من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 06.08.09 8:12
ثانيا - حقوق المغصوب منه :
17 - للمالك المغصوب منه حقوق تقابل ما يلزم الغاصب من الأحكام السابقة ، وهذه الحقوق هي : رد عين المغصوب والثمار والغلة ، والتضمين ، وحقه في الهدم والقلع لما أحدثه الغاصب في ملكه ، والجمع بين أخذ القيمة والغلة .
أ - رد أو استرداد عين المغصوب وزوائده وغلته ومنافعه :
18 - ذهب الفقهاء إلى أن من حق المغصوب منه أن يرد إليه الغاصب عين ماله الذي غصبه إذا كان باقيا بحاله ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { على اليد ما أخذت حتى تؤدي } وقوله : { لا يأخذن أحدكم متاع أخيه لاعبا أو جادا ، فإذا أخذ أحدكم عصا أخيه فليردها } ؛ ولأن رد عين المغصوب هو الموجب الأصلي للغصب ؛ ولأن حق المغصوب منه معلق بعين ماله وماليته ، ولا يتحقق ذلك إلا برده ، والواجب الرد في المكان الذي غصبه ؛ لتفاوت القيم بتفاوت الأماكن . وأما زوائد المغصوب ففيه التفصيل الآتي : ذهب الشافعية والحنابلة ومحمد من الحنفية إلى أن زوائد المغصوب في يد الغاصب تضمن ، سواء أكانت متصلة كالسمن ونحوه ، أم منفصلة كثمرة الشجرة وولد الحيوان ، متى تلف شيء منها في يد الغاصب ؛ لتحقق إثبات اليد العادية ( الضامنة ) لأنه بإمساك الأصل تسبب في إثبات يده على هذه الزوائد ، وإثبات يده على الأصل محظور .
ويرى أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى أن زوائد المغصوب لا تضمن إذا هلكت بلا تعد ، وإنما هي أمانة في يد الغاصب لا تضمن إلا بالتعدي أو بالتقصير ، سواء أكانت منفصلة كالولد واللبن والثمرة ، أم متصلة كالسمن والجمال ، لأن الغصب في رأيهما هو إثبات يد الغاصب على مال الغير على وجه يزيل يد المالك ، كما تقدم بيانه ، ويد المالك لم تكن ثابتة على هذه الزيادة حتى يزيلها الغاصب ، والمراد أن عنصر " إزالة يد المالك " لم يتحقق هنا ، كما لم يتحقق في غصب العقار .
فإن تعدى الغاصب على الزيادة ، بأن أتلفها أو أكلها أو باعها ، أو طلبها مالكها فمنعها عنه ، ضمنها ، لأنه بالتعدي أو المنع صار غاصبا . وفصل المالكية في الأرجح عندهم في نوع الزيادة ، فقالوا : إذا كانت الزيادة التي بفعل الله متصلة كالسمن والكبر ، فلا تكون مضمونة على الغاصب ، وأما إذا كانت الزيادة منفصلة ، ولو نشأت من غير استعمال الغاصب كاللبن والصوف وثمر الشجر . فهي مضمونة على الغاصب إن تلفت أو استهلكت ، ويجب ردها مع المغصوب الأصلي على صاحبها . أما منافع المغصوب ففيه التفصيل الآتي : ذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الغاصب يضمن منفعة المغصوب ، وعليه أجر المثل ، سواء استوفى المنافع أم تركها تذهب ، وسواء أكان المغصوب عقارا كالدار ، أم منقولا كالكتاب والحلي ونحوهما ؛ لأن المنفعة مال متقوم ، فوجب ضمانه كالعين المغصوبة ذاتها .
وذهب متقدمو الحنفية إلى أن الغاصب لا يضمن منافع ما غصبه من ركوب الدابة ، وسكنى الدار ، سواء استوفاها أو عطلها ؛ لأن المنفعة ليست بمال عندهم ؛ ولأن المنفعة الحادثة على يد الغاصب لم تكن موجودة في يد المالك ، فلم يتحقق فيها معنى الغصب ؛ لعدم إزالة يد المالك عنها .
وأوجب متأخرو الحنفية ضمان أجر المثل في ثلاثة مواضع - والفتوى على رأيهم - وهي : أن يكون المغصوب وقفا ، أو ليتيم ، أو معدا للاستغلال ، بأن بناه صاحبه أو اشتراه لذلك الغرض . وإن نقص المغصوب - أي ذاته - باستعمال الغاصب غرم النقصان ، لاستهلاكه بعض أجزاء العين المغصوبة . وأما غلة المغصوب : فلا تطيب في رأي أبي حنيفة ومحمد للغاصب ؛ لأنه لا يحل له الانتفاع بملك الغير ، وقال أبو يوسف وزفر : تطيب له .
وقال المالكية : للمغصوب منه غلة مغصوب مستعمل إذا استعمله الغاصب أو أكراه ، سواء كان عبدا أو دابة أو أرضا أو غير ذلك على المشهور ، فإذا لم يستعمل فلا شيء عليه ولو فوت على ربه استعماله ، إلا إذا نشأ من غير استعمال كلبن وصوف وثمر .
ب - ( الضمان ) :
19 - ذهب الفقهاء إلى أنه إذا تلف المغصوب في يد الغاصب أو نقص أو أتلفه ، أو حدث عيب مفسد فيه ، أو صنع شيء منه حتى سمي باسم آخر ، كخياطة القماش ، وصياغة الفضة حليا ، وصناعة النحاس قدرا ، وجب على الغاصب ضمانه ، وحق للمالك المغصوب منه تضمينه ، بأن يدفع له مثله إن كان من المثليات ، وهي المكيلات كالحبوب ، والموزونات كالأقطان والحديد ، والذرعيات كالأقمشة ، والعدديات المتقاربة كالجوز واللوز ؛ لأن الواجب الأصلي في الضمانات هو المثل ، لقوله تعالى : { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } ولأن المثل أعدل ، لما فيه من مراعاة الجنس والمالية ، فكان أدفع للضرر وأقرب إلى الأصل ، فالمثل أقرب إلى الشيء من القيمة ، وهو مماثل له صورة ومعنى ، فكان الإلزام به أعدل وأتم لجبران الضرر ، والواجب في الضمان الاقتراب من الأصل بقدر الإمكان تعويضا للضرر ، ولما روي عن { عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ما رأيت صانعة طعام مثل صفية : أهدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم إناء فيه طعام ، فما ملكت نفسي أن كسرته ، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن كفارته ؟ فقال : إناء كإناء وطعام كطعام } .
20 - فإن لم يقدر الغاصب على المثل أو كان المال قيميا كالأرض والدار والثوب والحيوان ، وجب عليه ضمان القيمة
وذلك في ثلاث حالات :
الأولى : إذا كان الشيء غير مثلي ، كالحيوانات والدور والمصوغات ، فلكل واحد منها قيمة تختلف عن الأخرى باختلاف الصفات المميزة لكل واحد .
الثانية : إذا كان الشيء خليطا مما هو مثلي بغير جنسه كالحنطة مع الشعير .
الثالثة : إذا كان الشيء مثليا تعذر وجود مثله ، والتعذر إما حقيقي حسي ، كانقطاع وجود المثل في السوق بعد البحث عنه وإن وجد في البيوت ، أو حكمي ، كأن لم يوجد إلا بأكثر من ثمن المثل .
أو شرعي بالنسبة للضامن ، كالخمر بالنسبة للمسلم ، يجب عليه للذمي عند الحنفية والمالكية ضمان القيمة وإن كانت الخمر من المثليات لأنه يحرم على المسلم تملكها .
ج - ( الهدم والقلع ) .
21 - اتفق الفقهاء على أن الغاصب يلزم برد المغصوب إلى صاحبه كما أخذه ، كما يلزم بإزالة ما أحدث فيه من بناء ، أو زرع أو غرس ، لقوله صلى الله عليه وسلم : { ليس لعرق ظالم حق } وللمالك المطالبة بهدم البناء الذي بناه الغاصب على المغصوب ، وقلع الشجر الذي غرسه أو الزرع الذي زرعه بلا إذن المالك .
غير أن فقهاء المذاهب فصلوا في الأمر كما يلي : فذهب الحنفية إلى أن من غصب ساجة ( خشبة عظيمة تستعمل في أبواب الدور وبنائها ) فبنى عليها أو حولها ، وكانت قيمة البناء أكثر من قيمتها ، زال ملك مالكها عنها ، ولزم الغاصب قيمتها ، لصيرورتها شيئا آخر ، وفي القلع ضرر ظاهر لصاحب البناء ( الغاصب ) من غير فائدة تعود للمالك ، وضرر المالك ينجبر بالضمان ، ولا ضرر في الإسلام
أما إذا كانت قيمة الساجة أكثر من البناء ، فلم يزل ملك مالكها ، لأنه " يرتكب أخف الضررين وأهون الشرين " .
وعقب قاضي زاده على هذه التفرقة ، فقال : لا فرق في المعنى بين أن تكون قيمة البناء أكثر من قيمة الساجة وبين العكس ؛ لأن ضرر المالك مجبور بالقيمة ، وضرر الغاصب ضرر محض ، ولا ريب أن الضرر المجبور دون الضرر المحض ، فلا يرتكب الضرر الأعلى عند إمكان العمل بالضرر الأدنى ، فيعمل بقاعدة : " الضرر الأشد يزال بالأخف " في مسألة الساجة ، أي أنه يعوض المالك ، وتزول ملكيته عن الساجة .
وأما مسألة الساجة فهي . . لو غصب غاصب أرضا فغرس فيها ، أو بنى فيها ، وكانت قيمة الأرض ( الساجة ) أكثر ، أجبر الغاصب على قلع الغرس ، وهدم البناء ، ورد الأرض فارغة إلى صاحبها كما كانت ؛ لأن الأرض لا تغصب حقيقة عندهم ، فيبقى فيها حق المالك كما كان ، والغاصب جعلها مشغولة ، فيؤمر بتفريغها ، إذ { ليس لعرق ظالم حق } كما تقدم ، فإن كانت قيمة البناء أكثر ، فللغاصب أن يضمن للمالك قيمة الأرض ويأخذها .
وإذا كانت الأرض تنقص بقلع الغرس منها أو هدم البناء ، فللمالك أن يضمن للغاصب قيمة البناء والغرس مقلوعا أنقاضا ) رعاية لمصلحة الطرفين ، ودفعا للضرر عنهما فتقوم الأرض بدون الشجر والبناء ، وتقوم وبها شجر وبناء مستحق القلع والهدم ، فيضمن الفرق بينهما .
وإذا زرع الغاصب الأرض ، فإن كانت الأرض ملكا فإن أعدها صاحبها للزراعة ، فيكون الأمر مزارعة بين المالك والغاصب ، ويحتكم إلى العرف في حصة كل منهما ، النصف أو الربع مثلا ، وإن كانت معدة للإيجار فالناتج للزارع ، وعليه أجر مثل الأرض ، وإن لم يكن شيء مما ذكر ، فعلى الغاصب نقصان ما نقص الزرع ، وأما إذا كانت الأرض وقفا أو مال يتيم ، اعتبر العرف إذا كان أنفع ، وإن لم يكن العرف أنفع ، وجب أجر المثل ، لقولهم : يفتى بما هو أنفع للوقف .
ويرى المالكية في حالة البناء : أن من غصب أرضا أو عمودا أو خشبا ، فبنى فيها أو بها . يخير المالك بين المطالبة بهدم البناء على المغصوب ، وبين إبقائه على أن يعطي الغاصب قيمة الأنقاض ، بعد طرح أجرة القلع أو الهدم ، ولا يعطيه قيمة التجصيص والتزويق ونحوهما مما لا قيمة له ، أي إنهم يرجحون مصلحة المالك ، لأنه صاحب الحق .
ومن غصب سارية أو خشبة فبنى عليها ، فلصاحبها أخذها وإن هدم البنيان .
أما في حالة الغرس : فمن غصب أرضا ، فغرس فيها أشجارا ، فلا يؤمر بقلعها ، وللمغصوب منه أن يعطيه قيمتها بعد طرح أجرة القلع كالبنيان ، فإن غصب أشجارا ، فغرسها في أرضه ، أمر بقلعها .
وأما في حالة الزرع : فمن زرع في الأرض المغصوبة زرعا ، فإن أخذها صاحبها في إبان الزراعة ، فهو مخير بين أن يقلع الزرع ، أو يتركه للزارع ويأخذ الكراء ، وإن أخذها بعد إبان الزراعة فللمالكية رأيان : رأي أن المالك يخير كما ذكر ، ورأي ليس له قلعه وله الكراء ، والزرع لزارعه .
وقرر الشافعية : أن الغاصب يكلف بهدم البناء وقلع الغراس على الأرض المغصوبة ، وعليه أرش النقص إن حدث ، وإعادة الأرض كما كانت ، وأجرة المثل في مدة الغصب إن كان لمثلها أجرة ، ولو أراد المالك تملكها بالقيمة ، أو إبقاءها بأجرة ، لم يلزم الغاصب إجابته في الأصح ؛ لإمكان القلع بلا أرش .
ولو بذر الغاصب بذرا في الأرض وكان البذر والأرض مغصوبين من شخص واحد ، فللمالك تكليفه إخراج البذر منها وأرش النقص ، وإن رضي المالك ببقاء البذر في الأرض ، لم يكن للغاصب إخراجه ، كما لا يجوز للغاصب قلع تزويق الدار المغصوبة إن رضي المالك ببقائه ، ووافق الحنابلة والشافعية في مسألتي البناء والغرس على الأرض المغصوبة ، للحديث المتقدم : { ليس لعرق ظالم حق }
أما في حالة زرع الأرض فقالوا : يخير المالك بين إبقاء الزرع إلى الحصاد ، وأخذ أجر الأرض وأرش النقص من الغاصب ، وبين أخذ الزرع له ، ودفع النفقة للغاصب ، لقوله صلى الله عليه وسلم : { من زرع في أرض قوم بغير إذنهم ، فليس له من الزرع شيء ، وله نفقته } وقوله عليه السلام في حديث آخر : { خذوا زرعكم ، وردوا إليه نفقته } أي للغاصب .