- قال العلامة الإمام المحدث ناصر الدين الألباني - رحمه الله - بعدما ذكر الحديث :
( يا أيها الناس ! إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا , كتاب الله و عترتي أهل بيتي )
- ( .... و اعلم أيها القارىء الكريم , أن من المعروف أن الحديث مما يحتج به الشيعة , و يلهجون بذلك كثيرا , حتى يتوهم أهل السنة أنهم مصيبون في ذلك , و هم جميعا واهمون في ذلك , و بيانه من وجهين :
- الأول : أن المراد من الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم : “ عترتي “
أكثر مما يريده الشيعة , و لا يرده أهل السنة بل هم مستمسكون به , ألا و
هو أن العترة فيهم هم أهل بيته صلى الله عليه وسلم , و قد جاء ذلك موضحا
في بعض طرقه كحديث الترجمة : “ عترتي أهل بيتي “
و أهل بيته في الأصل هم “ نساؤه صلى الله عليه وسلم و فيهن الصديقة عائشة
رضي الله عنهن جميعا كما هو صريح قوله تعالى في ( الأحزاب ) : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا } بدليل الآية التي قبلها و التي بعدها : {
يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي
في قلبه مرض و قلن قولا معروفا . و قرن في بيوتكن و لا تبرجن تبرج
الجاهلية الأولى و أقمن الصلاة و آتين الزكاة و أطعن الله و رسوله إنما
يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا . و اذكرن ما يتلى
في بيوتكن من آيات الله و الحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا }
و تخصيص الشيعة ( أهل البيت )
في الآية بعلي و فاطمة و الحسن و الحسين رضي الله عنهم دون نسائه صلى الله
عليه وسلم من تحريفهم لآيات الله تعالى انتصارا لأهوائهم كما هو مشروح في
موضعه,و حديث الكساء و ما في معناه غاية ما فيه توسيع دلالة الآية و دخول
علي و أهله فيها كما بينه الحافظ ابن كثير و غيره,و كذلك حديث “العترة“ قد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن المقصود أهل بيته صلى الله عليه وسلم بالمعنى الشامل لزوجاته و علي و أهله .
و لذلك قال التوربشتي-كما في“المرقاة“(5/600) : “
عترة الرجل :أهل بيته و رهطه الأدنون ,و لاستعمالهم “العترة “ على أنحاء
كثيرة بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:“ أهل بيتي “ ليعلم أنه
أراد بذلك نسله و عصابته الأدنين و أزواجه “ .
- و الوجه الآخر : أن المقصود من “ أهل البيت “ إنما هم العلماء الصالحون منهم و المتمسكون بالكتاب و السنة ,
- قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى : “ ( العترة ) هم أهل بيته صلى الله عليه وسلم الذين هم على دينه و على التمسك بأمره “ .
و ذكر نحوه الشيخ علي القاريء في الموضع المشار إليه آنفا . ثم استظهر أن الوجه في تخصيص أهل البيت بالذكر ما أفاده بقوله : “
إن أهل البيت غالبا يكونون أعرف بصاحب البيت و أحواله , فالمراد بهم أهل
العلم منهم المطلعون على سيرته الواقفون على طريقته العارفون بحكمه و
حكمته . و بهذا يصلح أن يكون مقابلا لكتاب الله سبحانه كما قال : *( و
يعلمهم الكتاب و الحكمة ) “ .
قلت : و مثله قوله تعالى في خطاب أزواجه صلى الله عليه وسلم في آية التطهير المتقدمة : { و اذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله و الحكمة } .
فتبين أن المراد
بـ ( أهل البيت ) المتمسكين منهم بسنته صلى الله عليه وسلم , فتكون هي
المقصود بالذات في الحديث , و لذلك جعلها أحد ( الثقلين ) في حديث زيد بن
أرقم المقابل للثقل الأول و هو القرآن ,
و هو ما يشير إليه قول ابن الأثير في “ النهاية “ :
“
سماهما ( ثقلين ) لأن الآخذ بهما ( يعني الكتاب و السنة ) و العمل بهما
ثقيل , و يقال لكل خطير نفيس ( ثقل ) , فسماهما ( ثقلين ) إعظاما لقدرهما
و تفخيما لشأنهما “ .
قلت : و الحاصل أن ذكر أهل البيت في مقابل القرآن في هذا الحديث كذكر سنة الخلفاء الراشدين مع سنته صلى الله عليه وسلم في قوله : “ فعليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين ... “ .
قال الشيخ القاريء ( 1 / 199 ) : “ فإنهم لم يعملوا إلا بسنتي , فالإضافة إليهم , إما لعملهم بها , أو لاستنباطهم و اختيارهم إياها “ .
إذا عرفت ما تقدم فالحديث شاهد قوي لحديث “ الموطأ “ بلفظ : “ تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما , كتاب الله و سنة رسوله “
. و هو في “ المشكاة “ ( 186 ) . و قد خفي وجه هذا الشاهد على بعض من سود
صفحات من إخواننا الناشئين اليوم في تضعيف حديث الموطأ . و الله المستعان
. )
- المصدر : " السلسلة الصحيحة " حديث رقم " 1761 " بواسطة " قاموس البدع " 214
منقول