الدرر الغوالي من ابن بدران إلى طلبة العلم
[ المنهج في دراسة الفقه وغيره من العلوم]
وبعد:
فهذه درر غوالي من كلام الشيخ عبد القادر بن بدران الدمشقي, وهي من النفاسة بمكان, ما تستحق معه القراءة مرات ومرات
والوصاية لطلبة العلم بل وأهل العلم بقراءتها, والسير على ما رسمه فيها, خاصة في طريقة التفقه.
[ المنهج في دراسة الفقه وغيره من العلوم]
وبعد:
فهذه درر غوالي من كلام الشيخ عبد القادر بن بدران الدمشقي, وهي من النفاسة بمكان, ما تستحق معه القراءة مرات ومرات
والوصاية لطلبة العلم بل وأهل العلم بقراءتها, والسير على ما رسمه فيها, خاصة في طريقة التفقه.
ولاحظ أخي الكريم حرصهم _ ابن بدران وغيره_ على التدرج وعدم التذبذب, التي يعاني في هذ الأيام منها الكثير
فمرة في هذا الكتاب ومرة في ذاك, ونتفا من الوقت عند العالم الفلاني, وشيئا يسيرا عند ذاك.
حتى إذا مضى به قطار الزمان والتفت إلى الوراء لم يجد إلا بلاقع , ولم ير في رصيده إلا الأصفار, فرأينا كثيا منهم لما رأى هذه النتيجة ترك الطلب وانقلب !!
لذا وجب الحرص على التدرج.
وهذا لا يعنى البلادة, وضياع العمر فيها_ أي المختصرات_
حتى رأينا من أمضى في العلم سنين عددا يسأل :
ما أفضل شرح للأصول الثلاثة والبيقونية؟!!!
بل هي مدد قصيرة من الزمن , ينطلق بعدها إلى الأمهات.
وهذا أوان الشروع في المقصود :
[ نداء إلى المعلمين]
"اعلم أن كثيرا من الناس يقضون السنين الطوال في تعلم العلم, بل في علم واحد ولا يحصلون منه على طائل وربما قضوا أعمارهم , ولم يرتقوا عن درجة المبتدئين وإنما يكون ذلك لأحد أمرين:
أحدهما:
عدم الذكاء الفطري وانتفاء الإدراك التصوري وهذا لا كلام لنا فيه ولا في علاجه.
والثاني:
الجهل بطرق التعليم, وهذا قد وقع فيه غالب المعلمين فتراهم يأتي إليهم الطالب المبتدىء ليتعلم النحو مثلا فيشغلونه بالكلام على البسملة, ثم على الحمدلة, أياما بل شهورا, ليوهموه سعة مداركهم وغزارة علمهم ثم إذا قدر له الخلاص من ذلك أخذوا يلقنونه متنا أو شرحا بحواشيه وحواشي حواشيه, ويحشرون له خلاف العلماء, ويشغلونه بكلام من رَد على القائل, وما أجيب به عن الرد ولا يزالون يضربون له على ذلك الوتر, حتى يرتكز في ذهنه أن نوال هذا الفن من قبيل الصعب الذي لا يصل إليه إلا من أوتي الولاية وحضر مجلس القرب والاختصاص . هذا إذا كان الملقن يفهم ظاهرا من عبارات المصنفين.
وأما إذا كان من أهل الشغف بالرسوم أشير إليه بأنه عالم, فموه على الناس وأنزل نفسه منزلة العلماء المحققين وجلس للتعليم فيأتيه الطالب بكتاب مطول أو مختصر فيتلقاه منه سردا , لا يفتح له منه مغلقا, ولا يحل له طلسما.
فإذا سأله ذلك الطالب المسكين عن حل مشكل, انتفخ أنفه, وورم , وقابله بالسب والشتم , ونسبه إلى البهائم, ورماه بالزندقة, وأشاع عنه أنه يطلب الاجتهاد.
ومن أولئك من لا يروم الحماقة, لكنه يقول: إننا نقرأ الكتب للتبرك بمصنفيها , وأكثر هؤلاء هم الذين يتصدرون لأقراء كتب المتصوفة, فإنهم يصرحون بأن كتبهم لا يفهمها إلا أهلها , وأنهم إنما يشغلون أوقاتهم بها تبركا. ولعمري لو تبرك هؤلاء بكتاب الله المنزل لكان خيرا لهم من ذلك الفضول وهؤلاء "كالمنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى".
ومنهم من يكون داريا بالمسائل وحل العبارات, ولكنه متعاظم في نفسه فإذا جاءه طالب علم الفقه أحاله على "شرح منتهى الإرادات" إن كان حنبليا وعلى "الهداية" إن كان حنفيا وعلى" التحفة" إن كان شافعيا وعلى" شرح مختصر خليل" للحطاب إن كان مالكيا. ثم إن كان مبتدئا صاح قائلا إلى الملتقى يوم الدين.
وإن كان ممن زاول العربية وأخذ طرفا من فن أصول الفقه انتفع انتفاعا نسبيا لا حقيقيا.
وقد تفطن فلاسفة المسلمين لهذا الداء فألف أبو نصر الفارابي رسالة في كيفية المدخل إلى كتب أرسططاليس الفلسفية وحذا حذوه قوم من علماء الشرع, فأثبتوا نتفا من الكلام في هذا الموضوع , إذ غاية أمرهم أنهم يتكلمون على الفنون, فيذكرون الكتب المختصرة في الفن, والمتوسطة والمطولة. وربما كان ما ذكروه مشهورا في أيامهم , ثم عز وجوده وانقطع خبره.
ثم إنه بعد الألف من الهجرة ألف الفاضل المحدث الشيخ أحمد المنيني الدمشقي كتابا لطيفا سماه "الفرائد السنية في الفوائد النحوية" وأشار فيه إلى طرف من آداب المطالعة وقد لخصت ذلك الطرف في رسالة , وزدت عليه أشياء استفدتها بالتجربة وسميت تلك الرسالة "آداب المطالعة" وذكرت أيضا جملة كافية في مقدمة كتابي" إيضاح المعالم من شرح العلامة ابن الناظم" الذي هو شرح ألفية ابن مالك في النحو .