قواعد تأهل الفرد المسلم للعلم الشرعي [1]
فضيلة الشيخ الدكتور
صالح بن غانم السدلان
-حفظه الله تعالى-
تأهيل الفرد المسلم للعلم الشرعي يكون
أولاً: بتكوين اتجاه إيجابي فعال نحو أهمية هذا العلم للفرد و للأمة و تكوين الشعور بالتذوق العلمي وروح التضحية من أجل العلم و الاستمرار في طلبه خدمة للأمة و رفعا لمكانتها
ثم بتكوين الطموح في البحث في أغوار هذا العلم و الوقوف على أسرار الكون و تكوين روح الالتزام بالعلم و يكوين الشعور بالمسؤولية العلمية بحيث لا يقوم المسلم بشيء إلا وهو على بينة و علم به ولا يتعلم شيئا إلا و ينزع إلى العمل به
مصداقاً لقول الحق تبارك و تعالى:
{ولا تقف ما لي ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً}
(الإسراء:36).
فلا بد أن يستشعر المسلم أنه مسؤول عن تعلم دينه وتربية نفسه بتزكيتها وتطهيرها من الرذائل
ثم بعد ذلك هو مسؤول إذا أصبح أبا عن تربية أولاده وأهله ومسؤول عن تربية أهله وتعليم جيرانه ومجتمعه بقدر الاستطاعة
فالإسلام يريد من التربية الذاتية للمسلم أن يصوغه صياغة إيجابية حية فلا يسكت عن ضيم يصيبه ولا يرضى بمنكر في ساحته ولا يتغاضى عن الخنا في داره يشغل وقته آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر يرمق من حوله فيتأثرون به ويؤثرون فيه صلاحاً وإصلاحاً كما فعل النبي-صلى الله عليه وسلم-في إصلاح الرعيل الأول:حين عين لهم الهدف وتركهم يرشدون الناس بل والبشرية قاطبة.
لهذا يجب أن يترجم العلم الشرعي إلى منهج فكر و أسلوب حياة و نظام تنشئة و رعاية شريعة و رؤية صادقة لعلاقة الإنسان بخالقه و علاقته بأخيه الإنسان وعلاقته بالكون و الحياة إنه عملية توجيه و رعاية وتنمية للإنسان يصبح في عقيدته و فكره و علمه وجشمه و سلوكه بعامة تجاه نفسه و غيره وتجاه ما سخره الله له في الكون نابع من شريعة الله التي أنزلها مقتديا بسنة النبي صلى الله عليه و سلم.
إن الله تعالى إنما خلق السموات و الأرض ونزل الأمر لنعلم أنه على كل شيء قدير و أنه قد أحاط بكل شيء علما فيكون هذا دليلا على معرفته و معرفة صفاته
كما قال تعالى:
{الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله قد أحاط بكل شيء علما}
(الطلاق:12).
إذا كانت العلوم تنقسم من حيث إفادتها إلى نافع و ضار فالمسلم مطالب بالاستفادة و الاستزادة من العلم النافع وهو المعني
بقول الله تعالى :
{وقل رب زدني علما}
(طه:114).
وللعلوم النافعة أسس و ركائز يجب أن نعيها عند تأهيل الفرد المسلم للعلوم الشرعية منها:
- موافقتها للكتاب و السنة و عدم معارضتها أو محادتها بالشرع في كل جزء من جزئياتها.
- العمل بها فيما يعود بالخير على الفرد و المجتمع نشرا و تعليما و منهجا و فكرا.
- يجب الإخلاص فيها و تقديم النية الصالحة و البعد عن الهوى و المقاصد السيئة.
- ربط السلم التعليمي بمنهج السلف معيارا لضبط قواعد التعليم و التعلم على هديهم الرشيد.
- مراعاة الظروف و المتغيرات و المستجدات على المجتمع الإسلامي و الاستفادة من استخدام الوسائل التعليمية الحديثة التي تساعد على تعلم العلم الشرعي حفظا وفهما و تأصيلا و تلقينا.
- يعد التدرج من أهم وسائل تلقي العلوم الشرعية و إحدى دعائم تحقيق الأهداف التربوية...ولو رجعنا إلى تاريخ التعليم في الإسلام لوجدنا الأصول و القواعد التي كان السلف الصالح يتبعونها في منهج التلقي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم من حيث الإطاقة و التدرج في التكليف و التعليم وفهم المواقف و المناسبات المختلفة و المتابعة و السؤال و الحوار و المناقشة و استخدام كل وسيلة ممكنة لتوضيح المواقف التعليمية وغير ذلك كثير مما لا يتسع له المقام.
فتلقين العلوم للمتعلمين إنما يكون مفيدا إذا كان على التدرج شيئا فشيئا وقليلا قليلا، فيلقي عليه أولا مسائل من كل باب من الفن هي أصول ذلك الباب و يقرب له شرحها على سبيل الإجمال، ويراعي في ذلك قوة عقله و استعداده لقبول ما يرد عليه حين ينتهي إلى آخر الفن وعند ذلك يحصل له ملكة في ذلك العلم.
فعلى العلماء و المربين أن ينتبهوا إلى هذا المر فيربوا طلابهم بالتدرج و الترقي من صغار العلم إلى كبار و تحميلهم منهم ما يطيقون، كما يفعل الأب بولده الطفل في إيصال الغذاء إليه فإن أرواح البشر بالنسبة إلى الأنبياء و الرسل كالأطفال بالنسبة إلى آبائهم بل دون هذه النسبة بكثير.
إنه يجب أن يبتدئوا بالأهم فالمهم مراعين التدرج فإنه سنة الله في الكون، يجب أن يبدأ التعليم الشرعي بكتاب الله أولا ثم بسنة رسوله صلى الله عليه و سلم ثم بعلم التفسير و سائر علوم القرآن ثم بالحديث وعلومه، ثم بالأصول من علم الفقه، ثم بفروعه وهو علم مذهب من علم الفقه دون الخلاف، ثم بأصول الفقه وهكذا إلى بقية العلوم على ما يتسع له العمر و يساعد فيه الوقت، وليقتر من شائع علم اللغة على مال يفهمون منه كلام العرب دون التعمق بل بما يتعلق بفهم الكتاب و السنة.
فالعلم الشرعي بناء متكامل لشخصية الإنسان المؤمن بحيث تجعلنا لا تقف عند صلاح عقيدته في الفكر فحسب بل نمتد بالإصلاح إلى عقله واستقامة منهجه بالبحث و التكامل و طلب الدليل و مسلكه و تعامله و تحليه بالآداب الشرعية و النظم المرعية و اتزانه العاطفي وتوجهاته و كل حركاته و سكاناته.
-----------------
الحاشية:
[1]: أنظر في هذا الموضوع: معالم نظرية التربية الإسلامية لمقداد يالجن ص80، والمحور الأول ص13-122، والمحور الثالث ص113، وحديث أبي الدرداء في طلب العلم، ص40-41-54-55.
-----------------
المصدر:
مجلة ((الأصالة)) الأردنية، العدد:21، السنة الرابعة، بتاريخ:15ربيع الآخر1420هـ.
والنقل
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=150842