من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 08.11.10 8:34
بسم الله الرحمن الرحيم
بحث مختصر في حكم صيام عشر ذي الحجة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين وبعد:
فالحمد لله الذي جعل لعباده مواسم للطاعات يجددون فيها الإيمان ويتزودون لدار المقامة فضلاً منه تعالى ومنة، فما إن ينقضي شهر رمضان بما فيه من أجرٍ في صيامه وأجرٍ في قيامه للمحتسب، وفضل الليال العشر منه وليلة القدر خاصة، فإذا بصيام ستٍ من شوال تعدل صيام الدهر، وها نحن مع موسم جديد يتجدد كل عام، وهو الحج وما فيه من أعمال بدنية وروحية ومالية، ومما لا شك فيه؛ أن فضل الأعمال في العشر الأيام الأُول من شهر ذي الحجة ثابتة في الكتاب والسنة قال تعالى:
***61533;وَالْفَجْرِ ***61476; وَلَيَالٍ عَشْرٍ ***61476; وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ***61531;.
قال الإمام الشنقيطي رحمه الله في "اضواء البيان":
"اختلف في المراد بالفجر فقيل انفجار النهار من ظلمة الليل، وقيل صلاة الفجر.
وكلا القولين له شاهد من القرآن أما انفجار النهار فكما في قوله تعالى: ***61533;وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ***61531;.
وأما صلاة الفجر فكما في قوله: ***61533;وَقُرْءَانَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْءَانَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا***61531; ولكن في السياق ما يقرب القول الأول إذ هو في الأيام والليالي الفجر وليال عشر الليل إذا يسري وكلها آيات زمنية أنسب لها انفجار النهار.
بقي بعد ذلك اختلافهم في أي الفجر عنى هنا فقيل بالعموم في كل يوم وقيل بالخصوص والأول قول ابن عباس وابن الزبير وعلي رضي الله عنهم.
وعلى الثاني فقيل خصوص الفجر يوم النحر وقيل أول يوم المحرم وليس هناك نص يعول عليه إِلا أن فجر يوم النحر أقرب إلى الليالي العشر إن قلنا هي عشر ذي الحجة على ما يأتي إن شاء الله.
أما الليالي العشر فأقوال المفسرين محصورة في عشر ذي الحجة وعشر المحرم والعشر الأواخر من رمضان والأول جاء عن مسروق أنها العشر التي ذكرها الله في قصة موسى عليه السلام وأتممناها بعشر وكلها الأقوال الثلاثة مروية عن ابن عباس وليس في القرآن نص بعينها.
وفي السنة بيان فضيلة عشر ذي الحجة وعشر رمضان كما هو معلوم فإن جعل الفجر خاصاً بيوم النحر كان عشر ذي الحجة أقرب للسياق واللَّه تعالى أعلم". اهـ.
قال ابن كثير في "تفسيره": "عن جابر ***61556; عن النبي ***61541; قال: (إن العشر عشر الأضحى والوتر يوم عرفة والشفع يوم النحر وراه النسائي عن محمد بن رافع وعبدة بن عبد الله وكل منهما عن زيد بن الحباب به ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث زيد بن الحباب به وهذا إسناد رجاله لا بأس بهم وعندي أن المتن في رفعه نكارة والله أعلم". اهـ.
وقال السيوطي في "الدر المنثور": " أخرج أحمد والنسائي والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن جابر أن النبي ***61541; قال: ***61533;وَالْفَجْرِ ***61476; وَلَيَالٍ عَشْرٍ ***61476; وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ***61531; قال: "فذكر الحديث ..".
وقال ابن كثير: في قوله تعالى: ***61533; وَلَيَالٍ عَشْرٍ***61531;:
" المراد بها عشر ذي الحجة كما قاله ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وغير واحد من السلف". اهـ.
وفي السنة ما ثبت في الأحاديث الصحيحة منها:
عن سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ عن بن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّهِ ***61541;: (ما من أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فيها أَحَبُّ إلى اللَّهِ من هذه الْأَيَّامِ يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ قالوا يا رَسُولَ اللَّهِ ولا الْجِهَادُ في سَبِيلِ اللَّهِ قال ولا الْجِهَادُ في سَبِيلِ اللَّهِ إلا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فلم يَرْجِعْ من ذلك بِشَيْءٍ).
أخرجه: [حم، خ، د، ت، هـ، حب].
لفظ أحمد: (ما عَمَلٌ أَفْضَلَ منه في هَذِه الأَيَّامِ يعني أَيَّامَ الْعَشْرِ قال فَقِيلَ وَلاَ الْجِهَادُ في سَبِيلِ اللَّهِ قال وَلاَ الْجِهَادُ في سَبِيلِ اللَّهِ الا من خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ ثُمَّ لم يَرْجِعْ بشيء من ذلك).
ولفظ البخاري: (ما الْعَمَلُ في أَيَّامٍ العشر أَفْضَلَ من العمل في هذه قالوا ولا الْجِهَادُ قال ولا الْجِهَادُ إلا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فلم يَرْجِعْ بِشَيْءٍ).
عرفنا من الأحاديث السابقة فضل العمل الصالح في عشر ذي الحجة، فهل هناك عمل مخصوص يُسنُ للمسلم المداومة عليه غير التكبير والتهليل؟ لأنا نرى كثيراً من المسلمين يركزون على مسألة الصيام في هذه الأيام العشر لذي الحجة، بل وقد يصل الحال إلى أن ينكروا على من لم يصمها، وإن لم يُنكر عليه؛ نظروا إليه بعين التعجب؛ ولسان حالهم يقول: لِمً لا يصوم كالناس؟!!!
بل سمعت بعض الخطباء من على المنبر يدعو الناس لصيام العشر ويقول: كان السلف يصوموها.
فشدّ انتباهي ذلك وحرصت أن أبحث في هذا القول وهذا التشدد هل له مستند كتاب وسنة فوجدت بعد البحث البسيط الآتي:
حديث قَتَادَةَ عن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ عن أبي هُرَيْرَةَ ***61556; عن النبي ***61541; قال: (ما من أَيَّامٍ أَحَبُّ إلى اللَّهِ أَنْ يُتَعَبَّدَ له فيها من عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ يَعْدِلُ صِيَامُ كل يَوْمٍ منها بِصِيَامِ سَنَةٍ وَقِيَامُ كل لَيْلَةٍ منها بِقِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ قال أبو عِيسَى هذا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلا من حديث مَسْعُودِ بن وَاصِلٍ عن النَّهَّاسِ قال وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا عن هذا الحديث فلم يَعْرِفْهُ من غَيْرِ هذا الْوَجْهِ مِثْلَ هذا
وقال وقد رُوِيَ عن قَتَادَةَ عن سَعِيدِ بن الْمُسَيَّبِ عن النبي ***61541; مُرْسَلًا شَيْءٌ من هذا وقد تَكَلَّمَ يحيى بن سَعِيدٍ في نَهَّاسِ بن قَهْمٍ من قِبَلِ حِفْظِهِ.
أخرجه: الترمذي (758)، والطوسي في "مختصر الأحكام" (3/414)، والبيهقي في "الشعب" (3757). وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع الصغير" (5161) وفي "الضعيفة" (5145)، وفي "ضعيف الترغيب" (734)، وقال في "المشكاة" رواه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي إسناده ضعيف.
وقال ابن حجر في "الفتح" إسناده ضعيف. وقال الشوكاني في "نيل الأوطار" إسناده ضغيف.
وحديث هُنَيْدَةَ بن خَالِدٍ عن امْرَأَتِهِ عن بَعْضِ أَزْوَاجِ النبي ***61541; رضي الله عنها قالت: (كان رسول اللَّهِ ***61541; يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ من كل شَهْرٍ أَوَّلَ اثْنَيْنِ من الشَّهْرِ وَالْخَمِيسَ).
أخرجه: أحمد (5/271، 6/423)، وأبو داود (2437)، والنسائي في "الكبرى" (8176) ، (1422) "الصغرى". وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع الصغير" (4570).
وقال الزيلعي في "نصب الراية": "وهو ضعيف، قال المنذري: في مختصره اختلف فيه على هنيدة فروي كما ذكرنا وروي عنه عن حفصة زوج النبي ***61554; وروي عنه عن أبيه عن أم سلمة مختصرا انتهى".
فهل هذه الأحاديث مستندهم ؟!! فإن كانت هي؛ فقد عرفت حالها، إضافةً إلى زيادة العلم الذي أتت به الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما في الحديث الصحيح، وتخبر بما علمت:
فعَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ ***61541; صَائِمًا الْعَشْرَ قَطُّ وَلا خَرَجَ مِنَ الْخَلاءِ إِلا مَسَّ مَاءً).
أخرجه: أبو داود (2438)، وابن جبان (1441). وصححه الألباني.
قال ابن حجر: "وقال ابن بطال وغيره المراد بالعمل في أيام التشريق التكبير فقط. لأنه ثبت أنها أيام أكل وشرب وبعال وثبت تحريم صومها وورد فيه إباحة اللهو بالحراب ونحو ذلك فدل على تفريغها لذلك مع الحض على الذكر المشروع منه فيها التكبير". "الفتح" (2/460).
قلت ـ كاتب هذه السطور ـ: قول ابن طال: " وثبت تحريم صومها"، يُحمل على أيام التشريق للحاج ويوم العيد للحاج وغيره. والله اعلم.
فيُعلم من هذه الأحاديث والأقوال أن صيام عشر ذي الحجة ليس من السنة التي واضب عليها النبي ***61554; ولم يأمر بصيامها أو أكد على ذلك كما أكد في صيام عاشوراء وصيام ستٍ من شوال وثلاثٍ من كل شهر وأيام الإثنين والخميس.
بل لو ترك ـ من يُقتدى بهم من أهل الصلاح ـ صيام عشر ذي الحجة أو أظهر الإفطار في بعض أيامها مع صيامه لبعضها حتى لا يعتقد الناس ـ مع مرور الأيام والسنون ـ وجوبها؛ فلعله حسنٌ
وله في ذلك سلف.
فهذان الشيخان الجليلان أبو بكر وعمر تركا الأضحية ـ وهي آكد من الصيام في العشر ـ من أجل أن لا يعتقد الناس وجوبها، قال الشافعي بلغنا أن ( أبا بكر الصديق وعمر رضي الله عنهما كانا لا يضحيان كراهة أن يقتدى بهما فيظن من رآهما أنها واجبة
ثم ساق البيهقي عقب ذلك من حديث الفريابي ثنا سفيان عن أبيه ومطرف وإسماعيل عن الشعبي عن أبي سريحة الغفاري قال أدركنا أبا بكر - أو رأيت أبا بكر - وعمر لا يضحيان كراهية أن يقتدى بهما
قال البيهقي أبو سريحة الغفاري هو حذيفة بن أسيد صاحب رسول الله ثم ذكره بإسناده كذلك وقال الدارقطني في (علله) إن الصحيح رواية إسماعيل عن الشعبي لأنه سمعه منه ثم روى البيهقي مثل ذلك عن ابن عباس وأبي مسعود البدري رضي الله عنه". اهـ.
هذا وإن الأعمال الصالحة كثيرة ومتعددة لا تنحصر في عبادة محددة، فالصلاة والصيام والتسبيح والتكبير والتهليل وقراءة القرآن، والصدقة ورعاية الأيتام وبر الوالدين وصلة الرحم ومعاملة الأهل في البيت المعاملة الحسنة التي أوصى بها النبي ***61554; عند موته ومساعدة المحتاج وكف الآذى عن الناس والكلمة الطيبة صدقة وإماطة الأذى عن الطريق؛ وهلم جرَ ...، فلو ذهبنا نعدد الأعمال الصالحة لعجزنا وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين،،
كتبه
أبو فريحان جمال ين فريحان الحارثي
3/12/1427هـ.
والنقل
لطفا من هنا
http://www.sahab.net/forums/showthread.php?t=342357