خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    ( فَانُسَلَخَ مِنُهَا )

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية ( فَانُسَلَخَ مِنُهَا )

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 06.09.09 13:56

    ( فَانُسَلَخَ مِنُهَا ) .

    Embarassed

    قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه ( أمثال القرآن ) :

    ومنها قوله تعالى :

    ( وَاتُل عَلَيُهِمُ نَبَأَ الَذِي ءَتَيُنَه ءَاتَيُتِنَا فَانُسَلَخَ مِنُهَا فَأَتُبَعَه الشَيُطَان فَكَانَ مِنَ الُغَاوِينَ وَلَوُ شِئُنَا لَرَفَعُنَه بِهَا وَلَكِنَه أَخُلَدَ إِلَى الُأَرُضِ وَاتَبَعَ هَوَه فَمَثَلَه كَمَثَلِ الُكَلُبِ إِن تَحُمِلُ عَلَيُهِ يَلُهَثُ أَوُ تَتُركُه يَلُهَثُ ذَلِكَ مَثَل الُقَوُمِ الَذِينَ كَذَبواُ بِاَيَتِنَا فَاقُصصِ الُقَصَصَ لَعَلَهمُ يَتَفَكَرونُ )
    { الأعراف : 175، 176 } .


    فشبَّه سبحانه مَن آتاه كتابه ، وعلَّمه العلمَ الذي منعه غيرَه ، فترك العمل به ، واتَّبع هواه ، وآثر سخط الله على رضاه ، ودنياه على آخرته ، والمخلوق على الخالق بالكلب الذي هو مِن :

    - أخبث الحيوانات
    - وأوضعها قدرا ً،
    - وأخسِّها نفساً ،
    - وهمَّته لا تتعدى بطنه ،
    - وأشدها شرهاً وحرصاً ، ومِن حرصه أنَّه لا يمشي إلا وخطمه في الأرض يتشمَّم ويستروح حرصاً وشرهاً .

    ولا يزال يَشُمُّ دبره دون سائر أجزائه ، وإذا رميتَ إليه بحجرٍ رجع إليه ليعضه من فرط نهمته ، وهو مِن أمهن الحيوانات وأحملها للهوان وأرضاها بالدنايا .

    والجيفُ القذرة المروحة أحبُّ إليه مِن اللحم الطري .

    والعذرة أحبُّ إليه مِن الحلوى .

    وإذا ظفر بميتةٍ تكفي مائةَ كلـبٍ لم يَدَع كلباً واحداً يتناول منها شيئاً إلاّ هرَّ عليه وقهره لحرصه وبخله وشَرَهِه .

    ومِن عجيبِ أمره وحرصه أنَّه إذا رأى ذا هيئةٍ رثةٍ وثيابٍ دنيَّةٍ وحالٍ زرِيَّةٍ نبحه وحمل عليه ، كأنَّه يتصور مشاركتَه له ومنازعتَه في قُوتِه .
    وإذا رأى ذا هيئةٍ حسنةٍ وثيابٍ جميلةٍ ورياسةٍ وضع له خطمه بالأرض ، وخضع له ولم يرفع إليه رأسه .

    وفي تشبيه مَن آثر الدنيا وعاجلها على اللهِ والدارِ الآخرةِ مع وفور علمه بالكلب في حال لهثه سِرٌّ بديعٌ ، وهو :

    أنَّ هذا الذي حاله ما ذكره الله مِن انسلاخه مِن آياته واتباعه هواه إنما كان لشدة لـهفه على الدنيا لانقطاع قلبه عن الله والدار الآخرة فهو شديد اللهف عليها ، ولـهفه نظير لـهف الكلب الدائم في حال إزعاجه وتركه .

    واللهف واللهث شقيقان وأخوان في اللفظ والمعنى .

    قال ابن جريج : الكلبُ منقطعُ الفؤاد ، لا فؤاد له ، إنْ تحمل عليه يلهث ، أو تتركه يلهث فهو مثل الذي يترك الهُدى ، لا فؤاد له ، إنما فؤاده منقطعٌ .
    قلت : مراده بانقطاع فؤاده أنَّه ليس له فؤادٌ يحمله على الصبر عن الدنيا وترك اللهف عليها فهذا يلهف على الدنيا مِن قلة صبره عنها ، وهذا يلهث مِن قلة صبره عن الماء ، فالكلب مِن أقل الحيوانات صبراً عن الماء ، وإذ عطش أكل الثرى من العطش ، وإنْ كان فيه صبرٌ على الجوع .

    وعلى كلِّ حالٍ فهو مِن أشدِّ الحيوانات لـهثاً ، يلهث قائماً وقاعداً وماشياً وواقفاً ، وذلك لشدَّة حرصه ، فحرارةُ الحرصِ في كبده توجبُ له دوام اللهث .
    فهكذا مشبَّهه شدةُ الحرص وحرارةُ الشهوة في قلبه توجب له دوام اللهث ، فإنْ حملتَ عليه بالموعظة والنصيحة فهو يلهث ، وإن تركتَه ولم تعظْه فهو يلهث .

    قال مجاهد : ذلك مثَل الذي أوتي الكتاب ولم يعمل به .

    وقال ابن عباس : إنْ تحمل عليه الحكمة لم يحملْها ، وإن تتركْه لم يهتدِ إلى خيرٍ ، كالكلب إنْ كان رابضاً لهث ، وإنْ طرد لهث .

    وقال الحسن : هو المنافق لا يثبت على الحقِّ ، دُعي أو لم يُدْع ، وُعظ أو لم يُوعظ ، كالكلب يلهث طرداً وتركاً .

    وقال عطاء : ينبح إنْ حملتَ عليه أو لم تحمل عليه .

    وقال أبو محمد بن قتيبة: كلُّ شيءٍ يلهثُ فإنما يلهثُ مِن إعياءٍ أو عطشٍ إلا الكلب، فإنَّه يلهث في حالِ الكلال وحالِ الراحة وحالِ الصحة وحالِ المرض والعطش فضربه الله مثلاً لمن كذَّب بآياته، وقال: إنْ وعَظْتَه فهو ضالٌّ، وإن ترَكْتَه فهو ضالٌّ، كالكلب إنْ طردتَّهُ لهث وإنْ تركْتَه على حاله لهث ونظيره قوله سبحانه: { وَإِنْ تَدْعُوهُم إِلى الهُدَى لاَ يَتَّبِعُوكُم سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُم أَمْ أَنْتُم صَامِتُونَ } [الأعراف/193].

    يتبع بإذن الله ،،،،

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: ( فَانُسَلَخَ مِنُهَا )

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 06.09.09 13:59

    تابع لكلام ابن القيم :

    وتأمَّلْ ما في هذا المثل مِن الحِكم والمعاني:

    - فمنها: قوله: { آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا } فأخبر سبحانه أنَّه هو الذي آتاه آياته، فإنَّها نعمةٌ، والله هو الذي أنعم بـها عليه، فأضافها إلى نفسه، ثم قال: { فَانْسَلَخَ مِنْهَا } أي: خرج منها كما تنسلخ الحيَّةُ مِن جلدها، وفارقها فراق الجلد يُسلخ عن اللحم. ولم يقل (فسلخناه منها) لأنَّه هو الذي تسبب إلى انسلاخه منها باتباعه هواه.

    - ومنها: قوله سبحانه: { فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَان } أي: لحقه وأدركه، كما قال في قوم فرعون: { فَأَتْبَعُوهُم مُشْرِقِينَ } [الشعراء/60] وكان محفوظاً محروساً بآيات الله محميَّ الجانب بـها من الشيطان لا ينـال منه شيئاً إلا على غِرَّةٍ وخطفة. فلمَّا انسلخ مِن آيات الله ظفِر به الشيطانُ ظفَر الأسد بفريسته {فَكَانَ مِنَ الغَاوِينَ} العاملين بخلاف علمهم الذين يعرفون الحق ويعملون بخلافه كعلماء السوء.

    - ومنها: أنَّه سبحانه قال: { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا } فأخبر سبحانه أنَّ الرفعة عنده ليست بمجرد العلم - فإنَّ هذا كان مِن العلماء- وإنَّما هي باتباع الحق وإيثاره وقصد مرضاة الله، فإنَّ هذا كان مِن أعلم أهل زمانه، ولم يرفعه الله بعلمه ولم ينفعه به، نعوذ بالله مِن علمٍ لا ينفع.

    وأخبر سبحانه أنَّه هو الذي يرفع عبدَه إذا شاء بما آتاه من العلم، وإنْ لم يرفعه الله فهو موضوعٌ، لا يرفعُ أحدٌ به رأساً، فإنَّ الربَّ الخافضَ الرافعَ سبحانه خفضه ولم يرفعه. والمعنى: لو شئنا فضَّلناه وشرَّفْناه ورفعنا قدرَه ومنـزلته بالآيات التي آتيناه.

    قال ابن عباس: لو شئنا لرفعناه بعلمه.

    وقالت طائفة: الضمير في قوله: {لَرَفَعْنَاهُ } : عائدٌ على الكفر والمعنى: لو شئنا لرفعنا عنه الكفر بالإيمان وعصمناه.

    وهذا المعنى حقٌّ ، والأول هو مراد الآية، وهذا مِن لوازم المراد ، وقد تقدم أنَّ السلف كثيراً ما ينبهون على لازمِ معنى الآية، فيظنُّ الظانُّ أنَّ ذلك هو المراد منها.

    وقوله: } وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلى الأَرْضِ }. قال سعيد بن جبير: ركن إلى الأرض .
    وقال مجاهد : سكن .
    وقال مقاتل : رضي بالدنيا .
    وقال أبو عبيدة : لزمها وأبطأ .

    والمـُخلِدُ من الرجال : هو الذي يبطىء في مِشْيته ، ومِن الدواب : التي تبقى ثناياه إلى أنْ تخرج رَباعيَّتُه .
    وقال الزجاج : خلد وأخلد ، وأصله من الخلود ، وهو الدوام والبقاء . يقال : أخلد فلان بالمكان إذا أقام به .
    قال مالك بن نويرة :
    بأبناء حيٍّ مِن قبائل مالك وعمرو بن يربوع أقاموا فأخلدوا

    قلت : ومنه قوله تعالى: {يَطُوفُ عَلَيْهِم وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ} [الواقعة/17] أي : قد خُلقوا للبقاء لذلك لا يتغيرون ولا يكبرون ، وهم على سنٍّ واحدٍ أبداً .
    وقيل : هم المقرَّطون في آذانهم ، والمسوَّرون في أيديهم . وأصحاب هذا القول فسَّروا اللفظة ببعض لوازمها ، وذلك أمارة التخليد على ذلك السنِّ فلا تنافي بين القولين .

    وقوله: } فَاتَّبَعَ هَوَاهُ }،
    قال الكلبي : اتَّبع مسافل الأمور وترك معاليها .
    وقال أبو رَوْق : اختار الدنيا على الآخرة .
    وقال عطاء : أراد الدنيا وأطاع شيطانه .
    وقال ابن زيد : كان هواه مع القوم ، يعني الذين حاربوا موسى وقومه .
    وقال ابن يمان : اتَّبع امرأته لأنهَّا هي التي حملته على ما فعل .

    فإنْ قيل : الاستدراك بـ (لكن) يقتضي أنْ يثبت بعدها ما نفى قبله ، أو ينفي ما أثبت كما تقول: (لو شئتُ لأعطيتُه ، لكني لم أعطِه ) و ( لو شئتُ لما فعلتُ كذا لكني فعلتُه ).

    والاستدراك يقتضي : (ولو شئنا لرفعناه بـها ولكنَّا لم نشأ ، أو لم نرفعه ) ، فكيف استدرك بقوله: { وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلى الأَرْضِ } بعد قوله : { لَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا } ؟

    قيل : هذا مِن الكلام الملحوظ فيه جانب المعنى ، المعدول فيه عن مراعاة الألفاظ إلى المعاني وذلك أنَّ مضمون قوله: { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا } أنَّه لم يتعاط الأسباب التي تقتضي رفعه بالآيات: مِن إيثار الله ومرضاته على هواه ، ولكنَّه آثر الدنيا وأخلدَ إلى الأرض واتَّبع هواه ) ا.هـ .
    انظر : " أعلام الموقعين " [1/165-169]. وانظر: " الفوائد " [ص150].
    والنقل
    http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=40813

      الوقت/التاريخ الآن هو 14.11.24 18:45