كلماتٌ في العلْمِ وَأَدَبِ الطّلبِ والاتّباعِ وذَمِّ الابتدَاعِ وغير ذَلِكَ
كلماتٌ في العلْمِ وَأَدَبِ الطّلبِ والاتّباعِ وذَمِّ الابتدَاعِ وغير ذَلِكَ
مستخرجةٌ من كلامِ الحافظِ الذّهَبِيّ
جمعها الشيخ جمَال عزُّون
1-خطر الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم
قال أبوكر الصديق :
" إياكم والكذب , فإنّ الكذبَ مجانب الإيمان ".قال أبوكر الصديق :
قال الحافظُ الذّهبيُّ معلِّقاً :
": قلتُ : صدقَ الصّدّيقُ , فإنّ الكذبَ رأسُ النِّفاق , وآيةُ المنافق , والمؤمنُ يطبعُ على المعاصي والذّنوب الشَّهوانيّة لا على الخِيانة والكذب , فما الظنُّ بالكذب على الصّادق الأمين صلواتُ الله عليه وسلامُه , وهو القائلُ : إنّ كذباً عَلَيّ ليس ككذبٍ على غيري , من يكذب عَلَيَّ بُني له بيتٌ في النّار , وقال : من يقُل عليَّ مالم أقُل ... الحديث .
فهذا وعيدٌ لمن نقل عن نبيِّه مالم يقله مع غلبة الظّنِّ أنّه قاله , فكيف حالُ من تهجّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعمّد عليه الكذبَ , وقَوَّلَهُ ما لم يقُل , وقال عليه السّلامُ : من روى عنّي حديثاً يُرى أنّه كذبٌ فهو أحدُ الكاذبين .
فإنّا لله وإنّا إليه راجعُون ماذِي إلاّ بليّةٌ عظيمةٌ وخطرٌ شديدٌ ممّن يَروي الأباطيلَ والأحاديثَ الساقطة , المُتّهمَ نقلتُها بالكذب , فحُقَّ على المُحدِّث أن يتورّع فيما يُؤدّيه , وأن يسأل أهلَ المعرفة والورع ليُعينُوه على إيضاح مرويّاتِه .
ولا سبيلَ إلى أن يصيرَ العارفُ الذي يُزكّي نقلةَ الأخبار ويُجرِّحُهم جِهْبِذاً إلاّ بإدمانِ الطّلب , والفَحصِ عن هذا الشّأن , وكثرةِ المُذاكرة ,والسَّهَرِ والتّيَقُّظِ والفَهْمِ , مع التّقوى والدّين المتين والإنصافِ , والتّردُّد إلى مجالس العُلماء ,والتَّحرِّي والإتقان , وإلاّ تفعل :
فإنّا لله وإنّا إليه راجعُون ماذِي إلاّ بليّةٌ عظيمةٌ وخطرٌ شديدٌ ممّن يَروي الأباطيلَ والأحاديثَ الساقطة , المُتّهمَ نقلتُها بالكذب , فحُقَّ على المُحدِّث أن يتورّع فيما يُؤدّيه , وأن يسأل أهلَ المعرفة والورع ليُعينُوه على إيضاح مرويّاتِه .
ولا سبيلَ إلى أن يصيرَ العارفُ الذي يُزكّي نقلةَ الأخبار ويُجرِّحُهم جِهْبِذاً إلاّ بإدمانِ الطّلب , والفَحصِ عن هذا الشّأن , وكثرةِ المُذاكرة ,والسَّهَرِ والتّيَقُّظِ والفَهْمِ , مع التّقوى والدّين المتين والإنصافِ , والتّردُّد إلى مجالس العُلماء ,والتَّحرِّي والإتقان , وإلاّ تفعل :
فدعْ عنك الكتابةَ لستَ منها ** ولو سوّدتَ وجهَك بالمِدادِ
قال اللهُ عزّوجلّ :
" فَاسْألُوا أهلَ الذّكرِ إن كنتُم لا تَعلمُون "
فإن آنستَ ياهذاَ من نفسك فهماً وصدقاً وديناً وورعاً , وإلاّ فلا تَتَعَنَّ , وإن غلبَ عليك الهوَى والعصبيّةُ لرأيٍ ولمذهبٍ فبالله لا تتعبْ , وإن عرفتَ أنّك مُخلِّطٌ مُخَبِّطٌ مُهمِلٌ لحدود الله فأرحنا منك , فبعد قليلٍ ينكشفُ البَهْرَجُ , ويَنكبُّ الزّغَلُ , و " لا يحيقُ المَكْرُ السَّيِّئُ إلاَّ بِأهلهِ " ,
فقد نصحتُك , فعِلمُ الحديث صَلْفٌ , فـأينَ علمُ الحديثِ ؟ وأين أهلُه ؟ كدتُّ أن لا أراهُم إلاَّ في كتاب , أو تحت تُراب "
( تذكرة الحفّاظ 1/3-5) .فإن آنستَ ياهذاَ من نفسك فهماً وصدقاً وديناً وورعاً , وإلاّ فلا تَتَعَنَّ , وإن غلبَ عليك الهوَى والعصبيّةُ لرأيٍ ولمذهبٍ فبالله لا تتعبْ , وإن عرفتَ أنّك مُخلِّطٌ مُخَبِّطٌ مُهمِلٌ لحدود الله فأرحنا منك , فبعد قليلٍ ينكشفُ البَهْرَجُ , ويَنكبُّ الزّغَلُ , و " لا يحيقُ المَكْرُ السَّيِّئُ إلاَّ بِأهلهِ " ,
فقد نصحتُك , فعِلمُ الحديث صَلْفٌ , فـأينَ علمُ الحديثِ ؟ وأين أهلُه ؟ كدتُّ أن لا أراهُم إلاَّ في كتاب , أو تحت تُراب "
2-شكوك ووساوس لا تزول إلاّ بسؤال أهل العلم
" منْ مرض قلبُه بشكوكٍ ووساوسَ لا تزولُ إلاّ بسؤال أهل العلم فليتعلَّم من الحقِّ ما يدفعُ ذلك عنه , ولا يُمعِن , وأكبرُ أدويته الافتقار إلى الله والاستغاثةُ به , فليكرِّ هذا الدُّ عاء , وليُكثر منه :
اللّهُمّ ربَّ جبريل وميكائيل وإسرافيل , منزل التّوراة والإنجيل , اهدني لما اختلف فيه من الحقِّ بإذنك , إنّك تهْدِي من تشاءُ إلى صراطٍ مستقيمٍ .
وليُجدِّد التوبةَ والاستغفار , وليسأل الله تعالى اليقينَ والعافية , فإنّه – إن شاء الله – لا ينقضي عنه أيّامٌ إلاّ وقد عُوفي – إن شاء الله- من مرضه , وسَلِمَ له توحيدُه , واستراحَ مِن الدُّخول في علم الكلام الذي – والله العظيم – تعلُّمه لدرْءِ دائه مُولِّدٌ له أدواءَ عديدةً ربَّما قَتَلته ! بل لا تقعُ كثرةَ الشُّكوك والشُّبه إلاّ لمن اشتغل بعلم الكلام والحكمة.
فدواءُ هذه :
رميُ هذه الأشياء المُهلكة , والإعراضُ عنها بالكُليّة , والإقبالُ على كثرة التِّلاوة والصّلاة والدُّعاء والخَوْف , فأنا الزَّعيمُ له بأن يَخْلُصَ له توحيدُه , ويعافيه مَوْلاَهُ .
وإن لم يستعمل هذا الدّواء , وداوى الدَّاءَ بالدّاءِ , وغَرِقَ في أودية الآراء والعقُول , فقد يَسْلَمُ وقد يَهْلَكُ , وقد يتعلَّلُ إلى أن يمُوت " ( مسائل في طلب العلم وأقسامه ص 202 -203 )
3--عزٌّ تامٌّ وعلمٌ غزيرٌ
"وفي زمان هذه الطّبقة كان الإسلامُ وأهلُه في عزٍّ تامٍّ وعلمٍ غزيرٍ , وأعلامُ الجهادِ منثورة , والسُّنَنُ مشهورة ’, والبدعُ مكبوتة , والقوّالُون بالحقّ كثيرٌ , والعُبّادُ متوافُرون , والنّاسُ في بُلَهْنِيَةٍ من العيشِ بالأمن وكثرة الجيوش المحمّدية , من أقصى المغرب وجزيرة الأندلس , وإلى قريب مملكة الخطا , وبعض الهند وإلى الحبشة .
وخلفاء هذا الزّمان أبو جعفرٍ , وأين مثلُ أبي جعفرٍ – على ظلمٍ فيه – في شجاعته وحزمِه , وكمال عقلِه وفهمه وعلمه , ومشاركته في الأدب ووفورهيبته .
ثمّ ابنُه المهديّ في سخائه وكثرة محاسنه , وتتبُّعِه لاستئصال الزّنادقة . وولدُه الرّشيدُ هارونُ في جهادِه وحجِّه وعظمة سلطانِه – على لعبٍ ولهوٍ - , ولكن كان مُعظّماً لحُرمات الدّين , قويّ المشاركة في العلم , نبيلَ الرّأي , مُحبّاً للسُّنن .
وكان في هذا الوقت من الصّالحين مثلُ إبراهيم بن أدهم وداود الطّائي وسفيان الثوري .
ومن النُّحاة مثلُ عيسى بن عمر والخليلُ بن أحمد وحمّاد بن سلمة وعدّةٌ .
والقرّاءُ كحمزة بن حبيب وأبي عمرو بن العلاء ونافع بن أبي نُعيم وشِبْل بن عَبّادٍ وسَلاّمٌ الطّويل شيخُ يعقوب
. ومن الشّعراء عددٌ كثيرٌ كمروان بن أبي حفصة وبشّار بن بُردٍ .
ومن الفقهاء كأبي حنيفة ومالك والأوزاعي "
( تذكرة الحفّاظ 1/244 ).
4-رحمَ اللهُ امرءاً أقبلَ على شأنِه
" هؤلاء المُسَمَّوْنَ في هذه الطبقة ( يعني الذهبي الطبقة الثامنة من الأعلام المترجمين في تذكرة الحفّاظ ) هم ثقاتُ الحُفّاظ , ولعلّ قد أهملنا طائفةً مِن نُظرائهم , فإنّ المجلسَ الواحدَ في هذا الوقت كان يجتمعُ فيه أزيد من عشرة آلاف محبرةٍ , يكتبُون الآثارَ النّبويّة , ويعتَتنُونَ بهذا الشّأن , وبينهم نحو من مائتي إمامٍ قد برزُوا وتأهّلُوا للفُتيا , فلقد تفَانَى أصحابُ الحديث وتلاشَوْا , وتبدّل النّاسُ بطلبةٍ يَهْزَأُ بهم أعداءُ الحديث والسُّنَّة , ويسخرُون منهم , وصار علماءُ العصر في الغالب عاكفين على التّقليد في الفرُوع من غير تحريرٍ لها , ومُكبِّين على عقليّاتٍ من حكمة الأوائل وآراء المتكلّمين , من غير أن يتعقّلوا أكثرها , فعمّ البلاءُ , واستحكمت الأهواءُ , ولا حت مبادئُ رفعِ العلم وقبضِه من النّاس , فرحم اللهُ امرءاً أقبل على شأنِه , وقصرَ من لسانه , وأقبل على تلاوة قُرآنِه , وبكى على زمانِه , وأدمن النّظرَ في الصّحيحين , وعبدَ الله قبل أن يبغتَهُ الأجلُ , اللّهمّ فوفّق وارحم " .
إي والله صدقَ
قال الفضيل بن عياض :
" يا مسكين , أنتَ مُسيئٌ وتََرى أنّك مُحسِنٌ , وأنت جاهلٌ وترى أنّك عالمٌ , وتبخلُ وترى أنّك كريمٌ , وأحمقُ وتَرى أنّك عاقلٌ , وأجلُك قصيرٌ , وأملُك طويلٌ ".
قال الحافظُ الذّهبيُّ معلٍّقاً :
" قلتُ : إي – والله – صدقَ , وأنتَ ظالمٌ وتَرى أنّك مظلومٌ , وآكِلٌ للحرام وترى أنّك مُتَورِّعٌ , وفاسِقٌ وتعتقدُ أنّك عَدْلٌ , وطالبُ العلمِ للدُّنيا وتَرى أنّك تطلبُه لله "
( سير أعلام النبلاء 8/440)