراني ضد حاكم مصر المسلم، ثم صار من دعاة العصرانية بعد فشله في ثورته ودخوله السجن وطرده من مصر. ورموز هذه الطائفة في الساحة الدعوية؛ محمود شلتوت، محمد عمارة، فهمي هويدي، أحمد كمال أبو المجد، محمد سليم العوا....وغيرهم كثير؛ كل هؤلاء خالفوا الكتاب المستبين والسنة المستفيضة؛ فهم مبتدعة ضلال لا يجوز لأبنائنا أن يجالسوهم أو يطرقوا لهم سمعهم، أو يقرؤوا كتبهم، أو أن يأخذوا عنهم العلم، ولا أن يتتلمذوا على أيديهم، نهيك أن يرفعوا من مكانتهم، ويقدموا المتأثرين بفكرهم على أهل الحديث في الندوات والملتقيات والله المستعان!!.
فصل:
منهج أهل البدع المشار إليه سابقا ولد في صفوف الأمة خصوماتٍ وبدعا، وفتح الباب لأهل الفتن والكفار للعبث بمكاسب الأمة.
منهج أهل البدع المشار إليه سابقا ولد في صفوف الأمة خصوماتٍ وبدعا، وفتح الباب لأهل الفتن والكفار للعبث بمكاسب الأمة.
إن أهل الأهواء والمبتدعة استطاعوا عن طريق القطعة المغصوبة من شبابنا أن يحدثوا بين أصحاب المنهج الواحد خصومات عفنة وقذرة عادت على المسيرة في الدعوة إلى الله بالضرر
وسبب هذا الضرر الجدل العقيم الذي فشا بين شبابنا حين غيبوا منهج أهل الحديث في الحوار والنقاش، والخلاف المفتعل الذي رفعت رايته زورا على رؤوس الأشهاد، وشقت به عصا أصحاب المنهج الواحد لا لنصرة الحق وقمع الباطل وإزاحته من الساحة، ولكن إشباعا لرغبات النفس الأمارة بالسوء، وإظهارا لنظرية الاستعلاء والتميز بالمقامات والرتب.
إن الخلاف الذي يذكي ناره أهل البدع أثاره سيئة على وحدة الأمة، وسلامة الكلمة، وهو عامل -ولو كان صغيرا لا يُتفطن له- في تسلط الأعداء وأهل الإلحاد على رقاب أهل الحق وما العراق عنا ببعيد.
قال ابن تيمية رحمه الله بعد ما بين أن أهل البدع قد يخفى أمرهم على كثير من أهل الجهالات في منهاج السنة (1/6-7): (والرافضة والجهمية هم الباب لهؤلاء الملحدين، منهم يدخلون إلى سائر أصناف الإلحاد في أسماء الله وآيات كتابه المبين...).
وقال كذلك رحمه الله بعدما تكلم على شرور أهل البدع في منهاج السنة (1/10-11)، وانظر التسعينية (1/231-232): (فملاحدة الإسماعيلية والنُصيرية وغيرهم من الباطنية المنافقين من بابهم [أي من باب أهل البدع] دخلوا، وأعداء المسلمين من المشركين، وأهل الكتاب بطريقهم وصلوا، واستولوا بهم على بلاد المسلمين، وسبوا الحريم، وأخذوا الأموال، وسفكوا الدم الحرام، وجرى على الأمة بمعاونتهم من فساد الدين والدنيا ما لا يعلمه إلا رب العالمين).
وقال ابن تيمية رحمه الله كذلك في مختصر الفتاوى المصرية (1/120): (.. وبلاد الشرق من أسباب تسليط الله عليهم التُّرك: كثرة التفرق والفتن بينهم في المذاهب، وكل ذلك من الاختلاف الذي ذَمّهُ الله، فإنّ الاعتصام بالجماعة والائتلاف من أصول الدّين، والواجب على الخلق: اتبّاع المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى: [فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا]. فعلى أقواله وأحواله وأفعاله توزن جميع الأحوال والأقوال والأفعال).
إن الظلام الدامس الذي نعاني منه، ونتجرع مرارة السير في دلجته ناجم عن جهلنا بمنهج أهل الحديث والأثر، ولهذا سقطنا في بؤر الخلاف والشقاق نمسي عليه ونصبح، فحياتنا في كسوف دائم ما لم نعد بصدق وإخلاص إلى نبراس الوحي الذي جاء به نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهُ اللهُ في مجموع الفتاوى (17/310): (فإذا انقطع عن الناسِ نور النبوة وقعوا في ظلمة الفتن، وحدثت البدع والفجور، ووقع الشر بينهم).