(( لباس العلم ))
لباسُ العلم
لباسُ العلم
للعلومِ آثارُها التي تنطبعُ على المشتغلِ فيها ، و لها مظاهرها الحاكيةُ حقيقة القصدِ في السعي في تحصيلها ، و لا يتخلَّفُ ذلك في شيءٍ من المعارفِ و العلوم ، لأنَّ العلمَ و المعرفةَ تنميةٌ للعقلِ و تربيةٌ للفكرِ و هذا له من العائد على الشخصِ ما يُبيِّنُ للغيرِ مدى انتفاعه من اشتغاله بمعارفه و علومه .
ليست المعارفُ تكثيرٌ للزخمِ المعلوماتي و المعرفي في الذهنِ فحسب ، بل هيَ نقلٌ للمعاني من خلالِ ضبط المباني ، و تحقيقٌ للإحكام بإتقانِ الأحكام ، فقصدُ العلمِ رصدُ الحِلم ، فالعلوم و المعارفُ تربطُ بين الظاهرِ و الباطن عند المشتغلِ بها و في تحصيلها ، فيكون للباطنِ أثرُه على الظاهرِ ، و للظاهرِ دلالةٌ على الباطن ، و الاعتبارُ بشواهد المقاصد ، و الاستئناسُ ببوادر المظاهر .
أشاد كثيرٌ ممن اشتغل بالتربية للمشتغلين بالتعلمِ إلى مراعاةِ (( لباس العلم )) و الاهتمام به ، و يُعنى بِه الأدبُ ، فلم يُخلوا كتاباً من إشارةٍ إلى ذلك ، إن لم يكن ثمةَ صريحِ عبارة .
و (( لباس العلم )) له مجالان :
الأول : الذات ، عنايةُ الشخصِ في تحسين لباسِ العلم و أدبه في ذاته من أولى ما أوْليَ اهتماماً ، و من أحرى ما أعطيَ عنايةً ، لأنَّ في صيانة الشخصِ ذاته ، و رعاية أدبه في نفسه تحقيقٌ لكينونة ذلك مع الغير ، و متى كان ذلك غائباً عن وعي الشخصِ ، و مُهمَلاً من طرفِه ، فلم يُوليه اهتماماً كان فسادُ العلمِ عليه أكثرُ من الإصلاح ، لأنَّ العلمَ حيثُ لا تأديبَ و لا تهذيبَ فلا ترتيبَ .
و لباسُ الذات له محلاَّن :
أولهما : باطنٌ ، فيُعنى الشخصُ صاحبُ العلم و المعرفة بتحسينِ باطنِ حاله ، و تصفيةِ سِرِّ نفسِه ، من حيثُ مراقبةُ القلبِ و ما يميلُ إليه ، و تقلباتِ النفسِ مع رُعوناتها و هاويةِ الهوى ، و كذلك في تهذيبِ الروح في الإقبالِ على مقاصدِ العلوم ، و غاياتِ المعرفة ، فيكون حالُه في ذلك كلِّه أشبَه بالكمالِ ، على قدر الاستطاعة و الجهد .
ثانيهما : ظاهرٌ ، في صيانةِ الخُلُقِ ، و الاتصافِ بالمروءةِ ، و رعايةِ حقِّ العلمِ ، و حفظِ جانبِ أهلِه ، فلا يكونَّنَّ ثغرةً مهملةً على المعارف و العلوم بزلةٍ و إهمالٍ يبدرانِ منه ، و لا يكونَّنَّ شامخاً بِقِصَرٍ ، و لا متعملقاً و هو أقزم ، و لا دعياً و هو خِلْوٌ ، فللعلمِ حقٌّ يأخذه من صاحبه نقداً لا نسيئةً متى لم يُؤَدَّ .
الثاني : الغير ، فمُحَصِّلُ العلوم و المعارف سيكون له معَ فنونه صولاتٌ و جولاتٌ ، في تبليغٍ و نشرٍ ، و إيضاحٍ و فَسْرٍ ، و كشفٍ لِسَتْرٍ ، معَ أهلِ فنِّه أو مع من خالفَ ، و سيكون له مع الكلِّ أخذٌ و ردٌّ ، و تعقيبٌ و ترحيبٌ ، و ذلك يُلزمه أن يكون واقفاً في إظهارِه لباسَ علمه بأمورٍ ثلاثة :
أولها : أدبُ المخالفة ، لا يكاد يتفق الكلُّ على شيءٍ ، لِعَوْدِ ذلك للفهومِ في إدراك مقاصد المعلوم ، و الفهوم متفاوتةٌ متباينة ، كما تتفاوتُ العقول ، لأنَّ الفهمَ نتاجُ عملِ العقلِ ، و العقلُ إدراكٌ لمقاصد العلم و المعرفة ، و وسائل الإدراك و مداخلِه ليست على نَسَقٍ و لا على سابلةٍ ثابتةٍ راسخة ، عندئذٍ كانت المراعاةُ لأدبِ المخالفةِ في استعراضِ الفهمِ و تحليلِ مجيئه ، معَ أدبٍ في العَرْضِ ، و علمٍ في الطرحِ ، و برهانٍ عند الإيراد ، و إعذارٍ عند الاعتراض ، ليكتملَ نَظمُ التحقيقِ للمعلومِ على وجْهِ الحُسْنِ ، و يُحفَظُ الوِدُّ .
المعارف و العلومُ تُلهمُ صاحبَها حينَ يُدركُ حقائقَها أن يكون في دائرة الانحيازِ معَ الغيرِ ، حيثُ ما يحويه مما يذهبُ إليه منتصراً قد يكون ريباً ، و الذي في معزلٍ عن حقائق العلوم و المعارفِ و يأخذُ منها بطرفٍ ضعيفٍ فإنه باقٍ في دائرةِ الحيادِ لإيحاءِ نقصِ تحصيلِه بأنَّ ما لقيَ كثيرٌ فيعتقدُ أن في يقينٍ و أنْ ليسَ إلا الخطأ ، فيلجأ الأولُ المُدركُ للحقائق المعرفية إلى رعاية أدب المخالفة ، و يلجأُ الثاني إلى نقضِ ذلك ، فيهدمُ المصلحةَ الكبرى بتحقيقِ مصلحته الصغرى .
ثانيها : جمالُ المعاملة ، في الخبر المروي عن النبي صلى الله عليه و سلم " الدين المعاملة " فقيامُ الدينِ على ذلك ، حيثُ الإحسانُ في العِشرة ، و الإتقانُ في تحقيق المقصدِ ، و المعاملةُ تحققها بإدراكِ مقاصدِ العلوم ، لم يكن الدينُ قائماً على المعالمة فحسب دون المعاملة ، فالمعالمةُ عندما تتخلفُ المعاملةُ تُورثُ كبراً و فساداً عريضاً لغيابِ أثر المعالمة ، و المعاملةُ إن كانت في شخصٍ دفعته لأخذ العلوم بانكسارٍ و خضوعٍ ، فالأولُ في جهلِه مركباً و الثاني بسيطاً ، و بينهما فرقٌ .
ثالثها : النصيحة ، على وفقِ المحبة ، و قصد الرحمة ، على جادةِ الأدب ، و قانون الخُلُقِ ، و بدون ذا ضياعٌ للمعارف و العلوم ، و انصداعٌ في جدارِ المصالح الكبرى ، و قطعٌ لرحم العلوم و المعارف ، و الرحم الموصولةُ موصولٌ صاحبها ، و القاطع مقطوع ، و كلٌّ يقصد حيث أراد .
(( لباس العلم )) حيثُ غابَ عنا رأينا خللاً في علومٍ و معارف ، و حيثُ أُهملَ دبَّ إلى الصفِّ داءُ أنصاف المتعالمين ، و حيثُ رُوعيَ كان الاكتمالُ ، و تحقيق البناءِ و الإعمار .
والنقل
لطفـاً .. من هنــــــــــــا
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=115264
[/size]
لطفـاً .. من هنــــــــــــا
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=115264
[/size]