خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    المعالم في نقد العالِم

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية المعالم في نقد العالِم

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 11.08.09 5:10

    المعالم في نقد العالم
    عبد الله بن سُليمان العُتَيِّق

    فإنَّ كلاًّ منَّا يعلمُ مقام العالم في الإسلام ، و ما أولاه الله إياه من سَمِيِّ المناقب ، و ما حباه من رفيع المناصب ، و ما ذاك إلا دلالةٌ واضحةٌ بيِّنة على عِظَمِ حُرْمَتِه ، و تمام صيانته .
    و لا زال احترامُ العلماءِ سائراً مسيْرَه عبر الأزمان تتناقله أنفسُ الفضلاء الشرفاء ، و تعافه أنفس الدُنآء الوُضعاء .
    فكان من تلك الأنفس أنفسُ أهل هذا الزمان الغابر المُدْبِرُ ، حيث تكالبتْ أنفسٌ مدسوسةٌ في صف أهل الفضيلة و المنقبة فجعلوا أعراض العلماء فاكهةً لهم يأنسون بنهشها ، و يسمرون على عظامها ، و يُنهون المجالس باللعقِ لها ، و هم في كلِّ ذلك بين إدبارٍ عن فضيلة ، و نحو سعايةٍ لرذيلة ، اتخذوا من الآيات أسنمةً للسبِّ و القدح ، و من السنة مناشيرَ للبتر و الذبح ، يتزعمون دعوة المناصحة ، و ينادون برفع رايات الصدع بالحق ، و هم في الغرور سامدون ، و في اللهو مغمورون .
    فكم قد تجرَّعَ العلماءُ منهم الأذى ، و نالوا من صنائعهم الأسى ، و العذر : لم يقلْ بما قلتُ ، بل لم يعتقد رأيي وهو الحق الذي لا يجادل فيه إلا صاحبُ هوى .
    و ما هكذا ربانا الإسلام ، و لا على الحال تركنا علماءُ الإسلام ، و لكن لا عجبْ فأنت في زمن مدبرٍ مولٍّ ، استأسدَ فيه الفأر ، و استنسرَ فيه البُغاث .
    و حتى نُوْجِدَ ضمانات للعلماء الأساطين ، و حُماةُ حِمى الدين فإنني أنثر في الأسطرُ معالماً تستسيغها نفوس كريمة ، و تتفيؤها أرواح عظيمة ، و ليس لي فيها سوى التسطير و التأليف .


    المَعْلمُ الأول : لا عِصمةَ للعالم .
    قال النبي ( صلى الله عليه و سلم ) : " كلُّ ابنُ آدمَ خطَّاء ، و خيرُ الخطائين التوابون " رواه الحاكم و صححه .
    يقولُ الإمامُ الحافظُ ابنُ عبد البرِّ _ رحمه الله _ : لا يسلمُ العالمُ من الخطأ ، فمن أخطأ قليلاً و أصابَ كثيراً فهو العالم ، و من أصاب قليلاً و أخطأ كثيراً فهو الجاهل . ا,هـ [ جامع بيان العلم ] .


    المَعْلمُ الثاني: الحقُ هو البُغْيَةُ .
    قال شيخ الإسلام _ رحمه الله _ : ( وليُعْلَم انه ليس أحد من الأئمة-المقبولين عند الأمة قبولاً عاماً- يتعمد مخالفة رسول لله-صلى الله عليه وسلم- في شيء من سنة,دقيق ولا جليل .
    فانهم متفقون اتفاقاً يقينياً على وجوب اتباع الرسول –صلى لله عليه وسلم- ,وعلى أن كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ ) أ.هـ . [رفع الملام ص :4].


    المَعْلمُ الثالث: { فتثبتوا }.
    يقولُ الله _ تعالى _ : { يا أيها الذين أمنوا إن جاءكم فاسق بنبأٍ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجاهلة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين } .
    وعلى القراءة الأخرى { فتثبتوا } .
    و التثبتُ في خطأِ الشيخ من جانبين :
    الأول : صحةُ وقوعه منه ، فإن كثيراً مما يُنْسَبُ إلى أهل العلم و الفضل من الكلامِ اللا مقبول _ حقيقةً _ عند أهل النظر و التمحيص ، فإنه لا يخلو الكلام من أحوالٍ ثلاثة :
    الحال الأولى : كونه واقعاً صحيحاً عنه ، فهذا يأتي الحديث عنه _ إن شاء الله _ .
    الحال الثانية : كونه مختلَقاً مكذوباً ، وما أكثر ذلك في النقل و الإسناد إلى العلماء .
    الحال الثالثة : كونه مما يُلْزَمُ به كلامُ العالم المُوْهم ، و القاعدة : أن لازم القولِ ليس قولاً ، و لازم المذهب ليس مذهباً .
    و هاتين الحالتين _ الأخيرتين _ لا يجوزُ التعويلُ عليهما إطلاقاً ، و من ثَمَّ فلا يجوز توجيه النقد على العالم بهما ، لأنه مما يدخل تحت البُهتان و الفِرْيَة .
    الثاني : التثبتُ من كونه خطأً في الشرع ، و هذا مما لا يستطيعُ أحدٌ أن يجزمَ به ، قال الإمام زكريا الأنصاري _ رحمه الله _ : إياكم أن تُبادروا إلى الإنكار على قول مجتهد أو تخطئته إلا بعد إحاطتكم بأدلة الشريعة كلها ، و معرفتكم بمعانيها و طرقها ، فإذا أحطتم بها _ كما ذكرنا _ و لم تجدوا ذلك الأمر الذي أنكرتموه فيها فحينئذٍ لكم الإنكارُ ، و الخيرُ لكم ، و أنى لكم بذلك ؟ . ا,هـ .
    و من الغلطِ أن ترى أُناساً من الذين عصفت بهم الغَيْرة يمنةً و يسرة يسارعون في الحكم على العلماءِ بأنهم خالفوا أصول الإسلام ، و هدموا أعمدةَ المِلَّة ، و هدُّوا بُنيانَ الدين ، و هذا الهذرُ منهم من أقبحِ ما يكون ، و من أفحشِ ما يصدرُ من العقلاء ، فأنى لهم بتلك الأحكام التي أصدروها ؟
    رُبِّيَ كثيرٌ من الناسِ اليومَ على أن ما يقولُه أشياخهم هو الحقُّ الذي لا مريةَ فيه ، و أن ما تعلموه في مدارسهم ، و ما تلقوه في حِلَقِ الذكر هو الصوابُ الذي خلافهُ باطل _ يقيناً _ و هذا لا يجوزُ القولُ به ، و لا يتفوَّه به من في قلبهِ شيءٌ من الورع و الخوف من ربه _ تعالى _ ، لأن ذلك يلزمُ منه القولُ بالغيب و ادِّعاؤه و هذا أمره إلى الله _ تعالى _ ، و متى هذَّبَ المرءُ نفسه على الترفُّقِ بإصدار الأحكام ، و عدم إطلاقها فهو خيرٌ له و أزكى عند ربه و الناس .


    المَعْلمُ الرابع: لا زالَ للشيخ قدرُه.
    خطأُ العالمِ ليس سالباً منه مقامه في الإسلام ، ولا نافياً عنه منقبةَ الفضيلة و العالِمية ، و إنما يبقى عليه لباسها ، و يُحفظ له حقه في الإسلام .
    قال الإمام الذهبي _ رحمه الله _ : و لو أن كلَّ مَن أخطأ في اجتهاده _ مع صحةِ إيمانه ، و تَوَخِّيْهِ لاتباع الحق _ أهدرناه و بدَّعناه ، لقلَّ من يسلمُ من الأئمة معنا ، رحمَ الله الجميعَ بمنه و كرمه . ا،هـ .
    و لو نظرنا في كتبِ التراجُمِ لرأينا كثيراً من العلماء وَقَعَ في أخطاء كثيرةٍ لم يُسْقَطْ مقامهم بسببها ، و لم يُحذَّر الناس منهم لأخطائهم ، و إنما كانوا بين أنفسهم عقلاء ذوي محبةٍ وَ وِداد ، و ليتَ لنا مثلهم في هذا الزمان السيء .


    المَعْلمُ الخامس: لعله وَ لعله .
    سبقَ _ في المعلم الثاني _ أن بُغْيَةَ العالِم هو الحق ، و أن قصده الوصول إلى الصواب من الرأي ، و لكن يعتريه الخطأ ، و يزاولُه الزلل ، و الواجبُ هنا هو أن نعتذرَ له ، و نتأولُ خطأه باحثين عن مخرجٍ حسَنٍ لائقٍ به .
    قال الإمام السُبْكي _ رحمه الله _ : فإذا كان الرجلُ مَشهوداً له بالإيمان و الاستقامة ، فلا ينبغي أن يُحملَ كلامه ، و ألفاظه و كتاباته على غير ما تُعُوِّدَ منه و من أمثاله ، بل ينبغي التأويل الصالح ، و حُسْنُ الظن الواجبِ به و بأمثاله . ا،هـ .
    و يقولُ ابنُ النحاس _ رحمه الله _ : يجبُ أن يُتأوَّلَ للعلماء ، و لا يُتَأوَّلَ عليهم الخطأ العظيم ، إذا كان لما قالوه وَجه . ا،هـ .


    المَعْلمُ السادس: تَجَنَّبْ زلة العالم .
    إذا ثَبتَ لنا _ يقيناً _ أن العالمَ أخطأ في شيءٍ و لم يكُنْ ثَمَّةَ وَجهُ صِحةٍ يَعتذرُ له به فإنه لا يجوزُ لأحد أن يسلك طريقه في زلته ، للعلمِ بأنها زلةٌ و خطأٌ منه .
    قال شيخ الإسلام _ رحمه الله _ : و ليس لأحد أن يتبعَ زلات العلماء ، كما ليس له أن يتكلمَ في أهل العلم و الإيمان بما هم ليسوا به بأهل ، ... ، و هذا أمرٌ واجبٌ على المسلمين في كلِّ ما يُشْبِه هذا من الأمور . ا،هـ .


    المَعْلمُ السابع: مُناصحةُ الشيخ .
    إذا تمَّ كثيرٌ مما سبق _ من المعالم _ فإننا نسلُك درب المناصحة للشيخ بأدبٍ جَمٍّ ، و خُلُقٍ عظيمٍ ، دون تنقُصٍ و تعيير ، و دون إساءة أدبٍ .
    ولابدَّ من مناصحةِ الشيخ في خطأه من لزوم أدبين :
    الأول : مُلاطفةُ الشيخ في بيان الخطأ و الزلل ، فإن لها أثراً كبيراً في نفس الشيخ و قبوله لها ، و أثرٌ على الناصحِ حيثُ عرفَ للعلم قدره و مكانه .
    قال الإمام ابنُ جماعة _ رحمه الله _ : و لا يقول لما رآه الشيخُ و كان خطأً : هذا خطأ ، و لا : هذا ليس برأي ، بل يُحسنُ خطابه في الرد إلى الصواب ، كقوله : يظهرُ أن المصلحةَ في كذا ، و لا يقول : الرأي عندي كذا ، و شِبْهَ ذلك . ا،هـ .
    الثاني : الإسرارُ في النُصْح ، و أحقُّ الناسِ بإسرارِ النصحِ له هو العالم ، لأن في تشهيرِ النصح مفسدتين :
    الأولى : إساءةُ أدبٍ معه ، و قد يكون الصوابُ حليفَه ، و _ أيضاً _ تهوينٌ لقدره عند العامةِ مما يُجرؤهم على انتقاصه و الإساءة إليه .
    الثانية : تشهيرٌ للخطأ و الزلّة .

    قاعدة : قال الحافظُ ابنُ رجبٍ _ رحمه الله _ : و المُنْكَرُ الذي يَجبُ إنكارُه : ما كان مُجْمَعاً عليه ، فأما المُخْتَلَفُ فيه فَمن أصحابنا من قال : لا يجبُ إنكارُه على مَنْ فعلَه مجتهداً فيه ، أو مُقَلِّداً مجتهداً تقليداً سائغاً . ا،هـ [ جامع العلوم و الحِكم 2/270 ، و انظر : شرح النووي على مسلم 2/23 ].
    هذه معالمُ ذاتُ بالٍ ، لا يُسْتغنى عنها تُجاه زلةِ العالم و خطئه ، و مراعاتها من أهم المهمات على المسلم حيثُ بها : صيانةُ مقامِ الشريعة من تجرؤ السافلين على كبارها ، و محفظاً لقدرِ العالم و تقديراً له و تعظيماً بتعظيم الدين له .
    و هي كما أنت راءٍ إنما هي من منثور كلام الأئمة الأعلام ، و الفضلاء الفقهاء تمَّ تقييدُها و رَصْفُها جمعاً لمتفرَّقها ، و لَمَّاً لشتاتها .
    الاثنين _ 10/2/1424 هـ
    الرياض

    والنقل
    http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=48579
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: المعالم في نقد العالِم

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 11.08.09 5:22

    ماأجمل ما قلت وإليك هذا النقل من شيخ الإسلام ابن تيمية

    قال الإمام ابن تيمية : ومن علم منه الاجتهاد السائغ فلا يجوز أن يذكر على وجه الذم والتأثيم له فإن الله غفر له خطأه بل يجب لما فيه من الإيمان والتقوى موالاته ومحبته والقيام بما أوجب الله من حقوقه من ثناء ودعاء وغير ذلك

    وإن علم منه النفاق كما عرف نفاق جماعة على عهد رسول الله مثل عبد الله بن أبي و ذويه وكما علم المسلمون نفاق سائر الرافضة عبد الله بن سبأ وأمثاله مثل عبد القدوس بن الحجاج ومحمد بن سعيد المصلوب فهذا يذكر بالنفاق

    وإن أعلن بالبدعة ولم يعلم هل كان منافقا أو مؤمنا مخطئا ذكر بما يعلم منه، فلا يحل للرجل أن يقفو ما ليس له به علم ، ولا يحل له أن يتكلم في هذا الباب إلا قاصدا بذلك وجه الله تعالى وأن تكون كلمة الله هي العليا وأن يكون الدين كله لله فمن تكلم في ذلك بغير علم أو بما يعلم خلافه كان آثما ...

    ـ صـ235 ـ ثم القائل في ذلك بعلم لابد له من حسن النية فلو تكلم بحق لقصد العلو في الأرض أو الفساد كان بمنزلة الذي يقاتل حمية ورياء و إن تكلم لأجل الله تعالى مخلصا له الدين كان من المجاهدين في سبيل الله من ورثة الأنبياء خلفاء الرسل ، وليس هذا الباب مخالفا لقوله الغيبة ذكرك أخاك بما يكره فان الأخ هو المؤمن والأخ المؤمن إن كان صادقا في إيمانه لم يكره ما قلته من هذا الحق الذي يحبه الله ورسوله وإن كان فيه شهادة عليه وعلى ذويه .. اهـ .الفتاوى 28 / 234-235

    والنقل
    http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=48579


      الوقت/التاريخ الآن هو 15.11.24 3:16