خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    كلماتٌ في العلْمِ وَأَدَبِ الطّلبِ والاتّباعِ وذَمِّ الابتدَاعِ وغير ذَلِكَ

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية كلماتٌ في العلْمِ وَأَدَبِ الطّلبِ والاتّباعِ وذَمِّ الابتدَاعِ وغير ذَلِكَ

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 03.09.09 11:53

    كلماتٌ في العلْمِ وَأَدَبِ الطّلبِ والاتّباعِ وذَمِّ الابتدَاعِ وغير ذَلِكَ

    تحية


    كلماتٌ في العلْمِ وَأَدَبِ الطّلبِ والاتّباعِ وذَمِّ الابتدَاعِ وغير ذَلِكَ
    مستخرجةٌ من كلامِ الحافظِ الذّهَبِيّ
    جمعها الشيخ جمَال عزُّون
    فاصل


    1-خطر الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم

    قال أبوكر الصديق :
    " إياكم والكذب , فإنّ الكذبَ مجانب الإيمان ".
    قال الحافظُ الذّهبيُّ معلِّقاً :
    ": قلتُ : صدقَ الصّدّيقُ , فإنّ الكذبَ رأسُ النِّفاق , وآيةُ المنافق , والمؤمنُ يطبعُ على المعاصي والذّنوب الشَّهوانيّة لا على الخِيانة والكذب , فما الظنُّ بالكذب على الصّادق الأمين صلواتُ الله عليه وسلامُه , وهو القائلُ : إنّ كذباً عَلَيّ ليس ككذبٍ على غيري , من يكذب عَلَيَّ بُني له بيتٌ في النّار , وقال : من يقُل عليَّ مالم أقُل ... الحديث .


    فهذا وعيدٌ لمن نقل عن نبيِّه مالم يقله مع غلبة الظّنِّ أنّه قاله , فكيف حالُ من تهجّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعمّد عليه الكذبَ , وقَوَّلَهُ ما لم يقُل , وقال عليه السّلامُ : من روى عنّي حديثاً يُرى أنّه كذبٌ فهو أحدُ الكاذبين .

    فإنّا لله وإنّا إليه راجعُون ماذِي إلاّ بليّةٌ عظيمةٌ وخطرٌ شديدٌ ممّن يَروي الأباطيلَ والأحاديثَ الساقطة , المُتّهمَ نقلتُها بالكذب , فحُقَّ على المُحدِّث أن يتورّع فيما يُؤدّيه , وأن يسأل أهلَ المعرفة والورع ليُعينُوه على إيضاح مرويّاتِه .

    ولا سبيلَ إلى أن يصيرَ العارفُ الذي يُزكّي نقلةَ الأخبار ويُجرِّحُهم جِهْبِذاً إلاّ بإدمانِ الطّلب , والفَحصِ عن هذا الشّأن , وكثرةِ المُذاكرة ,والسَّهَرِ والتّيَقُّظِ والفَهْمِ , مع التّقوى والدّين المتين والإنصافِ , والتّردُّد إلى مجالس العُلماء ,والتَّحرِّي والإتقان , وإلاّ تفعل :

    فدعْ عنك الكتابةَ لستَ منها ** ولو سوّدتَ وجهَك بالمِدادِ
    قال اللهُ عزّوجلّ :

    " فَاسْألُوا أهلَ الذّكرِ إن كنتُم لا تَعلمُون "

    فإن آنستَ ياهذاَ من نفسك فهماً وصدقاً وديناً وورعاً , وإلاّ فلا تَتَعَنَّ , وإن غلبَ عليك الهوَى والعصبيّةُ لرأيٍ ولمذهبٍ فبالله لا تتعبْ , وإن عرفتَ أنّك مُخلِّطٌ مُخَبِّطٌ مُهمِلٌ لحدود الله فأرحنا منك , فبعد قليلٍ ينكشفُ البَهْرَجُ , ويَنكبُّ الزّغَلُ , و " لا يحيقُ المَكْرُ السَّيِّئُ إلاَّ بِأهلهِ " ,
    فقد نصحتُك , فعِلمُ الحديث صَلْفٌ , فـأينَ علمُ الحديثِ ؟ وأين أهلُه ؟ كدتُّ أن لا أراهُم إلاَّ في كتاب , أو تحت تُراب "
    ( تذكرة الحفّاظ 1/3-5) .

    2-شكوك ووساوس لا تزول إلاّ بسؤال أهل العلم

    " منْ مرض قلبُه بشكوكٍ ووساوسَ لا تزولُ إلاّ بسؤال أهل العلم فليتعلَّم من الحقِّ ما يدفعُ ذلك عنه , ولا يُمعِن , وأكبرُ أدويته الافتقار إلى الله والاستغاثةُ به , فليكرِّ هذا الدُّ عاء , وليُكثر منه :
    اللّهُمّ ربَّ جبريل وميكائيل وإسرافيل , منزل التّوراة والإنجيل , اهدني لما اختلف فيه من الحقِّ بإذنك , إنّك تهْدِي من تشاءُ إلى صراطٍ مستقيمٍ .
    وليُجدِّد التوبةَ والاستغفار , وليسأل الله تعالى اليقينَ والعافية , فإنّه – إن شاء الله – لا ينقضي عنه أيّامٌ إلاّ وقد عُوفي – إن شاء الله- من مرضه , وسَلِمَ له توحيدُه , واستراحَ مِن الدُّخول في علم الكلام الذي – والله العظيم – تعلُّمه لدرْءِ دائه مُولِّدٌ له أدواءَ عديدةً ربَّما قَتَلته ! بل لا تقعُ كثرةَ الشُّكوك والشُّبه إلاّ لمن اشتغل بعلم الكلام والحكمة.
    فدواءُ هذه :

    رميُ هذه الأشياء المُهلكة , والإعراضُ عنها بالكُليّة , والإقبالُ على كثرة التِّلاوة والصّلاة والدُّعاء والخَوْف , فأنا الزَّعيمُ له بأن يَخْلُصَ له توحيدُه , ويعافيه مَوْلاَهُ .
    وإن لم يستعمل هذا الدّواء , وداوى الدَّاءَ بالدّاءِ , وغَرِقَ في أودية الآراء والعقُول , فقد يَسْلَمُ وقد يَهْلَكُ , وقد يتعلَّلُ إلى أن يمُوت " ( مسائل في طلب العلم وأقسامه ص 202 -203 )


    فاصل

    3--عزٌّ تامٌّ وعلمٌ غزيرٌ

    "وفي زمان هذه الطّبقة كان الإسلامُ وأهلُه في عزٍّ تامٍّ وعلمٍ غزيرٍ , وأعلامُ الجهادِ منثورة , والسُّنَنُ مشهورة ’, والبدعُ مكبوتة , والقوّالُون بالحقّ كثيرٌ , والعُبّادُ متوافُرون , والنّاسُ في بُلَهْنِيَةٍ من العيشِ بالأمن وكثرة الجيوش المحمّدية , من أقصى المغرب وجزيرة الأندلس , وإلى قريب مملكة الخطا , وبعض الهند وإلى الحبشة .

    وخلفاء هذا الزّمان أبو جعفرٍ , وأين مثلُ أبي جعفرٍ – على ظلمٍ فيه – في شجاعته وحزمِه , وكمال عقلِه وفهمه وعلمه , ومشاركته في الأدب ووفورهيبته .
    ثمّ ابنُه المهديّ في سخائه وكثرة محاسنه , وتتبُّعِه لاستئصال الزّنادقة . وولدُه الرّشيدُ هارونُ في جهادِه وحجِّه وعظمة سلطانِه – على لعبٍ ولهوٍ - , ولكن كان مُعظّماً لحُرمات الدّين , قويّ المشاركة في العلم , نبيلَ الرّأي , مُحبّاً للسُّنن .
    وكان في هذا الوقت من الصّالحين مثلُ إبراهيم بن أدهم وداود الطّائي وسفيان الثوري .
    ومن النُّحاة مثلُ عيسى بن عمر والخليلُ بن أحمد وحمّاد بن سلمة وعدّةٌ .
    والقرّاءُ كحمزة بن حبيب وأبي عمرو بن العلاء ونافع بن أبي نُعيم وشِبْل بن عَبّادٍ وسَلاّمٌ الطّويل شيخُ يعقوب
    . ومن الشّعراء عددٌ كثيرٌ كمروان بن أبي حفصة وبشّار بن بُردٍ .
    ومن الفقهاء كأبي حنيفة ومالك والأوزاعي "
    ( تذكرة الحفّاظ 1/244 ).


    4-رحمَ اللهُ امرءاً أقبلَ على شأنِه

    " هؤلاء المُسَمَّوْنَ في هذه الطبقة ( يعني الذهبي الطبقة الثامنة من الأعلام المترجمين في تذكرة الحفّاظ ) هم ثقاتُ الحُفّاظ , ولعلّ قد أهملنا طائفةً مِن نُظرائهم , فإنّ المجلسَ الواحدَ في هذا الوقت كان يجتمعُ فيه أزيد من عشرة آلاف محبرةٍ , يكتبُون الآثارَ النّبويّة , ويعتَتنُونَ بهذا الشّأن , وبينهم نحو من مائتي إمامٍ قد برزُوا وتأهّلُوا للفُتيا , فلقد تفَانَى أصحابُ الحديث وتلاشَوْا , وتبدّل النّاسُ بطلبةٍ يَهْزَأُ بهم أعداءُ الحديث والسُّنَّة , ويسخرُون منهم , وصار علماءُ العصر في الغالب عاكفين على التّقليد في الفرُوع من غير تحريرٍ لها , ومُكبِّين على عقليّاتٍ من حكمة الأوائل وآراء المتكلّمين , من غير أن يتعقّلوا أكثرها , فعمّ البلاءُ , واستحكمت الأهواءُ , ولا حت مبادئُ رفعِ العلم وقبضِه من النّاس , فرحم اللهُ امرءاً أقبل على شأنِه , وقصرَ من لسانه , وأقبل على تلاوة قُرآنِه , وبكى على زمانِه , وأدمن النّظرَ في الصّحيحين , وعبدَ الله قبل أن يبغتَهُ الأجلُ , اللّهمّ فوفّق وارحم " .
    إي والله صدقَ



    قال الفضيل بن عياض :

    " يا مسكين , أنتَ مُسيئٌ وتََرى أنّك مُحسِنٌ , وأنت جاهلٌ وترى أنّك عالمٌ , وتبخلُ وترى أنّك كريمٌ , وأحمقُ وتَرى أنّك عاقلٌ , وأجلُك قصيرٌ , وأملُك طويلٌ ".

    قال الحافظُ الذّهبيُّ معلٍّقاً :
    " قلتُ : إي – والله – صدقَ , وأنتَ ظالمٌ وتَرى أنّك مظلومٌ , وآكِلٌ للحرام وترى أنّك مُتَورِّعٌ , وفاسِقٌ وتعتقدُ أنّك عَدْلٌ , وطالبُ العلمِ للدُّنيا وتَرى أنّك تطلبُه لله "

    ( سير أعلام النبلاء 8/440)



    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: كلماتٌ في العلْمِ وَأَدَبِ الطّلبِ والاتّباعِ وذَمِّ الابتدَاعِ وغير ذَلِكَ

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 03.09.09 11:57

    دِماغٌ طاشَ وفاشَ وبقيَ قرعةً !

    قال ابن هلالة :" جلستُ عنده في الخلوة مراراً , وشاهدتُ أموراً عجيبةً , وسمعتُ من يخاطُبني بأشياءَ حسنةٍ ".

    قال الحافظُ الذَّهبيُّ ومعلقاً :

    "قلتُ : لا وجودَ لِمَنْ خاطبك في خلْوَتك مع جُوعك المُفرط , بل هو سماعُ كلامٍ في الدِّماغ الذي قد طاشَ وفاشَ وبقي قَرْعَةً كما يتِمُّ للمُبَرسَمِ
    والمغمُور بالحُمّى والمجنون , فاجزم بهذا , واعبُد الله بالسّنن الثابتة تفلح " ( سير أعلام النبلاء22 /112).

    آهٍ واحسرتاهُ على قلّة من يعرفُ دين الإسلام كما ينبغي

    قال سفيان الثّوريُّ :"ليس طلبُ الحديث من عدّة الموتِ ولكنه علّةٌ يتشاغلُ بها " .

    قال الحافظُ الذَّهبيُّ معلقاً :

    " قلتُ : طلبُ الحديث قدرٌ زائدٌ على طلب العلم , وهو لقبٌ لأمورٍ عُرفيَّةٍ قليلةِ المدخل في العلم , فإذا كان فنونٌ عديدةٌ من علم الآثار النبويّة بهذه المثابة فما ظنّك بطلب علم الجدل والعقليّات والمنطق اليوناني ؟ آهٍ واحسرتاهُ على قلّة من يعرفُ دينَ الإسلام كما ينبغي , وما أقلّ في القليل المتعيّن إذا كان مثلُ سفيان يودُّ أن ينجُو من عمله كفافاً , فما نقول نحن ؟ واغَوثَاهُ بالله ". ( تاريخ الإسلام-وفيات 161ه-180ه ص 233).


    فاصل

    7-سنّةُ الله فيمن ازدرى العلماءَ

    في ترجمة أبي عبدالرّحمن بن سلمة البصري الأفطس قال الحافظُ الذَّهبيُّ رحمه الله تعالى :
    " كان يستخفُّ بالأئمّة قال : يكذبُ سفيان , وتكلّم في غُندَر , وقال عن القطّان : ذاك الأحول .
    وكذا سنّةُ الله في كلِّ من ازدرى العلماءَ بقي حقيراً " (تاريخ الإسلام ص 256).

    8-قواعدُ هامّةٌ في التعامل مع الجيران

    " إذا كان الجارُ صاحبَ كبيرةٍ فلا يخلُو إمّا أن يكون متستِّراً بها , ويغلقُ بابهُ عليه , فليعرض عنه , ويتغافل عنه , وإن أمكنَ أن ينصحَهُ في السّرّ ويعظُه فحسنٌ , وإن كان متظاهراً بفسقه مثل مكّاسٍ أو مُرابي فتهجره هجراً جميلاً , وكذا إن كان تاركاً للصّلاة في كثير من الأوقات , فمُرْهُ بالمعروف , وانهه عن المنكر مرَّةً بعد أخرى , وإلاّ فاهجُره في الله لعلّه أن يَرعَويَ , ويحصل له انتفاعٌ بِالهِجْرَة من غير أن تقطع عنه كلامَك وسلامَك وهديّتَك , فإن رأيتَهُ مُتمرِّداً عاتياً بعيداً من الخير فأعرض عنه , واجهدْ أن تتحوّل من جِواره , فقد تقدّم أنَّ النّبيّ صلى الله عليه وسلّم تعوّذ من جار السُّوء في دار الإقامة .
    فإن كان الجارُ دَيُّوثاً أو قليلَ الغَيْرَة أو حريمُه على غير الطّريق المستقيم فتحوّل عنه , أو فاجهد أن لا يُؤذون زوجتَك فإنّ في ذلك فساداً كثيراً , وخفْ على نفسك المسكينة , ولا تدخُل منزلَه , واقطع الوُّدَّ بكلِّ ممكنٍ , وإن لم تقبل منّي ربّما حصل لك هوى وطمعٌ , وغُلِبْتَ عن نفسك أو أمِّك أو خادمتك أو أختك , وإن ألزمتَهُم بالتَّحَوُّل عن جِوارك فافعل بلطفٍ وبرغبةٍ وبرهبةٍ .
    فإن كان جارُك رافضيّاً أو صاحبَ بدعةٍ كبيرةٍ , فإن قدرت على تعليمه وهدايته فاجهد , وإن عجزتَ فانجمع عنه ولا تُوادّه ولاتُصافّه , ولا تكون له مُصادقاً ولا مُعاشراً , والتّحوّل أولى بك .
    فإن كان جارُك يهودّياً أو نصرانيّاً في الدّار أو في السُّوق أو في البستان فجاوره بالمعروف ولا تؤذه ...
    فأمَّا من جعل إجابةََََ دعوتهم دَيدَنَهُ , وعاشرهُم وباسطهُم فإنّ إيمانَهُ يرِقُّ وقد قال الله تعالى :" ولا تجدُ قوماً يؤمنُونَ باللهِ واليومِ الآخرِ يُوادُّون من حادَّ الله ورسُولَهُ ولو كانُوا آباءَهُم أو أبناءَهُم أو إخوانَهُم أو عشيرتَهُم أُولئك في قلوبهم الإيمان وأيَّدَهُم بروحٍ منهُ " .
    فإن انضافَ إلى جِواره كونُه من قرابتك أو ذوي رحمك فهذا حقُّه آكَدٌ , وكذا إن كان أحدُ أبويك ذمِّيّاً فإنّ للأبوين وللرَّحِم حقاًّ فوق حقُوق الجوار , فأعطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ .
    وكذا ردُّ السّلام فلا تبدأ أحداً من هؤلاء بسلامٍ أصلاًً , وإذا سلَّمَ أحدٌ منهم عليك فقُلْ : وعليكُم , أمّا كيف أصبحتَ , كيف أمسيتَ , فهذا لا بأسَ به , وأن يقول منه بغير إسرافٍ ولا مُبالغةٍ في الرّدِّ قال الله تعالى " فسوفَ يَأتي الله بقومٍ يحِبُّهُم ويُحِبُّونه أذِلَّةٍ على المؤمنينَ أعِزَّةٍ على الكافرينَ " .
    فالمؤمنُ يتواضعُ للمؤمنين , ويتذلّل لهم , ويتعزّزُ على الكافرين ولا يتضاءلُ لهم , تعظيماً لحرمة الإسلام , وإعزازاً للدِّين , من غير أن تُؤذيهُم , ولا تودّهم كما تودُّ المسلم " . ( حقُّ الجار ص 46-49 )


    فاصل

    9-مَنْ أنعمَ النّظرَ في فصوص الحِكَم أو أنعمَ التَّأمُّلَ لاَحَ له العجبُ

    من أنعمَ النّظرَ في فصُوص الحِكَم أو أنعمَ التَّأمُّلَ لاَحَ لهُ العجبُ , فإنّ الذّكِيَّ إذا تأمَّل من ذلك الأقوالَ والنّظائرَ والأشباهَ فهو أحدُ رجُلين : إمَّا من الاتِّحاديّة في الباطن , وإمَّا من المؤمنين بالله الذين يعدُّون أنّ هذه النِّحلَة من أكفر الكُفر , نسألُ الله العفوَ , وأن يكتب الإيمانَ في قلوبنا , وأن يُثبّتنا بالقول الثّابت في الحياة الدُّنيا وفي الآخرة . فوالله لأن يعيشَ المسلمُ جاهلاً خلفَ البَقَرِ لا يعرفُ من العلم شيئاً سوى سُوَرٍ من القرآن يُصلِّي بها الصّلوات , ويُؤمنُ بالله وباليوم الآخِر , خيرٌ له بكثيرٍ من هذا العِرْفان وهذه الحقائق , ولو قرأ مائةَ كتابٍ أو عمل مائةَ خَلْوَةٍ ". ( ميزان الاعتدال 660

    10-إن أحببت – يا عبدَ الله – الإنصاف


    " إن أحببتَ- يا عبدالله –الإنصافَ فقفْ مع نصوص القرآن والسُّنن , ثمّ انظُر ما قاله الصّحابةُ والتّابعُون وأئمّة التّفسير في هذه الآيات , وما حكوهُ من مذاهب السّلف , فإمّا أن تنطقَ بِعِلْمٍ , وإمّا أن تسكُت بِحِلْمٍ . ودعِ المراءَ والجدالَ فإنّ المِراءَ في القرآن كفرٌ , كما نطق بذلك الحديثُ الصّحيحُ . وسترى أقوالَ الأئمّة في ذلك على طبقاتهم بعد سَرْدِ الأحاديث النّبويّة , جمعَ اللهُ قلوبَنا على التّقوى , ورزقنا الاجتنابَ عن الهوى . فإنّنا على أصلٍ صحيحٍ , وعِقْدٍ متينٍ , من أنّ الله تقدّس اسمُه لا مثلَ له , وأنّ إيماننا بما ثبتَ من نُعوته كإيماننا بذاته المقدّسة , إذ الصّفاتُ تابعةٌ للموصُوف , فنعقل وجودَ الباري , ونُميّز ذاتَه المقدّسةَ
    عن الأشباه من غير أن نتعقّل الماهيّة , فكذلك القولُ في صفاته نؤمنُ بها , ونعقلُ وجودَها , ونعلمها في الجُملة من غير أن نتعقّلها أو نُشبّهها أو نكيّفها أو نمثّلها بصفات خَلْقِه , تعالى اللهُ عن ذلك علوّاً كبيراً " (العلوّ للعليّ الغفّار ص13


    11-نادى على نفسه أنا أبو اعْرِفُوني

    " القُرّاءُ المجوِّدة فيهم تنطّعٌ وتحريرٌ زائدٌ يُؤدِّي إلى أنّ المُجَوِّدَ القارئَ يبقى مصروفَ الهِمَّة إلى مُراعاة الحروف والتّنطّعِ في تجويدها , بحيث يشغلُه ذلك عن تدبُّرمعاني كتاب الله تعالى , ويصرفُه عن الخشوع في التِّلاوة , ويخليه قويَّ النّفس , مُزْدَرياً بحُفّاظ كتاب الله تعالى , فينظرُ إليهم بعين المَقْتِ , وبأنّ المسلمين يَلْحَنُون , وبأنّ القرّاء لا يحفظُون إلاّ شواذَّ القراءة , فليت شِعْري أنتَ ماذا عَرَفْتَ وماذا علمتَ ؟ فأمّا علمُك فغيرُ صالحٍ , وأمّا تلاوتُك فثقيلةٌ عَرِيَّةٌ عن الخشعة والحُزن والخوف , فـاللهُ تعالى يُوفّقُك , ويُبَصِّرُك رُشْدَك , ويُوقظك منة مَرقَدَة الجهل والرّياء .


    وضدُّهم قُرّاءُ النَّغَم والتّمطيط , وهؤلاء مَنْ قرأَ منهم بِقَلْبٍ وخوفٍ قد يُنتَفَعُ به في الجُملة , فقد رأيتُ منهم مَنْ يقرأ صحيحاً ويُطْرِبُ ويُبْكي , ورأيتُ منهم مَنْ إذا قرأ قَسَّى القُلوبَ , وأبرمَ النّفوسَ , وبدّلَ الكلامَ , وأسوأُهم حالاً الجنائزيّةُ .

    وأمّا القراءةُ بالرّوايات وبالجَمْعِ فأبعدُ شيئٍ عن الخشُوع , وَأقدمُ شيئٍ على التّلاوة بما يُخْرِجُ من القصد , وشِعارُهم في تكثير وجوه حمزة , وتغليظِ تلك اللاّمات , وترقيقِ الرّاءات , اقرأْ يارجُل , واعْفِنا من التّغليظ والتّرقيق , وفرط الإمالة والمدود , ووقوف حمزة , فإلى كم هذا !
    وآخَرُ منهم إن حضرَ في خَتْمٍ أو تلا في محرابٍ جعل دَيْدَنَهُ إحضارَ غرائبِ الوجُوه , والسّكْت والتّهَوُّع بالتّسهيل , وأتى بكلِّ خلافٍ , ونادى على نفسِه : أنا أبو اعرفوني , فإنّي عارفٌ بالسَّبْعِ , أيْشٍ نَعْمَلُ بك ؟ لا وصبّحك اللهُ بخيرٍ , إنّك حجرُ منجنيقٍ , ورصاصٌ على الأفئدة " ( بيان زغل العلم والطّلب ص 4-5 ).

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: كلماتٌ في العلْمِ وَأَدَبِ الطّلبِ والاتّباعِ وذَمِّ الابتدَاعِ وغير ذَلِكَ

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 03.09.09 12:01

    12-طلبُ العلمِ لمجاراة العلماء ومماراة السُّفهاء خطرٌ عظيمٌ

    " قد يكونُ طلبُ العلمِ الذي هو الواجبُ والمستحبُّ المتأكِّدُ مذمومٌ في حقِّ بعض الرّجال , كمن طلبَ العلمَ ليُجاري به العلماء , ويُماري به السُّفهاء , وليصرفَ به الأعيُنَ إليه ,أو ليُعَظَّمَ ويُقَدَّمَ , وينالَ من الدُّنيا المالَ والجاهَ والرِّفْعَةَ , فهذا أحدُ الثّلاثة الذين تُسَجَّرُ بهم النّارُ . ولو كان أفنى هذا عُمُرَهُ في معرفة المُوسيقى والعَرُوض والكيمياء , ومعرفة علم الهندسة , أو كان شاعِراً مادِحاً للرُّؤساء لكان أخَفَّ لإثمِه وأبْعَدَ له من النّار .فإن انضَافَ إلى هِمّةِ هذا المُتَخَلِّف – نسألُ الله العَفْوَ – أن ينالَ بعلمِه مَرامَهُ من القضاء والنّظر والتَّدريس , فيظلِمُ ويحكمُ بغير ما أنزلَ اللهُ , ويأكلُ المالَ إسرافاً وبَغْياً , ولا يتأبّى عن مكروهٍ فقد تمّت خسارتُهُ .


    فإذا انضافَ إلى المجموع أنّه مُتَلَطِّخٌ بالفواحش , فياخَيْبَتَه ! فإن كَمّلَ أوصافَهُ بجهلِه وأوهمَ أنّهُ قائمٌ على هذه العلُوم التي مِن أجلها قُدِّمَ وهو عَرِيٌّ من معرفتِها , جاهِلٌ بأكثرها أو بكثيرٍ منها فماذا أقول ؟! بلى ! هُنا فصلٌ ينبغي مراعاتُه وهو : مَنْ طلبَ لينال به ما يقومُ به ويَقُوتُه بالمعروف وبأهله ليتفرّغ بذلك المعلُوم لتكملة المعارف , وليتوفّر على العلم , فهذا قد يُبَاحُ –إن شاء اللهُ –لمن حسُنَتْ نيّتُه , وغَلَبَتْ عليه محبّةُ العلم لذاتِه , فإنّ العلمَ قد يُحبُّ محبّةً لا تُوصَفُ مع قَطْعِ نظر مُحِبُّ العلم عن الرّياسة والمال . ومِثْلُ هذا يُرْجَى له أن يَؤولَ علمُه إلى الخير والنَّفع به كما قال مجاهِدٌ وغيرُ واحدٍ : طلبنا هذا العلمَ وما لنا فيه نيّةٌ , ثم رزق اللهُ النيّةَ بعدُ . أي : طلبُوه بلا نيّةٍ دينيّةٍ ولا دُنيويّةٍ , بل محبّةً في العلم , إذ الجَهْلُ تأباهُ النّفوسُ الزكيَّة , والفِطَرُ الذّكيَّة .
    ويليه رجلٌ طلبَ العلمَ محبّةً فيه ممزوجةً بشهوة رياسة , ونيّتُه حسنةٌ , لا يُنافِسُ في طلب المدارس , ويقنعُ بما قُدِّرَ له . فإن جاءهُ رزقٌ وولايةٌ فرحَ بها لشدّة فاقتِه , وليتوسّع من الدُّنيا , ويعملُ غالباً بما ينبغي , ويستغفرُ اللهَ من تقصيره , فهذا داخلٌ في قوله :" وآخَرُونَ اعتَرفُو بِذنُوبِهِم خلَطُوا عَملاً صالِحاً وآخَرَ سيِّئاً عسى اللهُ أن يتوبَ عليهم " , اللّهُمّ فتُبْ على حملة العلم , واغفر لهُم .
    نعم , فإنّ هذا العالِمَ بخيرٍ وكفايةٍ وجهاتٍ فاضلةٍ عنه , وله ألوفٌ من المال يتَّجِرُ فيها , ومن ذوي الثّروة واليَسَار ,أو أرباب المزارع والعَقَار , فكيف يُزاحِمُ الفقهاءَ ويُضَيِّقُ عليهم ؟ إذ أخْذُ الجامكيّة إنّما موضوعُه : استعانةٌ على طلب العلم ونشره , وهذا الرّجلُ في غنىً عن أخذ صدقات الملُوك والوزراء والأمراء . ولا يحلُّ له أن يأخُذَ لعلمه أجرةً ولا ثمناً , وهو في عِداد المُسرِفين , وفي عِداد الكانزين , فلو صرفَ وليُّ الأمر هؤلاءؤ من الجهات لَعُدَّ من العادلين , وقد قال اللهُ تعالى في ناظر مال الأيتام :" وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فلْيَسْتَعْفِف " .

    يا أخي , بالله عليك , حاسِبْ نفسَك , واتَّقِ ربَّك , وخُذْ من الوُقوف ما يكفيك وولدَك بالمعرُوف , وما بقي فَواسِ به الضّعيف والمسكين , واسْتَعِدَّ لهجُوم المنِيّة , واسْتَفِقْ مِن خُمار كلب شهوتِك , وتزوّد لآخرتِك بِنَبْذِ حُطامٍ يضرُّ جَمْعُه , وتصدَّقْ بما فَضَلَ عنك منه لعلَّك يُغْسَلُ به لك وَضَرُ أوسلخ الواقفين , كما خفَّفُوا هم من أثقال أوساخهم بما وقفُوه من أموالهم المجموعة من المظالم والشّبُهات , فإنَّهُم ما قَصَّرُوا فيما فعلُوا , فتشبَّهْ – ياهذا – بهم لعلَّك تنجُو , والسّلام ".

    (مسائلُ في طلب العلم وأقسامه ص 210 -213 ).

    فاصل


    والنقل
    http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=142424

      الوقت/التاريخ الآن هو 14.11.24 18:59