الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم
أما بعد :
فلا يخفى عليكم أيها الأحبة أن قراءة الكتب من خير الطرق الموصلة إلى تحصيل العلوم والمعارف , فبها يتغذى الفكر ويستنير العقل وتحصل له الملكة , وبها يُطَّلع على محاسن الشرع و يعرف حدود ما أنزل الله على رسوله وبها يمكن أن ننظر إلى ما في عقول الرجال وتجاربهم من فوائد وحكم ونحوها .
وفوائد القراءة كثيرة لا تحصى , غير أني في هذه العجالة أريد أن أذكر بعض النصائح للمبتدئين أمثالي , و هي من باب المشاركة ليس غير, لعل الله أن يجعل فيها نفعاً لمسلم , ولم آت بجديد.
• قد يعجبك عنوان كتاب فتأخذه لتقرأ فيه دون تخطيط ولا دراسة , فإذا شرعت فيه وقرأت المقدمة وتجاوزتها أصابك الكلل أوالملل إما من صعوبة مادة الكتاب أو من أسلوبه أو لأنه من الفنون التي لا تميل إليها فحينئذ إما أن تركنه على جنب , أو تقول ممنياً نفسك , عل الله ييسر قراءته في المستقبل , وعليه فاحرص على وقتك من التنقل بين مقدمات الكتب إلا من باب الاطلاع ومعرفة مضمون الكتاب.
• بعض الكتب تكون مقدماتها معيقة للقارئ فلا يجد فيها ما يحفزه على مواصلة القراءة وإنهاء الكتاب , ففي هذه الحال لا بأس أن تتجاوز المقدمة وتنظر في الأبواب والمواضع التي تجد فيها ما تميل إليه نفسك وتجد من نفسك محبة لها أو على الأقل عدم استثقال لها , فقراءة هذه الأبواب والفصول من هذه الكتاب خير لك من طرحه كله بسبب ما فيه من عوائق.
• من الطرق التي جربتها ووجدت فيها نفعاً : تحديد الصفحات التي سأقرؤها يومياً , فمثلاً اجعل لك ورداً يومياً ـ عدا يوم الجمعة ـ اقرأ فيه 10 ورقات أي 20وجهاً فقط من تفسير ابن سعدي مثلاً أو تفسير ابن كثير , ولا تخل بهذا القدر أبداً , ولا تكثر من الصفحات حتى لا تكل وتمل , فإذا انتهيت ابدأ بكتاب آخر وهكذا , وستجد أنك في السنة الواحدة قد قرأت كتباً كثيرة لم تأخذ من وقتك إلا نصف ساعة في اليوم , فالقليل الدائم خير من الكثير المنقطع.
ومن فوائد هذا التحديد أنك إذا قدر الله لك عارضاً من سفر أو مرض أو شغل فلم تستطع قراءة المقدار المحدد كله , فإنك تقضيه في اليوم الذي يليه , فإن تراكمت عليك ففرقها على عدد من الأيام فاجعل لك 30 وجهاً يومياً حتى تقضي ما فاتك .
وهذه الطريقة مفيدة جداً وتجعلك تواصل القراءة مهما كان , وتستطيع بعون الله أن تنهي مجلدات كثيرة , وتجرد فيها المطولات.
• اجعل الكتب التي تحتاج إلى تركيز و كد ذهن في أوقات نشاطك , كالساعات الأولى من النهار , أو التي تعقب النوم فهي أوقات يكون الذهن فيها خالياً من المشغلات والملهيات.
أما الكتب الأخرى فاجعل لها ما فضل من وقتك وذلك ككتب التاريخ والتراجم والأدب والذكريات ونحوها ـ لغير المتخصص فيها ـ فهذه اجعلها قبل النوم مثلاً أو أثناء أوقات الانتظار أو في أوقات تعبك وإرهاقك.
• ربما تعتري طالب العلم أوقات يجد من نفسه فتوراً و ارتخاء همة فعليه أن يخصص نصف ساعة أو ساعة في الأسبوع لقراءة الكتب الحاثة على تحصيل العلم وطلبه وقراءة الكتب فيقرأ مثلاً :
كتاب "بيان العلم وفضله" لابن عبد البر "
أو "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" للخطيب البغدادي
و"صفحات من صبر العلماء" الذي جمعه الشيخ عبد الفتاح أبو غدة
"المشوق إلى قراءة الكتب" للشيخ علي العمران , وغيرها من الكتب الكثيرة في هذا الباب.
وهذه الكتب بعون الله تحفظك من الانقطاع وتشد من أزرك وتزيل عنك الوحشة التي قد تجدها من بعض أبناء زماننا والله المستعان.
• لا تنس ـ أخي الكريم ـ نصيبك من قراءة الزهديات والرقائق , فهي تحقر الدنيا وتهوِّنها في نظرك وتربطك بالله والدار الآخرة , وتجد فيها مُثُلاً عُلا(1 ) تسير عليها وتقفو أثرها , وكتب الزهد والورع والرقائق كثيرة متنوعة , منها :
كتاب "الزهد" للإمام أحمد
و "الزهد" لأبي داود السجستاني
و"الورع" للمروذي
وكذلك ما في صحيح البخاري ومسلم وغيرهما من أحاديث الرقائق.
و هناك سلسلة مفيدة جداً جمعت مواعظ السلف كل على حدة قد جمعها الشيخ صالح الشامي ـ حفظه الله ـ .
• احرص على المدارسة مع طلبة العلم الحريصين وأكثر من مجالستهم , وإياك والمخذلين البطالين أرباب الدنيا , فإن الطالب إذا رأى من يشاركه في همته وهمه ازداداً إقبالاً وحرصاً, والقراءة الجماعية مع مجموعة من طلبة العلم مفيدة جداً , فلو اجتمع اثنان أو ثلاثة في يوم من الأسبوع لجرد كتاب مطول يستخرجون منه الفوائد والشوارد , أو يتدراسون متناً مختصراً مع مراجعة شروحه وحواشيه عند الحاجة لكان في ذلك نفعاً كبيراً.
• ولا بأس أن تجعل لك منافساً ـ ولو لم يشعر ـ تنافسه في علمه وتحصيله , واختر من طلبة العلم النجباء من تتوسم فيه الخير وترى فيه الجد في الطلب, واحرص على ألا يتفوق عليه ويسبقك إلى فضيلة , وليس هذا من باب التقليد والربط بالأشخاص , وإنما هو تحفيز لك وتنشيط.
يتبع ....