البصيرة والنظر في العواقب
بسم الله ، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله :
ذكر ابن مفلح في كتابه( الاّداب الشرعية ) كلاما جميلا عن البصيرة والنظر في العواقب :
[ ص: 229 ]
فَصْلٌ
( فِي الْبَصِيرَةِ وَالنَّظَرِ فِي الْعَوَاقِبِ ) .
كَانَ مُلُوكُ فَارِسَ يَعْتَبِرُونَ أَحْوَالَ الْحَوَاشِي بِإِيفَادِ التُّحَفِ عَلَى أَيْدِي مُسْتَحْسَنَاتِ الْجَوَارِي وَيَأْمُرُونَهُنَّ بِالتَّدْرِيجِ حَتَّى إذَاأَطَالُوا الْجُلُوسَ فَتَدِبُّ بِوَادِي الشَّهْوَةِ قَتَلُوا أُولَئِكَ
وَإِذَاأَرَادُوا مُطَالَعَةَ عَقَائِدِ الْفُسَّادِ دَسُّوا مَنْ يُتَابِعُهُمْ عَلَى ذَمِّ الدَّوْلَةِ فَإِذَا أَظْهَرُوا مَا فِي نُفُوسِهِمْ اسْتَأْصَلُوهُمْ
قَال َابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ : فَيَنْبَغِي الْحَذَرُ مِنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ , وَمَنْ مَخَّضَ الرَّأْيَ كَانَتْ زُبْدَتُهُ الصَّوَابَ .
وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ هَذَا الْمَعْنَى فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ , وَذَكَرَ مِنْ ذَلِكَ حِكَايَاتٍ
وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ هَذَا الْمَعْنَى فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ , وَذَكَرَ مِنْ ذَلِكَ حِكَايَاتٍ
وَقَالَ : لِيَحْذَرْ الْحَازِمُ مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَقَالَ الرَّجُلُمَنْ عَمِلَ بِالْحَزْمِ وَحَذِرَ الْجَائِزَاتِ , وَالْأَبْلَهُ الَّذِي يَعْمَلُعَلَى الظَّوَاهِرِ وَيَثِقُ مَنْ لَمْ يُجَرِّبْ .
وَقَالَ أَيْضًاأَبُوالْفَرَجِ فِي كِتَابِهِ السِّرِّ الْمَصُون ( فَصْلٌ مُهِمٌّ ) إنَّمَا فُضِّلَ الْعَقْلُ عَلَى الْحِسِّ بِالنَّظَرِ فِي الْعَوَاقِبِ , فَإِنَّ الْحِسَّ لَايَرَى الْحَاضِرَ , وَالْعَقْلُ يُلَاحِظُ الْآخِرَةَ وَيَعْمَلُ عَلَى مَا يَتَصَوَّرُ أَنْ يَقَعَ
وَقَالَ أَيْضًاأَبُوالْفَرَجِ فِي كِتَابِهِ السِّرِّ الْمَصُون ( فَصْلٌ مُهِمٌّ ) إنَّمَا فُضِّلَ الْعَقْلُ عَلَى الْحِسِّ بِالنَّظَرِ فِي الْعَوَاقِبِ , فَإِنَّ الْحِسَّ لَايَرَى الْحَاضِرَ , وَالْعَقْلُ يُلَاحِظُ الْآخِرَةَ وَيَعْمَلُ عَلَى مَا يَتَصَوَّرُ أَنْ يَقَعَ
فَلَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَغْفُلَ عَن ْتَلَمُّحِ الْعَوَاقِبِ فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ التَّكَاسُلَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ وَإِيثَارَ عَاجِلِ الرَّاحَةِ يُوجِبُ حَسَرَاتٍ دَائِمَةً لَا تَفِي لَذَّةُ الْبَطَالَةِ بِمِعْشَارِ تِلْكَ الْحَسْرَةِ
وَلَقَدْ كَانَ يَجْلِسُ إلَيَّأَخِي وَهُوَ عَامِّيٌّ فَقِيرٌ , فَأَقُولُ فِي نَفْسِي قَدْ تَسَاوَيْنَا فِي هَذِهِ اللَّحْظَةِ فَأَيْنَ تَعَبِي فِي طَلَبِ الْعِلْمِ ؟ وَأَيْنَ لَذَّةُ بَطَالَتِهِ ؟
وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَجْهَلُ بَعْضَ الْعِلْمِ فَيَسْتَحِي مِنْ السُّؤَالِ وَالطَّلَبِ لِكِبَرِ سِنِّهِ وَلِئَلَّا يُرَى بِعَيْنِ الْجَهْلِ فَيَلْقَى مِنْ الْفَضِيحَةِ إنْ سُئِلَ عَنْ ذَلِك َأَضْعَافَ مَا آثَرَ مِنْ الْحَيَاءِ .
وَمِنْ ذَلِكَ الطَّبْعُ يُطَالِبُ بِالْعَمَلِ بِمُقْتَضَى الْحَالَةِ الْحَاضِرَةِ مِثْلُ جَوَابِ [ ص: 230 ] جَاهِلٍ وَقْتَ الْغَضَبِ , ثُمَّ يَقَعُ النَّدَمُ فِي ثَانِي الْحَالِ عَلَىأَنَّ لَذَّةَ الْحِلْمِ أَوْفَى مِنْ الِانْتِقَامِ , وَرُبَّمَا أَثَّرَ ذَلِكَ الْحِقْدُ مِنْ الْجَاهِلِ فَتَمَكَّنَ فَبَالَغَ فِي الْأَذَى لَهُ .
وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يُعَادِيَ النَّاسَ وَمَا يَأْمَنُ أَنْ يَرْتَفِ عَالْم ُعَادَى فَيُؤْذِيَهُ . وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يُضْمِرَ عَدَاوَةَالْعَدُوِّ .
وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يُحِبَّ شَخْصًا فَيُفْشِيَ إلَيْهِ أَسْرَارَهُ ثُمَّ تَقَعُ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ فَيَظْهَرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ .
وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَرَى الْمَالَ الْكَثِيرَ فَيُنْفِقُ نَاسِيًا أَنَّذَلِكَ يَفْنَى فَيَقَعُ لَهُ فِي ثَانِي الْحَالِ حَوَائِجُ فَيَلْقَى مِنْ النَّدَمِ أَضْعَافَ مَا الْتَذَّ بِهِ فِي النَّفَقَةِ
وَمِنْ ذَلِكَ الطَّبْعُ يُطَالِبُ بِالْعَمَلِ بِمُقْتَضَى الْحَالَةِ الْحَاضِرَةِ مِثْلُ جَوَابِ [ ص: 230 ] جَاهِلٍ وَقْتَ الْغَضَبِ , ثُمَّ يَقَعُ النَّدَمُ فِي ثَانِي الْحَالِ عَلَىأَنَّ لَذَّةَ الْحِلْمِ أَوْفَى مِنْ الِانْتِقَامِ , وَرُبَّمَا أَثَّرَ ذَلِكَ الْحِقْدُ مِنْ الْجَاهِلِ فَتَمَكَّنَ فَبَالَغَ فِي الْأَذَى لَهُ .
وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يُعَادِيَ النَّاسَ وَمَا يَأْمَنُ أَنْ يَرْتَفِ عَالْم ُعَادَى فَيُؤْذِيَهُ . وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يُضْمِرَ عَدَاوَةَالْعَدُوِّ .
وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يُحِبَّ شَخْصًا فَيُفْشِيَ إلَيْهِ أَسْرَارَهُ ثُمَّ تَقَعُ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ فَيَظْهَرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ .
وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَرَى الْمَالَ الْكَثِيرَ فَيُنْفِقُ نَاسِيًا أَنَّذَلِكَ يَفْنَى فَيَقَعُ لَهُ فِي ثَانِي الْحَالِ حَوَائِجُ فَيَلْقَى مِنْ النَّدَمِ أَضْعَافَ مَا الْتَذَّ بِهِ فِي النَّفَقَةِ
فَيَنْبَغِي لِمَنْرُزِقَ مَالًا أَنْ يُصَوِّرَ السِّنَّ وَالْعَجْزَ عَنْ الْكَسْبِ , وَيُمَث ِّلَذَهَابَ الْجَاهِ فِي الطَّلَبِ مِنْ النَّاسِ , لِيَحْفَظَ مَا مَعَهُ .
وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَنْبَسِطَ ذُو دَوْلَةٍ فِي دَوْلَتِهِ فَإِذَا عُزِلَ نَدِمَ عَلَىمَا فَعَلَ وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَوِّرَ الْعَزْلَ وَيَعْمَلَ بِمُقْتَضَاهُ .
وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يُؤْثِرَ لَذَّةَ مَطْعَمٍ فَيَشْبَعَفَيَفُوتَهُ قِيَامُ اللَّيْلِ , أَوْ يُؤْثِرُ لَذَّةَ النَّوْمِ فَيَفُوتُهُ التَّهَجُّدُ , أَوْ يَأْكُلُ أَوْ يُجَامِعُ بِشَرَهٍ فَيَمْرَضُ , أَوْ يَشْتَهِي جِمَاعَ سَوْدَاءَ وَيَنْسَى أَنَّهَا رُبَّمَا حَمَلَتْ فَجَاءَتْ بِبِنْتٍ سَوْدَاءَ , فَكَمْ مِنْ حَسْرَةٍ تَقَعُ لَهُ عَلَى مَدَى الزَّمَانِ كُلَّمَا رَأَى تِلْكَ الْبِنْتَ
وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يُؤْثِرَ لَذَّةَ مَطْعَمٍ فَيَشْبَعَفَيَفُوتَهُ قِيَامُ اللَّيْلِ , أَوْ يُؤْثِرُ لَذَّةَ النَّوْمِ فَيَفُوتُهُ التَّهَجُّدُ , أَوْ يَأْكُلُ أَوْ يُجَامِعُ بِشَرَهٍ فَيَمْرَضُ , أَوْ يَشْتَهِي جِمَاعَ سَوْدَاءَ وَيَنْسَى أَنَّهَا رُبَّمَا حَمَلَتْ فَجَاءَتْ بِبِنْتٍ سَوْدَاءَ , فَكَمْ مِنْ حَسْرَةٍ تَقَعُ لَهُ عَلَى مَدَى الزَّمَانِ كُلَّمَا رَأَى تِلْكَ الْبِنْتَ
وَقَدْ كَانَ فِي زَمَانِنَا مَنْ جَامَعَ سَوْدَاءَ فَجَاءَتْ لَهُ بِوَلَدٍ فَافْتُضِحَ بِهِ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمَخْزَنِ , وَقَاضِي الْقُضَاةِ الدَّامَغَانِيُّ وَكَانَ تَاجِرًا قَدْ وُلِدَ لَهُ ابْنٌ أَسْوَدُ فَلَمَّا رَآهُ قَالَ لَعَنَ اللَّهُ شَهْوَتِي .
وَمِنْ ذَلِكَ اشْتِغَال ُالْعَالِمِ بِصُورَةِ الْعِلْمِ وَإِنَّمَا يُرَادُ الْعَمَلُ بِهِ وَالْإِخْلَاصُ فِي طَلَبِهِ فَيَذْهَبُ الزَّمَانُ فِي حُبِّ الصِّيتِ وَطَلَبِ مَدْحِ النَّاس ِفَيَقَعُ الْخُسْرَانُ إذَا حُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ . [ ص: 231 ]
وَمِنْ ذَلِكَ اقْتِنَاعُ الْعَالِمِ بِطَرَفٍ مِنْ الْعِلْمِ , فَأَيْنَ مُزَاحَمَةُ الْكَامِلِينَ وَالنَّظَرُ فِي عَوَاقِبِ أَحْوَالِهِمْ ؟ وَقَدْ يُؤْثِرُ الْأَسْهَلَ كَإِيثَارِ عِلْمِ الْحَدِيثِ عَلَى الْفِقْهِ وَمُعَانَاةُالدَّرَجِ تَسْهُلُ عِنْدَ الْعُلُوِّ .
وَمِنْ ذَلِكَ الْإِكْثَارُ مِن ْالْجِمَاعِ نَاسِيًا مَغَبَّتَهُ وَأَنَّهُ يُضْعِفُ الْبَدَنَ وَيُؤْذِي
وَمِنْ ذَلِكَ اشْتِغَال ُالْعَالِمِ بِصُورَةِ الْعِلْمِ وَإِنَّمَا يُرَادُ الْعَمَلُ بِهِ وَالْإِخْلَاصُ فِي طَلَبِهِ فَيَذْهَبُ الزَّمَانُ فِي حُبِّ الصِّيتِ وَطَلَبِ مَدْحِ النَّاس ِفَيَقَعُ الْخُسْرَانُ إذَا حُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ . [ ص: 231 ]
وَمِنْ ذَلِكَ اقْتِنَاعُ الْعَالِمِ بِطَرَفٍ مِنْ الْعِلْمِ , فَأَيْنَ مُزَاحَمَةُ الْكَامِلِينَ وَالنَّظَرُ فِي عَوَاقِبِ أَحْوَالِهِمْ ؟ وَقَدْ يُؤْثِرُ الْأَسْهَلَ كَإِيثَارِ عِلْمِ الْحَدِيثِ عَلَى الْفِقْهِ وَمُعَانَاةُالدَّرَجِ تَسْهُلُ عِنْدَ الْعُلُوِّ .
وَمِنْ ذَلِكَ الْإِكْثَارُ مِن ْالْجِمَاعِ نَاسِيًا مَغَبَّتَهُ وَأَنَّهُ يُضْعِفُ الْبَدَنَ وَيُؤْذِي
فَالطَّبْعُ يَرَى اللَّذَّةَ الْحَاضِرَةَ وَالْعَقْلُ يَتَأَمَّلُ , وَشَرْحُ هَذَا يَطُولُ
لَكِنْ قَدْ نَبَّهْت عَلَى أُصُولِهِ , لَقَدْ جِئْت يَوْمًا مِنْحَرٍّ شَدِيدٍ فَتَعَجَّلْت رَاحَةَ الْبُرُودَةِ فَنَزَعْت ثَوْبِي فَأَصَا بَنِي زُكَامٌ أَشْرَفْت مِنْهُ عَلَى الْمَوْتِ , وَلَوْ صَبَرْت سَاعَةً رَبِحْت مَالَقِيت , فَقِسْ كُلَّ لَذَّةٍ عَاجِلَةٍ وَدَعْ الْعَقْلَ يَتَلَمَّحُ عَوَاقِبَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَالَ أَيْضًا تَأَمَّلْت اللَّذَّاتِ فَرَأَيْتهَا بَيْنَ حِسِّيٍّ وَمَعْنَوِيٍّ فَأَمَّا الْحِسِّي َّاتُفَلَيْسَتْ بِشَيْءٍ عِنْدَ النُّفُوسِ الشَّرِيفَةِ , إنَّمَا تُرَادُ لِغَيْرِهَا كَالنِّكَاحِ لِلْوَلَدِ وَلِزَوَالِ الْفُضُولِ الْمُؤْذِيَةِ , وَالطَّعَام ِلِلتَّغَذِّي وَالتَّدَاوِي , وَالْمَالِ لِلْإِعْدَادِ وَلِلْحَوَائِجِ وَالِاسْتِغْنَاءِ عَنْ الْخَلْقِ
وَقَالَ أَيْضًا تَأَمَّلْت اللَّذَّاتِ فَرَأَيْتهَا بَيْنَ حِسِّيٍّ وَمَعْنَوِيٍّ فَأَمَّا الْحِسِّي َّاتُفَلَيْسَتْ بِشَيْءٍ عِنْدَ النُّفُوسِ الشَّرِيفَةِ , إنَّمَا تُرَادُ لِغَيْرِهَا كَالنِّكَاحِ لِلْوَلَدِ وَلِزَوَالِ الْفُضُولِ الْمُؤْذِيَةِ , وَالطَّعَام ِلِلتَّغَذِّي وَالتَّدَاوِي , وَالْمَالِ لِلْإِعْدَادِ وَلِلْحَوَائِجِ وَالِاسْتِغْنَاءِ عَنْ الْخَلْقِ
وَإِنَّمَا جُعِلَتْ اللَّذَّاتُ فِي تَحْصِيلِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَالْبِرْطِيلِ حَتَّى يُحَصِّلَهَا وَإِنْ طُلِبَ مِنْهَا شَيْءٌ لِنَفْسِ الِالْتِذَاذِ فَإِنَّ لِلطَّبْعِ حَظًّا , إلَّا أَنَّ كُلَّلَذَّةٍ حِسِّيَّةٍ تُلَازِمُهَا آفَاتٌ لَا تَكَادُ تَفِي بِاللَّذَّةِ فَإِنَّ النِّكَاحَ لَذَّةُ سَاعَةٍ فَيُلَازِمُهُ عَاجِلًا ذَهَابُ الْقُوَّةِ وَتَكَلُّفُ الْغُسْلِ وَمُدَارَاةُ الْمَرْأَةِ وَالنَّفَقَةُ عَلَيْهَا وَعَلَى الْأَوْلَادِ , فَاللَّذَّةُ خُطِفَتْ خَطْفَ بَرْقٍ وَمَا لَازَمَهَا صَوَاعِقُ وَمَا يُلَازِمُ الْمَطْعَمَ مَعْلُومٌ مِنْ الطَّهَارَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ .
وَمَعْلُومٌ مَا يُلَازِمُ حُبَّ الْمَالِ مِنْ مُعَانَاةِ الْكَسْبِ وَالْخَوْضِ فِي الشُّبُهَاتِ وَصَرْفِ الْقَلْبِ عَنْ الْفِكْرِ فِي الْآخِرَةِ شُغْلًا بِالِاكْتِسَابِ وَعَلَى هَذَا جَمِيعُ اللَّذَّاتِ الْحِسِّيَّةِ فَيَنْبَغِي أَن ْيَتَنَاوَلَ مِنْهَا الضَّرُورِيَّ فَتَقَعَ مُعَانَاةٌ ضَرُورِيَّةٌ فَتَحْصُلَقَنَاعَةٌ بِمِقْدَارِ الْكِفَايَةِ وَالْعِفَّةِ عَنْ فُضُولِ الشَّهَوَاتِ .
وَإِنَّمَا اللَّذَّةُ الْكَامِلَةُ الْأُمُورُ الْمَعْنَوِيَّةُ وَهِي َالْعِلْمُ وَالْإِدْرَاكُ لِحَقَائِقِ الْأُمُورِ وَالِارْتِفَاعُ بِالْكَ مَالِ عَلَى النَّاقِصِينَ , وَالِانْتِقَالُ مِنْ الْأَعْدَاءِ , إلَّا أَنَّهُ قَد ْتَكُونُ لَذَّةُ الْعَفْوِ أَطْيَبَ ; لِأَنَّهَا لَا تَقَعُ إلَّا فِي حَقِّذ َلِيلٍ قَدْ قُهِرَ , وَالصَّبْرُ عَلَى نَيْلِ كُلِّ فَضِيلَةٍ وَعَنْ كُلِّرَذِيلَةٍ , وَالْمُلَاحَظَةُ لِعَوَاقِبِ الْأُمُورِ , وَعُلُوِّ الْهِمَّةِ فَلَا تَقْصُرُ عَنْ بُلُوغِ غَايَةٍ تُرَادُ بِهِ فَضِيلَةٌ , وَمَنْ عَلِمَ أَنَّ الدُّنْيَا تَزُولُ , وَأَنَّ مَرَاتِبَ [ ص: 232 ] النَّاسِ فِي الْجَنَّةِ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا , نَافَسَ أُولَئِكَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى هُنَاكَ لِيَقْدَمَ عَلَى مَفْضُولِينَ لَهُ .
وَمَنْ تَفَكَّرَ عَلِم َأَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي نَقْصٍ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَنْ هُو َأَعْلَى مِنْهُمْ غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ بِنَقْصِهِمْ وَقَدْ رَضُو ابِحَالِهِمْ وَإِنَّمَا الْيَوْمَ نَعْلَمُ ذَلِكَ
وَمَعْلُومٌ مَا يُلَازِمُ حُبَّ الْمَالِ مِنْ مُعَانَاةِ الْكَسْبِ وَالْخَوْضِ فِي الشُّبُهَاتِ وَصَرْفِ الْقَلْبِ عَنْ الْفِكْرِ فِي الْآخِرَةِ شُغْلًا بِالِاكْتِسَابِ وَعَلَى هَذَا جَمِيعُ اللَّذَّاتِ الْحِسِّيَّةِ فَيَنْبَغِي أَن ْيَتَنَاوَلَ مِنْهَا الضَّرُورِيَّ فَتَقَعَ مُعَانَاةٌ ضَرُورِيَّةٌ فَتَحْصُلَقَنَاعَةٌ بِمِقْدَارِ الْكِفَايَةِ وَالْعِفَّةِ عَنْ فُضُولِ الشَّهَوَاتِ .
وَإِنَّمَا اللَّذَّةُ الْكَامِلَةُ الْأُمُورُ الْمَعْنَوِيَّةُ وَهِي َالْعِلْمُ وَالْإِدْرَاكُ لِحَقَائِقِ الْأُمُورِ وَالِارْتِفَاعُ بِالْكَ مَالِ عَلَى النَّاقِصِينَ , وَالِانْتِقَالُ مِنْ الْأَعْدَاءِ , إلَّا أَنَّهُ قَد ْتَكُونُ لَذَّةُ الْعَفْوِ أَطْيَبَ ; لِأَنَّهَا لَا تَقَعُ إلَّا فِي حَقِّذ َلِيلٍ قَدْ قُهِرَ , وَالصَّبْرُ عَلَى نَيْلِ كُلِّ فَضِيلَةٍ وَعَنْ كُلِّرَذِيلَةٍ , وَالْمُلَاحَظَةُ لِعَوَاقِبِ الْأُمُورِ , وَعُلُوِّ الْهِمَّةِ فَلَا تَقْصُرُ عَنْ بُلُوغِ غَايَةٍ تُرَادُ بِهِ فَضِيلَةٌ , وَمَنْ عَلِمَ أَنَّ الدُّنْيَا تَزُولُ , وَأَنَّ مَرَاتِبَ [ ص: 232 ] النَّاسِ فِي الْجَنَّةِ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا , نَافَسَ أُولَئِكَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى هُنَاكَ لِيَقْدَمَ عَلَى مَفْضُولِينَ لَهُ .
وَمَنْ تَفَكَّرَ عَلِم َأَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي نَقْصٍ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَنْ هُو َأَعْلَى مِنْهُمْ غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ بِنَقْصِهِمْ وَقَدْ رَضُو ابِحَالِهِمْ وَإِنَّمَا الْيَوْمَ نَعْلَمُ ذَلِكَ
فَالْبِدَارَ الْبِدَارَ إلَى تَحْصِيلِ أَفْضَلِ الْفَضَائِلِ , وَاغْتِنَامِ الزَّمَنِ السَّرِيعِ مَرَّةًقَبْلَ أَنْ تُجَرَّعَ شَرَابَ النَّدَمِ الْفَظِيعِ مَرَّةً , وَقُلْ لِنَفْسِكأَيُّ شَيْءٍ إلَى فُلَانٍ وَفُلَانٌ مِنْ الْمَوْتَى فَلَهُمْ فَنَافِسْ :
إذَا أَعْجَبَتْك خِصَالُ امْرِئٍ *** فَكُنْهُ تَكُنْ مِثْلَ مَا يُعْجِبُك
فَلَيْسَ عَلَى الْجُودِ وَالْمَكْرُمَاتِ ***إذَا جِئْتهَا حَاجِبٌ يَحْجُبُك
وَقَالَ أَيْضًا لَذَّاتُ الْحِسِّ شَهْوَانِيَّةٌ وَكُلُّهَا مَعْجُونٌ بِالْكَدَرِ , وَأَمَّا اللَّذَّاتُ النَّفْسَانِيَّةُ فَلَا كَدَرَ فِيهَا كَالْأَرَايِحِ الطَّيِّبَةِ وَالصَّوْتِ الْحَسَنِ وَالْعِلْمِ , وَأَعْلَاهُ مَعْرِفَةُ الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ , فَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ شَهَوَاتُ الْحِسِّ شَارَكَ الْبَهَائِمَ , وَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ شَهَوَاتُ النَّفْس ِزَاحَمَ الْمَلَائِكَةَ .
وَقَالَ أَيْضًا : تَفَكَّرْت يَوْمًا فَرَأَيْتأَنَّنَا فِي دَارِ الْمُعَامَلَةِ وَالْأَرْبَاحِ وَالْفَضَائِلِ فَمِثْلُنَا كَمِثْلِ مَزْرَعَةٍ مَنْ أَحْسَنَ بَذْرَهَا وَالْقِيَامَ عَلَيْهَا وَكَانَتْ الْأَرْضُ زَكِيَّةً وَالشُّرْبُ مُتَوَفِّرًا كَثُرَ الرِّيعُ , وَمَتَى اخْتَلَّشَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ أَثَّرَ يَوْمَ الْحَصَادِ , فَالْأَعْمَالُ فِي الدُّنْيَا مِنْهَا فَرْضٌ وَقَدْ وَقَعَ فِيهِ تَفْرِيطٌ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ , وَمِنْهَا فَضِيلَةٌ وَأَكْثَرُ النَّاسِ مُتَكَاسِلٌ عَنْ طَلَبِ الْفَضَائِلِ , وَالنَّاسُ عَلَى ضَرْبَيْنِ عَالِمٌ يَغْلِبُهُ هَوَاهُ فَيَتَوَانَى عَنْ الْعَمَلِ , وَجَاهِلٌ يَظُنُّ أَنَّهُ عَلَى الصَّوَابِ , وَهَذَا الْأَغْلَبُ عَلَى الْخَلْقِ , فَالْأَمِيرُ يُرَاعِي سَلْطَنَتَهُ وَلَا يُبَالِي بِمُخَالِفَةِ الشَّرْعِ , أَوْ يَرَى بِجَهْلِهِ جَوَازَ مَا يَفْعَلُهُ , وَالْفَقِيهُ هِمَّتُهُ تَرْتِي بُالْأَسْئِلَةِ لِيَقْهَرَ الْخَصْمَ , وَالْقَاصُّ هِمَّتُهُ تَزْوِيقُ الْكَلَام ِلِيُعْجِبَ السَّامِعِينَ , وَالزَّاهِدُ مَقْصُودُهُ تَزْيِينُ ظَاهِرِهِب ِالْخُشُوعِ لِتُقَبَّلَ يَدُهُ وَيُتَبَرَّكَ بِهِ , وَالتَّاجِرُ يُمْضِي عُمْرَهُ فِي جَمْعِ الْمَالِ كَيْفَ اتَّفَقَ فَفِكْرُهُ مَصْرُوفٌ إلَى ذَلِكَ عَنْ النَّظَرِ إلَى صِحَّةِ الْعُقُودِ , وَالْمُغْرَى بِالشَّهَوَاتِ مُنْهَمِكٌ عَلَى تَحْصِيلِ غَرَضِهِ تَارَةً بِالْمَطْعَمِ وَتَارَةً بِالْوَطْءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِذَا ذَهَبَ [ ص: 233 ] الْعُمْرُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَكَان َالْقَلْبُ مَشْغُولًا بِالْفِكْرِ فِي تَحْصِيلِهَا .
فَمَتَى تَتَفَرَّغُ لِإِخْرَاجِ زَيْفِ الْقَصْدِ مِنْ خَالِصِهِ , وَمُحَاسَبَةِ النَّفْسِ فِي أَفْعَالِهَا , وَدَفْعِ الْكَدَرِ عَنْ بَاطِنِ السِّرِّ وَجَمْعِ الزَّادِل ِلرَّحِيلِ , وَالْبِدَارِ إلَى تَحْصِيلِ الْفَضَائِلِ وَالْمَعَالِي ؟
فَالظَّاهِرُ قُدُومُ الْأَكْثَرِينَ عَلَى الْحَسَرَاتِ .
إمَّا فِي التَّفْرِيط لِلْوَاجِبِ أَوْ لِلتَّأَسُّفِ عَلَى فَوَاتِ الْفَضَائِلِ
فَاَللَّهَ اللَّهَ يَا أَهْلَ الْفَهْمِ اقْطَعُوا الْقَوَاطِعَ عَنْ الْمُهِمِّ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ الِاسْتِلَابُ بَغْتَةً عَلَى شَتَاتِ الْقَلْبِ وَضَيَاعِ الْأَمْرِ . [ ص: 234]
والنقل
لطفـاً .. من هنـــــــا
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=104068