دفع شبهة المجون في نونية بن القيم
كتبها
زكي التلمساني
في 22 نوفمبر 2007 الساعة: 12:29 م
فصلٌ : في بيانِ أنْ لا حُجَّة لأهل المُجُون في التشبثِّ بنونية بن القيم
واعجبا لِمن يُمثِّل أو يُمهِّدُ لمجونه بالكافية الشافية لابن القيم في فصلِ وصفه لنساء أهل الجنة ويضَعُه بمحاداته…
فشتَّان بين البعرة و البعير، و شتَّان بين عالم و ماجن، فما بينهما كما بين السماء و الأرض.
فهذه بضع سطور لكسر منجنيقهم الذي نصبوه لضرب معاقل العِفَّة و أهلها، و نسفا لحججهم الواهية، و دفاعا عن الأعلام، فإنَّهم منهم برآء..
أقول
و الجواب على مثل هذه الشبهة من وجهين:
- أما الوجه الأول،
فبالنظر للنونية ذاتها و ما حَوَت :
1- أن موضوعُ النونية فجاء في عقيدة و منهج أهل السنة و الجماعة، و قد أفاض بن القيم في ذلك و أتى بزبدة معتقدهم في أحسن عبارة، و من جملة ما تَذْكُرُهُ كتبُ العقيدة الجنة و أوصافها و ما فيها
فذكر رحمه الله ممَّا ذكر نساء الجنة، فهو لم يتقصدهن بالتأليف و القريض، إنما خطا منهج السابقين المَرْضِيِين، أما أصحاب المجون فيأَلِّفون الدواوين في وصف نساء الدنيا، و قلوبهم خاوية من عقيدة مستقيمة، و أشعارهم ملأى بالأوصاف المشينة و الأخلاق الذميمة، ثم يتبجحوا ليترخصوا بأقوال الفضلا
إما تأويلا لكلامهم أو حملا له على ما لا يحتمل أو تتبعا لعثراتهم.. فيا ليتهم أخذوا العقيدة و المنهج و الأخلاق منه و وصفوا ما وصف.. ( مع التأكيد كما سيأتي أنه وصف نساء الجنة و هم يصفون نساء الدنيا، و فرق بين الأمرين).
2- أن وصف نساء الجنة له أصل ثابت في الآيات القرآنية و السنن النبوية و الآثار السلفية، : "فيهن قاصرات الطرف" ، "حور مقصورات في الخيام" ، "ولهم فيها أزواج مطهرة" "كواعب أترابا"
و في السنة منه كثير، و في آثار الصحابة أكثر،
أما نساء أهل الدنيا فما وُصِفن وصفا حسيا يحمل معاني التشويق بمثل ما وُصِفت به نساء الجنة، إنَّما حُفظن بأوثق الحصون، فضُرِبَ الحجاب عنهنَّ، و أُمِرَت الأعين أن تغضَّ طرفها
و كذا الحال مع الخمر فهي حرام ممقوتة في الدنيا، حلال موصوفة في الجنة بأحلى الأوصاف " “ذَّة للشاربين"..
و من هنا يتبين أنه لا قياس مع وجود هذا الفارق الشاسع، و لا قياس مع النص المخالف، و لا قياس على أقوال الرجال و فيهم من يخالفهم..
أما عن الحكمة
فيقال أن وصف الثواب الأخروي واقع في القرءان بكثرة، و هو يقتضي التشويق و الحضَّ على أخذ أسبابه المُوصلة إليه، فلو سأل سائل رجلا يصف نساء الجنة عن السبيل إليهن لقال له هو العمل الصالح، و هذا عين ما صنعه بن القيم.
3- أن وصف نساء الجنة ليس له سبيل إلا من جهة الأدلة السمعية، و لا طريق للعقل في إدراكه، و مُجمَلُ ما ذكره بن القيم إمَّا ورد في نص، أو إما ما اتفق عليه العقلاء من أوصاف الحسن و الجمال التي تهواها الطبيعة البشرية، و الله يقول:".. وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ .."
زِدْ عليه أنه وصفٌ لغير معيَّن، فلا يُخشى عليه، فهو غيبي، خلافا لنساء الدنيا، فما أيسر الوصول إليهن لمن حمل خطام التعويل.. و لو كان مشبِّبًا رحمه الله لما ذكر الخلاف بين الناس هل تحبل نساء أهل الجنة أم لا؟ في واحد و ثلاثين بيتا معدودة و ناقشها مناقشة فقهية، و هذا ما ليس عند المشببين بالحرام..
4- أن وَصْفَ بن القيم رحمه الله كما أسلفنا غايته التشويق لما عند الله في الدار الآخرة و التزود له بالعمل الصالح، أما أهل المجون فيدندون حول الحب الزائغ و الهوى المحرم و عشق الصور، و كل ذلك لهو و لعب، و هذا ما يرفضه رحمه الله في كتبه و أسهب في الرد عليه، فإذن لا وفاق بين المنهجين و لا اتفاق، إنما هو تدابر لا التقاء، و اختلاف لا ائتلاف..
5- أنَّ بن القيم ذاتَهُ أقرَّ مِنْ أنَّه استرسل في وصفهن، فاستغفر بقوله:
“ يا ربُّ غفرا قد طغت أقلامنا *** يا رب معذرة من الطغيان.
قال فضيلة العلامة الدكتور الشيخ صالح بن فوزان الفوزان تعليقا على البيت: "يعني أنه استرسل في هذه الأوصاف التي ذكرها، فهو يستغفر ربَّه من هذا الإسترسال".
أما الوجه الثاني، فبالنظر لشخص بن القيم و نشأته العلمية و بيئته:
1- ابن القيم إمام من أئمة “ الإسلام بشهادة الموافق و المخالف، و عَلَمٌ من الأعلام الكبار، قد نفع الله بكتبه خلقا كبيرا، و اهتدى بها أقوام كانوا منارات في البدع ثمَّ صاروا على خير و سُنَّة، و نقول فيه ما كان هو يقوله في شيخه إذا خالفه:" شيخ الإسلام حبيبنا و الحق أحب إلينا منه"
فنقول على نسقه:" ابن القيم حبيبنا و الحق أحب إلينا منه"، فما كان سمعيا محضا لا ينبغي تعديه بأوصاف أخرى.. و لا بُدَّ أن يكون لكل عالم عثرات من مقتضيات البشرية التي تأبى العصمة إلا لمن شاء الله، فنقبل ما جاء من حق و نَرُدُّ ما خالفه و نحفظ كرامته، و نرفع الملام عن الأئمة الأعلام، فمِثْل شمس الدين شمس على الحقيقة شرقت أم غربت..
2- تكلَّم بعضُ أهل العلم (كالشيخ سعد الحصين و أحسب كذلك شيخ الإسلام بكر بن عبد الله أبو زيد حفظه الله) عن أمور عَلِقَت في بن القيم بعد تركه للتصوف الذي كان عليه في بداية أمره، و بقي بعض أثره، و هو من قبيل ما يمر على الغربال من الأشياء الدقيقة، و لكنها بحمد الله قليلة، و قد استفاد رحمه الله من طريقته الأولى فيما يخص الجانب السلوكي التربوي الصوفي، و بيّن أنَّ أصوله سُنيَّة..
فينبغي على الدارسين لمواقفه أن يتنبهوا للتسلسل الزمني لكتبه، فمنها ما كان في الأول و منها ما كان زمن ملازمته لشيخ الإسلام و منها ما كان بعد موت شيخه، و الأظهر أن كتاب روضة المحبين مثلا كان في أول أمره، و لعله لم يقدر أن يتدارك بعض ما فيه من بعد..
3- دندن بن القيم كثيرا حول مسألة السماع و التي التبس بها كثير من أهل زمانه، خاصة الفقهاء المتصوفة، و قد ردّ عليهم في غير ما كتاب كإغاثة اللهفان .. و السماع لم يكن يخلو من غزل و تشبيب بما لم يحله الله من نسوان و غلمان، و كان جائزا في نحلتهم، كما صرح أبو حامد الغزالي في حق التشبيب بالنساء، فأراد بن القيم صرف النفوس و الهمم إلى ما هو أولى و أغلى، و النفس إن لم تشغلها بالطاعة و تُطَمِّعْهَا في الغالي، شغلتك بالمعصية و أقعدتك بجنب الدنيء الخسيس.
هذا ما يسّره الله لي ليلة الرابع عشر من شهر ذي الحجة.
كتبها
زكي التلمساني
في 22 نوفمبر 2007 الساعة: 12:29 م
فصلٌ : في بيانِ أنْ لا حُجَّة لأهل المُجُون في التشبثِّ بنونية بن القيم
واعجبا لِمن يُمثِّل أو يُمهِّدُ لمجونه بالكافية الشافية لابن القيم في فصلِ وصفه لنساء أهل الجنة ويضَعُه بمحاداته…
فشتَّان بين البعرة و البعير، و شتَّان بين عالم و ماجن، فما بينهما كما بين السماء و الأرض.
فهذه بضع سطور لكسر منجنيقهم الذي نصبوه لضرب معاقل العِفَّة و أهلها، و نسفا لحججهم الواهية، و دفاعا عن الأعلام، فإنَّهم منهم برآء..
أقول
و الجواب على مثل هذه الشبهة من وجهين:
- أما الوجه الأول،
فبالنظر للنونية ذاتها و ما حَوَت :
1- أن موضوعُ النونية فجاء في عقيدة و منهج أهل السنة و الجماعة، و قد أفاض بن القيم في ذلك و أتى بزبدة معتقدهم في أحسن عبارة، و من جملة ما تَذْكُرُهُ كتبُ العقيدة الجنة و أوصافها و ما فيها
فذكر رحمه الله ممَّا ذكر نساء الجنة، فهو لم يتقصدهن بالتأليف و القريض، إنما خطا منهج السابقين المَرْضِيِين، أما أصحاب المجون فيأَلِّفون الدواوين في وصف نساء الدنيا، و قلوبهم خاوية من عقيدة مستقيمة، و أشعارهم ملأى بالأوصاف المشينة و الأخلاق الذميمة، ثم يتبجحوا ليترخصوا بأقوال الفضلا
إما تأويلا لكلامهم أو حملا له على ما لا يحتمل أو تتبعا لعثراتهم.. فيا ليتهم أخذوا العقيدة و المنهج و الأخلاق منه و وصفوا ما وصف.. ( مع التأكيد كما سيأتي أنه وصف نساء الجنة و هم يصفون نساء الدنيا، و فرق بين الأمرين).
2- أن وصف نساء الجنة له أصل ثابت في الآيات القرآنية و السنن النبوية و الآثار السلفية، : "فيهن قاصرات الطرف" ، "حور مقصورات في الخيام" ، "ولهم فيها أزواج مطهرة" "كواعب أترابا"
و في السنة منه كثير، و في آثار الصحابة أكثر،
أما نساء أهل الدنيا فما وُصِفن وصفا حسيا يحمل معاني التشويق بمثل ما وُصِفت به نساء الجنة، إنَّما حُفظن بأوثق الحصون، فضُرِبَ الحجاب عنهنَّ، و أُمِرَت الأعين أن تغضَّ طرفها
و كذا الحال مع الخمر فهي حرام ممقوتة في الدنيا، حلال موصوفة في الجنة بأحلى الأوصاف " “ذَّة للشاربين"..
و من هنا يتبين أنه لا قياس مع وجود هذا الفارق الشاسع، و لا قياس مع النص المخالف، و لا قياس على أقوال الرجال و فيهم من يخالفهم..
أما عن الحكمة
فيقال أن وصف الثواب الأخروي واقع في القرءان بكثرة، و هو يقتضي التشويق و الحضَّ على أخذ أسبابه المُوصلة إليه، فلو سأل سائل رجلا يصف نساء الجنة عن السبيل إليهن لقال له هو العمل الصالح، و هذا عين ما صنعه بن القيم.
3- أن وصف نساء الجنة ليس له سبيل إلا من جهة الأدلة السمعية، و لا طريق للعقل في إدراكه، و مُجمَلُ ما ذكره بن القيم إمَّا ورد في نص، أو إما ما اتفق عليه العقلاء من أوصاف الحسن و الجمال التي تهواها الطبيعة البشرية، و الله يقول:".. وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ .."
زِدْ عليه أنه وصفٌ لغير معيَّن، فلا يُخشى عليه، فهو غيبي، خلافا لنساء الدنيا، فما أيسر الوصول إليهن لمن حمل خطام التعويل.. و لو كان مشبِّبًا رحمه الله لما ذكر الخلاف بين الناس هل تحبل نساء أهل الجنة أم لا؟ في واحد و ثلاثين بيتا معدودة و ناقشها مناقشة فقهية، و هذا ما ليس عند المشببين بالحرام..
4- أن وَصْفَ بن القيم رحمه الله كما أسلفنا غايته التشويق لما عند الله في الدار الآخرة و التزود له بالعمل الصالح، أما أهل المجون فيدندون حول الحب الزائغ و الهوى المحرم و عشق الصور، و كل ذلك لهو و لعب، و هذا ما يرفضه رحمه الله في كتبه و أسهب في الرد عليه، فإذن لا وفاق بين المنهجين و لا اتفاق، إنما هو تدابر لا التقاء، و اختلاف لا ائتلاف..
5- أنَّ بن القيم ذاتَهُ أقرَّ مِنْ أنَّه استرسل في وصفهن، فاستغفر بقوله:
“ يا ربُّ غفرا قد طغت أقلامنا *** يا رب معذرة من الطغيان.
قال فضيلة العلامة الدكتور الشيخ صالح بن فوزان الفوزان تعليقا على البيت: "يعني أنه استرسل في هذه الأوصاف التي ذكرها، فهو يستغفر ربَّه من هذا الإسترسال".
أما الوجه الثاني، فبالنظر لشخص بن القيم و نشأته العلمية و بيئته:
1- ابن القيم إمام من أئمة “ الإسلام بشهادة الموافق و المخالف، و عَلَمٌ من الأعلام الكبار، قد نفع الله بكتبه خلقا كبيرا، و اهتدى بها أقوام كانوا منارات في البدع ثمَّ صاروا على خير و سُنَّة، و نقول فيه ما كان هو يقوله في شيخه إذا خالفه:" شيخ الإسلام حبيبنا و الحق أحب إلينا منه"
فنقول على نسقه:" ابن القيم حبيبنا و الحق أحب إلينا منه"، فما كان سمعيا محضا لا ينبغي تعديه بأوصاف أخرى.. و لا بُدَّ أن يكون لكل عالم عثرات من مقتضيات البشرية التي تأبى العصمة إلا لمن شاء الله، فنقبل ما جاء من حق و نَرُدُّ ما خالفه و نحفظ كرامته، و نرفع الملام عن الأئمة الأعلام، فمِثْل شمس الدين شمس على الحقيقة شرقت أم غربت..
2- تكلَّم بعضُ أهل العلم (كالشيخ سعد الحصين و أحسب كذلك شيخ الإسلام بكر بن عبد الله أبو زيد حفظه الله) عن أمور عَلِقَت في بن القيم بعد تركه للتصوف الذي كان عليه في بداية أمره، و بقي بعض أثره، و هو من قبيل ما يمر على الغربال من الأشياء الدقيقة، و لكنها بحمد الله قليلة، و قد استفاد رحمه الله من طريقته الأولى فيما يخص الجانب السلوكي التربوي الصوفي، و بيّن أنَّ أصوله سُنيَّة..
فينبغي على الدارسين لمواقفه أن يتنبهوا للتسلسل الزمني لكتبه، فمنها ما كان في الأول و منها ما كان زمن ملازمته لشيخ الإسلام و منها ما كان بعد موت شيخه، و الأظهر أن كتاب روضة المحبين مثلا كان في أول أمره، و لعله لم يقدر أن يتدارك بعض ما فيه من بعد..
3- دندن بن القيم كثيرا حول مسألة السماع و التي التبس بها كثير من أهل زمانه، خاصة الفقهاء المتصوفة، و قد ردّ عليهم في غير ما كتاب كإغاثة اللهفان .. و السماع لم يكن يخلو من غزل و تشبيب بما لم يحله الله من نسوان و غلمان، و كان جائزا في نحلتهم، كما صرح أبو حامد الغزالي في حق التشبيب بالنساء، فأراد بن القيم صرف النفوس و الهمم إلى ما هو أولى و أغلى، و النفس إن لم تشغلها بالطاعة و تُطَمِّعْهَا في الغالي، شغلتك بالمعصية و أقعدتك بجنب الدنيء الخسيس.
هذا ما يسّره الله لي ليلة الرابع عشر من شهر ذي الحجة.
و كتبه
زكي التلمساني
تلمسان/ الجزائر
والنقل
لطفـــاً .. من هنـــــــــــــا
http://biopharm.maktoobblog.com/645578/%D8%AF%D9%81%D8%B9-%D8%B4%D8%A8%D9%87%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%88%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D9%86%D9%88%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%8A%D9%85/
زكي التلمساني
تلمسان/ الجزائر
والنقل
لطفـــاً .. من هنـــــــــــــا
http://biopharm.maktoobblog.com/645578/%D8%AF%D9%81%D8%B9-%D8%B4%D8%A8%D9%87%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%88%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D9%86%D9%88%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%8A%D9%85/