قصص مشهورة عن الهجرة لا تصح !
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته...
فإن الهجرة النبوية الشريفة كانت فاصلا هاما في تاريخ الدعوة الإسلامية
و هى مليئه بالدروس و العبر الخالدة التي لا تنتهي . و قد امتلأت كتب السيرة و غيرها من الكتب بالكلام عن الهجرة و أحداثها , و لكن وقع في الكثير منها بعض القصص التي اشتهرت بين الناس و هي في الحقيقة لا تثبت . و قد تكلم بعض العلماء في هذه القصص و بينوا ضعفها و عدم ثبوتها.
و قد جمعت ما استطعت من هذه القصص الواهية تحذيرا منها . ومن كان عنده إضافات أو ملاحظات أو قصص منتشرة أخرى فليضفها إثراءا للموضوع و دفاعا عن السنة النبوية الشريفة .
من هذه القصص :
1-
قصة غناء بنات النجار ( طلع البدر علينا )
2-
قصة تبول المشرك عند الغار
3-
قصة بروك الناقة عند باب أبي أيوب الأنصاري
4-
قصة عنكبوت الغار و الحمامتين
5-
قصة لطم أبي جهل لأسماء بنت أبي بكر
6-
قصة ثعبان الغار
7-
قصة أبي طالب في الهجرة ووصيتة للنبي
8-
قصة مبيت علي في فراش النبي
و سوف أقوم بنقل تفاصيل كل قصة و كلام العلماء عليها تباعا إن شاء الله تعالى .
======
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 63 ) :
لما قدم المدينة جعل النساء و الصبيان و الولائد يقلن :
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ما دعا لله داع " .
ضعيف . رواه أبو الحسن الخلعي في " الفوائد " ( 59 / 2 ) و كذا البيهقي في " دلائل النبوة " ( 2 / 233 - ط ) عن الفضل بن الحباب قال : سمعت عبد الله بن محمد بن عائشة يقول فذكره . و هذا إسناد ضعيف رجاله ثقات ، لكنه معضل سقط من إسناده ثلاثة رواة أو أكثر ، فإن ابن عائشة هذا من شيوخ أحمد و قد أرسله .
وبذلك أعله الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " ( 2 / 244 ) .
ثم قال البيهقي كما في تاريخ ابن كثير ( 5 / 23 ) :
" و هذا يذكره علماؤنا عند مقدمه المدينة من مكة لا أنه لما قدم المدينة من ثنيات الوداع عند مقدمه من تبوك " .
و هذا الذي حكاه البيهقي عن العلماء جزم به ابن الجوزي في " تلبيس إبليس " ( ص 251 تحقيق صاحبي الأستاذ خير الدين وانلي ) ،
لكن رده المحقق ابن القيم فقال في "الزاد " ( 3 / 13 ) :
و هو وهم ظاهر لأن " ثنيات الوداع " إنما هي ناحية الشام
لا يراها القادم من مكة إلى المدينة و لا يمر بها إلا إذا توجه إلى الشام " .
و مع هذا فلا يزال الناس يرون خلاف هذا التحقيق ، على أن القصة برمتها غير
ثابتة كما رأيت ! ( تنبيه ) : أورد الغزالي هذه القصة بزيادة : " بالدف و
الألحان " و لا أصل لها كما أشار لذلك الحافظ العراقي بقوله : " و ليس فيه ذكر
للدف و الألحان " .
و قد اغتر بهذه الزيادة بعضهم فأورد القصة بها ، مستدلا على جواز الأناشيد النبوية المعروفة اليوم ! فيقال له : " أثبت العرش ثم انقش " !
على أنه لو صحت القصة لما كان فيها حجة على ما ذهبوا إليه كما سبقت الإشارة
لهذا عند الحديث ( 579 ) فأغنى عن الإعادة
------------------
و قال أيضا في " الضعيفة " ( 21-23/ 14):
[ قال الحافظ في "الفتح" (4/262):
"وهو سند معضل، ولعل ذلك كان في قدومه من غزوة تبوك".
وإن مما يؤكد نكارة ذكر الدفوف في قصة إستقباله صلى الله عليه وسلم قول البراء بن عازب رضي الله عنه : ثم قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى جعل الإماء يقُلن: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
رواه البخاري (3925) وغيره، وهو مخرج في "تخريج فقه السيرة" (ص 169-دار القلم).
ومثله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
إِنِّي لَأَسْعَى فِي الْغِلْمَانِ يَقُولُون: جَاءَ مُحَمَّدٌ فَأَسْعَى فَلَا أَرَى شَيْئًا ثُمَّ
يَقُولُونَ جَاءَ مُحَمَّدٌ فَأَسْعَى فَلَا أَرَى شَيْئًا قَالَ حَتَّى جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبُهُ أَبُو بَكْرٍ فَكُنَّا فِي بَعْضِ حِرَارِ الْمَدِينَةِ ثُمَّ بَعَثَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ
لِيُؤْذِنَ بِهِمَا الْأَنْصَارَ فَاسْتَقْبَلَهُمَا زُهَاءَ خَمْسِ مئة مِنْ الْأَنْصَارِ حَتَّى انْتَهَوْا إِلَيْهِمَا
فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ انْطَلِقَا آمِنَيْنِ مُطَاعَيْنِ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبُهُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ فَخَرَجَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ حَتَّى إِنَّ الْعَوَاتِقَ لَفَوْقَ الْبُيُوتِ يَتَرَاءَيْنَهُ يَقُلْنَ أَيُّهُمْ هُوَ أَيُّهُمْ هُوَ قَالَ فَمَا رَأَيْنَا مَنْظَرًا مُشْبِهًا بِهِ يَوْمَئِذٍ.
قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَوْمَ دَخَلَ عَلَيْنَا وَيَوْمَ قُبِضَ فَلَمْ أَرَ يَوْمَيْنِ
شبيهاً بِهِمَا.
أخرجه البخاري في "التاريخ الصغير" (ص 6-هندية)، والبيهقي في
"الدلائل" (2/507)، وأحمد (3/222) من طريق سليمان بن المغيرة عن
ثابت عن أنس. وأخرجه أحمد (3/122) من طريق آخر عن ثابت مختصراً.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وسكت عنه الحافظ في
"الفتح" (7/251) رضىً به - كما في قاعدته -.
وتابعه عبد العزيز بن صهيب عن أنس به نحوه مطولاً.
أخرجه البخاري (3911)، وأحمد (3/211).
والمقصود، أن هذه الأحاديث الصحيحة تؤكد نكارة ذكر الدفوف والغناء
في حديث الترجمة ونحوه.
(تنبيه): عزا الحافظ في "الفتح" حديث الترجمة في موضعين منه (7/
245، 261) إلى الحاكم، وسبقه إلى ذلك الحافظ ابن كثير، ولكنه قرنه بتحفظ
غريب غير معتاد، فقال بعدما ساقه من رواية البيهقي بإسناده (3/200):
"هذا حديث غريب من هذا الوجه، لو يروه أحد من أصحاب "السنن" وقد
أخرجه الحاكم - كما يروى -"!
فقوله: "كما يروى" لعله يعني رواية البيهقي عنه، وحينئذ فلا فائدة تذكر م
نه.
وعلى كل حال، فهذا القول- أو القيد - منه خير من إطلاق الحافظ عزوه
للحاكم، لأنه يوهم أنه في "مستدركه" وليس فيه، ثم إنه سكت عنه، فأوهم
حسنه على الأقل عنده، وليس كذلك -كما تقدم- .
ولقد كان هذا من الدواعي على إخراجه، والكشف عن علته، واقترن مع ذلك الاستطراد لذكر أحاديث
صحيحة تدل على نكارته.
والله ولي التوفيق.
فإن الهجرة النبوية الشريفة كانت فاصلا هاما في تاريخ الدعوة الإسلامية
و هى مليئه بالدروس و العبر الخالدة التي لا تنتهي . و قد امتلأت كتب السيرة و غيرها من الكتب بالكلام عن الهجرة و أحداثها , و لكن وقع في الكثير منها بعض القصص التي اشتهرت بين الناس و هي في الحقيقة لا تثبت . و قد تكلم بعض العلماء في هذه القصص و بينوا ضعفها و عدم ثبوتها.
و قد جمعت ما استطعت من هذه القصص الواهية تحذيرا منها . ومن كان عنده إضافات أو ملاحظات أو قصص منتشرة أخرى فليضفها إثراءا للموضوع و دفاعا عن السنة النبوية الشريفة .
من هذه القصص :
1-
قصة غناء بنات النجار ( طلع البدر علينا )
2-
قصة تبول المشرك عند الغار
3-
قصة بروك الناقة عند باب أبي أيوب الأنصاري
4-
قصة عنكبوت الغار و الحمامتين
5-
قصة لطم أبي جهل لأسماء بنت أبي بكر
6-
قصة ثعبان الغار
7-
قصة أبي طالب في الهجرة ووصيتة للنبي
8-
قصة مبيت علي في فراش النبي
و سوف أقوم بنقل تفاصيل كل قصة و كلام العلماء عليها تباعا إن شاء الله تعالى .
======
1- قصة غناء بنات النجار ( طلع البدر علينا )
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 63 ) :
لما قدم المدينة جعل النساء و الصبيان و الولائد يقلن :
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ما دعا لله داع " .
ضعيف . رواه أبو الحسن الخلعي في " الفوائد " ( 59 / 2 ) و كذا البيهقي في " دلائل النبوة " ( 2 / 233 - ط ) عن الفضل بن الحباب قال : سمعت عبد الله بن محمد بن عائشة يقول فذكره . و هذا إسناد ضعيف رجاله ثقات ، لكنه معضل سقط من إسناده ثلاثة رواة أو أكثر ، فإن ابن عائشة هذا من شيوخ أحمد و قد أرسله .
وبذلك أعله الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " ( 2 / 244 ) .
ثم قال البيهقي كما في تاريخ ابن كثير ( 5 / 23 ) :
" و هذا يذكره علماؤنا عند مقدمه المدينة من مكة لا أنه لما قدم المدينة من ثنيات الوداع عند مقدمه من تبوك " .
و هذا الذي حكاه البيهقي عن العلماء جزم به ابن الجوزي في " تلبيس إبليس " ( ص 251 تحقيق صاحبي الأستاذ خير الدين وانلي ) ،
لكن رده المحقق ابن القيم فقال في "الزاد " ( 3 / 13 ) :
و هو وهم ظاهر لأن " ثنيات الوداع " إنما هي ناحية الشام
لا يراها القادم من مكة إلى المدينة و لا يمر بها إلا إذا توجه إلى الشام " .
و مع هذا فلا يزال الناس يرون خلاف هذا التحقيق ، على أن القصة برمتها غير
ثابتة كما رأيت ! ( تنبيه ) : أورد الغزالي هذه القصة بزيادة : " بالدف و
الألحان " و لا أصل لها كما أشار لذلك الحافظ العراقي بقوله : " و ليس فيه ذكر
للدف و الألحان " .
و قد اغتر بهذه الزيادة بعضهم فأورد القصة بها ، مستدلا على جواز الأناشيد النبوية المعروفة اليوم ! فيقال له : " أثبت العرش ثم انقش " !
على أنه لو صحت القصة لما كان فيها حجة على ما ذهبوا إليه كما سبقت الإشارة
لهذا عند الحديث ( 579 ) فأغنى عن الإعادة
------------------
و قال أيضا في " الضعيفة " ( 21-23/ 14):
[ قال الحافظ في "الفتح" (4/262):
"وهو سند معضل، ولعل ذلك كان في قدومه من غزوة تبوك".
وإن مما يؤكد نكارة ذكر الدفوف في قصة إستقباله صلى الله عليه وسلم قول البراء بن عازب رضي الله عنه : ثم قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى جعل الإماء يقُلن: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
رواه البخاري (3925) وغيره، وهو مخرج في "تخريج فقه السيرة" (ص 169-دار القلم).
ومثله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
إِنِّي لَأَسْعَى فِي الْغِلْمَانِ يَقُولُون: جَاءَ مُحَمَّدٌ فَأَسْعَى فَلَا أَرَى شَيْئًا ثُمَّ
يَقُولُونَ جَاءَ مُحَمَّدٌ فَأَسْعَى فَلَا أَرَى شَيْئًا قَالَ حَتَّى جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبُهُ أَبُو بَكْرٍ فَكُنَّا فِي بَعْضِ حِرَارِ الْمَدِينَةِ ثُمَّ بَعَثَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ
لِيُؤْذِنَ بِهِمَا الْأَنْصَارَ فَاسْتَقْبَلَهُمَا زُهَاءَ خَمْسِ مئة مِنْ الْأَنْصَارِ حَتَّى انْتَهَوْا إِلَيْهِمَا
فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ انْطَلِقَا آمِنَيْنِ مُطَاعَيْنِ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبُهُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ فَخَرَجَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ حَتَّى إِنَّ الْعَوَاتِقَ لَفَوْقَ الْبُيُوتِ يَتَرَاءَيْنَهُ يَقُلْنَ أَيُّهُمْ هُوَ أَيُّهُمْ هُوَ قَالَ فَمَا رَأَيْنَا مَنْظَرًا مُشْبِهًا بِهِ يَوْمَئِذٍ.
قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَوْمَ دَخَلَ عَلَيْنَا وَيَوْمَ قُبِضَ فَلَمْ أَرَ يَوْمَيْنِ
شبيهاً بِهِمَا.
أخرجه البخاري في "التاريخ الصغير" (ص 6-هندية)، والبيهقي في
"الدلائل" (2/507)، وأحمد (3/222) من طريق سليمان بن المغيرة عن
ثابت عن أنس. وأخرجه أحمد (3/122) من طريق آخر عن ثابت مختصراً.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وسكت عنه الحافظ في
"الفتح" (7/251) رضىً به - كما في قاعدته -.
وتابعه عبد العزيز بن صهيب عن أنس به نحوه مطولاً.
أخرجه البخاري (3911)، وأحمد (3/211).
والمقصود، أن هذه الأحاديث الصحيحة تؤكد نكارة ذكر الدفوف والغناء
في حديث الترجمة ونحوه.
(تنبيه): عزا الحافظ في "الفتح" حديث الترجمة في موضعين منه (7/
245، 261) إلى الحاكم، وسبقه إلى ذلك الحافظ ابن كثير، ولكنه قرنه بتحفظ
غريب غير معتاد، فقال بعدما ساقه من رواية البيهقي بإسناده (3/200):
"هذا حديث غريب من هذا الوجه، لو يروه أحد من أصحاب "السنن" وقد
أخرجه الحاكم - كما يروى -"!
فقوله: "كما يروى" لعله يعني رواية البيهقي عنه، وحينئذ فلا فائدة تذكر م
نه.
وعلى كل حال، فهذا القول- أو القيد - منه خير من إطلاق الحافظ عزوه
للحاكم، لأنه يوهم أنه في "مستدركه" وليس فيه، ثم إنه سكت عنه، فأوهم
حسنه على الأقل عنده، وليس كذلك -كما تقدم- .
ولقد كان هذا من الدواعي على إخراجه، والكشف عن علته، واقترن مع ذلك الاستطراد لذكر أحاديث
صحيحة تدل على نكارته.
والله ولي التوفيق.