مفهوم الجــمال في القرآن والسنة والأثــــر
بقلم
الشيخ عبد الله العبيلان
بقلم
الشيخ عبد الله العبيلان
ثبت في صحيح مسلم: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يدخل النار أحد في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان, ولا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال حبة خردل من كبر» , وفي رواية: « لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال من كبر, فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا, ونعله حسنا, فقال: إن الله جميل يحب الجمال, الكبر: بطر الحق, وغمط الناس». فقوله: «إن الله جميل يحب الجمال», قد أدرج فيه حسن الثياب التي هي المسئول عنها, فعلم أن الله يحب الجمال, و الجميل من اللباس, ويدخل في عمومه, وبطريق الفحوي: « الجميل من كل شيء» هذا كقوله في الحديث الذي رواه الترمذي: « إن الله نظيف يحب النظافة», وقد ثبت عنه في الصحيح أنه قال: « إن الله طيب يحب الأطيباء», وهذا مما يستدل به على التجمل في الجمع, والأعياد, كما في الصحيح أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : «رأى حلة تباع في السوق, فقال: يا رسول الله لو اشتريت هذه تلبسها, فقال: إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة».
وهذا: يوافقه في حسن الثياب ما في السنن عن أبي الأحوص الجشمي رضي الله عنه قال: « رآني النبي صلى الله عليه وسلم وعليَّ أطمار فقال: هل لك من مال؟ قلت نعم. قال: من أي المال؟ قلت: من كل ما أتى الله من الإبل, والشاء, قال: فلتر نعمة الله وكرامته عليك».
وفي السنن أيضا عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده», لكن هذا الظهور لنعمة الله, وما في ذلك من شكره, والله يحب أن يشكر وذلك لمحبته الجمال.
إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده
وهذا الحديث: قد ضل قوم بما تأولوه عليه, وآخرون رأوه معارضا لغيره من النصوص, ولم يهتدوا للجمع.
فالأولون قد يقولون: كل مصنوع الرب جميل, لقوله: [الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ]. {السجدة:7} فنحب كل شيء, وقد يستدلون بقول بعض المشايخ: المحبة نار, تحرق في القلب كل ما سوى مراد المحبوب, والمخلوقات كلها مراده, وهو لا يقوله قائلهم, فصرح بإطلاق الجمال, وأقل ما يصيب هؤلاء أنهم يتركون الغيرة لله, والنهي عن المنكر, والبغض في الله, والجهاد في سبيله, وإقامة حدوده , وهم في ذلك متناقضون, إذ لا يتمكنون من الرضا بكل موجود, فإن المنكرات هي أمور مضرة لهم ولغيرهم, ويبقى أحدهم مع طبعة وذوقه وهواه ينكر ما يكره ذوقه, دون ما لا يكره ذوقه, وينسلخون عن دين الله, وربما دخل أحدهم في الاتحاد والحلول المطلق, ومنهم من يحض الحلول أو الاتحاد ببعض المخلوقات: كالمسيح, أو علي بن أبي طالب أو غيرهما من المشايخ والملوك, والمردان فيقولون: بحلوله في الصور الجميلة ويعبدونها , ومنهم من لا يرى ذلك: لكن يتدين يحب الصور الجميلة من النساء الأجانب, والمردان وغير ذلك, ويرى هذا من الجمال الذي يحبه الله ويحبه هو, ويلبس المحبة الطبيعية المحرمة, بالمحبة الدينية, ويجعل ما حرمه الله مما يقرب إليه: [وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آَبَاءَنَا وَاللهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللهَ لَا يَأْمُرُ بِالفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ].{الأعراف:28}
والآخرون قالوا: ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم, وإنما ينظر إلى قلوبكم, وأعمالكم », ومعلوم أنه لم ينف نظر الإدراك, لكن نظر المحبة , وقد قال تعالى عن المنافقين: [وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ العَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ]. {المنافقون:4} وقال تعالى:[وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا], {مريم:74} والأثاث: المال من اللباس ونحوه, والرئِي: المنظر فأخبر أن الذين أهلكهم قبلهم كانوا أحسن صورا وأموالا, لنتبين أن ذلك لا ينفع عنده ولا يعبأ به, وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «لا فضل لعربي على عجمي, ولا لأبيض على أسود, إلا بالتقوى», وفي السنن عنه أنه قال : «البذاذة من الإيمان».
اللـباس المـحرم
وأيضا: فقد حرم علينا من لباس الحرير, والذهب, وآنية الذهب والفضة, ما هو أعظم الجمال في الدنيا, وحرم الله الفخر والخيلاء, واللباس الذي فيه الفخر.
والخيلاء: كإطالة الثياب حتى ثبت في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرا».
وفي الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من جر ثوبه خيلاء, لم ينظر الله إليه يوم القيامة».
وفي الصحيح أيضا: قال: « بينما رجل يجر أزاره من الخيلاء خسف به, فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة».
وقد قال تعالى في حق قارون:[فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ], {[القصص:79} قالوا: ثياب الأرجوان.
ولهذا ثبت في الصحيح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: «رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى ثوبين معصفرين, فقال: إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها, قلت: أغسلهما قال: احرقهما» , ولهذا كره العلماء المحققون: الأحمر المشبع حمرة, كما جاء النهي عن الميثرة الحمراء, وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «دعوا هذه الرايات للنساء».
النظر المحرم
وأيضا فقد قال الله تعالى: [قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ*وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ]. {النور31:30}
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه : «العينان تزينان: وزناهما النظر», وفي الصحيح عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: «سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة, فقال: اصرف بصرك», وفي السنن أنه قال: لعلي: «يا علي لا تتبع النظرة النظرة, فإنما لك الأولى, وليست لك الآخرة».
وقد قال تعالى:[وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى].{طه:131}
وقال: و[لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ], {الحجر:88} وقال:[زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالبَنِينَ وَالقَنَاطِيرِ المُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالخَيْلِ المُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ المَآَبِ*قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالعِبَادِ]. {آل عمران15:14}
وقد قال مع ذمه لمذامه من هذه الزينة:[قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ القِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ]. {الأعراف:32}