خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    الحجاب يسر

    avatar
    خالد بن إبراهيم الشرقاوي
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 77
    العمر : 55
    البلد : مصر
    العمل : مصر
    شكر : 0
    تاريخ التسجيل : 16/07/2009

    الملفات الصوتية الحجاب يسر

    مُساهمة من طرف خالد بن إبراهيم الشرقاوي 20.11.09 12:40

    " الحمد لله الذي يقبل اليسير من العمل ، و يغفر الكثير من الزلل ، الذي امتن علينا و تفضل ، و اختصنا بأيسر الملل ، و أنعم علينا بخير النِّحَل ، و هدانا لأسهل السبل ، و أرسل إلينا خاتم الرسل ، بعثه بكلامه المُنَزَّل ، كأنه الوبْلُ نزل على بلدٍ أمحل ، فأتم به النعمةَ علينا و أكمل .
    فالصلاة و السلام على النبي الصادق المرسل ، الأمين الأكمل ، ذي النهج الأمثل ، و الطريق الأسهل ، الذي دعا إلى ربه بلا كللٍ و لا ملل ، فجاءنا بالدين الأعدل ، العذب المنهل ، و على صحبه الأبرار ؛ الرعيل الأوَّل ، و القرن الأفضل ، و الجيل الأجلِّ ، و من اهتدى بهديهم و امتثل . و بعد ، " (1)

    فإن " يسر هذا الدين العظيم ؛ دين الإسلام الذي بعث الله - عز و جل - به رسوله محمدًا -صلى الله عليه و سلم - أمرٌ ظاهر ، كأنه النهار الزاهر، و القمر الباهر، لا يخفى على أي ناظر " (2)
    فلقد ظهرت رحمة الله - سبحانه و بحمده - " في أمره و شرعه ظهورًا تشهده البصائر و الأبصار ، و يعترف به أولو الألباب ، فشرعه نور و رحمة وهداية ، و قد شرعه محتويًا على الرحمة ، و موصلا إلى أجل رحمة و كرامة و سعادة و فلاح ، و شرع فيه من التسهيلات و التيسيرات و نفي الحرج و المشقات ما يدل أكبر دلالة على سعة رحمته و جوده و كرمه . و مناهيه كلها رحمة ، لأنها حِفظٌ لأديان العباد ، و حفظ عقولهم و أعراضهم و أبدانهم و أخلاقهم و أموالهم من الشرور و الأضرار . فكل النواهي تعود إلى هذه الأمور .
    و أيضًا الأوامر سهَّلها ، و أعان عليها بأسبابٍ شرعية و أسبابٍ قدرية ، و ذلك من تمام رحمته ، كما أن النواهي جعل عليها من العوائق و الموانع ما يحجز العباد عن مواقعتها إلا من أبى و شرد ، و لم يكن فيه خيرٌ بالكلية ، و شرع أيضًا من الروادع و الزواجر و الحدود ما يمنع العباد و يحجزهم عنها و يقلل من الشرور كثيرًا . و بالجملة : فشرعه و أمره نزل بالرحمة ، و اشتمل على الرحمة ، و أوصل إلى الرحمة الأبدية و السعادة السرمدية . " (3) .
    و قد قال الله – تعالى : " يريد الله بكم اليسر و لا يريد بكم العسر " (4) .
    قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله : " يريد الله - تعالى - أن يُيَسَّر عليكم الطرق الموصلة إلى رضوانه أعظم تيسير ، و يسهلها أبلغ تسهيل . " (5) .
    و قال الله - سبحانه : " لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها " (6) .
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : " و قد تضمن ذلك أن جميع ما كَلَّفَهُم به أمرًا ونهيًا ، فهم مطيقون له قادرون عليه ، و أنه لم يكلفهم ما لا يطيقون . " (7) .
    و قال الإمام ابن حزم - رحمه الله : " فقد علمنا أن كل ما ألزمَ اللهُ تعالى فهو يُسر ؛ بقوله - تعالى : " و ما جعل عليكم في الدين من حرج " (8) . " (9) .
    و قال رسول الله – صلى الله عليه و سلم : " إن هذا الدين يُسرٌ " (10) .
    " و إني واصفٌ لكم مظهرًا عظيمًا ليسر ديننا الإسلامي فإنه - سبحانه - يأمر بالأمر و يأمر بما يعين عليه ، و ينهى عن الشيء و عما يوصل إليه :
    فيأمر - جل و علا - بالخشوع في الصلاة ، و يكون مما يمهد لذلك الوضوء في البيت مع الإسباغ ، و الذكر قبله و بعده ، و ترديد الأذان ، و أن يخرج إلى الصلاة لا يريد إلا الصلاة ، و دعاء الخروج من البيت ، و التبكير إلى المسجد ، و الذكر في الطريق إليه ، و عند دخوله ، ، و صلاة النافلة ، و الدعاء بين الأذان و الإقامة ، و دعاء الاستفتاح و التزام أوضاع معيَّنة في الصلاة ، و هكذا.
    و ينهى الله - سبحانه - المسلمين عن ارتكاب فاحشة الزنا ، و يكون مما يعين على ذلك الأمر بغض البصر ، و المرأة بالحجاب ، و الرجل بستر العورة ، و النهي عن الخلوة بالأجنبية ، و عن سفر المرأة بدون محرم ، و عن تعَطُّرِ المرأة بين الرجال ، و عن الاختلاط ، و عن خضوع المرأة بالقول ، و نهي الرجل عن أن يلمس امرأةً أجنبية .
    إذا عرفتم ذلك ، فتعجبوا معي من الباحثين عن حُتُوفهم بأظلافهم، الحافرين قبورهم بأيديهم ، الزاعمين أن التبرج ، و السفور ، و اختلاط الرجال بالنساء يُهذب الأخلاق و تسمو به النفوس ، فقد اتضح لكم - الآن - أن هذا عُسرٌ و كبتٌ ، يَصْدُق عليه قول القائل :
    ألقاه في اليم مَكتوفًا و قال له إياك إياك أن تبتل بالماء
    فهل غَفَلوا عن هَدْي نبيهم ، أم ذَهَلوا عن أخبار مَن قَبْلَهم ؛ فإن " أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء " (11) ، أم يسمعون و لا يعون ، و يَنْظُرون فلا يُبْصِرون أن هذا الاختلاط قد أَدَّى إلى اقتراف غيره من السيئات ، و مقارفة ما سواه من المنكرات ، و ارتكاب الفاحشة و ما عداها من المُحَرَّمات ، مع أن هذا أمرٌ معروف ، لا يُماري فيه إلا جاهلٌ ، أو ظالمٌ عَسوف .
    و قد قال رسول الله - صلى الله عليه و سلم : " ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء " (12) ، و قال النبي - صلى الله عليه و سلم : " خير صفوف النساء آخرها ، و شرها أولها " (13) ، قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله تعالى : " و ذلك لأن الصف الأول قريب من الرجال ، و الصف الآخر بعيد عنهم ، فإذا كان التباعد بين الرجال و النساء و عدم الاختلاط بينهم مُرَغَّبًا فيه حتى في أماكن العبادة كالصلاة التي يشعر المصلي فيها بأنه بين يدي ربه بعيدًا عما يتعلق بالدنيا ، فما بالك إذا كان الاختلاط في المدارس ؟ أفلا يكون التباعد و ترك الاختلاط أولى ؟ إن اختلاط الرجال بالنساء لفتنةٌ كبرى زينها أعداؤنا حتى وقع فيها الكثير منا " (14) . فما بال هؤلاء يتركون صحيح المنقول ، و يتبعون سقيم العقول ، و يزهدون فيما جاء به الرسول ، و يطيعون قومًا قد ضلوا من قبل و أضلوا كثيرًا و ضلوا عن سواء السبيل .
    يقول العلامة ابن القيم - رحمه الله تعالى : " لما كانت المقاصد لا يتوصل إليها إلا بأسباب و طرق تفضي إليها ؛ كانت طرقها و أسبابها تابعة لها معتبرة بها ، فوسائل المحرَّمات ، و المعاصي في كراهتها ، و المنع منها ، بحسب إفضائها إلى غاياتها ، و ارتباطها بها ، و وسائل الطاعات و القربات في محبتها و الإذن فيها بحسب إفضائها إلى غاياتها ، فوسيلة المقصود تابعة للمقصود ، و كلاهما مقصود ، لكنه مقصود قصد الغايات ، و هي مقصودة قصد الوسائل ، فإذا حرم الرب تعالى شيئاً و له طرق و وسائل تفضي إليها ، فإنه يحرمها ، و يمنع منها ؛ تحقيقاً لتحريمه ، و تثبيتاً له ، و منعاً أن يقرب حماه ، و لو أباح الوسائل المفضية و الذرائع المفضية إليه لكان ذلك نقضاً للتحريم ، و إغراءً للنفوس به ، و حكمته تعالى تأبى ذلك كل الإباء " (15) . " (16) .
    و إن " المُعَوَّل عليه في فهم النصوص ما كان عليه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه و سلم ، و ما جاء عنهم من الفهم الصائب و العلم النافع " (17) ، و قد " كانوا أفضل هذه الأمة : أبرها قلوبا ، وأعمقها علما ، وأقلها تكلفا ، اختارهم الله لصحبة نبيه ، ولإقامة دينه ، فاعرِفوا لهم فضلهم ، واتبعوا على آثارهم ، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم و سيرهم ، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم . " (18) .
    " و قد عدل عن هذا أقوامٌ ضالون ، تركوا هذا الطريق : الأعلم ، و الأحكم ، و المأمون ، و اتبعوا أمر كل مأفون ، يقولون على الله ما لا يعلمون ، كالذين يهرفون بما لا يعرفون ، يَنفُون الثابت ، و يُثبِتون المتهافت ، فهم في كل وادٍ يهيمون ، النقل الصحيح - عندهم - مردود ، و العقل الصريح - لديهم - مفقود ، و دينار الكذب - منهم - منقود ، و حبل الجهل - بينهم - ممدود ، و تحسبهم أيقاظًا و هم رُقود . " (19) ، فشطحت أفكار ، و تمردت أقوال ، و شردت أفعال ؛ فإن " العقل إذا لم يكن متبعاً للشرع ، لم يبق له إلا الهوى و الشهوة ، و أنت تعلم ما في اتباع الهوى ، و أنه ضلالٌ مبينٌ . " (20) .
    فاللهم احفظنا من مُضِلات الأفكار المهلكة في الصحاري الدَوِيَّة ، و من ظلمات الأهواء المُغرِقة في البحار اللُّجِّية ، و " اجعل أوقاتنا بالطاعات عامرة ، و قلوبنا عن المعاصي نافرة ، و موازيننا بالحسنات زاخرة ، و من السيئات قافرة ، و اجعل وجوهنا ناضرة ، إلى وجهك الكريم - يوم القيامة - ناظرة . " (21) .
    و كتبه أبو أحمد ، خالد بن إبراهيم بن عبد الرازق الشرقاوي ، في القاهرة العامرة ، في ليلة الأربعاء ، الأول من شهر ذي الحجة الحرام لعام ثلاثين و أربعمائة و ألف من هجرة النبي محمد صلى الله عليه و سلم .


    كتاب " الدين يسر " لكاتب هذا المقال ، ص 11 .
    2 كتاب " الدين يسر " لكاتب هذا المقال ، ص 17 .
    3 " فتح الرحيم الملك العلام " للشيخ السعدي ، ص 16 .
    4 سورة البقرة ، الآية 185 .
    5 " تيسير الكريم الرحمن " 1/86 .
    6 سورة البقرة ، الآية 286 .
    7 " مجموع الفتاوى " 14/137، 138 .
    8 سورة الحج 78 .
    9 " الإحكام " 6/869 .
    10 صحيح البخاري 39 .
    11 صحيح مسلم 2742 .
    12 صحيح مسلم 2740 .
    13 سنن أبي داود 678 .
    14 فتاوى الاختلاط 17 ، 18 .
    15 إعلام الموقعين 3/135 .
    16كتاب " الدين يسر " لكاتب هذا المقال ، ص 124 - 128 .
    17 قطف الجنى الداني 13 .
    18 مشكاة المصابيح 191 ، عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه .
    19 كتاب " الدين يسر " لكاتب هذا المقال ، ص 78 ، بتصرف .
    20 الاعتصام للشاطبي 1/65 .
    21 كتاب " الدين يسر " لكاتب هذا المقال ، ص 128 ، 129 .

      الوقت/التاريخ الآن هو 14.11.24 23:49