خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    وَصِيَّةُ الحَافِظِ الذَّهَبيِّ ت 748 هجرية لِمُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ السَّلامِيّ

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية وَصِيَّةُ الحَافِظِ الذَّهَبيِّ ت 748 هجرية لِمُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ السَّلامِيّ

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 03.09.09 12:05


    وَصِيَّةُ الحَافِظِ الذَّهَبيِّ ت 748 هجرية

    لِمُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ السَّلامِيّ

    فاصل

    هذه وصيّةُ الشّيخ الإمام العالم الحافظ البارع أبي عبد الله محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبيّ المقرئ رحمه الله تعالى لمحمّد بن أبي الفضل رافع بن أبي محمّد السّلامي 1 :

    يَا وُلَيد رافع ! اسمع أقُلْ لك : أراكَ – والله – مثلي 2 مُزْجَى البِضاعة , قليلَ العلمِ بالصِّناعة , فلا أقلَّ من الإقبال على الطَّاعة , ولُزومِ خَمْسِك في جَماعة .


    وهل شيئٌ أقبحُ من شابٍّ يَخْدُمُ السُّنَّةَ ولا يعملُ بها ؟! نَعَم , آخرُ يُبالِغُ في الطَّلب , ويكتبُ عمّن دَرَجَ ودَبّ 3, ثمّ لا يصلّي ! فلا بارََك اللهُ في هذا النّمَط ! فإنّ هؤلاء ما غَوَايتُهم بالحديث إلاّ كغَوَايَة المصارِع والسّاعي ولاعبِ الحَمام , بل أُولاءِ أعْذَرُ بالجهلِ .


    وهذا المُعَثِّرُ يَسْمَعُ الألوفَ من الحديثِ فيها الوعيدُ والتّهديد , والعذابُ الشّديد , ولا يَنزجر , بل ما أظنُّه يسمعُ شيئاً , ولا يفهمُ حديثاً , لأنّه إن كان قارئاً بنفسه , فبِجَهْدِه أن يتَهَجّى الأسماءَ والمتون , ويُبَدِّلُ ما يشير إليه , وعينُه إلى تنبيه الشّيخِ تارةً , وإلى أمْرَدَ حاضرٍ تارةً , وإلى إقامةِ الإعرابِ تارةً , لئلاّ يُخْزىَ بين الحاضرين , وإن كان غيرَه القارئُ استراحَ , فأنا كفيلٌ لك بأنّه ما يسمعُ غيرَ : ( ثنا 1 قال : ثنا ) , و ( صلّى الله عليه وسلّم ) , لكثرة دَوْرِ ذلك .

    فتراه إمّا يكتبُ الأسماءَ حال السَّماع , فَيَبْطُلُ ويُبطِلُ , أو يَنسَخُ في جزء , أو يكتبُ طِباقا 2 , أو يُطالعُ في شيئٍ , وهذا أجودُ أحواله , ولا جودةَ فيها , أو بمكانٍ - وهذا الأغلبُ – يُحَدِّثُ جليسَه , ويَمزَحُ مع الصِّبيان المِلاَح , فمتى يَسمعُ هذا أو يعقلُ أو يبصرُ أو يُغني عنه الحديثُ شيئاً ؟!
    وأمّا قول وكيع : " إنّ هذا الحديث يصدُّكم عن ذكر الله وعن الصّلاةِ , فهل انتم مُنْتَهُون ؟! " , فهذا قالَهُ في الصَّلاةِ المقارنَةَِ للذِّكْرِ , وهي النَّوافلُ , أي : يُقَلِّلُ تشاغُلَكُم بالنّوافل , فانتهوا عن ذلك .

    أمّا أن يَصُدَّهُم عن الفرائض الخمس , فحاشا لله ! هذا ماكان في سِيَرِهم قطّ , إلاّ في أيّام الجهادِ وقبلها بمدّة 6 .

    وهل يتركُ الصلاةَ مُحَدِّثٌ إلاَّ وهو مِن الرُّذالة 7 الزُّبالَة , آوٍ إلى التّعَثُّرِ والضَّلالَة ؟!

    فإن كمَّل نفسَه بتلوُّطٍ أو قيادة 8 , فقد تمّت له الإفادة , وإن استعمل من العلوم قِسْطاً , فقد ازدادَ مهانةً وخَبْطاً , وبَذَلَ دينه لشيطانه , وأدبرَ عن الخير , فهل في مثل هذا الضَّرْبِ خيرٌ ؟ لا كثَّرَ اللهُ مثلَهم , فما حظُّ الواحدِ 9 [ من هؤلاء ] 10 إلاّ أن يسمع ليرويَ فقط .
    فَلَيُعَاقَبَنَّ بنقيضِ قصده , وليُشَهِّرَنَّهُ اللهُ [ تعالى ]11 بعد أن سترهُ مرّاتٍ , ولَيَبْقَيَنَّ مُضْغَةً في الألسُن , وعِبرةًً بين المحدِّثين , ثمّ لَيَطْبَعَنَّ اللهُ على قلبه , ورُبّما سُلِب التّوحيد , وطَمِعَ فيه الشّيطان , فدخلَ في باطنه الخَرابُ , وشَكَّكَهُ في الإسلامِ والنّبوّاتِ إلى أن يخسرَ الدّنيا والآخرة , نَسألُ الله العفو والسّتر .


    فباللهِ يا أخي ثمّ بالله , اتّق الله في نفسكَ المسكينَة , ولا تَكُن ممّن أدخلَهُ طلبُ الحديثِ النّارَ , فما ارتفعَ رافِعٌ 12 إلاّ بالتقوى , والخيرِ , وملازمة الآداب النّبوية .

    فإن قَبِلْتَ نُصحي , فما أَوْلاكَ بالخير والتّوقير , وإن أعرضتَ كإعراضِك عن وصيّةِ الإلهِ العظيم , فتبّاً لك سائرَ الدّهر , فإنّ الله يقول – وهو أصدقُ من قال , وأرحمُ من أمر , وأعلمُ من أوحى , وأكرمُ من هدى , وهو أشفقُ علينا من أنفسنا – " ولَقد وصّينا الذين أوتُوا الكِتَابَ من قَبلِكُم وإيّاكُم أنِ اتّقوا الله "13 .

    فبا لله , قُل لي : هل يكونُ طالبٌ من خُدَّم 14 السُّنّةِ يَتهاونُ بالصّلوات ,أو يَتعانى تلكَ القاذورات ؟ لا واللهِ , ولا هو ممّن اتّقى الله .

    وأنحسُ من ذلك كلِّه محدِّثٌ يكذبُ في حديثِه , ويختلقُ الفشارات 15 فإن تَرقّت همّته المقيتةُ إلى الكذب في النّقل والتّزويرِ في الطِّباقِ , فقد استراح , وطرّس 16الطَّلبة على اسمِه ورسمِه : صورةً ومعنىً .

    وإن تَعانى سرقةَ الأجزاء , أو كشطَ الأوقاف , فهذا لصٌّ بِسَمْتِ مُحدِّثٍ , وإن جعل الطّلب له مأكَلَةً ودُكَّاناً , فالأعمالُ بالنيّاتِ , ولا قوّة إلاّ بالله .
    فاقرأ كتابك وكفى بنفسك عليك حسيبا , وأعوذُ باللهِ أن أكون قد ضيّعتُ الزّمانَ في نعتِ بَطَلَةِ الطَّلَبةِ , أبلاهم الله بالغلَبَة .

    فافتح عينَك , وأحضِرْ ذِهنك , وأرعني سمعَك , فإن انتفعت وعقَدْتَ مع الله عَقْداً , فقد توسّمتُ فيك الخيرَ , وإن شردْتَ وركبتَ الإعراضَ والكسلَ مثلي 17 , فواحسرتا عليّ وعليك .

    فثمّةَ طريقٌ قد بقي لا أكتُمه عنك 18 وهو كثرةُ الدّعاء , والاستعانةُ بالله العظيم في آناءِ اللّيلِ والنّهار , وكثرةُ الإلحاح على مولاكَ بكلِّ دعاءٍ مأثورٍ تستحضرُه أو غيرِ مأثورٍ , وعقيبَ الخَمْسِ , في أن يُصْلِحَك ويُوَفِّقك .


    والزم – ولابُدَّ – آيةَ الكرسيِّ في دُبر الصَّلواتِ المفروضة , وأكثِر الاستغفارَ والأذكار , والزم الصِّدق المفرط عن كلّ بدّ في كل شيئ , ولا تستكبر , ولا تكن ممّن يستكبر بما عَلِم , فإنّك جاهلٌ خَبِلٌ19 فداوم – بالله – [ على ] التّواضع الزّائد , والمسكنةَ للمسلمين إلاّ الفاسقين منهم , وأحبَّ لله , وأبغِض في الله , وثق بالله , وتوكّل على الله , وأنزل ضرورَتك بالله , ولا تستغنِ إلاّ بالله , وأكثر من : لا حولَ ولا قوّة إلاّ بالله , ومن الصّلاة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تسليماً كثيراً دائماً أبداً .

    انتهت الوصيّة .

    َاعتنى بها الشيخ : جمال عزُّون

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: وَصِيَّةُ الحَافِظِ الذَّهَبيِّ ت 748 هجرية لِمُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ السَّلامِيّ

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 03.09.09 12:11

    ======= الحاشية =========
    - محمّد بن رافع بن هَجْرَس , المحدِّثُ , العالمُ , الحافظُ , المفيدُ , الرّحّالُ , المتقن , ناصر الدّين الصّميديّ ثمّ المصريّ الشافعيّ , ولد سنة 704 ه , وتوفي سنة 774 ه , قاله الذّهبيّ في المعجم المختصّ ص 229 -230 , وانظر مقدمة كتاب الوفيات للسلامي – بتحقيق : صالح مهدي عبّاس .

    2- هذا من تواضع الذهبي رحمه الله تعالى .

    3-في المثل : أكذب من دبَّ ودرج , أي : أكذب الأحياء والأموات , انظر لسان العرب 2/ 269 , والمعنى هنا أنّه يكتب عن كلّ أحدٍ دون انتقاءٍ للشيوخ .

    4-اختصار حدّثنا

    5 يعني طبقا السّماع , وهو أن يكتب الطالبُ اسمَ الشيخ الذي قرأ أو سمع عليه منه كتاباً أو جزءاً أو نحوه وما يلتحق بالاسم من نسبٍ ونسبةٍ وكنيةٍٍ ولقبٍ ومذهبٍ ونحو ذلك , أو في النسخة التي يرومُ تحصيلها من المسموع . انظر فتح المغيث 3/114 للحافظ السخاويّ .

    أي : أو تراه بمكانٍ . . .
    ابن الجرّاح الرُّواسي الإمام الحافظ ت 197 ه

    لم أره عن وكيع لكن عن شعبة أخرجه البسويّ في المعرفة والتاريخ 1 /727 و الخطيب البغداديّ في شرف أصحاب الحديث ص 114 – باب ذكر اخبارٍ ربّما أشكلت على سامعيها , وبيان الإشكال الواقع في وجوهها ومعانيها - , وأبوبكر أحمد بن مروان الدّينوري المالكي في المجالسة وجواهر العلم 2 / 587 , وابن عديّ في الكامل 1/ 88 , وابن عبد البرّ في جامع بيان العلم وفضله 2/ 1029 ,من طرق عن شعبة به .
    قال أبو خليفة :" يريد شعبة – رحمه الله – أنّ أهلَه يضيِّعون العملَ بما يسمعون منه , ويتشاغلون بالمكاثرة به , أو نحو ذلك , والحديث لا يصدُّ عن ذِكرِ الله , بل يَهدي إلى أمر الله , وذكر كلاماً ".

    قال الخطيب البغدادي :" وليس يجوزُ لأحدٍ أن يقول : كان شعبةُ يُثبِّطُ عن طلب الحديث , وكيف يكون كذلك وقد بلغ من قدره أن سُمِّيَ أمير المؤمنين في الحديث , كلُّ ذلك لأجل طلبه له , واشتغاله به , ولم يزل طولَ عمره يطلبه حتى مات على غاية الحرص في جمعه , لا يشتغل بشيئٍ سواه , ويكتب عمّن دونه في السّن والإسناد , وكان من أشدّ أصحاب الحديث عنايةً بما سمع , وأحسنهم إتقاناً لما حفظ " .

    6 كذا في الأصل : إلاّ في أيام الجهادِ وقبلها بمدّة , والمراد فيما يظهر أن جهاد العدوّ يحصل فيه نوعُ تغييرٍ وتشاغلٍ , نحو الجمع بين الصّلاتين , وقصر الأربع إلى ركعتين , بل وإلى ركعةٍ عند بعضهم , وينقسم فيها المسلمون إلى طائفتين , إحداهما تؤدي الصّلاة , وأخرى تجابه العدوّ , وعند احتدام السّيوف تشرع " رجالاً وركباناً " .

    7 الرُّذالة : ما انتقي جَيِّدُه وبقي رديئُه . لسان العرب 11 /281 ( رذل )

    8 في بعض نسخ معيد النّعم : بتلوّطٍ اعتاده , كما في هامش ص 89

    9 في معيد النعم ص 89 : واحد .

    10 زيادةٌ من معيد النعم ص 89 .

    11 من معيد النعم ص 89 .

    12 يشير الحافظ الذّهبيّ هنا إلى رافع بن هجرس والد محمّدٍ الذي قدّم له الذّهبيّ هذه الوصيّة , وكان رافعٌ هذا إماماً , مقرئاً , محدِّثاً , فقيهاً ,زاهداً , خيّراً , عني بالرّواية والقراءات , وكتب وحصّل بعض الأصول , وعلّق وأفاد , وذكر الذّهبي أنه اجتمع به بالقاهرة وذاكره , توفي سنة 718 ه انظر المعجم المختص ص 98 للذّهبي .

    13 النساء : الآية 131

    14 في معيد النعم ص 89 : طلاّب

    15 في معيد النعم ص 89 : الفشار , وهو الهذيان و وهذه الكلمة لم ترد في كلام العرب , انظر القاموس المحيط مادة ( فشر )

    16 في الأصل : وطرشوا ولعلّ المثبت أولى , إذ الطِّرْسُ : الكتابُ الذي مُحي ثم كُتب , يقال : طرّسه : إذا أعاد الكتابةَ على المكتوب الممحوِّ , انظر المعجم الوسيط 2 /554 ( طرس ) , وعلى هذا يكون معنى السيّاق أن المزوِّرَ في طباق السّماع حين يكشط الأسماء ونحو ذلك فإن الطلبة يكتبون على كتابته المزورة محاولين إظهار الصّحيح الذي محاه , أو إخفاء الكذب الذي أبداه .

    17 هذا من تواضع الحافظ الذّهبيّ , وحاشاه أن يكون مِن أهل الإعراض والكسل .

    18 وهكذا شأنُ العلماء , لا يكتمون ما يعلمون , ولا يألون جهداً في إبداء نصائحهم , رغبةً في الهداية والإصلاح .

    19 في الأصل : خبلي , والمثبت أولى , والخَبلُ : الجنون وشبهُه كالهَوَجِ والبَلَه انظر المصباح المنير ص 195 .
    والنقل
    http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=142424

      الوقت/التاريخ الآن هو 14.11.24 19:00