خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    (( قل من حرّم زينة الله )) للإمام المُفسّر: أبي عبد الله القرطبي رحمه الله تعالى

    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية (( قل من حرّم زينة الله )) للإمام المُفسّر: أبي عبد الله القرطبي رحمه الله تعالى

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 15.10.09 9:09

    ((قل من حرّم زينة الله))

    للإمام المُفسّر: أبي عبد الله القرطبي رحمه الله تعالى


    ما أعظم السنّة وما أعظم أهلها وما أبخس البدعة وما أبخس أهلها.

    إنّ هذا المقال الذي ستقرأه أخي القارئ الكريم هو عبارة عن مقتطفات من تفسير الإمام القرطبي الشهير المعروف بـ ((الجامع لأحكام القرآن)) لقوله تعالى ((قل من حرّم زينة اللهالتي أخرج لعباده والطيبات من الرزق)) وقد تظمّن هذا الكلام ردّا شافيا كافيا على الصوفية الكذّابين الذين يدينون لله بالكذب والافتراء والبهتان والتصنّع والنّفاق وذلك أنّهم يدّعون الزّهد في الدنيا وملذّاتها وهم أبعد النّاس عنه خاصّة مُتأخّريهم.

    لقد هدم الإمام القرطبي رحمه الله في تفسيره هذا العديد من قواعد الصوفية وكسر الكثير من مصطلحاتهم ومفرداتهم وانظر للفائدة ((الأنوار الكواشف والحجج الكواسر في إبطال الإمام القرطبي لمفردات منهج التصوّف السافر)) للشيخ أبي عبد الله محمّد بن عبد الحميد حسّونة حفظه الله تعالى.

    وفي هذا المقال ردٌّ لمن حرّم على نفسه أو على غيره لباس الرقيق من الثياب وأكل الحسن من الطعام بدعوى التصوّف والزّهد.

    وكما تعلم أخي القارئ الكريم أنّ الصوفية قد اختلفوا في أصل تسميتهم ! ومعنى كلمة ((الصوفية)) !!

    فبعضهم ينسب التصوّف إلى أهل الصُفة: وهو لقب اعطي لبعض فقراء المسلمين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ممن لم تكن لهم بيوت يؤون اليها فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم ببناء فناء ملحق بالمسجد من اجلهم, وهذا يوضح ادعاء المتصوفة بربط التصوف بعصر النبي صلى الله عليه وسلم وانه أقر النواة الصوفية الأولى, مع العلم أنّ اهل الصفة ما كانوا منقطعين عن الناس لأجل الزهد الصوفي.

    وبعضهم ينسب الصوفية إلى الصفاء: ومعناها ان الصوفية صافية من الشرور وشهوات الدنيا, وهذا الاشتقاق غير صحيح لغويا فالنسبة الى الصفاء: صفوي أو صفاوي أو صفائي وليس صوفيا !!

    وبعضهم ينسبها إلى الصف الأول: بعض الصوفية ينسبون انفسهم الى الصف الاول من المؤمنين في الصلاة, أو الصفّ المقدّم بين يدي الله تعالى يوم القيامة، وهذا التعبير بعيد عن سلامة الاشتقاق اللغوي بالنسبة الى الصف: صفي لا صوفي.

    وبعضهم يزعم أنّ الصوفية كلمة منسوبة إلى بني صوفة: بعضهم ينسبون الصوفية الى بني صوفة وهي قبيلة بدوية كانت تخدم الكعبة في الجاهلية. ولستُ أفهم ما الخيرُ في أن ينسب قوم أنفسهم إلى قوم جاهليين لم يعرفوا الإسلام ولا التوحيد ؟!

    وأغلب الصوفية ينسبون أنفسهم إلى الصوف: وحرص معظم الصوفية الى رد اسمهم الى هذا الاصل يفسر تشوفهم الى المبالغة في التقشف والرهبنة وتعذيب النفس والبدن باعتبار ذلك كله لونا من الوان التقرب الى الله.
    كما يرون ان لبس الصوف دأب الأنبياء عليهم السلام والصديقين وشعار المساكين المتنسكين. (انظر ((صور من الصوفية)) لأبي العزايم جاد الكريم بكير).

    وهذا الأخير هو الذي رجّحه شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه العظيم: ((الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان)).

    والحقّ يُقال أنّه لو كان أصل الصوفية يرجع إلى الصوف لكان أكبر الصوفية وأعظمهم ومقدّمهم ((خروف)) !!

    والذي أدين لله به أنّ كلّ ما تقدّم من أصل كلمة الصوفية خطأ غير صواب وأنا أدين لله بأنّ الصوفية كلمة أعجمية دخيلة على اللغة العربية وأنّها تعني باليونانية ((الحكمة)) = ((صوفيا)). وهذا ما رجّحه العلامة عبد الرحمن الوكيل وتبعه الشيخ الدكتور محمّد جميل غازي رحمهما الله تعالى.
    ولمعرفة المزيد من الاختلاف في أصل كلمة التصوّف والصوفية راجع كتاب ((التصوّف المنشأ والمصادر)) لأسد السنّة في لاهور الشيخ إحسان إلهي ظهير رحمه الله تعالى.

    والمقصود من إعداد هذا المقال هو بيان بطلان أصل اشتقاق كلمة صوفية كما يدّعيه معظم أتباع هذا الدّين الدّخيل على الإسلام. ومعلوم أنّه إذا هدمت أصل التسمية هُدم المُسمّى ولا بُد.

    هذا وأسأل الله تعالى أن يجعل هذا المقال خالصا لوجهه الكريم وأن يرحم الإمام القرطبي ويجزل له الثواب إنّه تعالى سميع مجيب.

    أخوكم : أبو عبد الله غريب الأثري القسنطيني.

    ********

    قال الإمام أبي عبد الله محمّد الأنصاري القرطبي عليه رحمة الله:

    قوله تعالى: ((قل من حرم زينة الله)) بيّن أنهم حرموا من تلقاء أنفسهم ما لم يحرمه الله عليهم.

    والزينة هنا الملبس الحسن، إذا قدر عليه صاحبه.

    وقيل: جميع الثياب؛ كما روي عن عمر: إذا وسع الله عليكم فأوسعوا. وقد تقدم.

    وروي عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب شيخ مالك رضي الله عنهم أنه كان يلبس كساء خز بخمسين دينارا، يلبسه في الشتاء، فإذا كان في الصيف تصدق به، أو باعه فتصدق بثمنه، وكان يلبس في الصيف ثوبين من متاع بمصر ممشقين ويقول: ((قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق)).

    وإذا كان هذا فقد دلّت الآية على لباس الرفيع من الثياب، والتجمل بها في الجمع والأعياد، وعند لقاء الناس ومزاورة الإخوان.

    قال أبو العالية: كان المسلمون إذا تزاوروا تجملوا.

    وفي صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب أنه رأى حلة سيراء تباع عند باب المسجد، فقال: يا رسول الله، لو اشتريتها ليوم الجمعة وللوفود إذا قدموا عليك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما يلبس هذا من لا خلاق له في الآخرة)).
    فما أنكر عليه ذكر التجمل، وإنما أنكر عليه كونها سيراء.

    وقد اشترى تميم الداري حلة بألف درهم كان يصلي فيها.

    وكان مالك بن دينار يلبس الثياب العدنية الجياد.

    وكان ثوب أحمد بن حنبل يشترى بنحو الدينار.

    أين هذا ممن يرغب عنه ويؤثر لباس الخشن من الكتان والصوف من الثياب. ويقول: ((ولباس التقوى ذلك خير)) [الأعراف: 26] هيهات!

    أترى من ذكرنا تركوا لباس التقوى، لا والله! بل هم أهل التقوى وأولو المعرفة والنهى، وغيرهم أهل دعوى، وقلوبهم خالية من التقوى.

    قال خالد بن شوذب: شهدت الحسن وأتاه فرقد، فأخذه الحسن بكسائه فمده إليه وقال: يا فريقد، يا ابن أم فريقد، إن البر ليس في هذا الكساء، إنما البر ما وقر في الصدر وصدقه العمل.

    ودخل أبو محمد ابن أخي معروف الكرخي على أبي الحسن بن يسار وعليه جبة صوف، فقال له أبو الحسن: يا أبا محمد، صوفت قلبك أو جسمك؟ صوف قلبك والبس القوهي على القوهي.

    وقال رجل للشبلي: قد ورد جماعة من أصحابك وهم في الجامع، فمضى فرأى عليهم المرقعات والفوط، فأنشأ يقول:

    أما الخيام فإنها كخيامهم **** وأرى نساء الحي غير نسائه.

    قال أبو الفرج بن الجوزي رحمه الله: وأنا أكره ليس الفوط والمرقعات لأربعة أوجه:
    أحدها: أنه ليس من لبس السلف، وإنما كانوا يرقعون ضرورة.

    والثاني: أنه يتضمن ادعاء الفقر، وقد أمر الإنسان أن يظهر أثر نعم الله عليه.

    والثالث: إظهار التزهد؛ وقد أمرنا بستره.

    والرابع: أنه تشبه بهؤلاء المتزحزحين عن الشريعة.و((من تشبه بقوم فهو منهم)).

    وقال الطبري: ولقد أخطأ من أثر لباس الشعر والصوف على لباس القطن والكتان مع وجود السبيل إليه من حله.

    ومن أكل البقول والعدس واختاره على خبز البر.
    ومن ترك أكل اللحم خوفا من عارض شهوة النساء.

    وسئل بشر بن الحارث –وهو ممّن ينسب الصوفية أنفسهم إليه (غريب)- عن لبس الصوف، فشق عليه وتبينت الكراهة في وجهه ثم قال: لبس الخزز والمعصفر أحب إلي من لبس الصوف في الأمصار.

    وقال أبو الفرج: وقد كان السلف يلبسون الثياب المتوسطة، لا المترفعة ولا الدون، ويتخيرون أجودها للجمعة والعيد وللقاء الإخوان، ولم يكن تخير الأجود عندهم قبيحا.

    وأما اللباس الذي يزري بصاحبه فإنه يتضمن إظهار الزهد وإظهار الفقر، وكأنه لسان شكوى من الله تعالى، ويوجب احتقار اللابس؛ وكل ذلك مكروه منهي عنه.

    فإن قال قائل: تجويد اللباس هوى النفس وقد أمرنا بمجاهدتها، وتزين للخلق وقد أمرنا أن تكون أفعالنا لله لا للخلق ؟!

    فالجواب: ليس كل ما تهواه النفس يُذمُّ، وليس كل ما يتزين به للناس يكره، وإنما ينهي عن ذلك إذا كان الشرع قد نهى عنه أو على وجه الرياء في باب الدين.

    فإن الإنسان يجب أن يُرى جميلا. وذلك حظ للنفس لا يلام فيه. ولهذا يسرح شعره وينظر في المرآة ويسوي عمامته ويلبس بطانة الثوب الخشنة إلى داخل وظهارته الحسنة إلى خارج.
    وليس في شيء من هذا ما يكره ولا يذم.

    وقد روى مكحول عن عائشة قالت: كان نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرونه على الباب، فخرج يريدهم، وفي الدار ركوة فيها ماء؛ فجعل ينظر في الماء ويسوي لحيته وشعره. فقلت: يا رسول الله، وأنت تفعل هذا؟
    قال: ((نعم إذا خرج الرجل إلى إخوانه فليهيئ من نفسه فإن الله جميل يحب الجمال)).

    وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)).
    فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة.
    قال: ((إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس)).

    والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، تدل كلها على النظافة وحسن الهيئة. اهـ

    وقال عليه رحمة الله تعالى:

    قلت: وقد كره بعض الصوفية أكل الطيبات؛ واحتج بقول عمر رضي الله عنه: إياكم واللحم فإن له ضراوة كضرواة الخمر.

    والجواب: أن هذا من عمر قول خرج على من خشي منه إيثار التنعم في الدنيا، والمداومة على الشهوات، وشفاء النفس من اللذات، ونسيان الآخرة والإقبال على الدنيا، ولذلك كان يكتب عمر إلى عمال: إياكم والتنعم وزي أهل العجم، واخشوشنوا.

    ولم يرد رضي الله عنه تحريم شيء أحله الله، ولا تحظير ما أباحه الله تبارك اسمه.

    وقول الله عز وجل أولى ما امتثل واعتمد عليه.

    قال الله تعالى: ((قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق)).


    وقد مضى في ((المائدة)) الرد على من آثر أكل الخشن من الطعام. وهذه الآية ترد عليه وغيرها: والحمد لله. انتهى كلامه عليه رحمة الله بتصرف قليل.

    منقول ..

      الوقت/التاريخ الآن هو 15.11.24 3:14