" الحمد لله الذي يقبل اليسير من العمل ، و يغفر الكثير من الزلل ، الذي امتن علينا و تفضل ، و اختصنا بأيسر الملل ، و أنعم علينا بخير النِّحَل ، و هدانا لأسهل السبل ، و أرسل إلينا خاتم الرسل ، بعثه بكلامه المُنَزَّل ، كأنه الوبْلُ نزل على بلدٍ أمحل ، فأتم به النعمةَ علينا و أكمل .
فالصلاة و السلام على النبي الصادق المرسل ، الأمين الأكمل ، ذي النهج الأمثل ، و الطريق الأسهل ، الذي دعا إلى ربه بلا كللٍ و لا ملل ، فجاءنا بالدين الأعدل ، العذب المنهل ، و على صحبه الأبرار ؛ الرعيل الأوَّل ، و القرن الأفضل ، و الجيل الأجلِّ ، و من اهتدى بهديهم و امتثل . و بعد ، " (1)
فإن " يسر هذا الدين العظيم ؛ دين الإسلام الذي بعث الله - عز و جل - به رسوله محمدًا -صلى الله عليه و سلم - أمرٌ ظاهر ، كأنه النهار الزاهر، و القمر الباهر، لا يخفى على أي ناظر " (2)
فلقد ظهرت رحمة الله - سبحانه و بحمده - " في أمره و شرعه ظهورًا تشهده البصائر و الأبصار ، و يعترف به أولو الألباب ، فشرعه نور و رحمة وهداية ، و قد شرعه محتويًا على الرحمة ، و موصلا إلى أجل رحمة و كرامة و سعادة و فلاح ، و شرع فيه من التسهيلات و التيسيرات و نفي الحرج و المشقات ما يدل أكبر دلالة على سعة رحمته و جوده و كرمه . و مناهيه كلها رحمة ، لأنها حِفظٌ لأديان العباد ، و حفظ عقولهم و أعراضهم و أبدانهم و أخلاقهم و أموالهم من الشرور و الأضرار . فكل النواهي تعود إلى هذه الأمور .
و أيضًا الأوامر سهَّلها ، و أعان عليها بأسبابٍ شرعية و أسبابٍ قدرية ، و ذلك من تمام رحمته ، كما أن النواهي جعل عليها من العوائق و الموانع ما يحجز العباد عن مواقعتها إلا من أبى و شرد ، و لم يكن فيه خيرٌ بالكلية ، و شرع أيضًا من الروادع و الزواجر و الحدود ما يمنع العباد و يحجزهم عنها و يقلل من الشرور كثيرًا . و بالجملة : فشرعه و أمره نزل بالرحمة ، و اشتمل على الرحمة ، و أوصل إلى الرحمة الأبدية و السعادة السرمدية . " (3) .
و قد قال الله – تعالى : " يريد الله بكم اليسر و لا يريد بكم العسر " (4) .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله : " يريد الله - تعالى - أن يُيَسَّر عليكم الطرق الموصلة إلى رضوانه أعظم تيسير ، و يسهلها أبلغ تسهيل . " (5) .
و قال الله - سبحانه : " لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها " (6) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : " و قد تضمن ذلك أن جميع ما كَلَّفَهُم به أمرًا ونهيًا ، فهم مطيقون له قادرون عليه ، و أنه لم يكلفهم ما لا يطيقون . " (7) .
و قال الإمام ابن حزم - رحمه الله : " فقد علمنا أن كل ما ألزمَ اللهُ تعالى فهو يُسر ؛ بقوله - تعالى : " و ما جعل عليكم في الدين من حرج " (8) . " (9) .
و قال رسول الله – صلى الله عليه و سلم : " إن هذا الدين يُسرٌ " (10) .
" و إني واصفٌ لكم مظهرًا عظيمًا ليسر ديننا الإسلامي فإنه - سبحانه - يأمر بالأمر و يأمر بما يعين عليه ، و ينهى عن الشيء و عما يوصل إليه :
فيأمر - جل و علا - بالخشوع في الصلاة ، و يكون مما يمهد لذلك الوضوء في البيت مع الإسباغ ، و الذكر قبله و بعده ، و ترديد الأذان ، و أن يخرج إلى الصلاة لا يريد إلا الصلاة ، و دعاء الخروج من البيت ، و التبكير إلى المسجد ، و الذكر في الطريق إليه ، و عند دخوله ، ، و صلاة النافلة ، و الدعاء بين الأذان و الإقامة ، و دعاء الاستفتاح و التزام أوضاع معيَّنة في الصلاة ، و هكذا.
و ينهى الله - سبحانه - المسلمين عن ارتكاب فاحشة الزنا ، و يكون مما يعين على ذلك الأمر بغض البصر ، و المرأة بالحجاب ، و الرجل بستر العورة ، و النهي عن الخلوة بالأجنبية ، و عن سفر المرأة بدون محرم ، و عن تعَطُّرِ المرأة بين الرجال ، و عن الاختلاط ، و عن خضوع المرأة بالقول ، و نهي الرجل عن أن يلمس امرأةً أجنبية .
إذا عرفتم ذلك ، فتعجبوا معي من الباحثين عن حُتُوفهم بأظلافهم، الحافرين قبورهم بأيديهم ، الزاعمين أن التبرج ، و السفور ، و اختلاط الرجال بالنساء يُهذب الأخلاق و تسمو به النفوس ، فقد اتضح لكم - الآن - أن هذا عُسرٌ و كبتٌ ، يَصْدُق عليه قول القائل :
ألقاه في اليم مَكتوفًا و قال له إياك إياك أن تبتل بالماء
فهل غَفَلوا عن هَدْي نبيهم ، أم ذَهَلوا عن أخبار مَن قَبْلَهم ؛ فإن " أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء " (11) ، أم يسمعون و لا يعون ، و يَنْظُرون فلا يُبْصِرون أن هذا الاختلاط قد أَدَّى إلى اقتراف غيره من السيئات ، و مقارفة ما سواه من المنكرات ، و ارتكاب الفاحشة و ما عداها من المُحَرَّمات ، مع أن هذا أمرٌ معروف ، لا يُماري فيه إلا جاهلٌ ، أو ظالمٌ عَسوف .
و قد قال رسول الله - صلى الله عليه و سلم : " ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء " (12) ، و قال النبي - صلى الله عليه و سلم : " خير صفوف النساء آخرها ، و شرها أولها " (13) ، قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله تعالى : " و ذلك لأن الصف الأول قريب من الرجال ، و الصف الآخر بعيد عنهم ، فإذا كان التباعد بين الرجال و النساء و عدم الاختلاط بينهم مُرَغَّبًا فيه حتى في أماكن العبادة كالصلاة التي يشعر المصلي فيها بأنه بين يدي ربه بعيدًا عما يتعلق بالدنيا ، فما بالك إذا كان الاختلاط في المدارس ؟ أفلا يكون التباعد و ترك الاختلاط أولى ؟ إن اختلاط الرجال بالنساء لفتنةٌ كبرى زينها أعداؤنا حتى وقع فيها الكثير منا " (14) . فما بال هؤلاء يتركون صحيح المنقول ، و يتبعون سقيم العقول ، و يزهدون فيما جاء به الرسول ، و يطيعون قومًا قد ضلوا من قبل و أضلوا كثيرًا و ضلوا عن سواء السبيل .
يقول العلامة ابن القيم - رحمه الله تعالى : " لما كانت المقاصد لا يتوصل إليها إلا بأسباب و طرق تفضي إليها ؛ كانت طرقها و أسبابها تابعة لها معتبرة بها ، فوسائل المحرَّمات ، و المعاصي في كراهتها ، و المنع منها ، بحسب إفضائها إلى غاياتها ، و ارتباطها بها ، و وسائل الطاعات و القربات في محبتها و الإذن فيها بحسب إفضائها إلى غاياتها ، فوسيلة المقصود تابعة للمقصود ، و كلاهما مقصود ، لكنه مقصود قصد الغايات ، و هي مقصودة قصد الوسائل ، فإذا حرم الرب تعالى شيئاً و له طرق و وسائل تفضي إليها ، فإنه يحرمها ، و يمنع منها ؛ تحقيقاً لتحريمه ، و تثبيتاً له ، و منعاً أن يقرب حماه ، و لو أباح الوسائل المفضية و الذرائع المفضية إليه لكان ذلك نقضاً للتحريم ، و إغراءً للنفوس به ، و حكمته تعالى تأبى ذلك كل الإباء " (15) . " (16) .
و إن " المُعَوَّل عليه في فهم النصوص ما كان عليه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه و سلم ، و ما جاء عنهم من الفهم الصائب و العلم النافع " (17) ، و قد " كانوا أفضل هذه الأمة : أبرها قلوبا ، وأعمقها علما ، وأقلها تكلفا ، اختارهم الله لصحبة نبيه ، ولإقامة دينه ، فاعرِفوا لهم فضلهم ، واتبعوا على آثارهم ، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم و سيرهم ، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم . " (18) .
" و قد عدل عن هذا أقوامٌ ضالون ، تركوا هذا الطريق : الأعلم ، و الأحكم ، و المأمون ، و اتبعوا أمر كل مأفون ، يقولون على الله ما لا يعلمون ، كالذين يهرفون بما لا يعرفون ، يَنفُون الثابت ، و يُثبِتون المتهافت ، فهم في كل وادٍ يهيمون ، النقل الصحيح - عندهم - مردود ، و العقل الصريح - لديهم - مفقود ، و دينار الكذب - منهم - منقود ، و حبل الجهل - بينهم - ممدود ، و تحسبهم أيقاظًا و هم رُقود . " (19) ، فشطحت أفكار ، و تمردت أقوال ، و شردت أفعال ؛ فإن " العقل إذا لم يكن متبعاً للشرع ، لم يبق له إلا الهوى و الشهوة ، و أنت تعلم ما في اتباع الهوى ، و أنه ضلالٌ مبينٌ . " (20) .
فاللهم احفظنا من مُضِلات الأفكار المهلكة في الصحاري الدَوِيَّة ، و من ظلمات الأهواء المُغرِقة في البحار اللُّجِّية ، و " اجعل أوقاتنا بالطاعات عامرة ، و قلوبنا عن المعاصي نافرة ، و موازيننا بالحسنات زاخرة ، و من السيئات قافرة ، و اجعل وجوهنا ناضرة ، إلى وجهك الكريم - يوم القيامة - ناظرة . " (21) .
و كتبه أبو أحمد ، خالد بن إبراهيم بن عبد الرازق الشرقاوي ، في القاهرة العامرة ، في ليلة الأربعاء ، الأول من شهر ذي الحجة الحرام لعام ثلاثين و أربعمائة و ألف من هجرة النبي محمد صلى الله عليه و سلم .
كتاب " الدين يسر " لكاتب هذا المقال ، ص 11 .
2 كتاب " الدين يسر " لكاتب هذا المقال ، ص 17 .
3 " فتح الرحيم الملك العلام " للشيخ السعدي ، ص 16 .
4 سورة البقرة ، الآية 185 .
5 " تيسير الكريم الرحمن " 1/86 .
6 سورة البقرة ، الآية 286 .
7 " مجموع الفتاوى " 14/137، 138 .
8 سورة الحج 78 .
9 " الإحكام " 6/869 .
10 صحيح البخاري 39 .
11 صحيح مسلم 2742 .
12 صحيح مسلم 2740 .
13 سنن أبي داود 678 .
14 فتاوى الاختلاط 17 ، 18 .
15 إعلام الموقعين 3/135 .
16كتاب " الدين يسر " لكاتب هذا المقال ، ص 124 - 128 .
17 قطف الجنى الداني 13 .
18 مشكاة المصابيح 191 ، عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه .
19 كتاب " الدين يسر " لكاتب هذا المقال ، ص 78 ، بتصرف .
20 الاعتصام للشاطبي 1/65 .
21 كتاب " الدين يسر " لكاتب هذا المقال ، ص 128 ، 129 .
فالصلاة و السلام على النبي الصادق المرسل ، الأمين الأكمل ، ذي النهج الأمثل ، و الطريق الأسهل ، الذي دعا إلى ربه بلا كللٍ و لا ملل ، فجاءنا بالدين الأعدل ، العذب المنهل ، و على صحبه الأبرار ؛ الرعيل الأوَّل ، و القرن الأفضل ، و الجيل الأجلِّ ، و من اهتدى بهديهم و امتثل . و بعد ، " (1)
فإن " يسر هذا الدين العظيم ؛ دين الإسلام الذي بعث الله - عز و جل - به رسوله محمدًا -صلى الله عليه و سلم - أمرٌ ظاهر ، كأنه النهار الزاهر، و القمر الباهر، لا يخفى على أي ناظر " (2)
فلقد ظهرت رحمة الله - سبحانه و بحمده - " في أمره و شرعه ظهورًا تشهده البصائر و الأبصار ، و يعترف به أولو الألباب ، فشرعه نور و رحمة وهداية ، و قد شرعه محتويًا على الرحمة ، و موصلا إلى أجل رحمة و كرامة و سعادة و فلاح ، و شرع فيه من التسهيلات و التيسيرات و نفي الحرج و المشقات ما يدل أكبر دلالة على سعة رحمته و جوده و كرمه . و مناهيه كلها رحمة ، لأنها حِفظٌ لأديان العباد ، و حفظ عقولهم و أعراضهم و أبدانهم و أخلاقهم و أموالهم من الشرور و الأضرار . فكل النواهي تعود إلى هذه الأمور .
و أيضًا الأوامر سهَّلها ، و أعان عليها بأسبابٍ شرعية و أسبابٍ قدرية ، و ذلك من تمام رحمته ، كما أن النواهي جعل عليها من العوائق و الموانع ما يحجز العباد عن مواقعتها إلا من أبى و شرد ، و لم يكن فيه خيرٌ بالكلية ، و شرع أيضًا من الروادع و الزواجر و الحدود ما يمنع العباد و يحجزهم عنها و يقلل من الشرور كثيرًا . و بالجملة : فشرعه و أمره نزل بالرحمة ، و اشتمل على الرحمة ، و أوصل إلى الرحمة الأبدية و السعادة السرمدية . " (3) .
و قد قال الله – تعالى : " يريد الله بكم اليسر و لا يريد بكم العسر " (4) .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله : " يريد الله - تعالى - أن يُيَسَّر عليكم الطرق الموصلة إلى رضوانه أعظم تيسير ، و يسهلها أبلغ تسهيل . " (5) .
و قال الله - سبحانه : " لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها " (6) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : " و قد تضمن ذلك أن جميع ما كَلَّفَهُم به أمرًا ونهيًا ، فهم مطيقون له قادرون عليه ، و أنه لم يكلفهم ما لا يطيقون . " (7) .
و قال الإمام ابن حزم - رحمه الله : " فقد علمنا أن كل ما ألزمَ اللهُ تعالى فهو يُسر ؛ بقوله - تعالى : " و ما جعل عليكم في الدين من حرج " (8) . " (9) .
و قال رسول الله – صلى الله عليه و سلم : " إن هذا الدين يُسرٌ " (10) .
" و إني واصفٌ لكم مظهرًا عظيمًا ليسر ديننا الإسلامي فإنه - سبحانه - يأمر بالأمر و يأمر بما يعين عليه ، و ينهى عن الشيء و عما يوصل إليه :
فيأمر - جل و علا - بالخشوع في الصلاة ، و يكون مما يمهد لذلك الوضوء في البيت مع الإسباغ ، و الذكر قبله و بعده ، و ترديد الأذان ، و أن يخرج إلى الصلاة لا يريد إلا الصلاة ، و دعاء الخروج من البيت ، و التبكير إلى المسجد ، و الذكر في الطريق إليه ، و عند دخوله ، ، و صلاة النافلة ، و الدعاء بين الأذان و الإقامة ، و دعاء الاستفتاح و التزام أوضاع معيَّنة في الصلاة ، و هكذا.
و ينهى الله - سبحانه - المسلمين عن ارتكاب فاحشة الزنا ، و يكون مما يعين على ذلك الأمر بغض البصر ، و المرأة بالحجاب ، و الرجل بستر العورة ، و النهي عن الخلوة بالأجنبية ، و عن سفر المرأة بدون محرم ، و عن تعَطُّرِ المرأة بين الرجال ، و عن الاختلاط ، و عن خضوع المرأة بالقول ، و نهي الرجل عن أن يلمس امرأةً أجنبية .
إذا عرفتم ذلك ، فتعجبوا معي من الباحثين عن حُتُوفهم بأظلافهم، الحافرين قبورهم بأيديهم ، الزاعمين أن التبرج ، و السفور ، و اختلاط الرجال بالنساء يُهذب الأخلاق و تسمو به النفوس ، فقد اتضح لكم - الآن - أن هذا عُسرٌ و كبتٌ ، يَصْدُق عليه قول القائل :
ألقاه في اليم مَكتوفًا و قال له إياك إياك أن تبتل بالماء
فهل غَفَلوا عن هَدْي نبيهم ، أم ذَهَلوا عن أخبار مَن قَبْلَهم ؛ فإن " أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء " (11) ، أم يسمعون و لا يعون ، و يَنْظُرون فلا يُبْصِرون أن هذا الاختلاط قد أَدَّى إلى اقتراف غيره من السيئات ، و مقارفة ما سواه من المنكرات ، و ارتكاب الفاحشة و ما عداها من المُحَرَّمات ، مع أن هذا أمرٌ معروف ، لا يُماري فيه إلا جاهلٌ ، أو ظالمٌ عَسوف .
و قد قال رسول الله - صلى الله عليه و سلم : " ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء " (12) ، و قال النبي - صلى الله عليه و سلم : " خير صفوف النساء آخرها ، و شرها أولها " (13) ، قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله تعالى : " و ذلك لأن الصف الأول قريب من الرجال ، و الصف الآخر بعيد عنهم ، فإذا كان التباعد بين الرجال و النساء و عدم الاختلاط بينهم مُرَغَّبًا فيه حتى في أماكن العبادة كالصلاة التي يشعر المصلي فيها بأنه بين يدي ربه بعيدًا عما يتعلق بالدنيا ، فما بالك إذا كان الاختلاط في المدارس ؟ أفلا يكون التباعد و ترك الاختلاط أولى ؟ إن اختلاط الرجال بالنساء لفتنةٌ كبرى زينها أعداؤنا حتى وقع فيها الكثير منا " (14) . فما بال هؤلاء يتركون صحيح المنقول ، و يتبعون سقيم العقول ، و يزهدون فيما جاء به الرسول ، و يطيعون قومًا قد ضلوا من قبل و أضلوا كثيرًا و ضلوا عن سواء السبيل .
يقول العلامة ابن القيم - رحمه الله تعالى : " لما كانت المقاصد لا يتوصل إليها إلا بأسباب و طرق تفضي إليها ؛ كانت طرقها و أسبابها تابعة لها معتبرة بها ، فوسائل المحرَّمات ، و المعاصي في كراهتها ، و المنع منها ، بحسب إفضائها إلى غاياتها ، و ارتباطها بها ، و وسائل الطاعات و القربات في محبتها و الإذن فيها بحسب إفضائها إلى غاياتها ، فوسيلة المقصود تابعة للمقصود ، و كلاهما مقصود ، لكنه مقصود قصد الغايات ، و هي مقصودة قصد الوسائل ، فإذا حرم الرب تعالى شيئاً و له طرق و وسائل تفضي إليها ، فإنه يحرمها ، و يمنع منها ؛ تحقيقاً لتحريمه ، و تثبيتاً له ، و منعاً أن يقرب حماه ، و لو أباح الوسائل المفضية و الذرائع المفضية إليه لكان ذلك نقضاً للتحريم ، و إغراءً للنفوس به ، و حكمته تعالى تأبى ذلك كل الإباء " (15) . " (16) .
و إن " المُعَوَّل عليه في فهم النصوص ما كان عليه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه و سلم ، و ما جاء عنهم من الفهم الصائب و العلم النافع " (17) ، و قد " كانوا أفضل هذه الأمة : أبرها قلوبا ، وأعمقها علما ، وأقلها تكلفا ، اختارهم الله لصحبة نبيه ، ولإقامة دينه ، فاعرِفوا لهم فضلهم ، واتبعوا على آثارهم ، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم و سيرهم ، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم . " (18) .
" و قد عدل عن هذا أقوامٌ ضالون ، تركوا هذا الطريق : الأعلم ، و الأحكم ، و المأمون ، و اتبعوا أمر كل مأفون ، يقولون على الله ما لا يعلمون ، كالذين يهرفون بما لا يعرفون ، يَنفُون الثابت ، و يُثبِتون المتهافت ، فهم في كل وادٍ يهيمون ، النقل الصحيح - عندهم - مردود ، و العقل الصريح - لديهم - مفقود ، و دينار الكذب - منهم - منقود ، و حبل الجهل - بينهم - ممدود ، و تحسبهم أيقاظًا و هم رُقود . " (19) ، فشطحت أفكار ، و تمردت أقوال ، و شردت أفعال ؛ فإن " العقل إذا لم يكن متبعاً للشرع ، لم يبق له إلا الهوى و الشهوة ، و أنت تعلم ما في اتباع الهوى ، و أنه ضلالٌ مبينٌ . " (20) .
فاللهم احفظنا من مُضِلات الأفكار المهلكة في الصحاري الدَوِيَّة ، و من ظلمات الأهواء المُغرِقة في البحار اللُّجِّية ، و " اجعل أوقاتنا بالطاعات عامرة ، و قلوبنا عن المعاصي نافرة ، و موازيننا بالحسنات زاخرة ، و من السيئات قافرة ، و اجعل وجوهنا ناضرة ، إلى وجهك الكريم - يوم القيامة - ناظرة . " (21) .
و كتبه أبو أحمد ، خالد بن إبراهيم بن عبد الرازق الشرقاوي ، في القاهرة العامرة ، في ليلة الأربعاء ، الأول من شهر ذي الحجة الحرام لعام ثلاثين و أربعمائة و ألف من هجرة النبي محمد صلى الله عليه و سلم .
كتاب " الدين يسر " لكاتب هذا المقال ، ص 11 .
2 كتاب " الدين يسر " لكاتب هذا المقال ، ص 17 .
3 " فتح الرحيم الملك العلام " للشيخ السعدي ، ص 16 .
4 سورة البقرة ، الآية 185 .
5 " تيسير الكريم الرحمن " 1/86 .
6 سورة البقرة ، الآية 286 .
7 " مجموع الفتاوى " 14/137، 138 .
8 سورة الحج 78 .
9 " الإحكام " 6/869 .
10 صحيح البخاري 39 .
11 صحيح مسلم 2742 .
12 صحيح مسلم 2740 .
13 سنن أبي داود 678 .
14 فتاوى الاختلاط 17 ، 18 .
15 إعلام الموقعين 3/135 .
16كتاب " الدين يسر " لكاتب هذا المقال ، ص 124 - 128 .
17 قطف الجنى الداني 13 .
18 مشكاة المصابيح 191 ، عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه .
19 كتاب " الدين يسر " لكاتب هذا المقال ، ص 78 ، بتصرف .
20 الاعتصام للشاطبي 1/65 .
21 كتاب " الدين يسر " لكاتب هذا المقال ، ص 128 ، 129 .